الأحد، 4 ديسمبر 2016

سافري ...

سافري ..... فتلك الميناء التي ظننتها محطتك الأخيرة لم تكن سوى مرفأ من ضمن المرافيء...

سافري ..... فتلك المراكب التي أرخيت شراعها على ظلمة المحيط لم تجد مرساة

سافري ..... فذاك البيت الذي كان الوطن أغلق الأبواب دونك

سافري .... فتلك المزهرية عفا الزمن فوق ألوانها الزاهية، وتلك الطاولة البيضاء صارت رمادية، وتلك الكتب تبعثرت أوراقها، وتلك الحلل الجميلة لم يعد أوان للتزين بها، لم يعد هناك أي موسيقى للرقص بها ... سافري ... فلقد رحل الشبح الذي أحببته إلى أرض ضائعة لا رجعة منها .... سافري فإن تلك الأرض لا تلد سوى الأطياف ..... سافري فلم يعد لك أي سكن هنا ... سافري فلقد ضللت يد الوطن .... سافري ... ما الذي يبقيك هنا؟ لا شيء في الزهر يثير قلبك، ولا رائحة تجذبك، ولا لون يلمع في عينيك!
سافري .... الشمس التي تغيب في الشمال لا تشرق من جديد، الشمس التي تبخل بدفئها لا تعود وسط العتمة كي تحضنك، الشمس التي تمنع النور ماذا تعطي بعدها سوى الحريق؟
سافري ......  عندما يغيب القمر فكل شيء سواء، الظلمة ظلمة، لا فرق بين ظلمة الشرق وظلمة الغرب، ولا فرق بين البلاد في لون الظلام!
سافري ..... الغربة تأتينا في مضاجعنا عندما نفقد الأحبة، الغربة وحش مفترس أكلك أكثر من مرة، منذ عام يأكل في قلبك وبقاياك، ماذا بقى من قلبك كي يتركه الوحش هنا للوحش هناك؟ لا شيء سوى عظام نخرة!
سافري .... فالسماء صارت لا ترسل سوى الشهب، ولا شيء يغني فيها سوى صوت الرعود، أين العصافير التي كانت تزقزق؟ لا شيء يبقى بعد رحيل الورود، لا شيء يبقى هنا صدقيني ....
سافري ..... هل تجيدين الوداع؟ لا تجيدين الوداع يا صغيرتي، ولكنك ستعرفين طريق المطارات وستعرفين كيف تحملين الحقائب وحدك مثلما حملت الهموم، ويتعرفين كيف أن الدموع لا تذرف فقط فوق عتبات السفر، وستعرفين طرقا جديدة للوداع! ثم أي وداع تأملين؟ هل ثمة وداع بقي؟ هل ثمة وداع بعدما هاجر صوته للأبد؟ لماذا لم يلوح لي من بعيد حينما أراد الغياب؟ لماذا؟ لماذا لا نمتلك الفرصة كي نذوب بأحضان من يرحلون قبل الرحيل؟
سافري .... في السفر فوائد عدة، ستعرفين بالسفر الحقيقي أن لا وطن موجود ولا سكن يبقى، ستعرفين أن الموت يموت كثيرًا بين يدينا دون أن ندري، ستعرفين أن هناك شموس أخرى من ورق معلق في سماء من بعض القطن العفن الرمادي، لا ترسل نورا ولا دفئا ولا عذر لها في ذلك ...
سافري .... ماذا لديك هنا لتبقي غير رائحة الدماء ولزوجة الدموع والمخاط؟ ماذا لديك هنا غير هموم قلبك التي تنزف كل يوم ولا تمل من البكاء؟ ماذا هنا؟ غير كل الأطعمة التي تشتهيها وفقدت مذاقها ولذتها، غير ضحكات لا تعرفيها تخرج من صوتك، غير امرأة لا تشبهك في المرآة تشيخ كل يوم مائة مرة!!!
سافري .... ماذا يعجبك هنا لتحلمي؟ أي حلم تبحثين عنه وقد أضعت جوهرك الوحيد، كطفلة في مهب الريح وقفت تداعب بالونها فعصفت به الذواري! أي شيء نجده بين أيدينا إذا مر إعصار بها؟
سافري ... ما تبقى كي يسرب تلك الورائح الجميلة لقلبك، وتلك الألوان الحلوة، إن كنت لا ترين سوى الرمادي يقتل كل شيء! لا فراشات في الشتاء ولا ربيع في القفار صدقيني!
سافري .... وستدركين أن كل الخطابات التي كتبتيها في درج مكتبك ذهبت سدى، كل تلك الأمنيات برؤية عينيه يقرأ تلك الكلمات وتلمع قد ماتت منذ زمن .... عجيب أمرك حين يخذلك الموت مرارا وتكتحلين بتراب القبور!
سافري ..... ولا تكرري كل ليلة قبل النوم كلمات الوداع التي لن تقوليها، يا عزيزتي أفيقي لن تقوليها، لن يأتيك الحلم فارسا بين صالات المطار يحمل الأزهار ويطلب منك المجيء معه لإكمال الطريق الذي بدأ بكما كطفلين خادعا الزمان وضحكا ملء القلوب! ولا تكتبي المزيد من الخطابات التي اصفرت تنتظر القراءة واللقاء، تنتظر إطلاق سراحها في الروح، تنتظر أن تشم رائحته التي وعدتها بها ........
متى أخر مرة ضحكت؟ متى أخر مرة أثر الضحك بقلبك، متى كانت آخر مرة تمتليء عيونك من هذا البريق؟
سافري .... ماذا تبقى لنا إذا قسى الأب والأم والابن والرفيق والحبيب وخذلنا الهواء فاختنقنا! ماذا بقى لكي نبقى؟ إذا رحل من بثغره مفتاح الفؤاد وأزهار الربيع؟
سافري ..... ماذا تبقى إذا فقدنا أرواحنا؟ لا شيء يبقى إذا فقدنا أرواحنا، لا شيء يبقى إذا علمنا أنها أرواحنا وفارقت منا الروح والجسد، ماذا تبقى حتى لكي نعود!!!!

سافري ولا تعودي .... تلك البلاد تفوح منها رائحة الخراب والألم، تلك البلاد طالما خدعت قلوبنا بذاك الأمل، تلك البلاد لا تحب أي شيء جميل، سافري إلى بلاد الموت، قد كتبت وصيتك منذ زمن؟ ماذا تبقى كي تحزمي أمتعة السفر!

سافري .... فإذا بردت في بلاد الثلج فتدثري بتلك الخطابات الثلاث، أو احرقيهم وأشعلي النيران في البقية، أو انظري صوب قلبك ... يحترق قلبك كل يوم .... متى يفنى ذلك القلب الحزين؟

سافري .... سيقولون لك بلاد الغربة؟ أي غربة تلك التي قد تكون أقسى فتشعرك بأنك غريبة! ... يا عزيزتي أنت غريبة أصلا، كنت غريبة وعدت غريبة فما الغريب في الأمر؟ هل تشبهك تلك الضحكة؟ هل تعرفك تلك الكلمات؟ هل تلك الأفكار الباهتة تنتمي إليك؟ أين قلبك وسط كل هذا الضجيج؟ فقدته؟ مثلما كان مفقودا من قبل؟ لا بأس عليك، لا شيء أعتى من غربة القلب بين الأموات الأحياء.

سافري ..... فلا شيء أقسى من قلبه، ولا شيء أغرب من قلبك، ولا جرح أوغر مما فعل الزمان بكما!

السبت، 5 نوفمبر 2016

الألوان ..... والنور

إن محبتي للألوان لا أعلم من أين أتت أو بدأت، متى ضربت بجذورها في قلبي؟ لا أعرف!

منذ صغري لدي مشكلة كبرى مع الرسم!

خطي سيء للغاية، أتعجب جدا مع عشقي للكتابة أن خطي سيء! لعلي أحب الكتابة باللغة الإنجليزية أكثر في بعض الأحيان لأنها تحتمل موهبتي الضحلة في رسم الخط!

أما اللغة الملكة -العربية- لا ترضَ بالقليل! أحبها، وأحب رسم خطها، ولكني -ولا يد لي في ذلك- أوتيت جمال التعبير لا جمال الرسم!

وكانت ذات الحال مع الرسم، لم أكن أتحكم في القلم بشكل صحيح، لا أعرف كيف أرسم المطلوب مني ببساطة!

أجيد رسم الخلايا مثلا في العلوم والأحياء، أتعلم كيف أنسخها، أنقلها، أجرب مرة تلو مرة، أجيدها ببساطة!
لكني لا أنسخها من المرة الأولى يدي لا تساعدني!

أجيد الرسم الهندسي! سهل ومحدد الأهداف والداوفع ...

لكن أن أقوم برسم احتفال شم النسيم! أكاد أبكي أمام هذا الطلب!

ورغم ذلك، لم أتنصل من الألوان، لم أخاصمها ولم أتجاهلها، لم أهجرها يوما، كنت حريصة دائما على اقتناء علبة ألوان جديدة في بداية العام الدراسي، حريصة على استخدام الأقلام برفق والمحافظة عليها، حريصة على تجريب ألوان ودرجات جديدة، فأطلب من أبي علبة أكبر!

وكنت أنال من سخرية أخي، لماذا أطلب هذه الألوان إذا كنت لا أجيد الرسم ... مثله مثلا! فهو ما شاء الله موهوب بالفطرة!

لا أملك ردا حقيقيا غير أني أحب الألوان!

على الدوام كنت أرتدي تلك الألوان التي تخفيني!

تشعرني بالراحة لأني مختفية، الأسود الكحلي الغامق والرمادي الداكن، ألوان الشتاء تدفيء قلبي جدا!
إنها مثل القوقعة،لهذا أحبها.....

أنبهر بالألوان الجميلة، والرسومات المنمنمة، والنقوشات المبهرة، لكني أبدا لا أشتريها! لماذا؟ لا أعرف!

كإن شيء في تلك الألوان المبهجة يجعلني أتسمر في مكاني أتأملها، الجمال حر طليق، لماذا كنت أشعر أن النور في خزانة الملابس يقتلها؟ لا أعرف!

حتى اليوم، يعض الأصدقاء يتهمني أني أرتدي ألوانا ذات بهجة! أتعجب، ألواني هادئة وخجولة، أغبط تلك الألوان الزاهية الرائعة التي تخطف قلبي وعيني!
أذهب لمن يرتديها أثني عليها، لا أقصد أي شيء وراء الثناء سوى الإعجاب الخالص لرقي الألوان، أو لجرأتها، وغجرتيها التي لا يقدر عليها سوى أصحاب القلب الشجاع الواثق!

الألوان ..... تلك البهجة ...... وذات الخدعة!

الألوان هي عبارة عن تغير في الطول الموجي لطيف النور الأبيض الخالص من نور الشمس ^_^

الألوان أصلها نور .... والنور لا يفعل شيئا مثل بهجة القلوب .... نتساءل الآن لماذا القلب يعشق كل جميل تراه العين!

في كل مرة أرى فيها لوحة، أتمنى لو أملك ذات أصابع الفنان وعينه، أرسم ما يبهج هذا القلب الحزين!

لعلي أجد في الكتابة بهجتي لذات الأمر، أشتهي الكتب التي تحمل لونا وطعما وصوتا ورائحة! لهذا أذوب في كتابات نجيب محفوظ وأغرق فيها...

ولهذا تسرقني في كل مرة كتابات السيدة راء! تجذبني من قلبي إلى تلك التفاصيل المنمنمة الرقيقة والملونة في غرناطة، كرائحة بحر الطنطورة ويافا والإسكندرية!

كل الألوان تشرق من ذات النور ..... والنور يأتي من الظلام، من قلب العتمة، من هذا الفضاء البعيد، الذي يطل علينا بثوب فاحش في المساء مرصع بالنجوم، الفضاء أدرك حقيقة النور، وحقيقة الألوان، الظلام يدري كيف أن لكل شيء قلب، والنور هو قلب الأشياء!

لا أعرف حتى اليوم كيف أمسك الفرشاة، ولا كيف أضبط الألوان، ولكني أعرف أن الألوان تحبني جدا، وأني أحبها بجنون، وأنه في يوم ما سيحين بيننا اللقاء فيكون لقاء عاصف مجنون، لقاء الأحبة بعد طول اشتياق ولوعة، فيمتزجان، ويتوحدان، وينسجمان في موسيقى اللون، ويرقصان كالبجعات، ما بين سحر الدقة، وجنون الغجرية، لا شيء يبقى بلا أجنحة!

إلى هؤلاء الذين يحملون الفرشاة، لونوا قلوبنا ببعض الجمال....
وهؤلاء الذين وهبوا سحر القلم والبيان، عقولنا وقلوبنا تشتاق إلى الجمال والهدوء والصخب، يلونون بريشاتهم، وتلونون بكلماتكم
وإلى أولئك الذين يحملون خبايا النور في قلوبهم، انثروا علينا التراب النوراني، انثروا علينا بعض ثرات الحب فتزهر في قلوبنا ألوان الطيف وأزهار الورد، وقوس قزح!

قوس قزح؟ لا يفوتني في ذكر قوس قزح أن أكتب سطرا في حب السحاب the cotton candy
في أن السحاب يوما سيحملني، ونطل من فوقه على غابات العالم وأشجاره وأنهاره وألوانه، ونرسل من فوقه قبلة للعالم في صورة ....... قوس قزح!

السبت، 22 أكتوبر 2016

فراشات الخرابة!

ثم يجادل ويجادل ويجادل، يتخاذل ، يذبل في عينيها، يؤلمها السمع مثلما أصبح يؤلمها الكلام!

الصراخات لا تجدي ولا التعنيف ولا الدمعات الهاربة من مخدعها في حالة غفلة من جأشها الرابض على الجفنين.

تتحول سلال الأمل بداخلها إلى واحة خربة، تتكوم على حوافها المزابل!

تبصق إذ تسير بحزاءه، وتسب وتلعن هذا الأمل ألف مرة!

لكنها إذ تنوي الاستسلام، تذوب في أملها المغرق في الأحلام ولا تستسلم!

تنظر في عينيه بقوة، تقول له سوف تندم عليها أشد الندم، تسخر من لعبة القدر التي تجعله صديقا وخصما في آن واحد!

تضحك بمرارة على تكرار مأساتها بأبعاد أخر مع أشخاص أخر!

تقف موقف الفتاة، تصرخ وتدمع وتسعل وتناقش وتحنو وتبص وتلعن!

تحاور في شبحه المشحوب طيف حبيبها، يصرخ داخلها لكلماته المهترأة، تفزع، تخشى أن يكون حبيبها في الغيب يردد ذات الكلمات لنفسه ليرتاح ضميره وينام!

تعود إلى رشد قلبها وتقول، الحب لا ينام!

نفسها الشريرة المتربصة بأملها الوحيد تلوح في زهو: لو كان حبّـًا!

تلك السماوات المفتوحة للسحب، تلك الأمطار التي تثير بداخلها نشوة الطهر والبراءة والطفولة، تلك الشمس التي تقرر التخاذل في لسعات البرد، وذاك الصديق الذي يجادل ويلقي كلمات من مزابل الإنسانية على مسامعها، وذاك الحبيب الذي اختطف التنين والفراشات والورد والألوان وهرب!

لماذا ينهون بعنف موسم الفراشات الجميل؟ 

السبت، 15 أكتوبر 2016

ترقص ...

كانت هناك ..... تقف بعيدا لكن في المنتصف تماما .... ترقص ....بشغف ترقص بأمل بجنون .... ترقص بكل كيانها وجوارحها

كانت ترقص كأن كل الكون تلاشى من أمامها .... كأن الذي يغني هناك يستهدفها وحدها .... لا شيء هناك سوى الموسيقي .... كالبجعة ترقص .... كالغزالة .... كالفراشة ... ما بين الرقص والقفز والدوران ... حالة من اللاشعور والهيام لا تفصلها عن شيء ولا تنفصل بها إلا عن كل شيء ... سوى ضربات الدفوف!



هناك .... من قريب وعلى بعد يقف يرصدها .... تزعجه عيناها المغمضتان في بحر من العشق التام ..... حالات التوحد تلك لا تتولد بين ليلة وضحاها وليست وليدة لحظة أبدًا .... هي حالة تسترعي اهتمام من نوع خاص جدا!

مثل البعجة ترقص! هل قلت ذلك .... كان يراها مثل النعجة ....... كيف لنعجة صغيرة أن تخالف القطيع أو تسير معه دون اهتمام خاص به!!!!

تقدم لخطبتها منذ أسبوع ..... لم يكن يتوقع رؤيتها هناك حيث الأكتاف العارية ..... تتراقص وتميل مع الريح .... وحدها .... ويا للعجب وحدها كانت تمتلك تلك القدرة على التمايل برهف .....

الهواء هناك .... النسيم ..... الحب .... كإن ميلاد جديد للحب ينمو في أحشائها العذراء .....

التقت عيناهما ..... لكنها في عالمها ..... تدور وتنتشي .... مثل السكارى ..... هؤلاء المنعمون بعالم الغيب .... يطيرون مع الريح ويستقرون في السماء .... فردوسهم هنا على الأرض ... في قلوبهم ... دائما السكارى يحملون الفردوس في أضلعهم .... سكارى الخمر ... والأمل ... والحب ... وكل يسكر بقهوته الخاصة!

لم يغضب .... لم تر ملامح وجهه حين عاد مستديرا منكسا رأسه خائب الرجاء ... هل هذه التي أريد خطبتها والزواج منها؟ تجوب أرجاء السماء سكرانة بالرقص؟

لم يبد وجهه بعد ذلك غاضبا .... بل بدا حزينا ..... حزينا جدا .... كأنما طعنهم أحدهم في قلبه !!!

أما هي؟

هي لم تكن هناك بالأصل ..... هي كانت تكمل معزوفات السماء عن الحب والحرية ...... هي كانت بلا قيد تقف .... بلا خسارة ..... بلا هزيمة ...... بلا طوق يجوب رقبتها وسط رقاب النعاج .... تحررت من كل شيء ..... رغم أنها كانت قد وضعت كل حريتها وحياتها وقلبها ..... نظير الحب .... الحب وفقط! 

السبت، 24 سبتمبر 2016

إلى القاريء المستدام!

لقد تكلمنا يا عزيزي منذ زمن ... وأخبرتك أني لم أكتب منذ فترة طويلة، لاحظت أنت ذلك واستنكرته، وقلت لي لماذا؟

اكتبي ... أعطني طاقة الجمال المعهودة في كلماتك، أعطني بعض الأمل والسكون ....

أفتقد الألوان في كلامي يا عزيزي، يخرج بين الأبيض والأسود لا يتعداهما ...

أخبرتك وقتها أني أكتب، ولكني أضغط كلمة "حفظ" بدلا من "نشر" وأن المسودة بها أكتر من مقالة لم أجرؤ على نشرها بعد!

تسأل باستنكار لماذا؟

أخبرك أن تحمل الوخز في قلبي أهون من دبيب ألم في قلب روحي المعلقة هناك بمكان آخر!

تخبرني أنه ليس علي الاعتكاف في محراب الحزن وحدي! أنه على الآخرين تحمل تبعات أفعالهم، تحمل بعض التعب...تلك هي الحياة!

أخبرتك وقتها وقلت لك ... هل تعلم ذاك الشعور الأمِّي الذي يجعل نشيج الطفل يحفر في قلب الأم، ويجعل سعاله يجرح في صدرها وحنجرتها، ويجعل مغصه يلوي أمعاءها، ويجعل دمعاته تشق أخاديد وجنتها، ويجعل جوعه يقطع معدتها...

هل تعرف هذا الشعور؟ يؤلم قلبها على القرب والبعد على حد سواء؟ لا أحتمل فوق ألمي وجع قلوبهم، لا أحتمل فوق ذاك المغص الذي صار رفيقاً صالحاً أن تشيكهم شوكة، ألا تمر الرياح سَكِيْنة بجانب خدودهم، إن قست الرياح عليهم تخدش وجهي أنا، ويصير تشوه الدمعات في عيني أنا!

قلت لي ... لم تحملين نفسك كل هذا الألم؟

أخبرتك أني ... لا أحمل نفسي شيئاً، لكنه يا صديقي .... هذا التلازم الذي لا نسميه حباً، ولا نسميه شيئاً، لا نسميه كي لا نحصره ونحسره، لا نسميه لأننا حقا لا نعرف ما نسميه!

الحياة تمر ... صدقيني ... تحركي!

أعرف أنها تمر ... ومن قال أني لا أتحرك ... أنا أحملهم في قلبي وأمشي..... أتوق لهم ... وأهرب منهم ... من قال أني لا أتحرك؟ إنني أجري يا سيدي طوال الوقت، لكني لا أجد شيئاً ... أشرع ذراعاي طوال الوقت ... لكني لا أحضن سوى الهواء .... أمد يدي وقلبي وصوتي وفكري .... لكن لا يصلني حتى دبيب الصدى!

من قال أني لا أتحرك؟ أنا أمشي، أجري، لكني لم أعد أتقافز مثل الفراشات! هذا يا سيدي كل شيء!

الحياة تسير بدونهم .... حتما غدا سـ.....

نعم تسير ... تسير وحدها ... وتدعني وشأني ... وغدا؟ ... لم أعش للغد ... أتمنى ألا أعش أحياناً .... وأحياناً أخرى أتمنى من الغد فقط ذاك اللقاء!

سارة ... الحياة أبسط وأعقد، لكنها يجب أن تمر، وأنت يجب أن تعودي للكتابة وللحياة....لا تتوقفي من أجل أحد!

ثانية؟ من قال أني أقف يا سيدي ... أنا أسير ... أجري ... لكن قلبي هو الذي توقف ... وعدته تلك المرة أني لن أجبره على التنحي أو الموت أو السير بعكس الاتجاه....سأدعه يقف .. أو يموت!

ولا أذكر يا سيدي باقي الحديث!

لا أذكر أين انتهينا يومها .... لا أذكر سوى أن كلانا يرد على ظاهر الكلام ولا يعرف جدا بواطنه ... لا أذكر سوى أنك سلكت طريق النصح، وأني آثرت إبهام الكلام ... لا أذكر سوى أني أخبرك أني أريد أن أنشر ما أكتبه! لأني غير راضية عني وغير ساخطة ... لكن ما ذنب العالم في مأساتي؟ ما ذنبك أنت في عدم القراءة؟ وما نفع أني أحب الكتابة إن لم ألون بساتين البشر؟

سأكون ساقطة يا سيدي إن بعت الوهم لهؤلاء المتعبين!

سأكون ساقطة إن أخبرتهم أن النور هناك وأنا قابعة في غرفة مظلمة تفوح منها الذكريات الهزيلة من شدة الحزن تحارب كي تجد بصيص النور فترشف منه رشفة أمل أو تسرق منه قبلة حياة!

سأكون ساقطة إن لونت أوراقي أمامهم، والظلمة تطغى على الأشياء!

من أين أوزع تفاح الأمل وسلال الحب والنور عندي فارغة؟! سلال النور لدى صاحب الزهر وسيد الورد وتنين الفراشات!

أكتب الليلة لك ... يا قارئي المستدام ... أعتذر لك بشدة عن خيبة أملك في قلمي ... وخيبة قلمك في أملي!

أعتذر لك عن كل تلك المسودات الممنوعة من النشر، وكل تلك الأفكار التي تستعصي على القلم، وكل هذا الحزن الذي لم يستحيي بعد مني، وكل هذا الأمل المهاجر بلا كلمة وداع أو عناق يعد بلقاء جديد!

سامحني ..،

السبت، 6 أغسطس 2016

بيضاء ٥ ...... الحلم!

غفت وهي تجلس على الأريكة، كانت تدير أسطوانة للموسيقار الإيطالي الذي تحبه، الجو بارد تلك الليلة غلبها بالنعاس...

يدور المفتاح في الباب، يقلق نومها الخفيف، تفتح عيونها على شبحه يعبر الردهة إلى أريكتها في قبالة الشرفة، تدور برأسها كي تملأ عينها منه وهو يدور لإلقاء التحية!

تبتسم ... كالصغار تبتسم .... كالملائكة ... كالورد ....

تضمه لا تعرف أي ضمة تمنحه إياها، ضمة أم لوليدها، أم ضمة طفلة لأبيها العائد من العمل أخيراً، هل ضمة محبوبة؟

لكنها ضمة تشي بشيء بريء جداً يلتمع في عيونها، شيء لا يظهر سوى أمام عينيه، لا يظهر سوى مع رائحة عطره وعرقه على حد سواء، لا يظهر إلى عندما تشعر بأمانها وسكونها بين يديه ....

يجلس بجوارها، وبخفة يعتدل في قفزة لينام بجوارها على الأريكة متخذاً من فخذها وسادة ومن حجرها مضجعاً.... تمسح رأسه كما تفعل دوماً، تقبل يده الكبيرة، وتداعب شعره،

كيف يومك؟
يبتسم ويهز رأسه ....

تفهم أنه متعب جدا، تستأذن أن تحضر له العشاء، يوافق ويرفع رأسه بما يسمح لها بالحراك...

تقف في المطبخ، تبدأ في التسخين والقلي وإخراج الأشياء من المبرد، تزين أطباقها بقبلات عينيها، بعناية تضع الأشياء في مكانها، تبتسم طوال الوقت، كأنما تخبر الطعام أن يكون حنونا معه، كما أن عيونها تحمله من الأرض إلى أعماق قلبها.

كأم متفانية، تصنع له الطعام بحب، طالما أحب طعامها على بساطته أو تعقيده، كان يقول لها أنها ليست ماهرة جدا في الطبخ، لكن شيئا ما يجعل طعامها مميزاً جداً في مذاقه، رغم عدم حرفيته!
كانت تبتسم له وتقول .... الحب .... أضع في طعامي كل الحب والشوق إليك! هكذا أطبخ لك!

تبتسم مرة أخرى، تذكرت كيف قفز في حركة بهلوانية، تجعلها في كل مرة تضحك وتنعته بالطفل الشقي، الليلة لم تفعل، ابتسمت وفتحت ذراعيها لاستقبال رأسه المتعب، ابتسمت ومررت أصابعها على جبهتها كأنما تتأكد من ثبوت قبلته مكانها كالتاج من رأسها!

أخرجت الأطباق بهدوء وحرص إلى الطاولة،
كاد يغفو مكانه، طبعت محبتها على جبهته، وأخبرته أن الطعام جاهز!

يستند على كتفها ويمشي، يدعي التثاقل في الحركة كي يستند أكثر عليها، يثقل كتفها ويوجعها، تميل قليلاً وتخبره، يضحك ويحملها فجأة، لا تضربه على كتفيه مثل كل مرة يفعل كذا!

تضع رأسها على رأسه وتضحك!

يجلسها قبل أن يشرع في الجلوس، كالأميرات، كالملكات، كصاحبات التيجان والمقام الرفيع، يسحب الكرسي لها وينحني،

مولاتي !

تتظاهر بأنها ترفع فستاناً وهمياً وتجلس، لا تستطيع أن تكتم الضحكة، تعجبها هذه اللعبة عندما يروق باله لمداعبتها!
يجلس، ويبدو عليه التعب واضحاً الآن، يخبرها أنه يحتاج أن ينام دهراً بعد شقاء اليوم، يتبادلان الحديث عن عمله وصفقاته،
حينما يمد يده إليها في حركة تشير إلى طلب يدها ليقبلها-هكذا يفعل كلما ذاق الطعام وأعجبه- بلا قصد يقع كأس الماء على الأرض ........

ترتجف، تفزع، تفتح عينيها فجأة، تضطرب، السقف الأبيض غير المريح هذا؟
امرأة تجلس على أريكة مجاورة، أشياء تخترق جسدها، أنابيب تمرّ هنا وهناك!

ماذا يحدث؟

صداع شديد، وشروق يلوح من خلف الستائر اللبنية!
ووجه هناك تعرفه، لكنها لا تذكره! من هذا المتنمر عند نافذة الباب ينظر لها؟

تشهق، كأنما تذكرت شيئاً

تفزع

ترتعب

تنكمش في سريرها مرة أخرى

تنتحب بهدوء، وتتظاهر بالنوم من جديد!

الثلاثاء، 26 يوليو 2016

عزيزتي القرحة .... أما بعد!

عزيزتي القرحة .... صباح الخير

أعتقد وصل لحضرتك أخبار حالتي النفسية اللي مش حلوة خالص يعني

وأعتقد كمان حضرتك ملمة بهذه الظروف المريرة التي تمر بها البلاد في داخلي!

وأعتقد إنه لا يخفى عليكي في هذا الوقت من الظروف بكون محتاجة أشرب قهوة أكتر وأكل شيكولاتة أكتر!

الحقيقة أنا بحاول أراعي مشاعرك على أد ما أقدر يعني، اليوم اللي بشرب فيه قهوة مش باكل فيه شيكولاتة أو مش باكل فيه من برة، أو مش باكل حاجة مقلية أو فيها حوامض!

أعتقد كمان إنه عشان خاطرك استغنيت عن إكسير الحياة في حياتي الشتوية، عصير البرتقال الفريش اللي بعشقه، وعصرت على دماغي تفاحة عشان الليمون بيتعبك، وباكل تفاح زي الحمار في النجيلة عشان أعجب!

كمان بقالي يومين أهو ملتزمة وباخد حباية المعدة، صحيح اليومين اللي فاتو كنت بنسى بس متنكريش إنك أولوية بردو مش استهتار بشأنك لا سمح الله، والدليل أدامك أهو نسيت أخد البخاخة خالص امبارح لما صحيت النهاردة شوكماني بايظ!

فياريت نراعي بعضينا بقى وتعرفي إني النهاردة فعلا محتاجة مج النسكافيه عشان أفرغ بيه بعض مكنوناتي وأتصبر بيه على الحياة البائسة اللي احنا مشاركين بعض فيها دي :)

صحيح جنون الرائحة الغجرية للقهوة فقد سحره عليا!

صحيح جنون الرائحة الناعمة للكيك مبقاش بيجيبني على وشي عشان أكل كب كيك ، بس إنت أكيد عارفة هم ليه فقدوا سحرهم!

حقيقي يا معدتي بيكون نفسي نتشارك فنجان القهوة الصبح مع حد يحسسني أنا وانت بسحر وجنون القهوة :)

أو نتشارك أنا وانتي الكيك مع حد بنحب نتفرج عليه وهو بياكله!

معلش .... مش دايما الحياة بتمشي زي ما نفسنا لازم نلاقي مطبات كده، عشان نعرف قيمة الأخضر اللي كان قبلها، ويمكن الأخضر اللي بعدها كمان، ماهو مفيش إشارة عالمطبات يعني مش هنفضل في مطبات طول حياتنا!

وعليه يا معدتي العزيزة إنتي وجرثوماتك وقرحك وكل الحاجات دي، وبالمرة ياريت تنادي السيد القولون وتقوليله يسمحلي معاكي النهاردة بفنجان القهوة دي!

على أن أعدكم وعد شرف إني هفضل أمدكم وأعزز موقفكم بمزيد من الزبادي واللبن الرايب والتفاح والحاجات دي!

وإني أستمر على تظبيط مزاجكم بعد الوجيات الدسمة بمج شاي أخضر!

وإنتو عارفين كويس إني جدعة وبلبعت شاي أخضر ورايب ورا بعض عشان أرضيكم!

والسلام ختام!

الخميس، 19 مايو 2016

في الحزن دواخلنا!

في الحزن نكتشف أنفسنا، لأننا نقف أمامها وفقط، بلا ملابس أو تبرُّج، بلا أصدقاء أو صحبة أو سند، بلا صخب .....

ننفرد بها وبتلك المكنونات الخفية التي تطفو على سطح الهشاشة النفسية ....

لأكتشف هذه المرة أني لست قادرة على خبز أي شيء!

نعم!
كيف وصل الحزن بي إلى تلك الدرجة؟

عندما كنت أحزن، كنت أنفجر في البكاء لأيام، أعاني القولون خلالها ولأيام أخرى بعدها، أعاني الأرق، البكاء في منتصف الليل، أو في الصباح الباكر جداً!!

عندما كنت أدفع لنفسي جرعات إفاقة ... كنت آكل لوحا كاملاً من الشيكولاتة الناعمة، كوباً ساخنا من القهوة أغرق فيه

أصبحت أترك قهوتي حتى تبرد ... أنساها ... أنساها فعلاً  ..- -... أفاجأ أنها هنا وأني نسيتها والتهيت عنها... بم التهيت؟

هل أسكرني الحزن إلى تلك الدرجة؟

أحياناً أشعر أنه ربما أماتني!

أنا التي لا تحتسي القهوة بل تغرق فيها، أحتضن الكوب بكلتا كفيّ كأني أحضنها، وتحضنني، وأذوب في لذتها كقطعة سكر، أذوب في قهوتي وأنسى كل شيء، عندما أريد أن أنسى أي شيء لبرهة، عندما أريد أن أسترجع نفسي، أن أشعر بأنا التي دهست في زحام العمل أو المشكلات، أهرع إلى فنجاني، أضنع قهوتي مع بعض الحليب، أتأنى في صناعتها إن كنت في المنزل، وأتمتع بانتظار الماء أن يسخن إن كنت في العمل، أشاهدها كطفلتي، وأكلمها كصديقتي، وأحتسيها على مهل لا على عجل!

مهما داهمني الوقت، أضعها بجانب الحاسوب، أعمل ولا ألتهي عن محادثتها، أحتسيها بحب ... حب بالغ ... حب جارف، وأشتاقها نظراً لأني لا يجب أن أشربها بانتظام مثلما كنت لأن معدتي أصرت أن تشارك القولون بعض الأسى فأصابتها القرح جراء عصبيتي وجنوني،
يزكي القهوة دوماً مكعبا من الشيكولاتة، ناعم ومخملي، أو ناعم وسكريّ، أو ناعم وغامق ومرّ، تحب القهوة الشيكولاتة، ولا تغار منها أبداً، لأنها كالنساء الواثقات بحسنهن ومكرهن تعرف قلبي!

لوح من الشيكولاتة قادر على تغيير وضعيتي، ومزاجي، قادر على تسليتي لساعات على الأقل إن لم يكن ليوم كامل...
ألتهم الشيكولاتة ولا شيء يحدث، ألتهمها وأبكي، ألتهمها ويشتعل قولوني، ألتهمها وينفطر قلبي!

ما عدت أدخل مطبخي!

عندما يهزمني الحزن، كنت أدخل المطبخ، أقف على بابه وأصيح بداخلي، هيا نصنع بعض البهجة!

طبق من السلاطة الملونة...
صينية من المعكرونة والجبن!
طبخة شهيةمن أشياء أُأَلفها مع بعضها فتصبح طبقاً شهياً ينال إعجابهم، أفتخر بنفسي، أبتسم لهم، أبتهج في قلبي، أتباهي بأطباقي، أشعر بأني أعود من جديد إلى نفسي !

قادرة تلك المرأة على الوقوف من جديد إن أجادت صنع طبخة!

عندما يقتلني الحزن

أقرر أن أخبز شيئاً

العجين شيء محبب، لأنه يعلمني الصبر، لأنه يمنحني الهدوء، لأنه يجعلني حريصة ورفيقة جداً، العجين كالطفل الرضيع، يجب أن ألاطفه، وأحمله دوما بحرص، لهذا أحب العجين!

الكعك أيضا( الكيك) شيء دقيق، أقل الشيء يفسده، وأنا؟ لكم أحب معاملة هؤلاء الأطفال!

رائحة الخبز في الفرن شيء مريح، دافيء كالحضن، كالبيت، كرائحة الطفل الصغير، كرائحة الحليب مع بودرة التلك، كأولى نسمات الصيف، وأولى زخات الشتاء، شيء نقيّ، كتفتح أولى زهرات الربيع، أنتظره كالأم أو الأب في ساعات المخاض، وأبتهج به لأيام قادمة!

كلما اشتد علي الحزن ولم يفلح الطبخ، أقول لنفسي سأخبز شيئاً

لكن يفاجئني لوح شيكولاتة بقدرته على تخطي الأمر، ويفاجئني فنجان القهوة بصموده، ويفاجئني طبق السلاطة بعنفوان ألوانه، وتفاجئني الأشياء القدرية البسيطة، فألتهي .... مثل الطفلة ألتهي... وأنسى الخبز، وأنسى الحزن!

لكن؟

ماذا حدث تلك المرة!

أنام حتى كأني لن أصحو مرة أخرى!
وأسهر كأني لن أنام....
أترك الأكل كأن صيام الدهر فرض
وأزدرد طعامي كأني لا أمضغه التهاما!!
وأكل لوحا كبيرا من الشيكولاتة في دقائق لا يمنعني سوى السكر فأشرب بعض الماء وأكمل ولا أشعر بشيء!

لا يخطر المطبخ على خاطري، لا أشتري الأشياء ولا أحضرها، لا أخبز، لا سلاطة، لا معكرونة، لا شوربة، لا شيء! لا شيء أبداً!!!!

بعصوبة قلمت أظفاري، بصعوبة تذكرت أنه على تقليم أظفاري حينما عجالها التكسر!


أكتشف نفسي من جديد هنا، أكتشف أني لم أكن أحزن من قبل، إن الحزن الذي لا يغير دواخلنا لا يعوّل عليه(*د هبة رؤف)

وهذا الحزن يا عزيزي قطعة السكر، يهدم كل دواخلي، ويطفيء التماعة عيني، ويحيل على بسمتي الأتربة، فلا أراني أنا التي كانت أنا، ولا أرى قلبي الذي كان قلب!

السبت، 14 مايو 2016

كوابيسي والكتابة!

أعرف أني أستغل كل شيء لصالح الكتابة، الحزن والمرض والفشل العاطفي وإخفاقاتي الكثيرة في الصداقة.
أعترف أني أستغل نفسي، أستغل ضعفي ومخاوفي وهلاوسي واكتئاباتي في الكتابة ولصالح الكتابة، أستغل كلمات وفية ورقية سمعتها من شخص محب، وأستغل دناءة آخر معي!
أستغل تلك المواقف العابرة في الطريق، أستغل حديثي الشخصي مع نفسي، أستغل سكوتي وأستغل صخبي لصالح القلم!
أحياناً أدرك أني أحب الكتابة أكثر مما أحب نفسي، أدرك أن تلك التجربة البشرية علينا إعلانها وإظهارها والحديث عنها، أدرك أنه من المهم جداً تدوين الخوف والألم والحزن العميق الذي يدب دبيباً في أعماق القلب!
من المهم تدوين ذاك الصراع الذي يدور في دواخلنا، ذاك الألم الذي ينهشنا، وذاك الخوف الذي يفترسنا، مثلما نكتب عن الحب الدافيء والفرح الملوّن، والأصدقاء المحبون المخلصون الذين يعبرون كنسمات الصيف الندية في الحرور!


اليوم، كنت مضطرة لأصحبه أو بمعنى أدق ليصحبني في الطريق، أخبرته أنه يكفي أن يعبر بي تلك الفيلات المتناثرة هناك وصولا إلى الطريق ومن ثم سوف أستقل أي مواصلة إلى بيتي الذي يبعد ثماني دقائق عجاف فقط!
هزّ رأسه وأكمل سأوصلك!
أرجوه بشيء من الخجل والترقب والاعتداد بالذات، وأشكره جدا على هذا الجميل الذي لا يكاد ينسى!
يتجاهل بأدب.
فجأة يسألني ..... ما اسمك؟
سارة!
صمتَ
تفاجئت! لم يعلق على اسمي لم يقل أهلا ... لا شيء ... صمت!!!

أقول برعب، هل هذا الطريق آمن بما يكفي؟
لا يرد!
أريد أن أصرخ به، أن أخبره كل تلك الهواجس التي تدور في رأسي، أريد أن أخبره أنه أصبح لدي أكثر من فوبيا الآن!! أني لم أعد تلك الفتاة التي تحب المغامرة والاستكشاف والتي تتحدث في رأسها طوال الوقت مع الأشرار وتخبرهم بأنه لماذا لا يمتنعون عن الشر؟ ولماذا لا يصحبونها في رحلة شريرة، وسوف تعد وتقسم أشد القسم( وتشاور على قلبها) أنها لن تفشي لهم سرّاً أبدا، بل سوف تحفظ لهم أسرار المهنة في الحفظ والصون!
أخبره بأن كوابيسي تلك الأيام كثيرة، وهو أمر قاتل لأمثالي، هؤلاء المجانين الذين يؤمنون بالحدس والرؤى والعلامات والإشارات، ولا مانع لديهم من قراءة حظك اليوم والتفاؤل والتشاؤم غير أني الذي يمنعني عن الدجل هو حديث النبي عن عدم قبول الصلاة لأربعين يوماً، أبتهج لرؤية تلك السيدة التي تقرأ الكف وتوشوش الودع، أريد أن أجلس مرة إلى ودعها وتخبرني أني سوف أتزوج ذاك الشخص الذي أحب، وأنه سوف يكون مثل الأمير تشارلز مع سندريللا، أو أنه سوف يكون طيباً جداً جداً  مثل هذا الفارس النبيل الذي لا أذكر اسمه مع الجميلة التي أحبها، أو أنه سوف يبني لي ذاك البيت التي تخيلته ويخصص لي حجرة للكتابة -لا للرسم كما فعل مع حبيبته- تطل على البحيرة فأشاهد رقصات البجعات وأكتب وأكتب عن تغيرات الربيع والخريف على تلك البحيرة! مثلما فعل نوح في ( the notebook )
أو يكتشف فجأة أنه يحبني بعدما غادر الحفل، وتسكع في الطرقات يحاول فهم سر انجذابه لي وانجذابي له، سوف يقبلني قبلة طويلة وينام على كتفي وفي الصباح سوف نقول في نفس الوقت لقد كان من الخطأ أن نفعل ما فعلنا بالأمس، سوف نتظاهر لمدة طويلة أنا أصدقاء، سوف لن نرتاح مع هؤلاء الذين نقحم أنفسنا معهم في علاقات مستنزفة مملة ورتيبة وغاية السخف، سوف لن نبتسم سوى ونحن نراقب بعضنا من بعيد، سوف نحمل ثقل القلب، حتى يدرك الغبي أنه يحبني، ويلقي هذا الساندويتش الشهي من يده ويعود راكضاً إلي ليجتذبني من الحفل ويضع أخيراً تلك النقط المتناثرة فوق الحروف البائسة الحزينة لتضيء من جديد كما فعل هاري مع سالي ( when Harry met Sally )
لكن العرافة سوف تتجاوز وجع القلب، وسوف تجعل أميري هنا وفقط، بلا تلك الترهات التي صادفت البشر وأوجعت قلبهم!
أتعرف لماذا؟ لأني لن أتجمل أمام من أحب، سوف أخبره أني أحبه، وسوف أخبره أني لا أعرف حلاً لذلك، وسوف أخبره أني لا أريد شيئا وراء ذاك الحب سوف دفئه الذي يملأ قلبي ويجعلني أبتسم وأنام قريرة العين بلا كوابيس ليلي!

لكني لم أجلس إلى العرافة، ولم أجد الأمير واقفا تحت الشجرة بعد شجارنا، ولم يعزف لي مقطوعة جميلة من أنغام ريو التي أحبها، ولم يفاجئني في اليوم التالي في العمل يحمل باقة ورد، ولم يترك كل شيء ويركض إليّ مثلما فعل هاري، ولم يكن كالفرسان الذين لا يرحلون بعيداً عن ساحات الحب والحرب .... ولم أجد شيئاً غير كل الحزن في كل تلك القصص جميعاً!

ذلك القلب المفطور .....

أقحمه فجأة داخل رأسي وأحدثه، أتخوف منه، وجهه البريء جداً وعيناه الناعستان يثيران غضبي وحنقي وتخوفاتي كلها، هل سوف يستدير و.... ماذا سوف يفعل؟
القطط السوداء؟ هل تلك هي النهاية المشئومة؟
هل لهذا الشخص الغريب الذي أتبعه في الليل إلى طريق يوصلني لبيت علاقة بكوابيسي؟ لماذا يبدو أكثر طيبة مما ينبغي أن يكون عليه شخص في هذا البلد؟ لا أعرف! وهذا يثير جنوني وحنقي وخوفي وسخطي واستغرابي في آن واحد!
اللعنة!
هل يسمع صوت أفكاري؟

شكراً هنا جيد جداً، سوف أصل لبيتي بأقل من خمس دقائق، لا بأس ، لا داعي لمرافقتك!

هل قلت لك في داخل رأسي أني أخاف من الرفقة أكثر من الوحدة؟ الوحدة جميلة وهادئة ومريحة ولا تجعلني أضع التوقعات والأسئلة الكثيرة، ولا تجعلني أضعك في خانة التساؤل حتى نهاية الطريق أو الصداقة أو العلاقة، ولا تجعلني أبتسم لك رغماً عني، أو أبتسم لك بصفاء لم يعد يوجد، أو أتصنع تلك البسمة الحمقاء!

أوقف السائق...... ركبت ....  لوحت له مودعة ..... استدار وجلس بجواري من الناحية الآخرى .... سوف أرافقك الطريق!

يا إلهي .... هل تمازحني أيها الشاب بملامح فتى صغير؟ هل تمازحني؟ هل سوف تبقيني وسط أسئلتي لخمس دقائق أخر؟ يا إلهي ....

هل أدفع الأجرة؟ أدعه يدفع؟ ماذا لو أحرجني؟ ماذا لو ليس معه ما يكفي؟ ماذا لو دفعت الأجرة فصار موقفا محرجاً له؟ أنا عنيدة وإن فعلت لن أتراجع سوف أعطيه ظهري وأصعد الدرج في أمان شاكرة المولى أني وصلت آمنة لبيتي وليحترق العالم!
ولكن .... لقد كان شهماً معي ـ أو هكذا يبدو ـ فهل أجازيه أن أصغر حجمه أمام السائق؟ ثم ... هذا الفتى حساس جدا، سمعت عنه من صديقتي .... قالت أنه حساس جدا وذكي جداً أيضاً، من الصعب جرح إنسان حساس على وجه الخصوص!
قد يعتبر دفعي للأجرة إهانة له! ماذا لو لم يكن معه ما يكفي؟ هل سوف يتظاهر بأنه لديه المال؟ هل سوف يتظاهر ثم عندما يصل إلى بيته مع نفس السائق يصعد للأعلى ويحصل على مال وبقشيش؟ لا أعرف! ماذا أفعل؟ يا إلهي .... هذا الكائنُ الكائنَ بجواري يثير أكثر مما يجب من التساؤلات برأسي ... يسبب لي الصداع منذ ألقى التحية علىّ !

وصلت .... لم أدفع الأجرة ... شكرته جداً لذوقه .... نزلت .... متباطئة أم سريعة راكضة كنت أمشي لا أعرف ... لكني لما لم أسمع صوت المحرك يدور استدرت فجأة .... كان يطلّ ناحيتي .... ارتبكت! لوّح لي مودعاً ... لوحت في شيء من تلعثم!!!

ثم صعدت الدرج بسرعة جداً ...... سرعة الهروب من شخص جديد! ... وجه جديد ... نبرة صوت جديدة ... يا إلهي !

أتجنب التأمل في وجوه العابرين وقد كانت هوايتي قراءة وجوههم ... لم أعد قادرة على إضافة وجه آخر إلى كوابيسي!
الكوابيس تؤلمني وتنهش في روحي!

أبتهل ... أصلي ... أسهر ... أتعب في العمل .... أنام كالقتيل .... ثم تأتيني الكوابيس المريرة لتقتلني كل ليلة من جديد!

لا أريد أي خيالات لعقلي ... لا أماكن جديدة ولا شخوص .... لا أحاديث قد تضيف فكرةً أو تأخذ أخرى .... لا شيء ... أهرب من كل شيء ..... من نفسي .... من الكتب ..... ومن الكتابة ... أحاول تجميد عقلي عند الفكرة أو اللافكرة ... ولكني رغم كل ذلك لا أستطيع !

ليقفز ذاك الغريب الليلة إلى خيالاتي المريضة .... المريضة جداً ...... 

الاثنين، 2 مايو 2016

قد قلنا أن الحزن لا يقتل !

أعرف هذا جيداً، للأسف أعرفه، وقد تساءلت سابقاً فيما مضى " لماذا لا يقتلنا الحزن؟"

لا أعرف من أين اكتسبت تلك الروح؟ لعلها من صغاري في المدرسة .... روح الأم!

التي تقف على قدمين داميتين وهي تحمل على شفاهها قدرة قاتلة على التبسم والمداعبة واللعب مع الصغار، لأنه ليس لهم يد ولا جريرة فيما يحدث!

أحياناً، كان يغلبني الحزن في فصلي، يحاول هؤلاء الشابُّون بأعناقهم نحو المراهقة أن يعرفوا، يخمنون أشياء كثيرة، أحياناً يربت أكبرهم على كتفي ويقول في صبر الرجال تجلدي معلمتي، لا تحزني، أما الصغير فينظر إلي بعين حمراء ويقول أرجوك لا تعبسي هذا ما خطبك؟ أخبريني ما خطبك؟

إن تلك العين التي لم تعد تبتسم وقد كان زادها الفرح، ماتت !

المؤلم في الأمر أنه مثقل لكواهلنا أكثر مما نحتمل؟ أو لعلنا نحتمل

ذاك المساء والصباح الذي يليه، تلك الأيام التي تبدأ وتنتهي ولا أعرف متى بدأت ومتى انتهت

أجد نفسي ملقاة على أريكة أو سرير ولربما على الأرض، سقطت من التعب في إغفاءة أشبه بالموت.

تلك الصباحات التي أترك فيها فنجان قهوتي يبرد ولا أبالي به!

ماذا حدث؟

كل هذا الحزن أصبح لا يمحوه فنجان قهوة ولا قطعة شيكولاتة!

تلك المخملية الحمراء لم تعد تدهشني

البيتزا التي أسقط أمامها لم تعد تثير لعابي مثلما كانت.

لماذا لا يقتلنا الحزن ؟ لا أعرف

هل سأحزن أكثر؟ هل ستأتيني مفاتيح الفرج من حيث لا أحتسب؟ هل سأهجر كل شيء فجأة وأهرب؟

إلى أين؟ لا أعرف ... حقا لا أعرف لكني أريد الهرب ........

حزنك يقتلني

وحزني؟ هل مازال يقتلك؟

ما الذي يريحنا من سطوة العبث؟

يا الله!

الأحد، 24 أبريل 2016

والموت واحد!

ماذا يضير الشاة  بعد ذبحها؟ سلخها هل يضيرها؟

ماذا قد يضير المرء إن انكسرت آخر قطع الروح التي تبقت لديه؟

لا شيء يعدو في رأسي مثل الهرب ... الخروج من هنا ... من هذا الوكر العفن ...

قلبك يوجعني ، وحدتك وأنا هنا على بعد خطوات منك توجعني، وحدتي وأنت هناك على بعد كلمات مني توجعني!

ولا أعرف ماذا نريد وما الذي قد يريح كلينا،  لكن ما أعرفه حقاً أنا نموت ببطء إذ نشاهد أوجاعنا تنزف ولا نقدر على الحديث

إذ يحتاج كل منا أن يلقي بنفسه في حضن الآخر ولكن .... لا نلقي أنفسنا حتى في حضن الكلمات فأسمع صوتك وأرتاح من صخب الوقت!

الأمر الذي لا نفهم كيف نشرحه هو أننا صديقين قبل كل شيء!

تبا للحب الذي يفسد علي صداقاتي!!!!!

وأنت لست صديقي وفقط، أنت تعرف ماذا أنت ومن أنت وكيف أنت!

كنت أظن أنه علي التخلي عن كل شيء، كنت أعرف جيداً روحك التي تغمرني بالنور، فيوضات الحب من عينيك تشبعني من الدنيا فلا يبق هناك فرق بين الحياة والموت ، أزهد فجأة في كل شيء بحضرة دفئك .....

وأنت .... ليتني رأيتك حبيباً لأول مرة ، كنت سأعرف كيف أتخلص منك! فقط أوصال الصداقة هي التي تعطل الأمر إن اختلطت به، ولكن، صورة الحبيب التي يحصرون أنفسهم بها تسهل كل شيء، فأتخلص وأستطيع التخلص والتخلي والمرور بلا التفات!

لكن .... الأمر هنا يشبه الموت حقاً

لماذا تنتزع روحي انتزاعاً !!! كنت أعرف أني أحبك ليس مثل شيء، ومثل كل شيء،

تلك الأطعمة التي كنت تعرف أني أهواها، أنا صرت أزهدها بشدة، طعمها في فمي تغير،

المخملية الحمراء هل تذكر؟ مفضلتي دوماُ، منذ قرابة الخمسة أشهر لم أطعمها، كان هناك بعض الكعك منها على الطاولة، مررت بجانبه وكأن شيئا حقيراً متوسطا إياها بلا قيمة!

لم يعد لي تلك الشهية، أتأمل حالي! لماذا؟ لا أعرف غير أن الطعام أكثر الأشياء إسعاداً لي فقط لذته، لعله فقد نكهته الخاصة التي كانت تضفيه  تعبيرات وجهك أثناء المضغ!

لا عليك!

أتعرف كم أريد الحديث؟ كم أعرف من عمق قلبك أنك تريده!

كنت أعرف مدى قسوتك، لماذا دوماً أغامر وأقامر بالحصان البطيء؟ والأكثر وفاءً؟

أعرفه أنه سيأتيني بنهاية السباق ولكن بعد الوقت

لا أعرف كيف يصبح الأمر هكذا بيننا؟

كيف كنا ومن نحن وماذا يحدث؟

إن هذا الأمر لا أعيه ولا أفهمه!!!

وأنت أيضا لا تفهمه!

لماذا يأسرك الابتعاد؟ هل صرت تخاف من القرب إلى هذا الحد؟ أم صرت تكرهني؟ أم تريد نزع امتيازاتك من قلبي وامتيازاتي من قلبك؟

حسناً لك هذا!!

لكن ...... بربك دلني كيف الطريق؟

وصرنا ...... من كل شيء إلى اللاشيء؟ كيف هذا؟ هل كان ما يوقظك طوال الليل من أجلي هراء؟ هل كان من يخلع قلبي اضطراباً حتى عودتك إلى البيت سالماً هباء؟

كيف ينخلع المرء منا عن كل شيء في لحظة، ولا يلق لها بالاً؟

ثم إنك لست حبيبي لتفعل هكذا، لتهجرني، وتهجر نفسك، وتغلق الأبواب كلها، وأنزوي انا بعيداً لأبكي ...

لكني أشجع منك .... بكيت أمامك ولم أخاف، وأخبرتك بما يعتمل في قلبي ولم أخف، وصرخت في وجهك ولم أكذب ولم أفرط، وعندما شعرت أنك تبعدني قلت لك ما شعرت، وأنت ؟

أنت يا عزيزي صامت كالموت!
وأنا أموت في كل يوم ، لأني .... لأني لا أجيد التظاهر بما تجيد أنت التظاهر به!

ولا أجيد التعايش بنصف الأشياء أو ظلها أو أشباح فكرتها، أنا أخاف الأشباح ، وأخاف الكوابيس وأنت تعلم ذلك، وأخاف عليك ، لأنك طفلي مهما حدث.

وأخاف بدونك، لأني لم أعد أفتح قلبي مثلما كنت لأحد، وأنت تعلم، وقلبي رغم ثرثرتي معبأ وصار يوجع ويؤلم وينقبض، صوتك في وسط النهار يبث الأمن في الأنحاء كأصداء أغنية عذبة، كتضرعات أنشودة، كخشوع آية تذكرني برب العالمين!

ثم!

إن الموت واحد يا عزيزي، لا فرق بين أنفاس أتبادلها مع الهواء، وأفكار أتبادلها مع القبر!
صرت أفكر، كيف أموت، وهل أستبق أنا الأمل أم أتمهل؟ هل تراه يأتي على مهل أو على عجلٍ؟ لا أعرف!
السكين أفضل؟ أم حقنة الهواء؟ أم جرعة زائدة من أي دواء أتناوله الآن من تلك المحظور فيها تناول قرصين يومياً؟

لماذا لا يقتلني الحزن وهو يسبب لي انقباض القلب وتشنج المرء ونشاط السعال والصداع النصفي ليومين آخرين؟
لماذا لا أهرب من هنا؟

هل أخبرتك أني أبحث الآن عن السفر ؟ أني سوف أسافر وأنا أخاف الطرقات والبلاد الغريبة لأهرب من نفسي@

لأني صرت لا أحتمل أي شيء؟
ولا أرتاح لصديق مهما كان عطفه ومساعدته التي قد تبلغ السماء؟

أبتسم له \ لها ممتنة وأمضي لا أفكر سوى بك!

لا أعرف كيف أصف الامر لك.... كيف أشرح نفسي ربما!

كيف صرت بنظرك الآن؟ كيف كنت؟ هل سأبقى أم أني متّ بعينك..... ثم هل يفيد إن كنت حية مازلت إن كنت لا أسمع من صوتك سوى تأوهات القلب الحزين!

هل تظن بي أني سعيدة بالأمر ومرتاحة!

أموت مثل أم موسى التي ألقت ابنها في اليم! وأدعوا الله، فأراك تختنق أكثر وتنعزل أكثر وتبتعد أكثر ......

هل يصح أن أقول أني أموت أكثر؟ أتوغل في الموت واليأس والألم والحزن والكآبة

حدّ أني لا أستطيع فعل أي شيء!

أريد أن أخبرك بالكثير، أستوضح أمرك وأوضح أمري، أن أخبرك أني لا أريد مفارقة الدنيا بهذا الوضع الذي نحن عليه وأني لا أرى فرقا كبيرا بين حالي وبين مفارقة الدنيا

أنا أشعر أني لست على الأرض أني شبح من الأشباح بين الموت والحياة

لا هو حضور كامل يثري ولا مفارقة كاملة تريح

هل تظن أني لا أعرف اليأس الذي يتخللك؟ والوحشة التي تقتلك، والعناد الذي تتغذى عليه؟

هل يريحك موتي؟

فلأمت!

صدقني ... أبيت في انتظاره وأصحو بالأمل، وأرى الحزن في عينيك، فأنتظره من جديد

لا فرق بين الحقنة والسكين، ولا بين الانتظار للأجل المقدر أو الإقدام إليه في الطريق

لا فرق بين الموت حزناً وألماً والموت بقضاء الله وقدره،

تعددت الأسباب والموت واحد

إذا ما ضنّت علينا الحياة بأنفاسها!

الأربعاء، 20 أبريل 2016

ثم تبقى وحيداً .... !

حتى فنجان القهوة التي كان يشاركني الصباح عاد يؤلم معدتي وقلبي، عاد يوجعني، فيجعلني أحسب ألف حساب له قبل أن أحتسيه!

نظر في عيني مباشرة وابتسم!
ما بك؟
لا شيء فقط أكملي!
حقاً؟
أكملي أرجوكِ!

بين كل تلك الترهات تأخذني عينيك التي طالما اختبأت عنهما، كيف لم ألحظ كل هذا الحب فيك؟ كيف؟ وكيف يهزمني كل شيء، لتصبح أنت اليد التي تغتالني أخيراً؟

هل تطبخ حقاً؟
نعم... بإمكاني أن أطبخ لك
:)
هل تقبلين العشاء عندي وسوف أطبخ لكِ ما تشائين؟
هل نقيم حفلة غداء هنا؟
أعتقد أنك لم تفهميني... ( يتمتم بها) لا .. لا أظن... حسناً لا بأس أكملي ما كنت تقولين؟
-- تتجاهل!

في وسط كل تلك الأشياء تأتي بسمة عينيه لها.... تبتسم.... رائحته التي تغزوها...رائحتها التي تملؤه...يتجاهلان ويبتسمان كالأغراب لبعضهما وتمضي!

هل لي أن أهديك شئياً؟
كلا.. أشكرك
حقاً... اطلبي ماذا تريدين
أنت لطيف جدا... لكن شكراً!
ألا تريدين أي شيء من ************ ( ماركة عالمية نسائية)
كلا :) فقط كن بخير!
تصبحين على خير :*
تتظاهر بغضب طفولي! وتصمت
ويصمت!

تلك الأشلاء التي تتناثر حولها وتتعثر بها، أجد صورتك وصوتك ودفئك ورائحتك وعطرك ولمسة يدك، ولمسة شفاهك، وتعاريج وجهك التي تحفظها أناملي، ضحتك النصف مكتملة ونظرة المكر في عينيك حينما تنوي أن تفعل أي شيء طفولي بي، أتحسس أذنك، مروراً بتعاريج الوجنة، ثم باقي الوجه، اقترابا من شفاهك التي تباغتني بقبلة ناعمة.... ثم أنسى كل شيء! أخبر نفسي أنه حلم، وأنها الأطياف، كيف حدث كل شيء بسرعة، وكيف اختفى فجأة، وكأن شيئاً لم يكن؟

أحضرت لك الشيكولاتة
الله ... تبدو شهية
يجب أن تأكليها مع الخبز هذه هي طقوس هذا النوع من الشيكولاتة!
خبز؟ ... هل لي بقطعة الآن؟
كلا...قلت لك مع الخبز ولربما بعض الزبدة
.... لكني جائعة، لم أحضر معي أي حلوى اعتماداً على حلواك
إذن فلتكن قطعة صغيرة... لا بأس
شكراً ^_^ ....
لذيذة؟
جداً
أعرف :)
يأخذهما الحديث ... مازحة تقول
لو أنك أخبرت أي فتاة مصرية أنك تطبخ وتنظف وتهدي الشيكولاتة سوف تفوز بها فوراً
لقد دعوتك للعشاء ولكنك ..... ( يشيح بيده أسفاً وتعجباً)
تتجاهل .....
وأحضرت لك الشيكولاتة!
تبتسم... ثم تعود للاشيء!

في غمرة الحب مع أشعر أني أطير... كلا أسير... كلا ... أشعر أني أحبك ... أحبك وفقط... وامتليء أمتليء كلما امتلأت برائحتك وحضنك!

ينطق بكلمة بشكل خاطيء..
تضحك بشدة
يستغرب ... ماذا
تكاد تسقط من الضحك
يبتسم وينتظر
لا شيء ... فقط ذكرني خطؤك في الكلمة بموقف لصديق كان يتظاهر وكان البوليس يطارده فتذكرت الموقف وضحكت
لا تسخري مني أرجوك!
كلا... آسفة لم أكن أسخر منك... عفواً .... لا تسيء فهمي
لا بأس ... على الأقل جعلتك تضحكين.... على الأقل رأيت ضحتك!
اتسمت ... سأحاول الاحتفاظ بهذا الضحك حتى نهاية اليوم على الأقل!

أود لو أرتمي بحضنه وأبكي ..... ذاك الغريب؟ ... نعم .... جداً ..... أخبره عنك ... كيف تركتني في مهاوي الريح ... أخبرته أنك قلت لي يوما أنا لا أراهن على الحب .... تصنعت التبسم .... تأسف لما حدث، حزن صادق كسا وجهه.... ثم عدلنا وجهة الحديث حتى لا يتذكر كل منا ألمه .. الحقيقة .. لم أعد أتألم منك .... بل من ذاك الورد الذي ترك لي الأشواك ورحل!

حسناً ... هل تستطيعين السفر في أي وقت؟
نعم .. بالطبع أستطيع
لا أعرف ... ظننت أنك لسبب ما قد لا تكونين حرة في ذلك
هل تقصد العائلة؟
كلا أقصد النظام
كلا ... أستطيع.... لا تقلق
حسناً ....
سوف أهرب من هنا يوماً .. لعله قريب... سوف أصلي من أجل ذلك
لماذا تفقدين الأمل هكذا... في بلاد أخرى كان الوضع أسوأ بكثير...والآن انظري لهم
أنا فقط لا أريد تنشئة أبنائي في هذا المناخ !
نعم! ... أفهمك ... لكن لا تفقدي الأمل ... أبداً ... لا تفقدي الأمل!


هل كان يجدر بي قبول دعوته على العشاء؟ الجلوس إلى الطاولة ومساعدته في المطبخ؟ تذوق طعامه والإطراء عليه أو انتقاده؟ الاقتراب منه أكثر والسماح له بأن يهمس في أذني كلما راق له ذلك؟ الدخول في ذاك الممر الذي لن يصبح يوماً أشدّ سواداً مما مررت به من قبل؟ لا شيء أخسره هنا .. فلم لا؟ هل أسمح له بالجلوس أمامي أم بجواري؟ يمسك يدي ويرفعها ويقبلها... وأعلن بصمتي قبولي لتلك التداعيات الأخرى؟ الرجل الأسد شديد الولع والرومانسية والفتنة.... أفكر كأنثى؟ أم أفكر كنفسي؟ ......... أختار نفسي المعذبة بالنهاية!

لم أكن أريد أن أخبر بما لست أملك ... لكني !
صدقني يا سيدي أي أبواب للصداقة مغلقة لدي .. أنا لست على استعداد لتقبل أي شخص حتى ولو قطة!
لكنك لا تفهمين ... أعرف أنك تحتاجين الوقت كي تثقي في ... أمهليني .. امنحيني فرصة ... فرصة ولو من بعيد!
ثم ماذا؟
ماذا؟
ما المقابل؟
لا شيء ... الصداقة!
لا أريد ... ما المقابل للصداقة؟
لا شيء...ليس كل شيء بثمن
بلى ... كل شيء بثمن ... وأنا مفلسة!
لماذا تعاملينني هكذا لقد ظننت بالأمر بعض الأمر .. ظننت أنه الوقت!
سيدي.. لا تصعب الأمر... لقد صادقت وأحببت بما يكفي...وأنا أريد أن أبقى وحدي ... لقد اختاروا أنفسهم واخترت على إثرهم نفسي! فهل تغضب؟
ولكنك ... لماذا فقط لا تمهليني؟ لماذا تغلقين الأبواب هكذا؟ لم أكن أريد أن أقول ولكن ... أنا لا أحب أن أقول أشياء حتى أكون قادراً على الوفاء بها ... فقط أأجل الأشياء إلى الوقت المناسب ... ولكنك ... هل أسألك سؤالاً؟ هل تتزوجين برجل متزوجٍ؟ ولديه أطفال .. أسرة!
لا ! بالطبع لا ...
أرأيت ... كنت أعرف ... ولهذا
لا أكون خرّابة بيوت ...
نعم ... قلت أني فقط أريد الاقتراب منك!
لكني لا أريد!
تعاملينني بجفاء لا أعرف لماذا!
لا أقصد إهانتك...
حسناً عرفت رأيك ! ... كوني بخير
شكراً وأنت أيضاً
فليبق الود بيننا ... سأنتظر مجيئك يوماً
حسناً ... وداعاً!!

كل الجنون يأتي دفعة واحدة ويتركني مبعثرة ... أين أنت ؟ أين صوتك؟ أين ضحكتك؟ أين عقلك الذي يرشدني؟ أين همهماتك دعائك التي تطفيء قلبي؟ أين همساتك أن كل شيء سيكون بخير؟ لماذا تركتني وحدي وسط الطريق وهربت؟ لماذا هربت ؟ لماذا اقتربت إن كنت سوف تهرب؟
لماذا يكررون الفعل؟ يتحايلون على القرب، يفعلون أي شيء لأثق بهم، يقتربون ويتوغلون في أعماق قلبي، ثم ماذا؟ يتركونني دوماُ في أكثر الأماكن ظلمة ويرحلون! ويظهر في هذا الوقت البائس، رجل فاسد يبتعد تدريجياً، ورجل صالح أرى في عينيه نظرة الإحباط والسخط الحميم، يدرك انطوائي كاليرقة حول نفسي، يؤمن بالفراشة، لكن كرامة الرجل تمنعه من الاقتراب حينما أشرق من جديد لأني رفضت أو تجاهلت عرضه اأول، فنصير أصدقاء، ثم تأخذ الأيام كلا منا بعيد عن الآخر، ويبقى الوصل والمسافات والاحترام!

ثم بنهاية الأمر ..... تبقى وحيداً !

الخميس، 14 أبريل 2016

بيضاء ..... ٤ .... #مجنون

كان يدو في الغرفة مثل الثور الهائج

يدور ويدوي كالرعد

يزأر كالأسد ، يدور حولها ، يصم أذنها صوته ونهيجه وكلامه، يصم قلبها هذا الغضب الذي لا يرحم، هذا الجنون الذي يكسر قلبها في كل مرة إلى فتات، يطعنها، ألف طعنة في الحرف الواحد .... ماذا يحدث إذا توقف عن الصراخ وضمها إلى صدره؟

ماذا قد يحدث؟

الآن ينهزم أمامها بكل ما فيه من جأش وقوة، الآن، يصير أمامها بلا جيش ولا هوية، يصير بلا مدافع ولا دروع ولا فرس

الآن يترجل الفحل الكبير عن البطولة، ويسير محني الرأس في أسف، بطول وعرض الميدان في معرض الانتصار

الآن تضيع الصورة الحلوة، كتمويهات الألوان بعد انسكاب الماء فوق اللوح، الآن يضيع في باحات الفشل والهزيمة والعار، الآن يسقط ، ويتحطم ... الآن تسقط هي مغشيّاً عليها!

وهناك ..... في الأفق البعيد الذي لا يدخله الأطباء، كانت ترقد، كانت تسمع كل الصوت ولا تسمع، وكانت تعي ولا تعي وكانت في عالمها الآخر وحدها وفي وسط الزحام، وكانت تصرخ هناك وتبكي هنا !

هناك، في عالمها الآخر كانت تبكي، جلست تحت قدميه من التعب وهمست، هلّا أخفضت صوتك قليلاً؟ هلّا ضممتني؟
وبكت .... بكت بشدة.... فجلس عند قدميها وبكى! يا للهول بكى !

بكى هذا الحجر الصلد، بكى هذا الكهف الأجوف، بكى، ضم قلبها في خيالها وبكى!

صارت تبكي، صارت الدموع تنهمر على خديها وهي غائبة عن الوعي، يشخصون الأمر أنه انهيار عصبي حادّ

هزّها بعنف، فتح عينيها بقوة، نظرت كالتي تنظر اللاشيء لكنها أدركته في غيبوبتها المنتصفة،

عادت إلى هناك، كان صلبا جدا، كان واقفاً منتصباً كالسيف، كان يرميها بشرر من عينيه، جلست تحت قدميه وقالت، هل تضمني؟ بصوت مرتعش، هل يكفي الآن ؟

أدار وجهه عنها، التصقت بالجدار أكثر، أمسكت بنفسها، تحتضن ما تبقى منها، وتبكي أكثر....

الدموع تنهمر، وتتعالى نهرات الأطباء له، مجنون أنت؟

فجأة صمتوا، همهمة منها تتعالى، نحيب، وألم، تبكي بشدة، ضربات القلب تتزايد بشكل مضر، يلتفون حولها ويطلبون الخبير من منزله، يعلقون لها مهدءاً شديد المفعول، يحتد عليه الطبيب هل تناول طعاماً اليوم؟ هل تقيأت أو ما شابه؟ ماذا أكلت؟
قال: لا شيء ... لم تأكل ... تقيأت مرتين ....
علق لها محلولا سكرياً، أضاف له بعض الفيتامينات التي تعادل وجبة طعام متكاملة، طرده خارج الغرفة، انتظمت إلى حد قليل ضربات قلبها على سرعتها، تمسح الممرضة رأسها، قالت الطبيب: احضنيها...

تمددت بجانبها تحضنها، تهدهدها، تمسح وجهها وعينيها بزيت عطري مهديء للأعصاب، تمسح بمنديل آخر وجهها بماء بارد ، تضمها بحنان كأم رفيقة، تستجيب هي لهذا ..... تهدأ الدمعات..... يهدأ الأنين  ..... الآن تنام!

السبت، 2 أبريل 2016

عزيزي الكينج .... مازلت تنشز !

أعرف أني غريبة الأطوار، أعتبر أنك قد تقرأ هذا يوما!! لا يهم أن تقرأه أنت، إنني أوثق تلك الفجاجة حتى لا ينخدع من بعدنا، ولا يغرنهم الكلام المعسول!

عزيزي الكينج ,,,, مازلت تنشز !

هذا الجيل الذي أتعبه الخذلان منذ أدرك مكانه من الدنيا، رافق خذلانه صوتك الدافئ ، رافقنا، صرنا نبكي عندما تصدمنا أغنياتك بعميق كسورنا، وكنا نفرح ونضحك ونرقص عندما تدق طبول الفرح صوتك، وكنا نقف، كالنخل باصين للسما، عندما تقل ارقص ! كنا نرقص!

اليوم، تجعلنا باختيارك نفقد اسمك وصوتك للأبد، هل تفهم معنى صوت الربت على قلوبنا حينما يصبح هو هو صوت الخذلان ذاته؟

صوتك الذي كان ينشلنا من الخذلان، أو يبكي معنا الخذلان، ويواسينا، صار يخذلنا

خذلنا صوتك للمرة الثانية أو الثالثة، ولن تكون الأخيرة.

قلت لك في السابق وسأعيدها، كنا نعشق صوتك، ألا تعرف أن آذان العاشقين غير؟ أنا تميز تلك الطبقات الخفية التي لا يميزها العامة؟ ما بالك إن كان العاشق طربياً؟ يكشف وهو يسمع صوت ارقص في إحدى حفلاتك أن منير من داخله مهزوم لا يرقص، ويكشف حين تمر الآه فوق طبقات صوته أنها امتلأت من قهر الفؤاد المكلوم!

لا تتصنع الآن تلك الحماسة من فضلك، لم تعد حدوتة مصرية، مصرية كما كانت، ولم تعد عروس النيل من قلبك بهية في أحلك عصور الظلم كما كانت، لقد خنت بهية، وصرت تراقص الجلاد على أعتاب القصر!

بهية لا تنخدع بكلام الجلاد المعسول

ما عاد يخدعها صوت الخذلان في صوتك .... خذلتها للمرة الثانية.... ومازلت تخذلنا!

السبت، 26 مارس 2016

لا نور في نهاية النفق ...... أنا خطأ!

سلال الأمل قاتمة وخدعة

لا نور في نهاية النفق

كلهم مزيفون!

سوف تبقى وحدك

سعادتك بهم ومعهم لن تدوم

سوف يذهبون إذا ما نطقت عبارة تغاير مبتغاهم أو خططهم لحياتهم

لا أحد سيبقى!

لا أم ولا أب ولا أخ ولا صديق ولا حبيب ولا أحد

لا أحد سيبقى

كل سينشغل فيما يخصه، وإن لم يشغله شيء سوف يتشاغل، سوف يشق طريقه وحدك!


لماذا لم تتعلم الدرس أنك وحدك هنا مثل البداية؟

لا نور في نهاية النفق

إنها خدعة

إنها التماعة أفكارك بالأمل الكذاب

أنا خطأ

لا نور سوف يجلي القلب !

أنا كاذبة

كلنا سنموت قبل أن ندرك ذاك النور

سنموت في البحث عنه

سنموت من دواخلنا فإن قابلناه يوماً لن نعرفه

وسيبكي النور كثيراً من جهلنا

وسينطوي

وسينطفيء مثلما انطفأنا

لا نور في نهاية النفق

إنه النار

إنه الدماء التي تلطخ الجدار

إنه اصطدام الجماجم والرؤوس

إنه الكابوس

لا نور في نهاية النفق

لا صديق

ولا أم ولا أب

لا أخ

لا أحد سوف يحمل عنك عبء القلب

لا نور في نهاية الطريق

ولا روح

ولا جسد

ولا أذرع ممتدة لاحتضانك بينما تفرح أو حينما تسقط

لا أحد سيبكي لموتك

ولا أحد سيعرف

ولا أحد يهتم

لا نور في نهاية النفق ولا شيء

أنا خطأ

أنا كاذبة

أنا توهمت

السبت، 12 مارس 2016

تخفف من أحمالك سوف تلقى الله وحدك!

بعد سنوات من التعب والإجهاد النفسي، سوف تخلص إلى أنك وحدك هنا

وحدك تماماً

لا يقاطع وحدتك إلا حضن أهدهم أو همسة آخر، تربت على قلبك الحزين وتبث فيه بعض الحب أو الأمل أو الدعاء أو كلهم!

سوف تدرك  أكثر من مرة أنك سوف تعيش وحدك وتموت وحدك، وأن الذي ينسلّ ليسكن بين جنبيك لن يلتصق بجدار قلبك تماما في كل حالاتك وفي كل حالاته!

سوف تدرك أنك أحوج إلى العزلة منك إلى الوحدة ومنك إلى الاختلاط بالناس!

سوف تجري وحدك وسط أسراب قلبك، وسراباته، سوف تلقى ذات الوجه البشوش يربت على قلبك أن اطمئن.

سوف تهدأ ساعة، ثم سوف تهرب، من ذات اليد التي رتبت على قلبك، من نفسك، من روحك، إلى ماذا؟ إلى كل علامات الاستفهام الكبرى في رأسك التي تلح وتلح وتلح وتؤلمك!

لا شيء يعود للوراء، لكن الأشياء تنصلح إن أردنا لها الانصلاح، وتفسد إن أردنا لها ذلك أيضا!

سوف تعرف أن الموت ليس خياراً رفاهياً تستدعيه وقتما شئت، ثم تصحو منه نشيطاً وحيَّاً، سوف تعرف أنه قريب جدا جدا بذات قدر بعده الذي تظن!

وسوف تختبر كل أنواع المفاجأة!

وسوف تعرف ، سوف تعرف كل ألوان الألم، سوف تشعر بكل شيء حتى ولو لم يحدث الأمر جلّه معك على الحقيقة!

سوف تدرك أن خيارات البشر هي الأغبى مطلقاً!

وأن عليك التخفف من الأحمال

من الدمعات، من الضحكات، من الكلمات المسمومة التي بعثتها بلا قصد، ومن الطعنات النافذة التي تلقيتها على حين غرة أو بلا قصد ربما!

سوف تدرك أن عليك التخلص من صفحات الكتاب، لا طيها فقط، وأن عليك التخلص من علامات التعجب والاستفهام، لا تجاهلها فقط، وأن عليك الخلوص بنفسك لنفسك، وبنفسك لله!

لإنك مهما مر بك العمر.... سوف تلقى الله وحدك!

الأربعاء، 9 مارس 2016

ولأن أوجاع القلب متكررة

ولأن أكتر ناس قلبها وجعها هي أكتر ناس حبت من جوات قلبها زي الأطفال


ولأني أصبحت أقف عاجزة عن فعل شيء !

لربما أتوقف عن بث الأمل والحلم ، لكني لا أفهم غير الحب والتراحم والحاجات دي

إحنا مش ملايكة

إحنا لازم هنغلط، وإحنا مش شياطين، ف إحنا بالضرورة هتأنبنا ضمايرنا وتوجعنا

الله يكرمكم ... متوجعوش قلب حد!

متاخدوش الحاجات اللي بتقروها وتكتبوها شيء غير قابل للتطبيق

الحب سهل جدا، الفكرة بس نكون على قدر من الشجاعة للاعتراف بيه، وعلى قدر من المسئولية إننا منوجعش قلب حد بنحبه

وعلى قدر من الرحمة والود والطيبة إننا نطبطب على حبايبنا

وعلى قدر من الرجولة إن لما حد يطبطب علينا نردله الطبطبة!

وعلى قدر من العقل، إن اللي سلمنا مفاتيح قلبه وروحه وأمره كله، واختار يكون جنبنا، مينفعش ناخده كشيء مسلم بيه، ونهمله، ونهمل حبه لينا، فيدبل زي الوردة العطشانة واحنا في ايدنا المياة!

في خضم ما أنا بكتب، بفكر يا ترى أخلي البنت في الألوان تسامحه؟ ولا تعاقبه؟ ولا تهرب باللي باقي من روحها المتعذبة بسببه!

لما بدأت أكتب في الألوان، أخدت حتة صغيرة من تجربة سابقة ليا، حتة صغيرة خالص يعني، والباقي من حكاياتكم انتم، من كمية اللخبطة في حيواتكم، من كمية وجع القلب لما صديقة من الصديقات المتزوجات تحكيلي شعورها

أنا بس كنت بصيغ شوية الصراع اللي بيدورو من شوية قصص ملخبطة في المسار الخارجي، لكن جوهر المشكلة واحد !

الجبن والتسليم بالأمر

يا جماعة الحياة قصيرة أوي، والنبي حبّوا بعض بضمير شوية، خليكم واضحين من البداية، ولما تتلخبطوا اقفوا افهموا اتكلموا حاولوا تعرفوا انتم واقفين فين؟ والحب فين منكم، اعرفوا طريقكم عشان تعرفوا تمشوه ببساطة

متهربوش

متخافوش

متتكسفوش

متسيبوش مواضيعكم معلقة والفجوة تزيد بينكم والنبي، العملية مش مستاهلة كل وجع القلب ده!

لما تقرروا انه مينفعش تكلموا لأي سبب، وضحوا، واتكلموا، وفهموا، وحافظوا على شوية ود بينكم، عشان مينفعش نكره ونفارق أوي كده بعد ما كنا قريبين أوي كده!

بلاش الابواب المواربة الضبابية ( وضحوا مواقفكم)

ومتقفلوش الباب بالمفتاح وتسكروه عالآخر ، ما يمكن تحتاجوا للرجوع تعرفوا تدخلوا تاني!

وأعزائي الولاد

كفاية وجع قلب لأصحابي بقى، كفاية بقى كمية بنات قلبها مكسور بلا جريرة ولا ذنب واضح، كفاية حالة الحب واللاحب دي!

دول زوجاتكم، سكنكم، راحة بالكم، دول بيوتكم انتم متخيلين الفكرة؟ بيوتكم!

الاثنين، 7 مارس 2016

15-بيضاء ........٣

أن تأتي متأخراً خيراً من ألا تأتي ....

تلك هي الحماقات التي نخبر بها بعض الأشخاص كي لا يصيبهم إحباطات التأخير والطرد من حيواتنا المكتظة بالقائمين والزائرين والعابرين!

تلك الترهات لا نخبر بها من نشعر أنهم نحن، من نشاركهم كل شيء، من نفرح بنجاحاتنا في عيونهم، ومن نتألم بأحشائهم، ومن نتقافز  بقلوبهم، ومن نبكي بدموعهم!

تلك الترهات لا نخبرها لهذا الشخص الذي يصبح نحن، يصبح الشمس والقمر والليل والنهار وكل شيء، يصبح ضلعنا وعمودنا الفقري، يصبح روحنا المتحررة لمكان آخر، لكنها تمنحنا ذات الحياة وذات القدر، وربما ذات العبارات وذات النكت والكلمات!

تلك الترهات، تقصم أظهرنا إن نطقنا بها تجاه أعمدتنا الفقرية، لإنا إن نطقناها، فقد اخترنا لهم أن يصبحوا غير ذلك!

أن تأتي متأخراً مثلما لا تأتي أصلا!

هل يعود الزمن للوراء؟

هل تعود الدمعات للمحاجر من جديد، وتعود البسمات لباب القلب مرة أخرى؟ كلا، لا يحدث، لا شيء من هذا يحدث!

فلا تقترب إن أخبرك الحبيب تلك العبارة " أن تأتي متأخراً خير لك من ألا تأتي أصلا" فإن قال هذا، فهو قد أخرجك من دائرة الفرح والألم على حد سواء، هو قد اختار أو هي اختارت لك مكاناً على ذاك الرف، بجوار دمى الطفولة!

أن تأتي متأخرا خير..... تلك الخدعة التي تخبرك بها، هي تمهيد لطردك خارج قلبها، طرداً أبدياً،

هذا ليس تسامحاً البتة!

أتدري ما التسامح إذن؟ هو أن تثور بوجهك حقاً، أن تصفعك، أن تمزق ثوبك بأسنانها غيظاً ونقمة، ثم ترتمي فوق صدرك باكية، التسامح، هو أن تنتقم منك وفيك وبك ولك، هو أن تخرج كل حماقات قلبها لديك، وتبكي، فإن فعلت فاعلم أنه حقاً في هذا الوقت أن تأتي خير من ألا تأتي!!!!

الشوق؟

تلك اللعنة التي تجعلها تصبر، تطرده من قلبها ثم تعيده، إثر الشوق ألقت بنفسها بين يديه راضية، ولكن قلبها؟ هل يفتح تلك الأبواب أم أنه حقاً كما قالت " إن المرأة إن أدارت قلبها لا تعود" ؟

هل أدارت قلبها؟

هل تمنحه الآن فرصة؟

هل تسامحه؟ 

هل تثور بوجهه كالبركان؟

أم أنها قد أشبعت الشوق بداخلها وتستعد الآن لخدعة جديدة تكن ذريعة لطرده خارجاً؟

في المساء، يفتح عينيه فيجدها نائمة هناك تماماً، كان قد شعر بخروجها من بين يديه لتشرب، لم يكن يتوقع عودتها، لكنها عادت وبقيت.

القسوة حب مجنون، يتخفى كي لا يظهره الضعف والشوق واللوعة!

يتسلل منها، ويخرج!

تفتح عينيها، تبتسم، كم كانت تشتاقه، هل يتحادثان؟ بالطبع!

هل تمنحينه فرصةً؟ سوف يهرب من جديد؟ هل نسيتٍ طبائع الرجال؟ لا يواجهون حبهم، ولا يعاندون أقدارهم، بل لا يستسلمون للحب أبداً مهما بدا غير ذلك، عنيدون جداً، يحطمون قلوبهم من أجل خدش قلبك ولا ييأسون من تحطيمك مراراً وتكراراً.
هل نسيتِ كلام أمك؟ صديقتك؟ زوجة عمك؟ ابنة خالك الكبرى؟ هل نسيتِ؟ 
تراه مختلف عن كل الرجال؟ عن السابقين؟ 
ما الذي يجعله مختلفاً؟ كونه عاد إلى حضنك من جديد؟

الرجل صيّاد يا سيدتي، ينعم جلده كالثعبان حتى تطمئني، فإن ألنتِ جانبك له لدغك بالسم الرعاف!
كلا، لن يفعل، ثم لماذا عساه يفعل ولم يجبره أحد على العودة؟ ولا الحب؟ أليس هو الذي ظلّ يقترب حتى أحببته؟ ثم يتحايل المواقف حتى سمحت له بالدخول هنا؟ لماذا يهرب إذن؟ ولماذا قد يقسوا! قد كان يملك الفرار من قبل فلماذا عساه بعد كل شيء يقترب؟
الرجل طفل صغير، وأنت الدمية التي يهدهدها وقتما يريد ويلقيها إن جذبته لعبة أخرى!
لكن، لا ألاحظ عليه وجود امرأة!
ومن قال أن كل اللعب يجب أن يكن دمى؟ ونساء؟
إذن؟
إذن تهربين!
ولماذا؟
لأنه سيهرب عاجلاً أم آجلاً
لكنني أثق به، أثق بلمسة يديه، بقلبه الذي اطمأن لجانبي طوال النهار، لدقات قلبه التي عادت منتظمة، ولأنفاسه التي تتابعت مستريحة ورائقة!
لكن هذا لا شيء، لقد هرب من قبل، لقد، لقد أبكاكِ، أي رجل يبكيكِ ويستحق البقاء؟ بل العيش؟ إنك في غنى عنه، عن غيرته المجنونة، عن تعنته السابق، عن حبه المشروط والخانق، إنك في غنى عن صحبته، ألم يصبح لك صحبة جديدة؟ ما الذي منحكِ إياه لم تجديه بنفسك بعيداً عنه؟ حتى نجاحاتك تلك الصغيرة لم يشاركك إياها! أتعرفين وسادتك التي تشاركك الدموع والضحك أنفع لك منه! هل يعود بك الزمن؟ أفيقي، هو لم يعد شيئاً، من لم يقف سنداً في شدتنا، لا نصبح له بسمةً في رخاءه! اسمعيني!

تعكر صفو ضحكتها!
اعتدلت في السرير، نفضت عن نفسها النوم والفرش وقامت، كانت تنتظر سماع صوته يناديها، أو خطواته تلحقها، خرجت تتفحص الحمّام، لقد طال الوقت وهو بالخارج، لا أحد هناك، ثم يصم أذنها صرير عجلات السيارة!

شهقت !

سحقاً

لقد هرب!

كعادات الرجال العنيدين ..... هرب!

الأحد، 6 مارس 2016

14- بيضاء ..... ٢

يا ويلي !

كم نحن أغبياء ، نحن البشر أغبياء جدا، نعرف جيداً ما نريده لكننا نتظاهر بكل شيء عكس ما نريد!

لماذا لا نفصح عن الشوق الذي يغلي في قلوبنا وعروقنا؟ فقط لأننا نخاف، نخاف أن نواجَه بشوق أقل، أو فتور عظيم، نخاف ألا يبادلنا أحدهم ذات الشعور، أو يتعاظم قلبه على نبل قلبنا وضعفه في حضرته، أو نخاف أن نصبح فريسة للخداع والاستغلال من الطرف الآخر!

تلك الخبرات السيئة جدا التي نكتسبها كحيوانات مفكِّرة، دوما تلجم العقل والقلب عن التفكير والتصرف!

أحب الأطفال، نعم أحبهم، لأنهم إن أحبوا أخبروا، وإن كرهوا؟ إنهم يغضبون ولا يكرهون، فإن غضبوا أقاموا الدنيا وأقعدوها على هواهم، وتمسكوا بما يريدون، لا ينظرون للفوارق، ولا يحسبون للحواجز أي حساب، إن أرادوا الفرار منك إلى حضنك فإنهم يفعلون، يخبرونك أنهم يخافونك، ويخبرونك أنهم لا ملجأ لهم إلا صدرك، فينامون هناك قريري العين!

الفطرة تكسبنا الشجاعة، أما الخبرة، فتكسبنا الجبن، ولأننا أنويُّون جدا، فقد أسمينا هذا الجبن باسم راقٍ يليق بغرورنا وعجرفة نفوسنا، أسميناه  " الحذر "

عندما نعجز عن اتخاذ القرار، تتصارع في نفوسنا كل الخبرات السلبية، كل الخوف الذي يصور محبوبنا وكأنه الدجال، والذي يصور كل تقديم للسلام والحب على أنه استسلام وضعف، ثم تعلو أناتنا العليا وتسود، فيغرق الحب في اللاشيء!

ألم يكن يشتاقها كل الشهور السابقة؟

بلى !

ألم تكن تنتظره كل تلك الساعات واللحظات حتى أتعبها التمنى؟

بلى!

فلماذا يحذر كل منهما صاحبه؟ ولماذا يفضل كل منهما أن يصبح ردة فعلٍ لا فعلاً خالصاً جريئاً صريحاً؟

التصقت بصدره، لعل فرصة النوم أعطتها المجال للاختباء به منه ، مثلما كانت تريد أن تفعل لشهور، أن تغوص بقلبه وتبكي، أن تدس وجهها في صدره وتختفي عن عينيه في عينيه، وتتجنب جنونه في أحضان عطفه، وتتجنب غضبته في جنح محبته وشفقته، وتثور تثور بين ضلوعه كتنهيدة ساخنة زافرة!

التصقت به، وكأنها أخيراً عادت إلى البيت تختبيء به عن شرور العالم، عن صفاقته وعبثه وكذبه!

ويا للعجب، عاد لها ذات الشعور، بأنه البيت والسكن والملاذ الأخير!

ونامت، بعدما كان التظاهر نامت، ملء جفونها نامت، لأول مرة تنام قريرة العين تتشبث بتلابيب قميصه كأنها تخاف فراره أو فراقها، تضغط برأسها تحت ذقنه كأنما تغوص، ويضمها هو كأنه يتمسك بها أكثر وأكثر، يطمئنها أكثر وأكثر، ويذوبان!

الشمس تميل،

الليل نهار العاشقين، والهاربين أيضا!!!!

فتح عينيه ، رآها تنام كصغيرته الهاربة من كوب اللبن!
ابتسم
عادت إليه ثقته المكسورة بالحب، عادت إليه ملاكه المتمرد الصغير، طبع قبلته على رأسها، وراح يفكر، ماذا ستفعل حينما تفيق فتجد نفسها متشبثة به كطفلة تمنع أباها من الذهاب إلى العمل بدونها؟ فقررت النوم فوق صدره ومحاصرة أذرعه؟

هل يوقظها؟ يتأملها؟ اشتاق تأمل نومها وهي في حضنه، واشتاق تثاؤبها المجنون وشعرها المشعث لحظة الاستيقاظ!

سوف ينتظرها وليكن ما يكون!

كلا

سوف يتظاهر بالنوم حالما يشعر بها تفيق! نعم سوف يراقب ردة فعلها ثم يتصرف!

تتقلب، ترفع رأسها ثم ترتطم بالوسادة، تلوح بذراعها فتصطدم به، تفيق، تفتح عيونها بصعوبة، آآآه ! تتذكر وجوده، تلم شعثها وتبتسم، تمسح عن عينيها آثار النوم، تنظر إلى عينيه اللتين تبدوان غارقتين في النوم، تبتسم ، تعتدل، تضم ذراعه وتقبلها، ثم تطبع قبلة ناعمة على خده، تجلس، وتمسح على وجه كأم حنون، تحضنه في اشتياق جمّ، تبتسم له وهي تمسح شعره، ثم تقوم إلى الحمام!

تغسل وجهها وأسنانها، لأول مرة تتفحص وجهها في المرآة بهدوء منذ شهور، تلاحظ هذا التلأليء الذي ملأها، تفرح، بل تضحك، تنوي من صميم قلبها أن تقبل عذره إن اعتذر، والحذر؟ يجب على بشريتها أن تطغى على ملائكية الطفولة، سوف تأخذ حذرها ولن تشعره أنها تصدقه من المرة الأولى، تبتسم للفكرة، تصلح هيئتها وشعرها وتخرج..... فتراه .... كالشبح!

اختفى  . . . . . 

السبت، 5 مارس 2016

١٣- بيضاء !

استيقظت رائحة أنفاسه تملأ قلبهاالذي يدق بعنف!

هل اتشاقت؟

تستعد للخروج، ترتدي فستانها القمحي، تداعب طلاب فصلها، يغازلها أحدهم الذي ترى في عينيه كل شيء، لكن عيونها المطفية ماذا تجذب في شاب وسيم جدا كهذا؟ يملك حساً للدعابة وكلمات لطيفة؟

تقريبا يحضر لها الشوكولا كل حصة، ويلقي على سمعها كلمات الإطراء أكثر من مرة في اليوم، رغم تجاهلها وسخريتها!

ما الذي يجذب الرجال في الأعين المنطفئة؟ أم أنهم يعلمون بذاك فراغ قلب الأنثى من حب مشتعل يضيء وجهها، فيصبح الأمر بمثابة إشارة للعبور وبعثرة مفردات حياتها من جديد؟ لا تعرف !

منذ الأمس تتسائل، لماذا تطاردها رائحته طوال اليوم؟ لمسات يديه، هي لا تذكر متى كانت المرة الأخيرة التي لامست فيها يده!
شهور لربما!

لكن، لربما ذاك الحلم المجنون الذي طاردها حتى الصباح؟

استيقظت فلم تجده في البيت، كان البيت في حالة فوضى قاتلة، خرجت إلى طلابها، وعادت منهكة كالعادة،

كان اليوم هو يوم راحتها، قررت ألا تنظف ما أحدثه هو من الفوضى، قررت أن تتجاهل كل تلك الفوضى وتصنع قوتها وتجلس في الشرفة تتابع الزهر وأخبار الشجر وتقرأ في رواية جديدة عن طفل تاه من أمه في عرض البحر، فصار كالسندباد البحري يدور في بلد قريب لا يعرفه، وأمه تخرج للشاطيء كل صباح على أمل عودته!

لعل تلك القصة ذكرتها بحالها معه، أليس هو ابن روحها الأوحد؟ أليس ابنها وأباها وحبيبها ومسكنها؟

تتذكر رواية" الأب الضليل"، تلك التي بدأتها في سن المراهقة لكنها أبدا لم تصل نهاية الفصل الأول، لكن ظلت تتذكر اسمها، وتنوي يوماً أن تكملها، تتذكر "أبناء وعشاق"، تتذكر الأم المرهقة من مطالب أبنائها والأبناء الذين يكبرون ويزحفون إلى المدينة في تصارع صارخ بين ما تربوا عليه وبين ما يرونه هناك من مظاهر الزيف فيقتلهم!

تعود لقهوتها، عادت هي بالأمس فلم تمر على المطبخ ولا غرفة المعيشة ولا الصالة، دخلت من الباب الجانبي الذي جعلته خصيصاً لهما حينما يعج البيت بالغرباء، كما كانت تتمنى، أن تقيم وليمة كل أسبوع على الأقل، لتظل الألفة بينها وبين أهلها وأهل زوجها الذين يسكنون جميعا في المدينة البعيدة!

لأول مرة منذ سكنت هذا البيت تدخل من الباب الجانبي، كانت نسيت أي مفتاح مخصص له، لكنها أرادت تجنب دورة المرور اللعينة على آثار الليلة الماضية!

لم تعرف أنه نام بحضنها بالأمس، ولم تعرف أنه ضمها إلى صدره كي تهدأ، ولم تعرف أنه ما يزال ملاكها الحارس، وابنها الضليل، وأباها الذي يجمع العالم كله من أجل ضحكتها!

لعلها تعجبت في الصباح أنها تنام بمنتصف الفراش بلا سبب! لكنها أرجعت ذلك لاضطراب نومها حال حزنها، لم تفكر في الأمر كثيراً، هي على يقين أنه لا يلوي إلا على مصلحة ذاته، وراحته هو، عندما احتاج إلى رجوعها في حياته أفاض من كرمه فأحضر الورد والعشاء، بضعة أيام ثم يلقيها كالمزهرية بلا لون ولا طعم بدونه، أوليست المزهرية بلا طعم بدون الورد!

هي تعرف عادات الرجال، تتذكر كل نصائح جدتها، أمها، زوجة عمها، وبنت خالها الكبرى، تتذكر كلمات صديقتها المتزوجة عن الحب بعد الزواج، أن الرجال ليسوا ملائكة، أنهم أبشع مما تتصورين، أن الرجل الذي تحبينه حتى النهاية يقتلك قبل النهاية بكثير!

يؤلمها قلبها لتذكر كلماتهم، يؤلمها انها تشعر بالطعن من جديد، تسامحت كثيراً لكنها ماعادت تقوى على الأمر... تفر بسمة ساخرة من شفتيها كأنها تقول وقد كان ما قالوا وا أسفاه!

تكتب وتكتب وتكبت في ذاك الدفتر الذي تنساه على المنضدة الصغيرة فيقرأها، يثور، ويتألم، لكنه يذكر كيف أنها عادت للسكون بين يديه فيهدأ!

لم تكن تلاحظ وجوده في البيت، كان يعرف طقوسها فيتجنب أن تشعر به، بالأمس نظف كل شيء وهي بالخارج، لاحظت هذا فقط صباح اليوم وهي تعد القهوة، لم تعلق ولم تفكر، كانت تتعامل كأنهما غريبين في البيت يتشاركان العيش في غرف منفصلة.

قررت في هذا اليوم أن تركض لمدة ساعة، ثم تدور حول الحي بدراجتها برفقة الصغير الجميلة لساعة أخرى أو أكثر...
عادت منهكة ...

اغتسلت، ودخلت مشعثة إلى غرفتها، صففت شعرها بسرعة وبلا اهتمام، وألقت بنفسها على السرير ونامت!

هذا الحلم الذي رأته منذ يومين يطاردها، لعله يطاردها عند التعب أكثر،

كان هو شعر بخروجها، قرر أن يحدث أي تغيير لها، كان قد أحضر فيلما جديداً يمنّي نفسه بأمسية معها، فهيأ المكان، ولكنه لم يتعلق كثيراً بالأمل،
أنهى بعض أعماله من المنزل، وكان التعب يقتله، لكن القهوة صديقة المتعبين واللاهثين، كانت تمنحه بعض التحسن لينهي كل أعماله،

كان في الشرفة ريثما عادت، وما إن بدأت في النوم وعاودها ذات الكابوس، حتى بدأ يصل مسمعه بعض صوت، أنين؟
هل عادت تبكي؟
هرع إليها، كالعادة تنام ويعاودها الكابوس، لا دموع اليوم على وسادتها أو رموشها، لكن بعض الأنات تظفر منها، ابتسم لوجهها النائم رغم عبوسه،

الآن سيمارس هذا السحر!

مسح على وجهها وجبهتها، زال عبوسها، وأمسك يدها، فاطمأنت كالعادة أصابعها إليه، اليوم قرر أن يهمس بأذنها،

إني أحبك!

هدأت، سمعته، أدخلته حلمها، حيث كان هناك وكان هنا!

اليوم قرر ألا يهرب، أن يضمها، أن يفاجئها بالأمر مهما كانت ردة فعلها، أن يحملها في قلبه كما كان يفعل دوماً، أن يستسلم للنوم تماماً دون أن يترقب حركتها فيفزع ويفرّ هارباً منها قبل أن تصحو.

انزلق بجانبها، وضمها إليه، ونام..... فقط نام !

تشعر بالعطش الشديد، تقلق من نومها، شعر بثقل ذراعها، ذراع أخرى فوقها، تفزع، تجده هو، تغضب، تعود لتنظر في وجهه الساكن بجوارها، تتذكر براء تلك الملامح التي أسرتها من اليوم الأول، هدوء قلبه الذي افتقدته، إحكام ذراعيه عليها كان كان يفعل دوما حينما يريد أن يهديء روعها، رائحته التي اشتاقتها، تضع وجهها في صدره وتملأ أنفها منه،

تتسلل من بين ذراعيه، وتشرب، وتتسلل إلى بين ذراعيه، وتتظاهر بالنوم، وكأن شيئا لم يكن! :)

12- ناري ...٢

يروح ويجي في الصالة، حول المائدة، كالثور الهائج، يدفعه غضبه إلى الممر تجاه الغرفة، لكنه يعود من المنتصف، يسكب أكواب الشوكولا على الطعام ، يقذفها فترتطم بباب المطبخ القريب، يفتح تلك اللفافة الأرجوانية التي أحضر لها فيها ثوباً قرمزياً جديداً....

كان يعرف أن القرمز يشعلها، تماماً تماماً كما يشعله، يجعلها تضيء بهجة وبهاءَ، كان يغار عليها من فستانها القرمزي من أعين كل البشر، حتى من عيون نفسه، كانت تبدو جميلةً حقاً وبهيةً حقاً، كانت مثل زهرات التوليب التي تحبها، مستديرة وناعمة، كانت تبدو كالدمية الفاتنة، كالحور العين، كالملائكة، ناعمة ورقيقة، وكان هو يشتعل أمام بهائها ورقتها، الأحمر القرمزي تشرب بشرتها اللبنية، وتتشربه، يضفي على وجنتيها ملمحاً رقيقاً من تبرّج متزن، دون نقطة تبرّج واحدة!

كانت تبدو في عينيه شهية، مثل اللبن مع حبات التوت الأزرق والأحمر حينما يختلطان، وضحكتها، كانت تبدو أوضح حين ترتدي الأحمر أو القرمز أو الأرجواني، ضحكتها كانت تحرق قلبه كالنار حينما يلامس وجهها ضوء النار!!!

جميلة تلك المجنونة، جميلة!

كلا، هي ليست فاتنة بتلك الدرجة، كانت عادية، كانت ملامحها رقيقة فقط، لكنها لم تكن فاتنة إلى الحد الذي يجعله يغار ويشتعل، كان هناك الكثير من النساء أجمل منها، وأرفع قداً منها، وأخفّ، لكنه، كان يعشقها، يقدسها، يعبدهاإن صح الأمر!

كان يعرف أن فتنتها في حبها الجمّ له، عيونها التي تلتمع فقط لعيونه، وجهها الذي يضيء لبسمة في عينيه!

لم يكن الفستان، أو العطر، أو التبرج، بل كانت تلك الروح التي تزدان بالبهاء والجمال والجلال في حضرته!

لكن الغبي، أضاع من قلبه كل شيء!

فستان المخمل القرمزي الجديد، ضيق عن العادة، ينحسر عند وسطها ليبرزها كحورية بحر، طويل ، وله فتحة من ركبتها حتى أخمص قدمها،
حذاء جديد، كعب مرتفع، أسوده لامع، يعكس أضواء الشمع، ولمعات الدمع في عيني صاحبه!

افترشه أمامه على الأرض، بكى من جديد حينما تخيل خطوتها بداخله، بكى أكثر حينما تذكر بسمتها الساخرة وكأن شيئاً لا يعنيها، وتقطع قلبه حينما توقف لحظة أمام عيونها،

كانت عيونها حمراء، دامعة، أو تدل على أثر دمع مر بها، لا يخطيء هو دمعها أبداً، نعم، بياض عينها كان مشوباً بحمرة أثيمة، لقد كانت تبكي!

فرح، دق قلبه، بكى، احتضن الفستان وبكى، تحامل على الكرسي القريب ووقف، مسح دموعه في أكمامه كالطفل اليتيم، واقترب من الغرفة متسللاً....

غرقت في النوم، اليوم كان متعباً، وقلبها لم يعد يحتمل التعب، بكائها تحت المرش أنهك قلبها المتعب أصلا من دون شيء!

لكن الدمع صار يسري رغماً عنها ورغماً عن النوم!

في ذاك الحلم القاسي، كانت تبكي بحضنه، كانت تضمه، أو كانت غارقة كما كانت تفعل بين ذراعيه، كانت تعاتبه وتبكي، وكان يمسح رأسها ويبكي أيضاً، كانت تغوص بداخله، كأنها تهرب منه، إلى عمق صدره حيث خلقتها الأولى!

أنفاسها تضطرب، ويظهر بعض أنين عليها، يصل الشيء إلى مسمعه فيربكه، ظنّ أنها متيقظة تبكي وحدها، خاف أن يراها تبكي، خاف أن يضعف كما العادة أمامها، خاف أن يشتعل وينطفيء ألف مرة في الثانية ويعود كالطفل الصغير إلى حضنها، لم ينس أنه رجل!
ولم ينس أن من عادات الرجال الصلابة والقوة.

لكن

قلبه الصغير يقتله، يتحرق إلى ضمة صدرها له، ويتحرق إلى هدهدتها كالطفلة الصغيرة كما اعتاد دوما!

"ماذا حدث يا ربي لقلبينا!!! "

تسلل إلى الغرفة، يغالب كل شيء، كل شيء، يغالب دمعه، وغضبه، وحزنه، واشتياقه، وسخطه، ورعونة الذكور، واستعظام الرجال على التسامح لامرأة سخرت من رجولتهم، وفزع الطفل لدموع أمه، وجزع الأب لبكاء طفلته، وافتتان العاشق بأنين زهرته، وهرولة قلبه نحو صدرها ليذوب في قلبها المتعب الصغير!

لم تشعر به، لم تنتبه، لم تدر وجهها، اقترب، ضوء خفيف يتسلل من قنديل الممر، غارقة في النوم، لا تحس بوجوده، أنفاسها تلفح وجهه الذي اقترب منها، ودموعها تغرق تلك الرموش المنكفئة على الوجع، وأنين صدرها وارتفاعه وانخفاضه ينحت في قلبه وجعا من وجع!

انهارت كل أقنتعه، يعرف أنها تعشقه، نزلت دموعه فوق خدها فمسحها بسرعة، شعرها الذي يذوب في أصابعه، أنينها الذي ارتفع شيئا صغيراً كأنما ملمسه شاركها الكابوس، مسح رأسها وخدها ووجهها، جلس على الفراش وانكفأ يبكي فوقها، يمسك يدها التي أرخت أصابعها فوق يده، دخل الحلم حيث هو هنا، وهو هناك!

ناما.... كطفلين تائهين وجدا سبيل البيت فناما، شعرت برائحته تملأ أنفها فسكنت، ونامت، وهدأ قلبها عن البكاء.

وأحس بأصابعها تسكن ليديه فضمها كلها إليه ونام، كالطفل الغريق، الضليل، الذي عاد أخيراً إلى حضن أمه، وحصنها المنيع.

كل النيران التي دخل بها، نيران الغضب والنيران الصديقة، كل الاشتعال، كل الغضب والشوق والألم والأمل، كل الجوع وكل النفور وكل العطش وكل الفتور، كلها كلها انطفأت في حضنها .... وناما !


السبت، 27 فبراير 2016

11- ناري !

استيقظت في الصباح ، لا تلوي على أحد ولا شيء، قد صادقت هؤلاء الغريبي الأطوار منذ فترة، تطل من بعيد وهي تحمل علب المربى، أو يلوحون لها وهي تطل خلف صناديق الفاكهة.

سمعتها الطيبة في صناعة الحلوى تسري كالنار في الهشيم ، يتكلم معها صاحب المتجر القريب لو أنها تعلّم بعض الطلاب ذات الطريقة المميزة ؟

يتوسط لسيدة لديها فصول حرة في تعليم بعض الفنون، الرسم ، الطبخ، التطريزات اليدوية، والنقش على الأحجار والزجاج، وكلما لاح لهم فنّ يتعلمونه افتتحت تلك السيدة فصلاً جديداً، يضم المراهقين والسيدات والشباب والعجائز الذي أحيلوا للتقاعد ولديهم الوقت الكافي للتعلم أو المساعدة .

بعد إلحاح، تقبل دعوة صديقها الصغير الذي كان يساعدها في نقل كل شيء، يقف برجولته المعتادة " سوف أقلك وأعيدك للبيت كل يوم في سلام، صدقيني معاملة الكبار جميلة أيضا مثل المرح مع الصغار، وإن ضايقك أحدهم سوف أخلع رأسه عن كتفيه!"

تبتسم، تربت على كتفه، تخبره أنها ستفكر جدياً في الأمر، ثم تقبل في اليوم التالي وتبدأ !

عندما تبث معرفة قلبك إلى أحدهم، أنت تخرجها من قلبك إلى قلبه، أن تنقلها له عبر موجات متناغمة من الحب، كأنك تنقش على جدران قلبه نقشاً جميلا من خيوط قلبك وحبك!

عندما يدخل الأمر الشغف، يصبح الرسم والموسيقى مثل سيمفونية متناغمة، وتصبح أنت مثل البجعة الكبرى التي تستبد باللحن في رقصتها الساحرة، ويصبح كل الكون، كل الكون، راقص ثانوي يستجيب لنغماتك وترددات حركتك المبهرة.

وقد كانت، راقصة محترفة، كفراشة ترقص فوق الزهر، تتنقل من وردة إلى أخرى، من فتاة إلى شاب، ومن مراهق إلى عجوز، تنقش وترقص وتعزف، وتتمايل مثل غصن غضّ، لم ير الخريف في عمره!

تتصبب عرقاً، تبهجها نجاحاتهم الصغيرة، إطرائهم لما صنعوه وتعلموه، تفرح، ترقص، تطير، تدور حولهم كالنحلة الأم، والحارسة، والمعلمة، وتجلس لثواني كالملكة، يعرضون عليها ما صنعوه، إن الصبي محق، من الممكن للكبار أن يحملوا البهجة كالأطفال إن فتحوا للأمر قلوبهم الصغيرة، فقط قلوبهم !

تدق الساعة الرابعة والنصف، تحمل حقيبتها وتودعهم وتنطلق، وملاكها الحارس يعدو معها أو خلفها أو أمامها، لا يدعها حتى باب المنزل، كانت تمسح على رأسه مودعة، أما الآن فصارت تطبع قبلة على رأسه، وصار ينحني لها كالأمراء :)

كل يوم، كانت حريصة أن تشهد الغروب في شرفة منزلها، كانت تحب المنظر، وكانت تحافظ على طقوسها جدا!

فنجان القهوة، وكتاب جديد، ودفتر صغير بدأت تدون فيه فكاهات اليوم، وتعدّ لنفسها قائمة بما طلب طلابها أن يتعلموا، أو بما تريد هي أن تعلمه لهم!

لأول مرة تبتسم، تدرك أن الكون فسيح حقاً خارج ملكوته،

ألا تشتاق؟ بلى، تشتاق بالطبع، لكن قلبها أقفل أبوابه دونه!

ماذا قلنا؟
" إن المرأة العاشقة إن أدارت قلبها لا تعود.....لا تعود"

وهي أدركت أنها أدارت قلبها، لا نية لديها في الحب مجدداً، ولا الانفصال، أتدرون هؤلاء الذين تعايشوا مع الألم؟ حتى وكأنه جزء منهم؟ أو أنهم صاروا يستلذون به؟ هي صارت أشبه لهؤلاء، لكنها زهدت في الحب والفرح ببساطة شديدة، وتعودت هذه الوحدة، وهذا الألم، لقد صارت لا تغار، أجل، صارت لا تغار إن رأته مصادفة يسير بصحبة امرأة أخرى، لا تناقش الأمر، ولا تسأل، ولا تشغل رأسها بأن تعرف من تلك السيدة، زميلة عمل أم صديقة قديمة، أو حب جديد، صارت تعامله كأنه ليس هنا، كيوم من أيام حياتها عاشته وتبقت منه بعض الآثار والذكريات الغبرة، لا تهتم بأن تنظفها، ولا تجتر أية ذكرى معه.

كانت تحمل له أشياء كثيرة، أنفقتها كلها كلها في الصبر، كان عليها أن تدفع ثمن الصبر، ثمن أن تحتمله ولا تهجره سريعاً، كانت تنتظر أن يحمله الحب إليها، أن يحمله الشوق إليها، أن يحمله أي شيء من صندوقها إليها، ارتعاشة صوت أو ثورة عطر، لكنه لم يجيء، فكانت تخرج كل يوم ذكرى جديدة، تتأملها، تبتسم، تبكي، تنتظر، تموت الذكرى فتخرج أخرى، لكنه لم يكن يعلم أن الصندوق سيفرغ عن قريب!

ليلة أمس،

أحضر كل شيء محبب لقلبها، أشعل الشمعات، الورد، اللافندر تحديداً، ويا للهول كان من بين الورد بضع زهرات من توليب!! زهرتها المفضلة، الشوكولا، الطعام الشهي من مطعمها المفضل، لقد ذهب لأطراف المدينة قرب العاصمة كي يحضر لها طبقها المفضل، تستطيع تمييز رائحته من الفرن، الورد مرصوص تماماً كما تحب، والشمعات ترقص في فرح حزين، كأن الشمعات تعلم تلك النهاية، الشوكولا الداكنة من مفضلتها، أشياء كانت تجعلها لا تبتسم فقط ولكن تترنم فرحاً وتتراقص حتى تصل إلى ذراعيه فيحملها ويدور حول المائدة في صخب طفولي عذب!

تنظر للأمر بسخرية، اليوم كان طويل حقاً، أحتاج للنوم!

تلحظ أنه في الحمام الكبير الملحق بغرفة النوم الرئيسية، تدخل غرفتها بهدوء، تحمل ملابس نظيفة، تخرج للحمام الصغير المخصص للضيوف، تستحم، تبكي تحت المرش، وتبكي وتبكي وتبكي، هي فقدت ذاك الشعور بأنها تريد أن ترتمي بحضنه وتقص عليه أخبار يومها، متى ستظل في هذا الأسر؟ لا تعرف، كيف سيشعر حيال سخطها؟ لا تعرف، كيف ستتصرف تجاه مودته الزائدة جدا، والمتأخرة جدا جدا جدا؟

تنتهي، تخرج مشعثة الرأس لا تقوى على تصفيف شعرها الذي تخلصت من طوله، وأعادت صبغه بالكستنائي الدافيء، صار مائلا إلى لون البندق، هذا اللون يريحها، ارتدت ثوبا مريحاً بعد يوم مزدحم، كان هو قد خرج من الغرفة هرولة إلى المطبخ، دخلت في هدوء وتمددت على السرير في تعب، لم تضيء القناديل، يكفي اشتعال قلبها بالألم كي ينير لها أي ظلمة قادمة!

نامت!

خرج من المطبخ إلى المائدة، أعدها على أكمل وجه، لا حظ حذاءها في الممر، عرف بوجودها، الساعة تعدت السابعة مساء، هرع إلى الشرفة، إلى غرفة نومها، وجدها مسجاة على السرير بلا غطاء، كأنها فاقدة للوعي لا نائمة، اقترب منها تلاحقه أنفاسه، مسح على رأسها، وحاول أن يحملها ويعدل وضعها على السرير، فتحت عينيها فرأته، وكأنما لم ترى شيئا، بطرف ابتسامة ساخرة أزاحت يده عنها، أمسكت الغطاء، أدارت وجهها وجسدها، وأكملت هذا الكابوس في سلام!

اشتعل ...... كاد يصرخ في وجهها، خرج مذموماً مثل خروج آدم من الجنة، كاد يصفع الباب ولكنه تذكر أنها نائمة، خرج يهيم على وجهه، كسر المزهرية الجميلة، مزق كالأطفال الورد،  جلس بجانبه ثم بكى!

يتشعل وينطفيء، احمرت وجنتاه وشفتيه، أخرج زجاجة ضخمة من الماء المثلج وصبها فوق رأسه لعله يفيق!

أقسم أن يقتلها، أن يجعلها تندم على سخريتها منه وإهانتها له، أسقط الزجاجة من يده وبكى، كالأطفال بكى !

الخميس، 25 فبراير 2016

١١- قمحية !

تميل بجزعها عليه بهدوء، تعدل شكل دائرة العجين، تقول برفق له " كلا يا عزيزي ليس هكذا بل أدرها بهذا الشكل لتصبح ناعمة الأطراف ومتناسقة"
يميل برأسه للوراء ثم يعود ليرى التعديل الذي وضعته لها، كطفل تعلمه أمه أصول الكتابة والخط، نظر لها متعجباً، كيف لتلك الملائكية أن تتشح بنظرة مكسورة في عينيها؟
يعرفها لأنه رجل خبير بأمور النساء، شيخ فوق الستين من عمره، قضاها بين ربوع الأرض يتنقل، شعره الرمادي يعطيه وسامة وجاذبية خاصة فوق جماله الطبيعي، ورقة قلبه ومرحه يجعلانه المفضل لكل طلاب الفصل من كل الأعمار.

فستانها الحنطي يميل مع بشرتها البيضاء، يضفي ضيّاً أخر لوجهها الذي ينيره الكستنائي بالضدّ، فإن الضدّ للضدّ أبين، تحب الكستنائي هذا، يشعرها بالدفء، بالوطن، أي وطن؟ لا تعرف لكنها تشعر بأنه لون الوطن!
حزام يلف خاصرتها بلون النبيذ الصارخ، ويتأرجح معها جيئة وذهاباً، تنورة الفستان واسعة قليلاً، تعطيها شكل دائري يظهر خصرها المنمنم، خاصة عندما يتشاكس لون النبيذ ويوسفي التنورة!

هذا الشاب هناك، يتابع حركاتها باهتمام، بحاول إتقان كل شيء تقوله أو تصنعه ولو لمرة واحدة، يتابع مرحها الرقيق وهدوءها المفاجيء وثورتها المجنونة، وحزنها الخلاب !

نعم، قد يصبح يوماً للحزن بريق آخر، بريق يفهمه من أنهكته الحياة، لربما طلَّ هذا البريق من إعجاب الشيخ بها، برى فيها كبرى بناته التي تركها في بلاد بعيدة ليستقر هو بأرض الوطن بعد طول اغتراب، رجل يميل إلى طباع اللاطبع، قد استقى من كل المناهل ، وعايش كل الثقافات المتضاربة، حتى صار ليناً جداً وسهلاً جداً، ولا يلوي على شيء! فقط يضحك ويغامر ويقامر ويبتسم لتلك الحياة التي لم يتبق فيها أي شيء له سوى المرح!

رغم انكسار النور في عينها، لا تتوقف عن السخرية من ذاك الوسيم، تعايره يوماً بحزن يلوح في سماء عينيه، " هل هجرتك حبيبتك؟" ينظر لها بلامبالاة ممزوجة بشيء من غضب وهدوء شديد، يعود لطبق الحلوى الذي يحاول تعلمه منذ أسبوع آملاً في أن يخرجه على أكمل وجه اليوم، تلاحظ هي انطفاءة حماسته، لا تفيد السخرية في إخراجه من شروده الذي لا يؤثر على حركة يديه المنتظمتين، تقترب، كلا يا عزيزي، لا تكثر من الطحين، هذا قد يجعلها صلبة مثل المرة الفائتة هل تذكر..." قاطعها: " نعم أنت محقة، انتظري" ، يصلح ما أفسده بملعقة أخرى من اللبن الحامض، قليل من السكر، ورشة من جوز الهند...

يشعر أن تلك الأم التي داعبت خصلات الشيخ كإنه وليدها البكر، ترعاه هو الآخر، تدب فيه الحياة من جديد، يفرغ ما قد خبزه في قالب حلوى، يضعه في الفرن وينتظر بشوق، بينما تنشغل هل مع مراهقة في الخامسة عشر من عمرها تحاول تعلم المربى، يعد هو طبق التقديم، يعد القشدة الحامضة التي تحبها هي مع الحلوى عالية السكر، بعض الكرز، أو بعض حبات العنب الأحمر، أم التوت البري؟

الرائحة تتصاعد، ويفور معها حماسه الشديد، يراقب الحلوى في الفرن، ويتعالى زهوه، لقد فعلتها، سوف ترون .

بنظرة معلمة تدرك نجاح الصغار ابتسمت، قالت: " لعلها كذلك تلك المرة" غمزت له بعينها، وتابعت مع الفتاة الصغيرة، أما الشيخ فكان مازلت يلعب بعجين الفطائر المالحة كما الأطفال، يشكل منها وردات صغيرة للآنسة، وفراشات للفتاة، وشارب كثّ لهذا الأرعن كما يناديه، ويطلب من أحد الصغار أن يقترح شكلاً للصبية الذين يلعبون في الخارج بينما أمهاتهن يتعلمن بعض الفنون هناك في الجوار !

يخرج حلواه الشهية، يزينها بطبقة سميكة من القشدة، يرش فوقها بعض الفواكه المجففة، يتبختر كالطاووس فرحاً وجمالاً، يقترب منها ويميل بحركة استعراضية، " حبيبتي !" تضحك وهي تتناول قطعة تذوب في فمها لقد أتقنها حقاً! "لست حبيبتك " وتستدير بحركة أشبه للإعتراض، يبتسم ويرفع صوته قليلاً " على الأقل أحاول "

يتنمر عليه الشيخ، يقترب من قالب الحلوى ساخراً، أعطني هذا أيها الأرعن، لا تحسن شيء، ينشغلان بالتذوق وإبداء الآراء والنقار ، مثل مشاكسات الديكة، يتشاكسان يومياً، ثم يعودان في لحظة مفاجئة لهمهمة جانبية كأن بينهما سرٌ عميق!

اعتاد الأبله ذهابها منذ الصباح الباكر حتى مغيب الشمس، لا أحد يقف بوجه امرأة إن أرادت الرحيل إلى نفسها، لا أحد يسرقها من عذوبة أفكارها الناعمة، إن نهشتها أظفاره يوماً، فلا يلومنَّ إلا نفسه!


الأحد، 21 فبراير 2016

لا شيء يضمك مثل الورق :)

أحب الورق

أحبه جداً بجنون:) ، كل عبثياتي السوداء والوردية فوق الورق، أو همسات في آذان الأحبة :)

فوق الورق أبعثر جنوني وترهاتي، أفكاري المجنونة والأمل المنبثق من بين ضلوع الألم العتيد، الحب وال... ما أظنه كراهية!

الورق يحوي فكرنا وعبثنا وروحنا، لهذا أنا من المجانين الذين يملأون خزائنهم بقصاصات الورق :) لهذا أحب الرسائل الورقية جداً، أخرجها من الدرج، أقرأها، أشمها، أحضنها، أطبع قبلتي فوق كلماتها الرقراقة، وأخبئها ثانية ^_^

عندما يضيق بي الحال دوماً أهرع نحو مدونتي، صفحتي على فيس بوك، أو دفتري :)

عندما كنت أحب أحدهم، كتبت له دفتراً كاملاً ، كتبت له كل الألم الذي شعرت به، معظم صفحات هذا الدفتر الفيروزي مموجة من أثر الدمعات أثناء الكتابة، أكتب عادة من اليسار إلى اليمين :D

لا أعرف السبب لهذا الأمر لكني أكتب الأشياء خاصتي من اليسار إلى اليمين، قليل جداً عندما يأخذني الأمر من اليمين إلى اليسار! مجنونة أعرف، لا بأس لقد تعايشت الأمر، لكني أجد صعوبة عندما أفتح أي شيء يخصني أمام أحد الأصدقاء أو الغرباء، لعل أحداً لا يعرف هذا الأمر عني سوى صديقتي الصدوقة حسنة :) منذ كنا في الجامعة كانت تلاحظ، كانت تصرخ في وجهي متعجبة، ثم تضرب كفّاً بكفّ، ثم لا تجد تفسيراً لدي فتسكت، أو تتعهدني بالسخرية طوال اليوم حتى تملّ، ظلَّت هكذا لفترة ثم اعتادت هي الأخرى الأمر، حتى باتت تراقب هي نظرات المتعجبين من حالي :) #العشرة

بعدما أتممت دفتري الفيروزي، كان هناك هاتف في قلبي يخبرني بأن صاحب الألم بداخله سوف يعود، لكني كنت قد حسمت أمري، الحب يمنح مرة وأخرى، لكن إن طار طائره لا يعود أبداً مهما اكتوينا من الألم، وهكذا قررتُ، أني لن أعود أبداً، إن امرأة عشقت إن أدارت قلبها لا تعود...!

كنت أتمنى أن ألقى صاحبه وأعطه له، كنت أتمنى في بدايات كتابتي في الدفتر أن نلتقي ثانية وأن يقرأه برفقتي، لكن شهور تمرّ وجنونه يستعر، ويستذئب الألم، ينهشني في كل ليلة، حتى قررت أني سوف ألقيه بوجهه، ثم بعض العقل، كلا ليس من حقه أن يراه،

في خضم هذا الجنون، وبعد شهور عدة، فتحت الدفتر منذ شهور طويلة، قرأت منه بضع مقاطع، أذهلتني قدرتي الرائعة في الوصف والسرد، وجدت أن الألم قد يكون مبدعاً حقاً بعض الوقت :)

ويومها اتخذتُ قراراً جنونياً آخر، أني سوف أنشر هذا الدفتر، سوف أنشر بعض مقاطعه ولربما كله يوماً ما، هنا أو على ورق حقيقي، ورق يحوي نفس التموّجات التي أحدثتها الدموع!

لا يشيء يسمعك بهدوء وتعقل مثل الورق، لا شيء يمنحك ذاكرة أخرى مثله، ولربما حبيبٌ مخلصٌ عزّ بينكما اللقاء، فيصبح الورق خِـلٌّ وفيٌّ حتَّى نلتقي :)

لهذا، إن أصابك أي شيء، اكتب، ارسم، خطّط، اصنع لعبة من ورق، طائرة أو مركباً، وأرسل معه أمنيةً، أمنيةً لنفسك، لذاتك، للحرية، للعالم، للحلم، لأحلامك، لا لأحدٍ آخر.


ولهذا، هناك دفتر فارغ :) سوف أملأه تلك المرة بالأشياء السعيدة، بالبسمات والهمسات والكلمات الحلوة، بالورد والسحاب وغزل البنات، بالشيكولاتة، والمخمل الأحمر، بكعكات السكر والقرفة، بالقهوة، بالنسيم، بالمطر والشتاء، لربما الربيع يصدق تلك المرة ويأتيني بأمنية سعيدة فأكتب عن فراشات الربيع :)

حيث أن الشتاء يأتيني دائما بالحب، والربيع رغم حبي له كان دوماً ذكرى فراق!

صحيح لم أكتب في هذا الدفتر حتى اليوم، صحيح أنه لا حب ولا ورد يلوح في الأفق، لكني لن أفقد الأمل أبدأ أن أكتب فيه للورد يوما وعن الورد والحب والفراشات الجميلة ^_^

السبت، 13 فبراير 2016

تائهة بالطرقات ....

هل كنت تنتظر تلك اللحظة بفروغ الصبر؟

أن أرحل؟

أن ترحل؟

أن يُهيَّأ لنا الرحيل دون أن ندري؟

هل كنت تنتظر أن ألوح لك من بعيد؟ أخبرك أني أريد الخلاص؟ أني أريد الذهاب بعيداً؟

ألم أخبرك أني سأطلب الرحيل كثيراً عن دون قصد فلا تتركني لجذب الرياح الشديدة؟ أعدني إلى الكهف، واتل عليّ الأماني الجميلة التي سطرناها في يومٍ صافِ الوداد؟

ألم أخبرك، أني أحتار فيك احتياراً قاتلاً؟ أني أريدك وأخشى جلَّ ما أخشى ألّا أكون مثلما تريدني؟

ألم أخبرك، أني لا أعرف كيف أحبّك، وأني أحبّك وأنّ ما يعتمل بقلبي كان كـوَأْدٍ نجا من قضاه؟

الآن يا "أنا" أسير بالطريق تائهة

كأني ضللتُ طريق السكن ... وأنت السكن !

الآن يا "أنا" أهيم بالطرقات باحثة عن ظل شجرة أستريح فيه من الدوران حول كل شيء يصبح بالنهاية ليس أنت، فيختفي الظل بعد ساعة واحدة، وتلفحني شمس ملتهبة بصحراء الطرق المعجوجة بالسائرين فغصَّت بهم ، وضاقوا بها، أفيق لنفسي أن الظلال يا "أنا" لا تدوم! وأني ضللتُ الطريق إليك!

الطرقات باردة جدا، وحارة جداً، ضاجَّةٌ جداً، وموحشة جداً !

أتكلم مع كل المشاة هناك، أضحك لهم وأسمع كل النكات الجميلة والساذجة، وأضحك جداً بصوت عالٍ، وقلب حزين!
وكلما انتهيت إلى درب جديد، أسير به، لعله الموصل إلى البيت، لعلي هناك ألتقط أنفاسي من راحتيك، لعلي هناك أضع رأسي المتخم بكل الصراع وكل الخوف، هناك فقط على ساعديك، فأتيه من جديد، كأني أسير في متاحة من طريق!

كإني فقدت كل رفقتي فجأة، كل أصدقائي، كل الضحك، كل المرح، كل الحب، كل السكن، كأني تائهة ضللت طريق الرجوع للوطن، ألم يجدر بهذا الوطن أن يبحث عن رعيته الضليلة؟

أم أن الوطن لم يعد وطناً بما يكفي ليفعل؟ أو أن الوطن بحث في المدافن القديمة عن بقايا بشر؟


وأنت يا "أنا" كظلي كروحي كشمسي وقمري، كشيء أبصر منه البشر، كبؤبؤ عيني، لا أشتاقك ولا أشعر بأني أسير في الوطن!!!



الخميس، 28 يناير 2016

هل نحن نحن عندما ينخر فينا الحزن ؟

ويقتلنا الصمت

ويرجونا الأمل أن نطل من نافذة الصباح فلا نقدر؟

هل نحن نحن عندما كانت تلمع عيوننا لبسمة وترقص قلوبنا بلقاء؟

هل نحن نحن حينما نؤثر الصمت ؟

صارت الأفكار تبتلعنا، تأكلنا، تنهش في عظامنا النخرة!

الأربعاء، 20 يناير 2016

إن امرأة تكتب ......!


إن امرأة تكتب ، لهي قادرة بشدة على قراءة كل الماورائيات ، ما وراء الدمع والرسم والحكاية ، قادرة على الغوص في تعابير وجه العازف لتقل ، ليت محبوبتك التي هجرتك تسمع هذا اللحن القاتل الأليم !

قادرة على فهم كل ما يدور وقتما يدور وحيثما يدور

قادرة تماما على الحياد ، الوقوف على أطراف الصورة وجمع أشلاء المعالم من كل اتجاه !

إن امرأة تكتب ، قادرة على التفهم والمصالحة والتسامح وإعطاء الفرص اللانهائية من جديد ، قادرة على منح أحد الشخوص فصل جديد في الحكاية ، فصل يصحح فيه خطاياه ، ويمنح نواياه الحسنة الدفينة مجالاً للخروج والرقص .

إن امرأة تكتب ، تمنح الحياة لشخوصها بخطة قلم ، تفهم تماما كيف أنها تقتل آخرين بخطة قلم أخرى !

إن امرأة تكتب ، تفهم جيداً كيف نقتل البشر ثم نبكي موتهم ، نبكيهم بصدق وبعمق وبحب وبحرقة قلب ، نبكيهم كالضحايا وكأنا أيضا ضحايا القاتل الأثيم !

إن امرأة تكتب، هي امرأة تهيم بالتفاصيل ، تعيش بها وتتنفسها ، إنك لن تفهم أبداً لماذا قد يثير جنونها عدم ارتداؤك هذا القميص بالتحديد في تلك الساعة المحددة ! إنك لن تفهم أبداً تشبثها بالمواعيد والتواريخ والدقائق ، التفاصيل يا سيدي ، التفاصيل تنسج الحكايا ، لا تعبث معها إن اختص الأمر بالتفاصيل ..... كل حياتها تفاصيل !
إنك لن تفهم ، لماذا هذا المكان تحديداً ، لماذا تلك الطاولة وليست الأخرى ، لماذا تلك الزاوية البعيدة أو القريبة أو الصاخبة أو المليئة بالدخان رغم أن السعال يقتلها !
هي لا تملك التفسير، هي لا تفهم منطقية الأمر، لكن الصورة عندها هكذا ، أنتما هكذا في زاوية عقلها المتخم .. بالتفاصيل!

إن امرأة تكتب، كرجل يمسك خيوط الحكاية ولا يفلتها ، يحرك الماريونيت ويتحرك معه ، يراقص الدمية ويرقص معها ، يرقص من قلبه معها ، ويبكي الدمية وقطرات دمعه هي التي تتساقط ، لا تقل أبداً أمامه أن شخوصه ليست حية، وأن قصته كانت من خيال !

إن امرأة تكتب ، قد تفهم يا عزيزتي لماذا يضطرب قلبك بالحب ، ومن الحب، وبحثاً عن الحب، قد تفهم لماذا رحلت عنها، لماذا آلمتها وحيدةً، ولماذا يعاودك اضطراب الحنين من جديد، خبيرة هي بالحكايا، خبيرة بجوانبك الخفية ، تلك التي لا تظهر في سياق القصة المستقيم لكنه مفهوم من بين الأسطر ، يقولون في الأدب ، نهاية معروفة = حبكة ضعيفة ، لكنها تحب المعرفة، لا تأبه للنهاية ، النهاية ستجيء وحدها ، طال الأمد أو قصر .

امرأة تكتب، تعرف جيداً تعاريج القدر ، وتكرهها ، تود لو أن الاشياء تمشي بسيطة وسهلة ومستقيمة ، لكن ما باليد حيلة ، تلك التي يسمونها الحبكة ، تلك التي يسمونها ملح الطعام للطبخة ، تستخدمها ، لكنها تريد في كل زاوية كتاب أن تترك صندوقا فيه الخفايا ، خفايا القلوب المضطربة !

هي تعرف خبايا قلبك، قرأتها، فهمتها، وفضلت أن تسير وفق النسق ، فضلت أن تتم عليك الحبكة القدرية التي اخترتها أنت، فلا تحزن إن وضعت هي النهاية بخطة قلم ! قاتلة تلك المرأة حين تثور!

إن امرأة تكتب ، تقف دائما هناك، في المفارق، لا تختر طريقا، ولا تسلكه وحدها، تقف فوق البوابات، تحب أن تتمعن في السالكين والخارجين ، لون شعرهم، ونسج ملابسهم، وترسم لهم نهايات أخرى أو طرقاً أخرى .

لا أعرف كيف يؤمن أحدهم بغير المنطوق أكثر ؟ كيف يؤمن أحدهم باللامنطق ؟ كيف يسير أحدهم وفق الحدس أكثر من سيره خلف الأدلة؟ ربما لأنها اعتادت هذا الأمر من شخوص الحكايا ؟ ربما

إن امرأة تكتب، يقتلها الأمل ألف مرة بسكين الألم، ولا تموت ولا تتب !
تصر أن تفاح الأمل طعام مقدّس، يجب أن تزرعه في قصصها وبستان حكايتها!


“و لما كنت مُدَرِّسة بحكم عملي الوظيفي لما يقرب من نصف قرن‘ فقد ترسّخ في وجداني أن إرسال خطاباتِ يأسٍ إلى الآخرين عملٌ غيرُ أخلاقيّ.” **رضوى عاشور- الصرخة

“الكتابة فعل أناني وطارد
يفرض درجة من العزلة الداخلية، ينفيك عمن حولك أو ينفي من حولك ويضعهم على الرف إلى حين
فعل ينفي الآخرين ليخاطبهم ويكتب حكاياتهم، يقصيهم ليراهم أكثر
يبتعد ليقترب، ويعزلك ليتيح لك تبديد وجودك المفرد وإذابته في وجودهم ومكانهم وزمانهم
عجيب !” **رضوى عاشور- أثقل من رضوى-


إن امرأة تكتب ، ترى كل الخيارات مفضَّلة ، وكلها سيئة ، تشغل قلبها بما قد يترتب على كل اختيار، وترسم له مسارات عدّة، تفترض كل الفروض ، تتوقعها، توازنها، ثم تقف في المنتصف، لا تقرر، ولا تنسحب !

يدور في قلبها ألف حوار، كلمات قد تجرحك تريح عقلها المتعب من التفكير وتوخز في قلبها المنسوج من الألم، وكلمات قد تريحك تشطرها إلى نصفين، تجعلها في صراعها الدائم والمتعب مع باقي الفرضيات المتاخمة!


إن امرأة تكتب، تريدك ولا تريدك بالمرة، تلملم أثوابها راحلة تاركة قلبها لديك، أو تطلب منك البقاء وقلبها راحل عنها، هي تنشغل بتفاصيل الرواية وكأنها ليست لها، هي تنشغل بالاحداث كأنها أشياء لا تعنيها، هي تقف دائما فوق الصورة على حافة الإطار المزركش، تريد أن تعرف كيف تصح فرضايتها بالأمل؟ هل الأمل عقيم حقا؟ أم أن اليأس هو الذي يعمل كالحدأة يخطف الأطفال الصغار؟

إن امرأة تكتب، لن تختارك أكثر من مرة، لن تتوجك في أكثر من رواية، لن تنهي عليك تفاصيل حكايتها، إن خطت كلمة النهاية فلن تضف، وإن كان في قلبها بقية فسوف تبدأ بها حكايات جديدة مع الظلّ ، حكايات لن تحويك، وستبدو فيها ما ظننت أنها بقاياك كلمات غريبة عن أسطر كلامك !

إن امرأة تكتب، لهي امرأة قاتلة، تقتل أبطالها بخطة قلم، تمنحهم الحياة والفرص عشرات المرات، فإن رمت بالنهاية فلا شيء يجعلها ترجع !

الجمعة، 8 يناير 2016

الثقب الأسود !

هذا الفراغ داخل الروح ، يبدأ مثل ( خرم الإبرة ) ثم يبدأ في الاتساع تدريجياً حتى يبتلعك !

قلب نازف محترق ، وأصابع متجمدة ، ونهر من دموع جارف يستبيح كلتا عينيك ، حتى لا تميز الصورة ، ولا ترى الألوان !

هذا المكان الأسود ، الرياح فيه قوية جداً ، تعصف بك ، كخرقة بالية يتخللها ريح الإعصار فتتمزق وتتهاوى ، كل شِلوٍ في اتجاه ، حتى يمزقك ألم الشتات !

حيث تشعر بالعري ، والخزي ، والوحشة ، والوحدة ، والضعف ، والخوف ، والفقر الشديد بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
حيث تجمع يديك حولك ، كأنك تضم نفسك الهاربة إلى نفسك الخائفة فتطمئن ، لكنها تئن !

تتسع الصحراء الباردة حولك ، لكنها ليست فارغة ، مليئة بالشخوص والأشباح ، كل الأشياء حولك تنهشك، تصرخ بك ، تغتصبك ، تتحرش بخوف ودمعك وألمك ، تتنمر لأنينك المنبعث من عمق قلبك ، تصرخ كأنك لا تصرخ ، تشخص بعينيك في السماء وكأنها أملك الوحيد ، تصرخ ليست تلك المرة يارب ، ليس تلك المرة !!!

لماذا الموت جباناً هكذا ؟ يأتي حينما نفرح ونهرب منه ، يأتي متخفياً ، يسرق منا الفرحة ، ويسرقنا منها !

لماذا لا يكون الموت شجاعاً ، يخطفنا -حين ننتظره- كالفرسان ؟

نعرف الهوّة التي تسحبنا ، نعرف تلك النهايات القاتلة المشوبة بالدماء ، نعرفها في جلّ لحظات الفرحة ، غادرة تلك الحياة تغتالنا في العام ألف مرة !

لا تعرف هل تتمنى الفرح في أحلك لحظات عمرك ؟ تلك النهاية التي تعرفها وتنتظرها ؟ تلك الفرحة التي تنشدها وأنت تعلم أنك لن تعرف كيف تتعامل معها بشكل صحيح فتغرد لك كعصفور الطلح بدلا من الهروب كالطيور المهاجرة !

فتقف حائراً أمام باب السماء، هل تطلب الموت لأن حزنك الآتي لا قبل لك به ، أم تطلب الفرحة وفرصة أخرى للعيش !

هل تصدق حينما تسأل الله أنه يارب كلاهما سواء ؟ هل تصدق وقتها ؟ أم أنك من الخوف تتلبس بمظهر الورع التقي؟

يشتد الريح ، ويتجاذبك الخوف من كل اتجاه ، تلملم نفسك وتصرخ ، تبكي كالمصروع أو المسحور، تبكي بحرقة وبشكل عصبي ، تبكي والجمر يتساقط على وجنتيك ، تبكي وأنت تعرف أنك ستقضي أيامك باكيا !

تبكي لأنك ترى طيف الثقب الأسود يلوح من بعيد ، يتسع بعدما كان تضائل من زمن بفعل الحب والفرح ، يتسع بشدة ، يقترب منك كغاصب معتدٍ ، يقترب بضحكة الأشرار الساخرة تجلجل في أصداء الصحراء الخاوية إلا من جسدك البارد العاري ، أصداء ضحكته مرعب ، وصوت الهوّة فيه مخيف ، مخيـــــــــــــــف جداً ، ترتعد ، بشدة ، يصبح صراخك خاويا، وجسمك أزرق ، أصابعك المتجمدة ، حلقك الجاف ، وريقك الذي يسيل من الرعب في عكس اتجاهه إلى شفتيك المرتجفتين الأرجوانية ، وجهك الأصفر ، وعيونك المتضخمة من البكاء ، ووجهك الأصفر من مرارة الدموع كالصبر بأشواكه تنحت أخاديد جديدة في ملامح وجهك الطفل العجوز !

يقترب متباهياً ، وأنت ، كطفل هارب من شبح العفريت أو اللص في زاوية باردة مظلمة في البيت يعرف مصيره تحت سكين السفاح !

الإنتظار أشد فتكاً من القتل !

الأمل الكذوب ، هل كان كذوباً ؟ يجعلك تنظر للسماء في رجاء بائسٍ !

هل تسمعنا يا الله !

هل يغير خوفي ودعائي وانكسار رجائي القدر كما قالوا يا الله ؟

هل ينقذني؟ فتشرق الشمس وضّاحة تخيف الثقب فيرحل كما ترجل أشباح الظلام بيد الفجر الصارخ بوجهه الأبيض الوضّاء ؟
يا الله ! أرجوك ليس ثانية !

كلانا يعرف أن الثقب يغرقني فيه لسنوات حتى أخرج !

كلانا يعرف أني أغرق فيه ولا أستطيع العوم !

كلانا يعرف أن الهوّة اتسعت وأن الثقب أصبح أكثر عمقاً من كثرة ما دخلتُ !

كلانا يعرف أن الأمر مخيف وقاتل ، يمتص دمائي ونوري وطاقتي وضحكتي وأملي وروحي وكل شيء كل شيء !

كلانا يعرف أن بقايا خطوطه السوداء مازالت عالقة بجسمي وروحي وكلماتي وأملي وأيامي وكلِّـي !

كلانا يعرف أن قلبي لم يعد يحتمل الدخول مرة أخرى يا الله !

لكنه اتسع كثيرا طوال الليل !

لكنه ابتلعني بلا رحمة هذا الصباح !

لكنه لا يأتي إلا ومعه سكين انتحاري !

ولا أعرف ، بسكين من سأموت تلك المرة ، سكين الثقب التي أحضرها لي كي أقتل نفسي ؟ أم سكين الشبح الأسود نفسه في وخز المرض ؟