الأحد، 6 مارس 2016

14- بيضاء ..... ٢

يا ويلي !

كم نحن أغبياء ، نحن البشر أغبياء جدا، نعرف جيداً ما نريده لكننا نتظاهر بكل شيء عكس ما نريد!

لماذا لا نفصح عن الشوق الذي يغلي في قلوبنا وعروقنا؟ فقط لأننا نخاف، نخاف أن نواجَه بشوق أقل، أو فتور عظيم، نخاف ألا يبادلنا أحدهم ذات الشعور، أو يتعاظم قلبه على نبل قلبنا وضعفه في حضرته، أو نخاف أن نصبح فريسة للخداع والاستغلال من الطرف الآخر!

تلك الخبرات السيئة جدا التي نكتسبها كحيوانات مفكِّرة، دوما تلجم العقل والقلب عن التفكير والتصرف!

أحب الأطفال، نعم أحبهم، لأنهم إن أحبوا أخبروا، وإن كرهوا؟ إنهم يغضبون ولا يكرهون، فإن غضبوا أقاموا الدنيا وأقعدوها على هواهم، وتمسكوا بما يريدون، لا ينظرون للفوارق، ولا يحسبون للحواجز أي حساب، إن أرادوا الفرار منك إلى حضنك فإنهم يفعلون، يخبرونك أنهم يخافونك، ويخبرونك أنهم لا ملجأ لهم إلا صدرك، فينامون هناك قريري العين!

الفطرة تكسبنا الشجاعة، أما الخبرة، فتكسبنا الجبن، ولأننا أنويُّون جدا، فقد أسمينا هذا الجبن باسم راقٍ يليق بغرورنا وعجرفة نفوسنا، أسميناه  " الحذر "

عندما نعجز عن اتخاذ القرار، تتصارع في نفوسنا كل الخبرات السلبية، كل الخوف الذي يصور محبوبنا وكأنه الدجال، والذي يصور كل تقديم للسلام والحب على أنه استسلام وضعف، ثم تعلو أناتنا العليا وتسود، فيغرق الحب في اللاشيء!

ألم يكن يشتاقها كل الشهور السابقة؟

بلى !

ألم تكن تنتظره كل تلك الساعات واللحظات حتى أتعبها التمنى؟

بلى!

فلماذا يحذر كل منهما صاحبه؟ ولماذا يفضل كل منهما أن يصبح ردة فعلٍ لا فعلاً خالصاً جريئاً صريحاً؟

التصقت بصدره، لعل فرصة النوم أعطتها المجال للاختباء به منه ، مثلما كانت تريد أن تفعل لشهور، أن تغوص بقلبه وتبكي، أن تدس وجهها في صدره وتختفي عن عينيه في عينيه، وتتجنب جنونه في أحضان عطفه، وتتجنب غضبته في جنح محبته وشفقته، وتثور تثور بين ضلوعه كتنهيدة ساخنة زافرة!

التصقت به، وكأنها أخيراً عادت إلى البيت تختبيء به عن شرور العالم، عن صفاقته وعبثه وكذبه!

ويا للعجب، عاد لها ذات الشعور، بأنه البيت والسكن والملاذ الأخير!

ونامت، بعدما كان التظاهر نامت، ملء جفونها نامت، لأول مرة تنام قريرة العين تتشبث بتلابيب قميصه كأنها تخاف فراره أو فراقها، تضغط برأسها تحت ذقنه كأنما تغوص، ويضمها هو كأنه يتمسك بها أكثر وأكثر، يطمئنها أكثر وأكثر، ويذوبان!

الشمس تميل،

الليل نهار العاشقين، والهاربين أيضا!!!!

فتح عينيه ، رآها تنام كصغيرته الهاربة من كوب اللبن!
ابتسم
عادت إليه ثقته المكسورة بالحب، عادت إليه ملاكه المتمرد الصغير، طبع قبلته على رأسها، وراح يفكر، ماذا ستفعل حينما تفيق فتجد نفسها متشبثة به كطفلة تمنع أباها من الذهاب إلى العمل بدونها؟ فقررت النوم فوق صدره ومحاصرة أذرعه؟

هل يوقظها؟ يتأملها؟ اشتاق تأمل نومها وهي في حضنه، واشتاق تثاؤبها المجنون وشعرها المشعث لحظة الاستيقاظ!

سوف ينتظرها وليكن ما يكون!

كلا

سوف يتظاهر بالنوم حالما يشعر بها تفيق! نعم سوف يراقب ردة فعلها ثم يتصرف!

تتقلب، ترفع رأسها ثم ترتطم بالوسادة، تلوح بذراعها فتصطدم به، تفيق، تفتح عيونها بصعوبة، آآآه ! تتذكر وجوده، تلم شعثها وتبتسم، تمسح عن عينيها آثار النوم، تنظر إلى عينيه اللتين تبدوان غارقتين في النوم، تبتسم ، تعتدل، تضم ذراعه وتقبلها، ثم تطبع قبلة ناعمة على خده، تجلس، وتمسح على وجه كأم حنون، تحضنه في اشتياق جمّ، تبتسم له وهي تمسح شعره، ثم تقوم إلى الحمام!

تغسل وجهها وأسنانها، لأول مرة تتفحص وجهها في المرآة بهدوء منذ شهور، تلاحظ هذا التلأليء الذي ملأها، تفرح، بل تضحك، تنوي من صميم قلبها أن تقبل عذره إن اعتذر، والحذر؟ يجب على بشريتها أن تطغى على ملائكية الطفولة، سوف تأخذ حذرها ولن تشعره أنها تصدقه من المرة الأولى، تبتسم للفكرة، تصلح هيئتها وشعرها وتخرج..... فتراه .... كالشبح!

اختفى  . . . . . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق