السبت، 7 نوفمبر 2015

١٠- أبــيـض !

من قال أن عيوننا دوماً تدرك تلك الصورة الكاملة ؟

لا تخلو الصور من تناقضات واضحة ، البعض محمود يظهر جمالها في تراشق الألوان المبهر بين الناري والبارد ، والبعض يدمر التفاصيل ويحيلها ناراً من دخان الشر وأبخرة الغيرة !

عيوننا تلك لا ترى كل شيء ، قلوبنا ترى ، وقلوبنا تحجب الرؤية .

ثم من قال أن الإنسان حيوان ناطق وفقط ؟ الإنسان حيوان ماكر ، طور غريزته في البقاء ليتقمص دور الذئب يوماً ودور الثعلب أياماً .

مسكين ، يعرف قدر نفسه ، يعرف ضعفها وهشاشتها ، يحاول باستماتة التستر من أي خطر يخشاه ، حتى لو لم يكن خطراً ، حتى لو كان نفسه التي بين جنبيه ، فصار يكذب ، ثم يلون الكذبة ، ثم يصدقها ويعيشها ويتعايش معها ، حتى تهزمه حقيقته ، حقيقة نفسه ، أنه هش ، وضعيف ، وأجوح إلى الذي تهرَّب منه من الهروب في ذاته !


يحبها ، يشتاق ، يحادثها كل ليلة في منامه ، يهرب منها صباحاً ، يتشاغل ، يصنع جزيرته الزائفة ، يخدع قلبه بنجاحات لامعة ، يشاغله كطفل في مهد الحب تركته أمه وسط الصحاري الموحشة ، يتعب من العمل ، يعود منهكاً فينام ، صار يشغل رأسه بأمور كثيرة وتفاصيل كثيرة حتى لا يهزمه عقله بحلم هي سيدته ومليكته !

تشغله التفاصيل المملة ، وتغرقه ، الأمواج الجديدة تأخذه ، لكنها لا تنجح للنهاية في الخداع ، لابد من ارتطام زورق الكذب الهش بشطآن حقيقتها الصلبة .

بيضاء بنورانية تلمع في عيونها ، لأجله ، لأجل عينيه .... ثم تنطفيء إذا ما استدار !

يجلس بعد العصر ممسكا دفتره ، يدون ما يدون كل يوم من أحداث ، يتذكر ورقة أوصاه الطبيب بقرائتها ، يفزع من مكانه بحثاً عنها ، يظن أنه أضاعها في أشياءها التي كان يتنفس عبقها ليلة أمس بعدما غرقت في غيبوبة النوم من التعب ، فتح تلك الأدراج التي لم يفتحها من قبل ، فتح أشيائها التي طواها ليلة البارحة على عجل ، قميصها الزهري المزركش بوردات الربيع البرتقالية ، يشمها ، يحضنه ، ينطوي بداخله ، ويعود إلى حيث كان ، إلى حيث حبها يأخذه إلى عالم الملكوت .....

يؤلمه قلبه ، في ثورة لم يعهدها ، يبكي ، يبكي بشدة ، يتوشح قميصها ، يعود إلى خزينته السرية ... يعود إلى حيث كان يسطع حينما تسطع نجمتها ........

يعرف كيف تكسر الدنيا قلوبنا فنكسر نحن قلوب أحبائنا عن عمد تام وبلا قصدٍ خالصٍ !

يقوم من مكانه ، يرتب الأشياء ثانية ، يحمل مفاتيح سيارته ويذهب ،

يحضر الشمع والورد والشيكولا

يحضر تلك الرائحة التي تملأ قلبها بأنفاسه التي أوشكت على نسيان كيف تكون رائحتها شهية في الشتاء !

يحضر اللافندر إلى ركن قلبه الركين ثانية ، بعدما كان أشبه بالمهملات الكبرى !

ينوي أن يفاجئها بعشاء دافيء في أمسية توشك أن تمطر .... في طقس لا ينبيء بما هو قادم أبدا ! مضطرب مثل قلبيهما تماماً !

يخفف إضاءة البيت ، يبحث عنها بهدوء ، ليست هنا ، يفرح ويقلق بذات الوقت ، يضع قلقه وقلبه في تلك التفاصيل التي تمتعها ، يرتب الوردات كما اعتادت هي أن تنبهه تماما ، يصنع فنجانين من الشيكولاتة الساخنة ، يضع العشاء في الفرن ويضبط الوقت ، يشعل الشمع ، ويملأ الأركان برائحة اللافندر ....

تحت المرش ، يعود صبياً ، يعود إلى أبيض قلبه ، يصبح ورقة جديدة ، يقول لنفسه فليكن ما كان كائن في ماض سحيق ، كيف أقتل قلبي والحياة كلها في صوتها وضحكتها ؟
ينوي أن يصبح كل شيء بينهما هذا المساء وليدا كما كان ، صغيراً ليكبر من جديد في بستان هما راعياه ، ينوي أن يخرج كل ما في قلبه هنا ، تحت زخات الماء ، كأنه يغسل وجع أفكاره بذاك الصابون .
سوف يفتح قلبه وآذانه لكل ما ستقوله هي ، سوف يضمها بقوة ، سوف يحمل كل الحزن عندها ، سوف يتسخ بآلام خلفها عناده بدلا من قلبها الصغير ، سوف يهدهدها على ذراعيه كطفلته المحببة كما اعتاد ، سوف تبكي كثيراً ، هو يعلم كيف تبكي وكيف يخنقها الدمع ، سوف يحملها في صدره ، سوف تنام هناك ويمسح عنها العرق والدمع والشعر المجنون الذي يثور لثورتها ، سوف يجعل صدره سكنها كما كان دوما ، سوف يحملها إلى سريرها ويمسح عنها النوم صباح اليوم التالي ويرى الشمس لأول مرة من جديد تطل من ثغرها الباسم الصغير !


كان اليوم متعبا وطويلا حقا ، أول مرة تدخل البيت بعد الغروب بمفردها منذ تزوجت !

دخلت ، وضعت حقيبتها جانباً ، ابتسمت لليوم الذي ملأ قلبها سعادة وحباً ، أغمضت عينيها في رضاً ، تخللت رائحة اللافندر جسمها ، فابتسمت ، فتحت عينيها لتجد ما حمله لها هذا الصغير الكبير هنا !

بطرف ثغرها رفعت بسمة ساخرة ... لمست الورد بقلة اهتمام ، أوجعها صدرها بشدة ، قلبها يقتلها ، ضمته بقبضتها تضغط مكان الألم ، تحمل حقيبتها بخيبة أمل وألم ، تصعد غرفتها ، تغلق الباب وتلقي بجسدها النحيل المسجى على السرير لتغرق في غيبوبتها قبل أن يجتاحها البكاء ! 

الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

بائعة الورد :)

بائعة الورد أم بائعة الحب ؟

تلك الوردية بقوس قزح ؟

تلك التي تنثر البتلات أينما مرت ؟

تحب الخريف ويحبها الخريف، تمطرنا في الخريف بأوراق الشجر الملونة ، وتزهر كما الوردات الحلوة في الربيع مشرقة من جديد !!

تحب الشتاء ، تحب كما الشمس دفء أغنيات المطر ، تحب دفء الشاي وجنون القهوة !!

تلك التي تنثر النور وقلبها يعاند الظلمة المتسربة إليه بعنف من كل الزوايا

تنثر الورد تحارب برائحته فتوة  عفن الدماء المحيطة بكل مكان .

ترسل الحب ، والبسمات ، والضحك ، ترسل الدفء ولا أحد يعلم شيئاً عما تخابر ؟ حبا بحب؟ أم صخباً وألم ؟

بائعة الألوان ........

الألوان تحبك يا شيماء .... الألوان تحبك وتسير في ركبك فرحانة :)

والورد يحبك ، يحبك جدا ، يليق بجمال قلبك ، يليق برقته ، كما تليق البندقية به !

والثورة تحبك ، والجنون والصخب ....

تسير في الميادين تحمل بين ضلوعها قلب يثور لألف عام قادمٍ ، قلب يحمل ضي الحب ، ونار الثورة .

عجيبة أنت يا بائعة الورد .... يا رقية .... يا مريم .... يا جميلة ..... هل  تذكرين ؟ :)

عجيبة أنت كإحدى المدن العتيقة الجميلة ، تفوح منها رائحة العطارة والبخور ، راقية كوجه المدينة العريقة بقصورها الفارهة الراقية المنعمة المستقلة ، وبسيطة كبيوت الريف الدافئة .
جامع هندي يحتل ناصية شارعك يطل عليه قصر فارسي مزركش بحدائق غنّاء أندلسية الطابع والعطر ، يسري عبر القصر نهر الأردن ، ونهاية الشارع تنحني إلى اليسار بعطفة مقدسية ، ساحة تطلع من بعيد برائحة الغاز المسيل للدموع ، عجيب هذا الأمر يقسم الزمن إلى نصفين ، ما قبل الحلم وما بعده ، سحب سماءك من جزر اليونان تتكون ، وتمطر بزاوية الشارع الجنوبية ، حيث تعود رائحة العود والصندل ، حيث تفوح روائح الكعك ، من بيت يخبز كعك القدس ، يجاوره رجل حلبي يصنع بعض النابلسية ، جميلة حلب في عينيك :) وجميلة جدا جدا جدا دروب القدس حين تطل

عجيبة أنت ، كصفحات كتاب ، فيه تعاريج الجغرافيا ، وفيه قصص التتار والمغول ، وفيه الورد ، وفيه الفن ، وفيه قطعة موسيقى تسري بالدم كما السكر ، وفيه نقوش عربية ، وفيه ... أتدرين ما فيه أيضا ؟ ثوب امرأة قدسية ... وفيه المغزل والطابون ، وفيه النرجس ونوارات اللوز ، وفيه رسوم زرقاء تعرج على غرناطة ، وتحمل نقشا أندلسيا ! ، فيه الشعر يا سيدتي ...... الشعر لكِ .... كل كلام الحب لكِ .... وكل كلام الحرب لكِ .... وكل كلام الثورة لكِ .... وكل كلام النور لكِ


بائعة الورد ، وورد كلامك أغنية ، تحملنا من أنفسنا ، من أوجاع قلوبنا ، من صخبنا وحيرتنا ، من جنون أفكارنا ، إلى ..... كلا ليس هدوءا أبدا ، لكن ، مسرح .... أكثر دفئا أكثر صخبا أكثر ضحكا :)

تنثرين الورد ..... تنثرينه كالجنية الطيبة مع سندريللا :)

تنثرين الدعاء ..... كتراب الجنيات السحري .. :)

وتحملين في قلبك دعوات حرة .... توزعينها كلقمات الزاد في أفواهنا نحن الصغار :)

بائعة الورد

أيتها المدينة العتيقة

أيتها الرواية المنسية

أيتها الوردة العبقة

كل عام وقلبنا بخير في صحبتك :)

كل عام وقلوبنا دافئة في حضنك :)

كل عام وأغاني الشتاء ليست حزينة ، بل فيروزية وناعمة :)

كل عام وحلمنا أنا وأنت كما هو ، أنساه يوما فتذكرينني به ، أسقط يوما فتعيدينني إلى طريقه من جديد

كل عام ونحن نقرأ أرواح بعضنا :) وأنت تشعرين بنبضات قلبي على البعد ، وأنا أستشعر عبق السحر ورائحة الحزن

كل عام وأنت .... جميلة يا جميلة ;) قلب مليء بالحب وعقل مليء بالحب أيضا :)

كل عام وأنت عقلي .... عقلي حينما يطيش قلبي كثيرا .... وقلبي حينما ينجرح قلبي كثيرا أيضا :)

كل عام وأنت الرفيقة والصديقة والأخت والروح :)

كل عام وأنت تتمثلين السيدة راء ولكن بنطق الشين :) 

الاثنين، 24 أغسطس 2015



أيها العابرون من هنا سلام عليكم :)

اللون القادم أبيض !!

لكني متعثرة بالكتابة


أعتذر لمن يتابعون الألوان :)

أعتذر للصديقة التي وعدتها بالنشر القريب :)


الأحد، 23 أغسطس 2015

فنجان القهوة لا يقتل !


تلك الأيام التي تتعثر فيها الخطوات بين أشياء كثيرة تريد إعادة ترتيبها

أفكار مشوشة ومشاعر مبعثرة وشعور لا ينتهي باللامبالاة والذنب في آن واحد

جدول مشعث ومشاغل من الهواء تتلاحق

زيارات الأطباء صارت وسما لليوم !

لا تنام

هي لا تنام وبنفس الوقت تنام كثيرا ويصبح كل حلم لها كابوسا مزعجا

تقتلها الأحلام واليقظة

تهرب وتواجه وتهرب وتخلق لنفسها تلك الشرانق المتلاحقة


لقد كسرت شرنقتها منذ البداية ولا شرنقة جديدة تضم جسدها الكبير


كبرت كثيراً على الشرنقة

فبدأت كالخفافيش تلجأ للكهوف

ترتب أوراقها بسرعة

لديها موعد في البكور

النوم يقتلها ويهرب ، لا ينام ولا يجعلها تنام

منهكة

تكابد عناء كبيرا في الصحو

تهرع إلى ماكينة القهوة


ينبهها صديق حليم لخطورتها “ ألم يحذرك الطبيب من القهوة ؟ “

ترد بلا مبالاة كبيرة : …. فنجان القهوة لا يقتل !

على الهامش !

كيف أخبرك أني لربما أقع في فخ حبك قريباً ؟

كيف لامرأة تركل الحجر الصغير بطريقها أن تنضج فجأة وتقع في حبك كأنثى راشدة ؟

كيف لضفائر شعرها المتعبة من الجدل والتصفيف أن تتخلى على النسيم الذي يطيرها كأغصان الزيتون وتعدك أنها سترفع شعرها خلف رأسها كالنساء الواثقات ؟

أو تفك شعرها بغجريته كالنساء الماكرات ؟

أو تتخلى عن تضارب خصلاته للتأنق بعينيك كالنساء الحالمات ؟

كيف لامرأة تحررت من وثاق الحب أن تلف الوثاق حول عنقها ؟

أن تخبرك أنها تضع جيدها بين يديك راغمة وراغبة ؟

كيف لامرأة تبلغ من العمر خمسين أو يزيد أن تصبح بين يديك شابة في الثامنة عشر من العمر تداعبك وتغازلك وتستحي منك ؟

كيف لامرأة تتعثر في أثواب الطفولة أن تخبرك أنها تحبك ؟ لم يتكور قلبها كثمرة الكمثرى بعد !

أو تكور ، وتآكل ، وسقط في الطين ، وهي تجلس القرفصاء بجواره تنتظر أن ينبت من جديد !

كيف لها أن تبتعد عن عطرك

وكيف لها أن تحترق بجنتك ؟

وكيف لها أن تراوغ براكينك الثائرة ؟

وكيف لها أن تثير أنهارك العذبة السهلة المنيعة ؟

وكيف لها أن تتعداك ؟ أو تتعدى إليك ؟

كيف لامرأة لا تشعر بأنها امرأة ولا ترى بأنها طفلة أن تشعر بك ؟ وكيف لها ألا تفعل ؟

ثم

أخبرني

كيف هي إن مشت في طريق مقمر وحدها أن تشعر ؟ سوى بالهرب ؟ سوى بالغربة ؟ سوى بضرورة اللجوء إلى وسائد صدرك الوثيرة ؟

وكيف هي إن وقفت تقتنص حقوق صديقتها من مخدع رجل أرضي يتحول في الليل إلى ذئب أن تصبح بحضورك نعجة ؟ أن تصبح بحضورك بجعة ؟ أن ترقص حولك طول الليل ؟


أخبرني

كيف هي إن دللها الأحمر ، واشتهى بسمتها الأبيض ، واختار القرمز المجنون أن يصبح تابعها ، واحتار في زهرتها الأخضر ، أن تطلب صيفاُ يحرقها بدلا من ألوان الطيف ؟

أنت الصيف !!!

وأنت بكل طيوف الصيف

وأنت تحــيّــر قلب صبية ، يتيه بكل دروب البلدة ، قل خبرني ، كيف لتلك المرأة أن تصبح يوما مفتاحاً لقفص صدرك المتهالك والمتعالي ؟

كيف لها أن تدخل فيه ؟

وكيف لها أن تترك فرشاة تلوينه ؟ وقد أثارها التراب ، ولمعان الشمس ؟

كيف لها أن تقترب وهي تطلب البعد ؟

أن تحبس قلبها عندك وهي تسعى للحرية ؟ للتو تفك ضفائرها !!

أخبرني

هل تصبح ألوان الطيف ؟

هل تتحمل عبثيتها حينما تركل الأحجار ؟ كما الأطفال؟ وحينما تتحداك ؟ وحينما تحاربك ؟ وحينما تنام بصدرك هائمة كسحابة صيف ؟ وحينما تحملك مثل حمامة حب ؟ وحينما تهبش قلبك ثائرة ؟ أو غاضبة ؟ أو خائفة ؟ وحينما تكون أنت الأبيض وتخشاك فتنام ليلها في حضن القِرْمِـز ؟

هل تتحمل ؟ أن تصرخ وتضحك وتتكلم ثم يحين الصمت فيحيلها إلى نسمة ريح ؟ أو ورقة شجر ؟ أو ثرياً ترى لها أثراً ولا تسمع لها صوتاً ؟

هل تتحمل أن تصمت فجأة وتطلب منك الصمت التام ؟

امرأة حرة ومجنونة ! لن تجبرها ولن تشعر معها بالإكراه !!!!

هل تتحمل رقص البجعة ؟ وهديل حمامة ؟ وأظافر قطة ؟


هل تتحمل امرأة لا تعرف الطريق ؟ ولا تنتمي إلى وطن ؟

هل تتحمل أن تصبح وطنا وتصبح يوما أرضا بوراً لا تطأها ؟

هل تصبح شمساً ؟ ومطراً ؟ وقوس قزح ؟ ولا تنتظر البسمة ولا القبلة ولا كلمات الحب ؟ ثم تراها تكون سراباً بعد الحب ؟

هل تصبح ورداً جورياً ؟ وتحمل ورداً جورياً ؟ وتصبح فجأة كناساً يحمل أشلاء زهورك المقتولة ؟

أخبرني

كيف لامرأة لا تنتمي أن تنتمي إليك ؟

وكيف لامرأة لا تنتمي أن ترفض وطنك ؟

الثلاثاء، 18 أغسطس 2015

٩- صــفـراء !!

الأنفاس الاصطناعية تعطينا شعوراً مؤقتاً بالحياة ، تنقذنا من الموت لدقائق أخرى تمهل فيها القلب كي يستفيق إلى عمله ويعود بوعيه إلى الحياة .

مؤثرات النشوى كذلك ، والانشغال عن الألم نفس اصطناعي كبير ، يمنحنا إياه العقل ، ظناً منه أن القلب ماكينة ، تخدعها الأنفاس الزائفة ، يستجيب القلب للزيف أولا ، ينشط ، يعمل بنشاط ، يفرح ، يرسل إلى العقل موجات إيجابية بالحياة ، ينتشي العقل ، ويرسل الأدرينالين لباقي الجسم ، فيشاركه النشوة ....... القصيرة جدا !

الرتابة والألم ، لا شيء فيهما يقتل الآخر ولا شيء فيهما يصادق الآخر للنهاية ! صديقان مشاكسان جداً .
ترتيب الأشياء باعتيادية وتغيير نظام المطبخ كل فترة بدأ يصبح تراتبياً ، يعطيها نفساً اصطناعياً جديداً ، تتصنع أنه نفس حقيقي ، قبلة حياة أخرى ، فتنشر فرحة زائفة ، وتستخدم الأدرينالين في عروقها عن آخره ، وتسقط مغشياً عليها من التعب .... وتصنع النشوة !

صارت بارعة حقاً في صنع أنواع مختلفة من المعجنات الحلوة والمالحة ، صارت تتقن المربى بشكل يجعلها بفخر تنافس أعتى شركات صنعها المحلية والأجنبية ، صارت تعرف تقنيات في الطبخ لم تكن تعرفها ، استخدام الأشياء القديمة واستغلال المساحة وخدع البصر بالألوان .

صار لها عمل خاص صغير ، تبيع الحلوى عبر الانترنت ، تبيع بعض أشياء تصنعها في الوحدة ، تبيع غزل الصوف الذي لا يكتمل على حاله من عدم الاكتمال عندما تمل منه ، تشاركها نساء أخريات ، مللن الرتابة أو أدمنَّها !

صاروا يسمونها بائعة الفرح ! كل أشياءها المعروضة للبيع فرحة وتدعو للفرح ، معجنات بأشكال الزهور والفراشات ، تمزجها بأعشاب أو حلوى أو خضار أو فاكهة ملونة ، تضفي شيئاً بين الواقع والخيال عليها ، شيء يجعل ما تبيعه مميزاً رغم بساطته !

كانت تبيع الحب ، تبيع الحب بشكل آخر ، تمنح من حولها تلك الأنفاس الاصطناعية الخانقة بشيء من جدية وشيء من حياة ، كانت تضيف لهذا الأكسجين القاسي بعض العطر ، بعض النبض الذي تفقده .

بذات الوقت ، بدأت تتألم ، عجيب ! امرأة  بهذا الانطلاق تتألم ؟

آلام متفرقة لا تدري مصدرها ، كانت تعوزها للعمل الدؤوب ، للنوم القلق ، للتدقيق في التفاصيل ، لانشغالها بمشروع لا تعرف عن إدارته شيء إن كبر منها ، الأمر مجرد صدفة ، وهي لا تجيد التجارة ، هي فقط تريد صنع بعض الدوائر الجديدة كي تخرج من دائرة قيده .

يزعجها الأمر ، تتجاهل ، تصاب بصداع نصفي يدوم لأكثر من يومين ، تمارس بعض التمارين ، لا ينتهي ، الدوار يلاحقها ، تضطر للبحث عن مشفى في المدينة الجديدة ، ثم تقف فجأة وتسأل .... هل تخبره ؟ هل تذهب بمفردها ؟ هل تعود للعاصمة حيث بيت الأهل ؟ ثم كيف تعود ؟

يطل الصغير من الشرفة وهي غارقة في فنجان القهوة .... يا زهرة تشرين الندية ، تلوح له ، يفتح الباب ويدخل ، تسأله عن المشفى القريب ، يعرفه جيداً هو بجوار مدرسته ، يصحبها ، فتكفيها صحبة الصبي !

" هل تعانين ضغوطا مع أولادك ؟ "
= كلا ... ( تبتسم بشيء مرير ) .. ليس لدي أولاد بعد ( لا أعرف إن كنت سأحصل على تلك الفرصة حتى ) ... آه ... هذا صديقي وابن الجيران .

" هل تدرسين ؟ "
= تهز رأسها  بالرفض وبسمة حيية حزينة تعلو شفتيها ...

" هل لديك مشكلات أو ضغوطا حياتية ؟ "
= تنظر في عين الطبيب مباشرة كأنه فاجأها ، تخفض رأسها ، تبتسم تلك البسمة الصفراء القاتلة ، حرب الإجابات في رأسها توجعها ، بأي شيء تجيب ؟ بأي لون ؟ بصنع الحلوى الذي صارت فيه مايسترو ؟ أم بزوجها الضبابي بعد ذاكرة عشق لا تخون ؟ بأي امرأة تجيبه ؟ البرتقالية اللامعة ؟ الفيروزية الحنون ؟ أم الرمادية الخافتة الغامضة ؟

" لعلك بحاجة للراحة والهدوء قليلا ! "
في محاولة للدفاع ترفع رأسها ، تفتح فمها ، تهم بالكلام لكنها تتلعثم ، هي تريد أن تخبره ..... الحقيقة ؟ كلا ... لكن ما تود لو يكون الحقيقة ... أو ما يجب أن يعلمه شخص غريب ....

= أنا بخير ...

" نعم أنت بخير ، أعلم ، لا شيء عضوي ، إن ظهرت أعراض جديدة أخبريني ، أرجوكي لا تدخني تلك الأيام ولا تشربي أي محتوٍ للكافيين ، لا للمنبهات تماما ، أكثري من شرب الماء والاسترخاء ، ...... تمارين التنفس ستفيدك "
= حسناً

تهم بالانصراف ، يناولها الطبيب بطاقتين ، رقم هاتفه إن احتاجت للمساعدة ، وبطاقة أخرى بها هاتف طبيبة نفسية ، ابتسم بشيء من أدب وخجل من حيائها الجـمّ والمشدوه أمامه " في حال احتجت المشورة "

تبتسم بين تردد وتلعثم !! حتى الابتسام يخرج متعثرا من شفتيها !

تَعِـبَـتْ ، من حقها التعب ، هذه المرة قررت الجلوس ، قررت أن تتعب بحق ، أن توقف الأدرينالين وتستجيب لصراخ القلب الحقيقي بعد نشواته الزائفة ، أن تجلس ، أن تلهث وتلهج وتصرخ وتبكي ، أن تكسر بعض الأطباق ، وأن تضرب عن الحياة لحين !

تَعِـبَـتْ ، وصدمها التعب بأنها كانت تهرب ، من الحرن بصنع الفرح ، ومن القسوة ببيع الحب ومشاركته ، ومن الألم بالحنو وتطيب الجروح ، شعرت كأنها تفيق من مخدر فائق القوة ، على عالم ليس عالمها وليس لها ، شيء يفصلها عنه ويفصله عنها ، بدأت تسأل منذ أسابيع طويلة ، أين هو ؟

يدها ترتعش ، تحمل الأشياء بوهن ، ترتب الأشياء ثم تضيق ذرعا بها ، فتتركها وتجلس تلتقط أنفاسها ، كلما شعرت بالتعب كانت تشرب كوبا من المياة ، قهوة بلا كافيين مثل لبن بلا دسم ! لا طعم ولا مزاج ،  تهم بتدخين سيجارة ، عادة سيئة تراودها كلما هدَّها التعب ، تتراجع ، تبكي ، لأول مرة تبكي منذ شهور ، لكنها تبكي بشيء مرير .

في الصباح الباكر ، تحاول التعامل مع اليوم كأن الألم لم يصدمها أمس بمحاولات الهروب الفاشلة ، من سؤال ظل يقرص جنبها طوال الليل أين هو حتى أدار مفتاحه في الباب ودخل يبحث عنها كالمجنون فتظاهرت بالنوم ، تنكر أنها تظاهرت بالنوم وأنها سمعت اسمها في لهفة طال شوقها لها .

تشرع الشرفة أمامها وتجلس تقرأ ، تحاول شرب بعض اللبن فيباغتها ألم جديد ، القولون ؟ أم نسمات برد لفحت عظام صدرها ؟ تحاول التنفس سريعاً لتتغلب على الألم ، تتذكر أن التمرين بطيء ، تحاول تنظيم أنفاسها ، تحاول الهدوء ، تحاول لكن الألم لا يزول بسرعة ، والتنفس ليس عصا السحر !

تنام ، وتدير الموسيقى ، وتبكي ، وتتألم ، وتعاند كل شيء كي يتوقف الألم ، تتعب ، تبكي أكثر وأكثر وأكثر ، تدرك وقتها فقط كم هي وحيدة وتعيسة وبائسة ، تبكي أكثر ، تدرك كيف أنها تخلصت من قيده فصارت خائفة في قيود نفسها أكثر ، تبكي أكثر ، تذكر كيف ظنت أن العالم في عينيه وتدرك أنه كان انعكاس عيونها ، تبكي أكثر ، تذكر كيف كانت اللهفة وكيف كان الشوق وكيف حل الهجر والجفاء والبعد بديلاً لكل ذلك ، تدرك وقتها فقط ليس كل شيء قابل للإصلاح ، تبكي أكثر ، تبكي بحرقة وبشدة ، تبكي حتى تجلس تلاحق أنفاسها من شدة النحيب ، تبكي الآن والآن فقط لأنها أدركت أنها كبرت بما يكفي لتفهم تلك الحقيقة ، أنها الآن نضجت بما يكفي لتطأطيء رأسها لعواصف الحياة أو تموت تمزقاً فيها ، تبكي أكثر لأنه جعلها تكبر هكذا وتنضج فجأة هكذا وقد كانت بين يديه طفلة ، تبكي أكثر لأنه لا شيء يعود مثلما كان ، ولا شيء ينصلح بلا ندوب قبيحة تجرح يدك كلما لامستها وتجرح قلبك كلما ارتأتها !

تفقد شهيتها لكل شيء ، للعصافير ، للطبخ ، للعجين ، للزرع ، للقهوة ، للكتب ، لكل شيء ، للحياة !

تنزوي طوال اليوم في الشرفة ، تنظر إلى اللاشيء ، وتنتظر اللاشيء ، قد تعي جلستها ، فتبكي كمداً ، وقد يغلبها الجو الباردة بنعومته فتنعس بين يديه كطفلة .

يعود مساءً ، ذراعيها متحجران من البرد ، أطرافها بيضاء جداً كأنه لا دم بهما ، وهي غارقة في نوم أشبه بغيبوبة صغرى ، يحملها فلا تشعر به ، يضعها في فراش دافيء ويدثرها بغطاء ناعم ، يزيح عن جبينها الأصفر فتنته ، شعرها الكستنائي الساحر ، كل شيء في شحوب روحها يخبو ، يؤلمه خفوتها وصفرتها ، لكنه يغض الطرف ويخرج .

كالزهر نذبل ، وإن أصابتنا صفرة الذبول فهناك أمل ، أمل ضئيل  لكنه يظل أملاً ، بأن يداعبنا الندى ، أو يمنحنا الغيث قبلة حياة حقيقة ، نبض حقيقي ، حب ، ولع ، شيء يلم بتلات أرواحنا المتعبة ، يحضنها بصدق ، فنستدفيء ، وتهب فينا الحياة مرة أخرى ، نخفت فقط ، لكن نزهر من جديد ، ونتلون بحمرة الحياة من جديد ، وإن زارنا الأصفر يوما فليكن ، لون الفرح أصفر ، ولو السرور أصفر ، كما لون المرض تماماً ، لكن شتان بين الظهورين !
أحيانا ، لا يكون طبيبنا سوى من نحب ، لا يكون غطائنا الوثير مثل ذراعين محبان ، نحيا بكلمة ، كما يمكن جداً أن نموت بالصمت ! 

السبت، 15 أغسطس 2015

8- ضبابي !!

عندما يصبح السكن غربة ، ويكون الحضور مؤرق كالغياب ، هنا يدعو الأمر للهدوء والتأمل !

متاريس الكون لا تسير فجأة ولا تقف بنوبة قلبية مفاجئة !

لا يولد طفل من كلمة حب فقط ! ولا يموت الخارق في زهوة انتصارة بلحظة خاطفة !

وإن حدث ، من باب المعجزة والهول ، فإنه شبه مستحيل في عالم الشعور .

لا نكره فجأة ولا نحب فجأة ، ولا توجد عصا سحرية تجعلنا في لمحة عين بشراً آخر .

نتوسم الخير فيمن نحب ، نمنحهم من أرواحنا ونورانيات أنفسنا ، نسكبهم كترياق النجاة بقلوبنا ، ونجمعهم في درة القلب ، كإكسير نادر ، نرفعه على التيجان ، ونهيء له العروش الوثيرة ، ونقيد له من الحراس والخدام من يعفون عن ذلات الأحبة ليل نهار ، ويرتقبون ظهورهم ظهور البدر بعد ليال سرقت فيه الغيوم نور السماء ، فنتهلل بهم ، ونقيم لراحتهم كل عزيز ، ونهب أنفسنا ملوكا وعبيدا على حد سواء ، نبدل الثياب كي نرضيهم ، ونتصنع ما ليس لنا كي يحتفون ، ونحتقر ما يحتقرون ، ونكرم ما يحبون ، ونجعل وسم حياتنا تلك الألوان التي يتلونون بها صبيحة يوم أو ضحى نهار !

ثم !

يرهقنا التعلق ، يؤلمنا هذا التجاهل المتعمد ، عندما يبدأون في دهس قلوبنا بلا خشيبة ولا ريب نرتاع ، كيف نصبح غرباء في أوطاننا ؟ قلقون في أماكن السكن ؟ كيف يصبح شبح وجودهم متعب ومؤلم كطيات الغياب ؟ !

وقتها التحرر من كل شيء ، منهم أول الأشياء ، من الخوف ، من الحب ، من الأحلام أحيانا كثيرة !

نخلق لأنفسنا مخاوف جديدة تكبلنا ، وفرساناً آخرين جديرين بالوجود ، نضع القيود حول رقابنا لنتعلق ، بعد أن تعلقت بالأمس بلا وعي منا ، نكسر قلوبنا بأيدينا ، قبل أن يدهسوها بأرجلهم ، نعتاد الفقد ، ونصادق الوحشة ، ونمضي عهدا جديدا مع الألم ، وتصبح أوجاعنا حلفاء نهار، بعد أن كانت أشباح ليل  .

تعيد ترتيب أشياءها ، مطبخها والزهور ، رفعت لوحات التقويم عن حائطها المزهر ، وضعت ساعة جديدة بلون قرمزي فاتح ، بدأت ترتب يومها بشكل أفضل ، لا تدع وقتا لنفسها تكتب فيه خاطرة يلوح فيها ذكره ، صارت تنشغل عن أوقات غيابه وحضوره ، صارت تقرأ أكثر ، وتبدع في حلواها أكثر ، منذ عدة أيام طرأت لها فكرة ، لماذا لا أجرب المخبوزات ؟

كتاب جديد به صنوف عدة ، تبدأ بأيسرهم ، رغم أنها المرة الأولى لكنها تبدع ، يزداد ولعها بالخبز ، رائحة المعجنات المقلية تصل بيت الجيران ، صادقت الأطفال ، صاروا ولعاً جديداً وشغفاً جديداً تكتشف بها نفسها يوما بعد يوم .

يصل كتاب جديد عن المعجنات المحشوة المالحة ، يأتي به الصبي إليها ، تبدأ بتجريب الصنف تلو الآخر ، صار لها جمهور من الصبيان وعصفوات الحي ، يتحدثون عن براعتها في رسم الحيوانات بالعجين .

خصصت للصبية يوم الأحد ، وللعصفورات يوم الجمعة ، في الصباح الباكر تحضر العجين ، تراجع الوصفات ، تنظم جدولها ، تبدأ في إعداد المربى ريثما يبدأون في الظهور ، يلتفون حول طاولتها المستطيلة ، تمنحهم أطباقا بألوان ملابسهم يوما ، وألوانهم أرواحهم آخر ، تعلمهم كيف يرسمون أسدا وفيلا وقردا !
وتعلمهن كيف يزين الطبق بفراشة وعصفور ووردة !

تضع الحيوانات أو الفراشات والزهور في الفرن ، ينتظرون على أحر من الجمر خروج العجين مخبوزاً شهياً ، تعلمهم نظام المائدة ، يلتزمون لها كفريق أوركسترا رائع ، تزين أطباقهم بما لذ من المربى الطازجة ، ويصرخون فرحا حينما تطل رسوماتهم من الفرن شهية وجميلة !

عاد في تلك الظهيرة ، كان الأطفال بكل نظام يجمعون أطباقهم ويغسلونها ويغسلون أيديهم ، لم ينتبه لرائحة الخبز ولا شهية المربى ، أثاره كيف يضم هذا المطبخ الصغير كل أولئك الصبية ؟ لم يعلق ، مضى في طريقه ، فكر في سؤالها من هم ؟ ثم وجد الأمر لا يستحق التوقف !

لم تلحظ عودته ، كانت فرحة بالأطفال إلى حد كبير ، عزمت أن تعلمهم فن العجين ، أن تجعلهم الأسبوع القادم يجربون الأمر بأيديهم .

خرجت من عالمه تصنع عالماً لها ، تصنع وطناً آخر لا ينافسها فيه الضباب والرمادية والمواقف المائعة ، سكناً لا يؤرقها فيه الخوف ولا يهددها فيه شبح الفقد أو الغياب ، آثرت ألا تعرف الكثير عن الأطفال ، ألا تغوص في تفاصيلهم وأن تهتم بتفاصيلها هي ، ألا تذوب فيهم فيصبحون جلاداً آخر ، وسجاناً بلا رحمة !


إن من يطلب المصباح في وضح النهار حتماً سيخسر الرؤية !

سراديب أوهامه الملتفة أوصلته إلى دهليز خطير لم يكن بلغ جماله من قبل ، عشقه التصميم الإليكتروني للمواقع !

شغف جديد ؟

كلا ، بل قديم قدم حبه لها وانشغاله بها ، لكنه مثل كل شيء في حياته اندثر فجأة تحت الركامات التي تظهر في حياته فجأة فيلهث ورائها كالطفل المشاكس حتى يبلغها ويفتر بطبعه عنها فجأة أيضا ! أو لربما ، تلدغه !

وكأنه اكتشف نفسه من جديد !

كانت خطة المعالج أن يحاول اكتشاف نفسه واكتشافها ومحاولة ايجاد طرق التلاقي !

لكنه لم يكن يبحث ، كان يغوص وفقط !

انشغل بالأمر ، كعادته ، غاص فيه واحترفه ، أنشأ عالما موازياً ، عالمٌ لا تسري فيه رائحتها ، ولا تراوده عن نفسه خصلات شعرها الغجري ، يراهن ، ويخسر رهاناته ، يسكر من شدة العمل لا من نشوته ، يتصنع الانتشاء والسكر ، يغفو ، ويحاول رفض كل فرص الإفاقة وتجاهلها ، صار يلاحظ تشاغلها ، يزعجه الأمر ، لكنه يتجاهل هذا الانزعاج !

تعمد التأخر ومراقبة البيت من بعيد ، كان يعرف أنها حينما ترتبك تراقب الشرفة ، هاله أنها في العاشرة أطفأت نور غرفتها ، ثلاث ساعات تالية من الترقب أن يراها تدور ! لكن لا شيء يحدث !

كاد يجن !! هرع إلى البيت فإذا بها غارقة في النوم ! لم ينم .

قبيل الشروق استيقظت ، طقوسها لليوم صارت غريبة عنه ، تصلي !!! لم يعتد رؤيتها تصلي ؟ لعله لم يكن يلحظ ، هل كانت تصلي من قبل ؟ لم نتحدث في الامر أبدا !
حتما ستشرب القهوة ، وربما تدخن سيجارة ، الوقت مبكر جدا ، هي عادة تفعل حينما يؤرقها شيء فتستيقظ قبل موعدها .
لم تفعل ، شربت كوبا من اللبن ، جلست في الشرفة بهدوء تتأمل الشروق وتبتسم ، تدون شيئا بمفكرة صغيرة ما تلبث أن تقطع الورقة وتعلقها بمكان ظاهر في المطبخ ، الحائط مليء بورق مماثل !

تقرأ بكتاب عن الهندسة المعمارية !!!
ما هذا ؟ منذ متى تقرأ شيئا ثقيلاً مثل هذا ؟ تدون ملحوظات بالكتاب ! ويغلبه النعاس هو فينام على أريكة في مقابل شرفتها !

بهدوء أسبلت عليه غطاء رقيقاً ، لم تمسح جبيه ولم تبتسم ، لم تحكمه عليه ولم تهتم بما يلبس ؟ فعلت الأمر بلا روح .

في المساء كانت أنهت كل مهماتها ، اعتادت ان يغلبها النعاس وأن تنام دون أن تنتظر أين هو ، صارت أفلام الكارتون رفيقا جديداً كي تتعرف أصدقاء أصدقائها الصغار الجدد ... فتنام أمام التلفاز كالصغار !

أما هو ، فقد كان مشوشاً ، وكان غير مفهوم ، كان يهتم ولا يهتم ، كان ينزعج ولا ينزعج ، كان يشتاق ولا يشتاق ، كان لا يعرف ماذا يريد ، كان فقط يغوص في ضبابيات متلاحقة ! 

7- رمـاديــة !!

 " صباح أمسٍ كان هنا ، انخلع قلبي قلقاً لأنه تأخر ، انتظرته مثل اللصوص حتى الفجر أخشى أن يعرف أني صاحية ، تعبت وغلبني النعاس والهم ، دخلت سريري ، لا ينام جفني خوفاً أيضاً ، كيف له أن يتأخر وهو يعلم أني لا أنام سوى بحضرته ؟ أشعر صوت سيارته من بعيد فأنام ، الليلة كنت مشتاقة إليه جدا ، لا جديد أشتاقه دوماً ، دخلت سريري وانتظرت ، أدرت فيلما يلهيني ، القلق يأكلني ، والنعاس أيضا ، لا صوت يأتيني من بعيد ، لا رسالة منه ، لا يجيب هاتفه ، قلبي يأكلني حقا ! لماذا يأكلني في كل مرة مهما جفا ؟ لا أعرف ، أدور في الغرفة ، أطمأن للمرة الخامسة أن الأبواب مغلقة ، أتفقد الحديقة من الشرفة المشرعة أمامها ، السماء جميلة الليلة لكن يبدو الضباب من بعيد سيكسوا الفجر ، تفقدت المطبخ ، قررت أن أحضر له شطيرة يأكلها عندما يعود ، بعض العصير ، وتفاح أخضر ، أعود لغرفتي ولا شيء يتغير سوى دقات الساعة التي تصبح أكثر إزعاجا ! أندس في سريري ، يغالبني النعاس وأغلبه ، أسمع سيارته من بعيد تكسر شيئا على الأرض ، أهرع للنافذة ، يظهر نور السيارة من بعيد ، أترك نفسي للنوم هادئة !
لأول مرة يدخل غرفتي أول وصوله ! عطره يعبث في الحجرة ، يقترب ، أميز عرقه ، أبتسم وأتقلب كي لا يكشفني فيهرب ، يا لحظي داعب شعري ، ثم خرج ، نمت هانئة ، أتنفس عبير عطره طوال الليل . أقصد ساعات الفجر حتى الصباح !

لكنه في المساء ....كان غريباً .... كان داكناً ، كان خانقاً ، كان مثل دخان السماء ورطوبة الصيف ! "

لا أحد يعرف ما يدور بخلد امرأة عاشقة إن أصابها اليأس والتعب ، لا أحد يعرف كيف يصيبها الشيخ والألم والإرهاق ، فتذبل روحها ، كوردات الخريف البائسة في مطالع الشتاء الغائم !!

تصارع شموس القلب التي تحنو على ذاك الصقيع الذي يجتنف روحه ، تعشق سواكنه الهادئة الباردة ، تعشق أن تطل بها كالشمس في عتمة الشتاء ، لكنها صارت تنطفيء يوما بعد يوم ، صار البرد يتسرب لروحها أيضاً إذ لا تجد مدفأهُ ليلا تسطل إليه ! كيف لهذا الرجل أن يبحث في ركنات الغيم عن المطر والنهر متدفق تحت قدميه !

عجيب أمر الرجال !

تَـعِـبَـتْ ، أما يحق لها أن تتعب ؟ صارت تصنع لها ناموساً آخر تشغل به نفسها عن نظم أكوانه المتوازية والمتضاربة .
لا تعرف هل تحنو للمسته العفوية التي تكشف بعض ود لها ؟ أم تستسلم لأنياب الوحشة والقسوة الزرق ؟ يطلون عليها من بين أفواه الغياب ، ينهشون كل ليل هذا الغزل الصوفي الملون الذي باتت تحيكه من أجل طفل ! طفل قد يجيء لأب مجنون وقد لا يجيء ، صارت ترسم لذاك المحاك خططاً بديلة فتنقض الغزل بعد شبه تمام ، ثم تضيف بعض الأحمر قد يناسبه إذا حولت الغزل من سترة بأزرار صفراء إلى كوفية ، ثم إن أوجعها الفكر وضعت بكرات الصوف على الطاولة القصيرة وصرخت فيه بهنّ ، كأنهن مرسال الليل الذي لا يكشف السرّ .

في الصباح التالي قررت صنع بعض الحلوى ، صار ناموساً آخر لعالمها الخاص ، صنع الحلوى ، هي لا تأكل الحلوى ، ولا تحب السكر ، لكن رائحة الحلوى تجعلها من جديد برتقالية ، طفلة بضفائر بنية تطاير مثل نسيم الصبح ، تبتاع من ذاك المحل البعيد أنواع فواكه عدة ، تضع القدر فوق النار مع السكر وتطهو الفواكه ، وتنتشي برائحة المُـربى .

مطبخها الصغير مليء بألوان عدة ، قوس قزح الذي يتراتب في ألوان الأطباق والكؤوس ، أكواب ملونة ، وأخرى شفافة ، لا يهدأ بالها حتى يكسر لمعانها ضوء الشمس الناعس المتسلل من نافذة تماما كما تمنت أن تطل على أحواض زرع فيها ما شاء الله لها أن تزرع من أعشاب تساعدها في فن الطهو ، وزهرات تجمل فن المطبخ ، ألوان ألوان تسرق عينك ، لكنها برغم ألوانها الحاضرة الزاهية كانت ...... رمادية !!!

أسابيع تمر وأيام تجيء ، لا تشعر بالوقت داخل مطبخها ، عودت نفسها التعب طوال النهار في تنظيم الصحون بتراتب مخيف ، وتلميع كل الكؤوس يومياً ، وعلى حسب الفواكه المتاحة تكن الحلوى ، تضعها في برطمانات شفافة ، بنفس القدر ، بنفس عدد الملاعق ، بنفس الحب ونفس الأنفاس المنتظمة ، تغلقهم بإحكام كامل ، وتضعهم مختلفين ، يظهر تضاربهم جمال ألوانهم ، أغطية جميلة ، تفتح نفس الرائي للأكل ، ورائحة فواحة ، تصيدك من مترات عدة ، تذكرها الحلوى بطفولتها ، تذكرها بأمها التي كانت تصنع لها الشطائر كل صباح حتى لا يقرصها جوع الظهيرة بين الأقران ، ترفع شعرها خلف رأسها تماماً كأمها ، وتبدأ عزفها الخاص ! ( ينهكها التعب طوال اليوم ، فتغيب في موجته نائمة لا تشعر بأطراف أصابعها من كثرة العمل ، فلا تنتظر مجيئه ، ولا تخاف بدونه ، ولا تشعر بأي وقت قد أطل هلاله ! )

مظهر المطبخ مكتمل أمامها ، شكل المربى يشهي ! تجمعهم في سلة دراجتها وتجري ، أين تذهب بهم ولمن تعطيهم ؟ هي نفسها لا تعرف ، تتوقف فجأة فتناول أحد الجيران ، أو تلمح نظرة اشتهاء في عين طفل فتناديه ويصير تعارف قصير بينهما فتسأله عن مفضلته ؟ هل يختار الشكل أم يود معرفة الطعم ؟ كانت لا تأبه بالإجابة ولا تفسرها كانت تمد يدها للسلة وتناوله ما يشتهي ، يبتسمان وتمضي !

يتحدثون ، الناس لا تكف عن الحديث مهما حدث ومهما صار ، هل هي مجنونة ؟ هل تتخلص من الحلوى لأنها مسمومة ؟ لكنها تبدو امرأة رقيقة ! لماذا قد تفعل ، الأيام تمر ولا أحد يشتكي من حلواها ، بل إن من ذاقها مرة ينتظرها في المرة القادمة ، ظن بعض التجار في باديء الأمر أنها تقوم بالدعاية لدكان جديد ! هل ستكون منافسة لنا على لقمة العيش ؟ لكن العجيب أن الاستطلاعات كلها باءت بالفشل ، إنها لا تدعو أحد ولا تطلب المقابل ! فصاروا هم أنفسهم ينتظرون أن تمر بابهم ، تتبضع أي شيء كي يسألونها إن كان لديها فيض من حلواها ، ولم تكن ترد سائلاً !

صار الصبي في المتجر البعيد صديقاً مقرباً ، خاصةً عندما اختصته بأجمل مذاقات حلواها ، كان يسكن على مقربة منها ، طلب منها يوماً أن يكون مساعداً لها في مقابل الحلوى ، عرضت ألا يفعل وتعهدت بنصيبه المحفوظ ، لكنه أصر أن يفعل ما يستحق مقابله الحلوى ! وافقت !

يحضر الفاكهة صباحاً ، ثم يمر قبيل العصر ، يتشمم رائحة جمالها من بعيد ، يخبرها أنه يجوع من الرائحة مهما أكل ، تضحك ، تعجبها فصاحته على صغر سنه ، تعطيه نصيبه وتهم بالخروج لتوزيع البقيه ، كلٌ ورزقه !
يتحرك الصبي كرجل راشد ، بحسم يقف أمام الباب معلنا حمايته لها من متاعب الخروج ، يعلن أنه سيتولى التوزيع ولكنه سيحتاج دراجتها ، ترفض ، صداقتهما الآن تمنحه القوة أن يرد بحسم ... " لقد قررتُ "
يعجبها اعتزازه برجولته المبكرة ، تبتسم ، تراه كطفلها ولا تعرف كيف يتولد ذاك الشعور أنه ابنها على الحقيقة ، أن بينهما حبل سري خفي ، أنها شعرت بذات الأمر حينما رأته أول مرة في المتجر ، روابط الروح تفاجئنا !

قبعة تبدو نسائية ، تقص منها الريش المجنون ، وتعدل مظهرها لتناسب طفولته النضرة ، يعتمرها ، تبتسم ، " الآن أنت مستعد يا فتى الحلوى " يؤديها التحية ويمضى مختالاً بألذ حلوى يحملها منذ فهم الحلوى !

عندما تقتل الحياة أجمل الأشياء لدينا ، نهرع من الخوف إلى أشياء أخرى ، نكسر تراتيب الحياة المفروضة كي نخبرها أننا غير معنيين بما تقضي علينا ، نرتدي ألواناً زاهية جداً ، نبالغ كثيراً في التبرج ، نستخد عطوراً نفاذة ، كي نخبر الحياة أننا مازلنا زهاة نضرين !
ونحن غير ذلك ، تتشح قلوبنا الأسود ، ونغوص برمادية أرواح أشباهنا ، ونذبل على غصن العمر الربيعي ، ويختفي من شدة الغيم قوس قزح !





في سكونه القاتل ، يرى ألوان مطبخها تزهو فيظنها كذلك ، يغرق في سراديب روحه الرمادية ، ويظن روحها مازالت تزهر بورد البرتقال الأبيض ، ليبتعد أكثر ، وتذبل أكثر ، وهو في غَيــِّه يتمادى !! 

الأحد، 9 أغسطس 2015

6- أزرق !

شعرها المبعثر فوق وسادتنا ... تموجاته المجنونة رغم نعومته القاتلة ... كانت دوما تحبه قصيراً يحيطط بدائرية وجهها الصغير ، وكنت دوماً أحبه طويلاً أشعر فيها بأنوثتها الثائرة في رقة ، كانت أجمل لحظاتي حينما يغلبها النعاس بجواري ونحن نتحدث أو تغلبها أحداث الفيلم فتنام ، وأنا مندمج بقصته ، أسألها شيئا فتهمس ، لحظات أكرر كلامي فلا تجيب ، أدرك وقتها أنها قد غرقت في حلمها الخاص ، ينتهي الفيلم وتبدأ حكايتي أنا ، كفتاتي المدللة ، كنت أغزل شعرها مساءً ، كنت أحيك من خصلاته أحلاما وردية ، أو كستنائية كلونه الخاطف ، كنت أصففه وهي نائمة تتقلب ، أكاد أصرخ لأنها أفسدت أمواجه ، أضع يدي على فمي بسرعة وأكتم أنفاسي ، ثم أعيد الكرة مع الجانب الحر من شعرها ، ملمسه يقتلني ، أجدل ضفائرها التي غالبا لا تصمد للصباح ، كنت أسرع إلى جوالي أصورها قبل أن تفقد الجديلة معالمها ، ثم أضمها وشعرها تحت ذقني وأنام ، أتنفسها ... وتغوص هي بصدري وقلبي أكثر وأكثر ..

هذا الصباح عندما عدت ، كنت نائمة ، مازال وجهها بريئا حين تنام ، ومازال شعرها مشعثا حين تنام بتموجاته المجنونة ، أسرتني ... كأول صباح أرى فيه أمواج شعرها تداعب الوسادة ... كانت تبتسم لشيء ما ، لربما كانت تحلم ... خطوت للوراء خطوة ، ظننتها صاحية ، تقلبت كما تتقلب دوما حينما لا أنام بجوارها ، تتقلب كثيراً ، أعطتني ظهرها ، كأنه إذن للدخول واختلاس النظر إليها ، اشتقتها ؟ نعم ... بشدة ... اشتقت شعرها المجنون على وسادتنا ، اشتقت أن أصففه كما أرى ، اشتقت أن أثنيها عن المقص كلما اشتدت حرارة الجو ، اشتقت أن أداعب شعرها وهي نائمة ، تشعر بي فتفتح عينها وتبتسم بدلا وسحر وتعود لحلمها من جديد ، لم أستطع منع عنفسي عن هذا المخمل الوثير ، عن الكستناء اليافع ، مددت أصابعي لسلاسل شعرها البني ، يسري في يدي كالنهر ، هممت بالجلوس بجوارها ، بضمها ، بطبع قبلة ولعة على جبينها الوضاء ، لكنني تذكرت أنه لا يجب أن أفعل ، لا يجب أن أكون هنا.
قبضت يدي عنها ... ورحلت !

تسللت إلى الحمام الخارجي ، اغتسلت من طول الطريق ، تركت نفسي تحت زخات الرشاش ، أغسل رأسي منها ، فأذكر كيف كنت أغسل شعرها ، كيف كان يذوب في يدي تحت الماء ، كيف كان يخالط أبيضها فكان حقا " الضد للضد أبين "
نفضت شعري ، أنفض ذكراها من رأسي ، أنفض نعستها وضحكتها وسحرها ودلالها ، أنفض قلبها الرقراق وشعرها المخملي الساحر ، أنفض نعومتها ، أنفض حبها المتوهج في عينيها ، أنفض صخبها ودمعها وهدوءها وتمردها وكل شيء لها ، وأنفض أني أتجاهلها ، وأنفض قلبي الذي يقرصني ويؤلمني ، وأنفض .... قطرات العرق التي أصابتني تحت الماء !

" تقييم اختبارك يشير أنك أزرق ! "
= وماذا يعني هذا ؟
" يعني أنك شخص ودو محب للسلام ، رائق ، تمنح وتسامح وتحب ، تفضل الود عن المشكلات ، قلبك رقيق لا يقسو بهذا الشكل "
= ماذا تريد أن تقول ؟
" أقول أنك في صراع لأنك لا تصالح نفسك ، يجب أن تسير تلك المرة وراء قلبك ، وقلبك حيث اشتاق لا حيث تألم يقبع "
= .........................
" لماذا تهرب من عينيها ؟ ولماذا تهرب من قلبك ؟ لماذا لا تذهب إليها راكضاً تلقي بنفسك بين ذراعيها ؟ "
= لم يعد يصح ، لا أستطيع ، الأمر معقد و ...
" لا يصح إلا الصحيح ، الأزرق كالبحر ، يطفيء النار وأنت تشعلها ، متقلب كالمحيط نعم لكنه لا يظل هائجاً طوال الوقت ، لا يصيبه المد فقط بل المد والجذر ، أنت بحاجة للجذر ، لأن تجذبها ثانية ، لأن تدع شطآنها تضرب أمواجك لمرة أخرى "
= أمواجي قصيرة جداً لا أقوى على ...
" أعرف ، انت في جذر الآن ، دعها تقترب في ليال قمرك الفضي "
=لكن ... الأمر صعب جدا ... أنت تعرف كل شيء ... أنا خائف .. منها من نفسي من كل شيء ... الأمور الضبابية تزداد ضبابية حولي وأنا لا أريد أن ........
" لا تضع العراقيل أمام قدميك ، هي ليست من ضبابياتك وأنت تعرف ، تخاف أن تؤذيها فتقتلها ، تتلذذ بقتلها وموتها الساكن ، أنت تقتل فيها كل مخاوفك وضبابياتك ، أنت بالحقيقة تقتلها وتقتل نفسك ، أنت تقتل آخر خيوط النور في طريقك اليقيني الوحيد ، لماذا تعاقب نفسك هكذا على أفعال لم ترتكبها أنت ولا هي ؟ اطو صفحات ماضيك ، اطو هذا الخوف واقتل أشباحه الليلية ، اليوم قدت سيارتك من طريق غريب أليس كذلك ؟ "
=....................
" كنت تخشى المرور من هذا الطريق ، صرخات الموت فيه عالية ، ضباب الماضي يخنقك هناك ، لكن ماذا قلت عن ذاك الطريق ؟ أنت لم تذكر أي شيء به سوى جنون رائحة الأخضر ، تذكرتها وتذكرت نفسك ، تذكرت كيف كنت وكيف أنت ، تذكرت أنك تريد أن تكون مثلما تريد أو لربما ... مثلما كانت تراك ... لماذا برأيك تساءلت عن رأيها فيك ؟ الطريق أمامك يفتح ذراعيه لك لتخطو وأنت واقف تحاول التلعثم والتعثر بحطام الماضي المؤلم ! "
= ..........
يدور في الغرفة ، يقف أمام النافذة ، يطل على الحديقة الصغيرة التي تحيط المبنى ، ثم بحر الشارع الواسع في هذا الحي الراقي ، طفل يعبر الطريق مع امه بدراجته الصغيرة الملونة ذات الأربع عجلات ، لا إراديا يبتسم ، لا إرادياً أيضا يذكرها وهي تتأرجح بدراجتها الصغيرة وقلبه يتأرجح معها ، يلتفت فجأة ، يحاول إخفاء التبسم والتزام الجدية ،
= هل يمكن أن أعيد الاختبار ؟
" كلا يا أزرق ، لن تعيده ، أتدري لماذ ؟ "
يمد شفتيه أمامه = لماذا ؟
" لأنه المرة الرابعة على الأقل التي أصل فيها معك إلى ذات النتيجة "
= لا أفهم .
" لقد اختبرتك أكثر من مرة ، وفي كل مرة بعد ذهابك أراجع تسجيلات الحوار والحوارات السابقة ، أنت أزرق بامتياز ، أتعرف لون البحر قبيل الشروق ؟ أنت بنفس زرقته وقوته ، أتعجب من قسوتك المفرطة على نفسك ، كونها مفرطة ، أتعجب من قسوتك عليها ، توقعت أن تقسو لكني كنت أنتظر أن تفيق سريعا وحدك ، لكني أجدك تزيد في غيك وظلمك ، اقرأ هذا الكتاب حتى نلتقي الأسبوع القادم ، اسمع هذه الأسطوانة أيضا ، سجل ملاحظاتك أو ما انتابك مع كل مقطوعة موسيقى من فضلك ، أخبرني بأي شيء يطرأ ، أي أفكار متهورة تصيبك في الأيام القادمة "
= أفهم من ذلك إنهاء الحديث ؟ حسناً
" بل تفهم أني ألقي إنجاز هذا الأسبوع على كتفيك " 

5- برتقالية !!

نوارات البرتقال البيضاء تخترق الأخضر دوما بجرأة عجيبة تناقض براءة أبيضها الحيي الجميل ، أبيض ناعم مخملي متشرب بشيء من الأصفر ما يلبث أن يكشف عن تكورات صغيرة في عنقود الزهرة ينتفخ كحمل أنثى راشدة ، يتكور ويتكور كبطنها الدائري الشهي ، يخضر ثم يتسرب إليه أصفر يصطرخ ببرتقالية هائجة ، كضفائر فتاة في السابعة عشر من عمرها تعدو خلف الظهر في وهج الظهيرة .

هكذا ضفائرها ، وهكذا كانت تربطهم بشرائط برتقاليه وهاجة ، تمنحها نشاطا فوق نشاطها وتحملها شمسا وضاحة فوق جمال أبيضها !

شيء عجيب هذا الشعر حينما يتوغل في السواد أو يتمسك بظلال البنية العتيقة ، كستنائي كزهراتها ، كقرون البونسيان وبذور القهوة ، يخالط أبيضاً شمعياً تحت برتقالية شمس الأصيل ، يتوهج بلونها ولا يتخلى عن بنيته ، يعاند أهدابها وشفاها وكتوفها الثائرة على حرارة الصيف .

تعدو والنسيم يعدو خلفها ، يعاند تنورة قصيرة مختلطة الألوان ، هل تعقد اتفاقات مع الطبيعة ؟ أم أن الطبيعة تتلون بما تختاره صباحا من ملابسها ؟ أي اتفاق خفي بينهما يجعل قميصها أبيضا كالسحاب وتنورتها بموجات الأصفر والبرتقالي والأحمر والبنفسجي ؟

شرائط برتقالية وشعر كستنائي

تنقصها عيون بزرقة هذا البحر الذي تعدو حزاءه !

مثل الوهج ، ضحكتها المثيرة تجعلها تلسع آذان السامعين بنشوة أخرى ، تتسوق بعض الورد وبعض الكتب ، تنسى التفاح وبرتقال الصيف فتعاود الظهور بالمتجر البعيد من جديد ، ابتسامات حقيقة تحيط بها ، هل بهجة بطلَّـتها التي تشبه شمس الأصيل على مسافر يريد الراحة من عناء الطريق فتصالحه الشمس بالتواري خجلا خلف سحابة صيفية يحركها النسيم العليل من زهور الساحل البرية وملوحة البحر ؟ أم براءة تخترج حواجز أنوثتها لتهمس بقلوب الحاضرين فيدللونها كطفلة هربت للتو من محابس الكبار ؟ براءة يفتقدون الجرأة على العودة إليها سالمين من آثام البالغين المبالغين في الحزن والقهر والألم والخطيئة ؟ من قال أنها خالية من الحزن والقهر والخطيئة ؟ تنورتها القصيرة بموجات الخطوط الطفولية ؟ ضفيرتها الحرة ؟ أم شرائطها المهدلة من رقة بطتها ؟ أم أنه احمرار وجهها حينما تتوجه لهم بالسؤال ؟ أم مفرداتها البسيطة ؟ تفاصيلها الصغيرة الخالية من البهرجة اليومية التي يقابلونها مع زبائن آخرين ؟ أم أنهم يفتقدون عدم التكلف ؟ تلك البساطة في الحديث والتبسط ؟ تلك الأوجه الخالية من المساحيق والأقنعة ؟ لماذا تراهم لم يروا أن الحزن يمسح عن كل الأوجه المساحيق وعن كل الأجسام تلك الثياب المتعجرفة ؟
يتهللون بوجهها إذ تطل خجلة تطلب بشيء من حياء كأن نسيان أمر من أمورها الخاصة جريمة وإثم ، تريد بعض فاكهة من برتقال وتفاح ، يعرضون عليها التوت البري الأزرق أو الكرز متألق الحمرة يليق برقتها وإشراقها ، لعل البرتقال هو ما يناسب قلبها المتعب !

كان طبيب أغذية يلمح كثيراً أن لون الفرح برتقالي ، لون البهجة ، لون التفاؤل والأمل ....

امتلأت خزانتها بالأسود في ذاك الشتاء ، لعلها كانت بحاجة إلى قشرة جديدة تمتص الشمس فينمو قلبها من جديد .

باحتفاء شديد عاملوها ، برفق وصعوا الفاكهة في أكياس ورقيه ، أحضر لها صبي صغير يساعد أعمامه في البقالة كيس مختلف ، ملون بوردات رقيقة ، همس لها أنه للزبائن المميزين فقط ، ضحكت بشدة ،يغالب برتقال ضحكها كرز وجنتيها الخجلتين .

داعبت شعره القصير ، وخرجت شاكرة ، كطفلة حصلت على قطعة شيكولاتة مداعبة من بائع شيخ لضفائرها !

ركبت دراجتها ، الشمس لا تلسع ، شمس الأصيل تحتضن العابرين ، خاصة أولئك الذي يختارون الممشى الساحلي ، بين زرقه وتموجات السماء بألوان بين طيوف الظل وبين توهج الشمس ، تختلق بحراً آخر وأمواج أخرى ، ذاك السحاب الذي يشبه قميصها الناصع .... وهذا الشعر الثائر على ربطات الضفائر ، بين أهدابها وجبهتها وكتوفا تطل من قميص بلا أكمام ، يجعلها تشعر حقاً أنها مازالت طفلته ........ هو ؟ .......... أين هو !

أطل باكراً يحمل الحزن في طيات كنزته القطنية الداكنة ، داعب شعرها بهدوء وهي تصطنع النوم كي لا يهرب ،همّ بتقبيل جبينها ثم لسبب ما تراجع ، نزع يده ، تجهم ، خرج مسرعاً ، هل كان يخشى أن يضعفه الحب بقبلة صباحية كما كان يفعل ؟

لم تر وجهه ، لكنها شعرت بأصابعه فوق شعرها ، فانتعشت كزهرات الصيف التي تحارب حرارة الشمس في صبر وجلد وهدوء !

لا تنعم بالنسيم مثلما تنعم بلفحات الحرور ، لا تنعم بالماء إلا كالعطشي تلهث ، فلا تعرف لها برودة ولا طعم ، ورغم ذلك تظل باسقة ونضرة ، تحفظ نسمة الليل ، تتظلل بها لحرّ الصباح !


الأحد، 19 يوليو 2015

4- أخــضــر !!


وسط هذه العتمة ، يترائى كل شيء في هذا الطريق كأشباح ليلة ، منتصبة أو ممدة في تعاريج غريبة ، يبدو كل شيء في درجات ضبابية متفاوتة ، بين الحلكة وبين الأبيض المخطوف ، شيء يوحي بمغص ، ويوحي براحة عجيبة ، يوحي بكل شيء !

ملامح طريق لا تتسع إلا بعد اقترابك من نقطة النهاية أو تظنها كذلك ، ضيق هذا الطريق جدا ، الأسود القاتم يضيق بالمكان مهما خلا ، ويغدو كل شيء يقترب من بحر الطريق الواسع ضيقاً جداً فوق صدرك ، كأنه يحسر سيارتك من جوانبها ويختنق بك .

هذا الأسود الحالك يشتد دوما قبيل الفجر ، هكذا يقولون ، يهبط ببطء لكنه يجثم على ضحيته من المزارع والطرق كالموت ، كثوب أسود قاتم التعاريج أسدل من توه على واحة دافئة فجعلها صقيع مقفر وكالح !

يقاتل الفجر دوما ، هكذا عهدنا بالفجر ، كالأمل كالحب ، يبدو متعباً وصغيراً في بدايته ما يلبث أن تصيبه صفرة المرض ، نظن أوانه قد حل ، فما يلبث إن صبرنا حتى يصير نهاراً كالحريق ، قوياً وجريئاً ، يصرخ في الكون برعد واضح ومفهوم ، لا محل للظلمة هنا.
لو صبرنا !

الطريق المتعرج يمسح ضبابية الأشياء رويداً رويداً عن السحر ، نسيم يعصف بقلبه الخائف والمتردد ، قلبه الذي يقسو في محل الرحمة ويرحم في مواقف الحزم ، قلبه الذي يضطرب بين جنبيه بشيء من جنون ، لا يكاد يبصر أي شيء حتى يرتعد في ركن ركين يختبيء فيه عن كل شيء ، حتى نفسه ، نسيم يضرب جدران قلبه بالحياة من جديد ، يضرب جذور أمل غير واضح القسمات كنطفة جنين في رحم ضلوعه التي صارت كأشواك حديقة قفر خربة ، مَــيْــتٌ هذا الصدر بدون حب ، ضلوعه أشبه بأسوار السجن ، وجلاد يقف على بوابته من ناحية الرأس ، يقتل فيه كل نطفة أمل جديد ! يا ويل هذا القلب !

رائحة الأخضر ( نعم ، للأخضر رائحة عذبة ) تفتك بكل الجلادين ، تخترق أسواره السوداء كعيدان الشوك اليابسة في أرض ميت !
تخترق كل ساحاته ، لها برودة تلامس صدره من الداخل كأنها ترسم له بطانة أخرى من النسيم غير بطانات الدم ، وتضفي عليه لوناً جديدا !!

كلا ، إنما تحيي فيه ألوانه الزاهية من جديد ، أخضر هو كعود الريحان الناعم ، يشق الطين بوجه مشرق وبريء ، له نظرة تقتل كل آفات الشر في العالم ، وضمة تحوي كل الدنيا إن اتسعت ، كعيون الأطفال تبدو جوهرتيه إذا تأمل أو تبسم ، لا شيء يعلو محياه غير بسمة عذبة ، وصوت رخيم !

هكذا هو ، هكذا كان ، هكذا يخفي الأخضر ويهمله .

أراح رأسه للوراء ، الضوء يتسلل ويكشف خبايا المزارع المحيطة ، الشجر الذي بدا لساعة مضت كالشوك والأشباح والمومياوات الهاربة بدا باسقا للسحاب في شموخ ، أو ناعسا تجاه الأرض في رقة ودلال ، بدا يمتاز اللون البرتقالي لثمار البرتقال التي تسعد بالشتاء القادم ، ويتوهج الأحمر لزهرات ندية ترسل عبيرها في أحضان النسيم .

نسيم يكسر كل حواجزه المسلحة ، يعصف به كما يعصف به جنون البحار .

ترك سيارته للمقود الإليكتروني ، أغمض عينيه ، واحتل ذهنه وشاح أخضر ، كانت رائحته مزيج من زهر البرتقال ونسيم الربيع ، كان أخضره يأسر ، ناعم وزاهي ، يخطف العين ولا يؤرقها ، يريحها ، يهدهدها ، يحملها كطفلة ناعسة في حجر أم حنون ، يلفها بدفء حتى تبتسم ، أو تجعله لون بؤبؤها وتنام على تلك الصورة !

أول حائط لونه كان بذات اللون ، هذا الأخضر الزرعي الدافيء ، كان وسم تلك الغرفة التي خصصاها للقراءة والموسيقى والرسم ، غرفة موزعة بين الأخضر والخشبي ، تطل على حديقة صغيرة ، يكون شذاها كطفل مشاكس كل مساء فيملأ الغرفة برائحة الخضرة العذبة ، وطفل ناعم كل صباح فيهمس لها بنسيم الفجر .

يزعجه أخضره ، أخضر قلبه وأخضر ذاكرته وأخضر النسيم الذي يغرقه في اللاشيء وفي كل شيء ...

يفتح عينيه فجأة ، يقفز من جلاده سؤال ، هل ما زلت أخضر كما كنت ؟ كما التقينا أول مرة ؟ ام أني حقا بت كأشواك الشتاء ؟ سوداء وضبابية وشبحية ؟ لا رائحة ولا مَــعْــلَـم ولا نفع ؟ هل هذا الأسود دائم ؟ هل يعود الأخضر مثلما كان ؟ ينبت من جديد ؟ يبث الحياة كما يفعل هذا النسيم في أرض قفار ؟ هل هكذا تموت الأشجار ؟ سوداء قاتمة بئيسة ؟ بلا عصفورات تغرد ولا نسيم يطل ولا ندى يمسح عنها ألم الدنيا ؟

يفرض الصبح وجوده على كل شيء ، الطريق والشجر وزجاج سيارته ، يتعرج في دورانه المتتالي يمنة ويسرة ، يدور ، يستقيم ، ويلوح منزله من بعيد ، كهل حزين ، كأنه أصابه الشَّيخ ألف مرة ، كأن العنكبوت يلفه كما يلف نبت شيطاني شجرة تين خضراء بل ومثمرة !

كان هو كالبيت ، كان كأخضر التين ، كان مليء بالضباب ، بالتراب ، بخيوط العنكبوت ، لكنه كان بالنهاية ..... أخضر ! 

الثلاثاء، 14 يوليو 2015

3- فـيـروزيـة !



صباح مشرق وجسد أنهكته أفكار المساء ، سماء تنبض بالحياة وعصفورات تنشط مع أشعة الشمس الناعمة فتتراقص في فرح لتعلن الإشراق العظيم .


متثاقلة تنظر إلى النافذة لتكتشف الشروق ، تنهض ببطء ، الغرفة خالية لا أثر له هنا ، ليس بالخارج ، أعقاب السجائر تنبئ بمروره العابر ، تخطو بوهن مطأطئة الرأس في أسى نحو الشرفة ، تبدو المياة رائعة جدا !


بثياب النوم عبرت الحاجز الرملي إلى البحر ، خطت فيه بهدوء ثم استسلمت لمياهه ، لامست وجهها ، شهقت ، رفعت رأسها للأعلى ووقفت ، غسلته عدة مرات متتالية في محاولة لطرد النعاس والألم ، في خرق لعاداتها جعلت رأسها وشعرها يذوب في الماء ، استرخت ، بدأت في سباحة هادئة ، تغسل في البحر نعاسها وكوابيس ليلها ووهن القلب وكل شيء ، قريبة من الشاطيء ، اقتربت قليلا أكثر ، جلست والماء يغطي نصفها ويلامس صدرها ، يضربها بخفة حينما يموج إلى عنقها فترجع برأسها للخلف مستسلمة لمداعبات الموج ، صارت ترى البحر بوضوح الآن ، كيف قضت الأيام الفائتة بلا عناق طويل لهذا البحر وملوحته ؟ ألقت نفسها فيه ثانية كأنها تعانقه الآن ، تذوب فيه وتسبح ، غسلت نفسها من جديد ، شعرت بالجوع ، عاودت السباحة إلى الشاطيء ، ألقت على البحر نظرة استئذان واتجهت لمنزلها .


بخطى حريصة دخلت كانت مبتلة ومليئة بالرمل ، غسلت تلك الآثار ، لفت جسمها بمنشفتها البيضاء ووقفت أمام خزانتها !


اليوم ؟


فيروزي


السماء الزرقاء والبحر الرائق الفيروزي ، فستان يليق بهذا الجمال ،


مدت يدها إلى فستان أبيض فضفاض ، يتشرب نصفه الأسفل بتدرج رائع للون الأزرق السماوي فيظهر لون الفيروز في معظمه كلون البحر ، كأنما ترتدي موجة ، على صدره سلسال مطرز من فراشات فيروزية لامعة ، يضفي الخيط عليها جمال خاص ، قرط من أحجار الفيروز مناسب تماماً ، عطر من رائحة المحيط يحمل حمض البرتقال ، يجعلها أكثر انتشاء بصباح كهذا ،


قهوة ؟ أم تفاح أخضر ؟ أم وجبة من المكسرات الخفيفة قد تجعلها أكثر نشاطا ؟ أم جميعهم ؟


أفرغت بعض البرتقال في كأس وهي تحضر صندوقا صغيراً تضع فيه بعض المكسرات وشرائح الفاكهة ، ستقضي نهارها هناك على أمواج الشاطيء ، شعر مسدل على كتفيها ، وفستان يداعب النسيم ويداعبه ، وكتاب صغير عن امرأة لاتينية تدور في بلاد الله باحثة عن الحب والثروة .


أمسكت هاتفها خطت رسالة قصيرة ، إرسال ، ابتسمت ومضت !


دفتر بنفس زرقة المياة الفيروزية ، تسطر فيه مقتبساتها من الكتب ، ساعة مرت دون أن تكتب فيه شيء ، مضى أكثرها في تأمل اللاشيء في لون البحر ورائحة أمواجه ،


داعب النسيم رموشها ، أرخت رأسها ونعست قليلاً ، تركت أمرها للهواء ، شمس الخريف حيية كشمس الربيع ، ناعمة كثوب حرير ، دافئة كرائحة البرتقال ، حميمة كالقهوة ، لا تلسع ولا تخدع ،


من بعيد رآها مستلقية على أحد الكراسي القريبة من الشاطيء ، حركة شعرها العشوائية وهدوءها يدل أنها غارقة في ملكوت آخر لربما غلبها النعاس ، رائحة البحر هائجة اليوم على غير العادة ، اقترب قليلاً ليميز ثوبها ، ابتسم بكبرياء شديد ، أدرك كيف أنها اختارت الفيروز أيقونة يومها ووسمه ، هزّ رأسه بلا فائدة ومضى للمنزل يحمل سترته بطرف إصبعه ويثنيها فوق كتفه ، وجد كالعادة ورقة منها فوق منضدة الطعام ، " سوف يصلنا غداء شهي في الرابعة .. أرجوك لا تذهب ... تذوق معي بعض ملوحة هذا السحر في أسماكه مرة ! "


نظر في الورقة ، لا فائدة من كل ما تفعل ، يريد أن يعانقها بشدة ، عاد اليوم وهو يريد فعل ذلك ، فجاة عندما رآها تراجع ، لماذا ؟ لا يعرف ، قبض كفه على الورقة الزهرية المسكينة ، ألقاها فوق شيء لم يميز اتجاهه ، بدل ثيابه ومن الباب الأمامي خرج !


عصف الهواء بدفترها الفيروزي المفتوح أمامها ، استفاقت عندما لمسها ، جمعت كتابها ودفترها ، وقفت واستدارت نحو الشرفة ، لمحت طيفه يتحرك هناك ، هتفت بصوت مبحوح ، لم يسمع ، اقتربت ، كان قدر خرج !

الجمعة، 10 يوليو 2015

2- أحمر !!

بعينين متعبتين جلس يراقب الغروب في الشرفة ، يكفهر الأفقر باحمرار قرص الشمس الذي يغوص شبراً بشبر في الأفق البعيد .

يكسوه بصيص النور الأحمر الملتهب ، طالما أحب الأحمر في درجات مختلفة ، لكنه مؤخراً صار ينزعج منه لكثرة الدماء المسالة في عالم لا يقدر الجمال ولا الروح ولا الأشياء .

لطالما كان مثل الأحمر في كل شيء ،دفئه وجنونه وحرارته وهياج ثورته ، كان ناعم وجذاب رقيق وفخم وساحر ، وكان قويا وكان صريحاً وكان ثائراً ، كان يلف كل من حوله بشيء من حرارة حميمة .

في عافية الثور وعناده ، وفي فخامة الأسد وغروره ، كالطاووس يسير ، وكالعصفور المغرد حينما يحلو له اللحن !

دفتر برتقالي فوق منضدة دائرية صغيرة من خشب البامبو ، لها قرص يعلوه مفرش مفرغ بأشكال زهرات دائريَّة صغيرة ، قلم ، وطفاية سجائر امتلأت عن آخرها رغم أنه في الأصل لا يدخن .

مد يده إلى الدفتر بتثاقل ، اعتدل على كرسيه المريح ، رفع قدمه على حافة الشرفة ليجعلها مسنداً لكتابته ،،

اليوم .. السابع من هذا الشهر الطويل .. أكتب عن جنونها ..

كالعادة تركت لي رسالة بخط يدها المتردد ، لكن اليوم كانت أكثر استرسالا في خطابها عن ذي قبل ، أخبرتني عن اللافندر ، ولا أعرف لماذا اختارت اللافندر الليلة ؟ هل لأنها تعلم أن أحب زهور اللافندر ؟ ربما !

تلك الزهور المنتصبة القوية والتي تملأك بعبيرها بمجرد ملامستها ،

كانت يوما في عيني كزهرة اللافندر ، ويا للسخرية ، لقد ارتدت ذات الثوب القرمزي الذي ابتعناه في شهر العسل ، كانت تبدو جذابة جدا بهذا الثوب حتى ثارت غيرتي عليها ، وأخبرتها أنها لن ترتدي هذا الثوب أمام أي رجل ، كانت مثيرة جدا ، يعطيها شعرها البني وعيونها العسلية الواسعة مظهر قاتل فتَّان ، ثم يا ويل ضحكتها حينما كانت ترتديه وترفع شعرها عن كتفيها فتظهر رقبتها طويلة كرقبة الزرافة ، تتأرجح رأسها مثل كرة مطاطية فوق هذا العنق الدقيق الشمعي حتى تخالها ستسقط ، كانت ضحكتها ساحرة ، أثارت غضبي يومها ، كانت جميلة حد تفحص كل العيون لها ، أجل ... كنت محسود عليها في تلك السهرة ، كانت عيونها تحيطني ، تحملني ولا ترى سواي ، كانت تتفحصني جدا ، وكنت غبياً وقتها ، كنت مشغولاً عنها بتفحص الناظرين لها ، قفزت من المقعد وطلبت منها العودة للمنزل ، كانت تريد مشاركتي الرقص ، لم أرقص ، قررت الخروج من هذا المكان وفقط .
انطفأت عينها في تلك الليلة ، خرجت كأنها تجر ويلات الهزيمة وقتها ، شعرت بغصة لأول مرة في حلقي ، قتلتني نظرتها الحزينة ، أذكر أني أسرعت للسيارة ، وهي خلفي ، قررت أن أشتري لها باقة زهور من مفضلتها ، أوقفت سيارتي بناصية شارع أعرفه وتعللت بشراء شيء من محل بنهاية الشارع ولا موقف للسيارة هناك ، دقائق وسأعود ، يومها اضررت للسير شارعين آخرين حتى أظهر من خلف السيارة ولا تراني ، كانت سارحة في هاتفها ، وضعت الزهر بحقيبة السيارة فالتفتت وأنا أفتحها لكنها لم تراه ، أسرعت إلى المنزل ، طلبت منها الذهاب على أن ألحق بها ، أخذت الورد وكان معي اسطوانة جديدة لـ" بحيرة البجع- تشايكوفيسكي"

لا أعرف كيف كتمت دموعها أو أين كانت دموعها طوال تلك الفترة ؟ حتى عندما كانت تنتظر وحدها بالسيارة لم تبكِ ! ثم انفجرت فجأة حينما خطت غرفتها ، سألت ما بها قالت لا شيء ، مسحت دموعها وابتسمت من خلف غيم الحزن ، رفعت الورد لها واعتذرت ، أخبرتها كم كانت فاتنة وكم كانت تتفحصها العيون ، كانت الباقة صحبة من لافندر فواح ، ابتسمت وبكت وألقت نفسها في صدري !

طلبت منها الرقص مثلما كانت تريد ، أدرنا الأسطوانة ورقصنا ، كانت تضحك جدا ، كانت فواحة كاللافندر ، كانت تبدو بحق كزهرة أرجوانية ، كأني كنت أراقص النسيم .
كانت من أجمل الليالي القليلة التي قضيناها في منزلنا في العاصمة ، ولهذا أحب فستانها القرمزي ، ما زال له نفس رائحة اللافندر الأولى .
فضضت رسالتها لتوي ، ألقيتها على المكتب ، آلمني كلمها كما آلمتني نظرة الناس لوجهها البراق ، متى ظهرت تجاعيد الحب بيننا ؟ لا أعرف ...... لكنني منهك بما يكفي ، لا أعرف ، لن يصلح الحكي شيء ، لن يصلح حديثنا شيء ، سنعود مثلما كنا بعد ساعات ، كل في عالمه .....

انتهى ،

أغلق دفتره ، كان الظلام جاثم على البحر بثقله ، خلع بتثاقل رابطة عنقه المفكوكة ، بثقل وصل إلى الأريكة المجاورة ، ألقى بنفسه عليها ، كأنه ليس هو ، وليس هنا ... 

الثلاثاء، 7 يوليو 2015

1- أرجوانية !

صباح الخير يا عزيزي ،

تحممت اليوم بعطر اللافندر ، وكان الثوب القرمزي اختياراً انسيابياً فوق جسدي ، يمنحه التفافة اللافندر الرائع ، فقط لأبدو عندما أراك كزهرة أرجوانية حميمة .

هذا العطر الذي يغزوني ويتمتزج بكامل جسمي ، يلفني ويحتويني بثورته ، كأن جلدي استجاب للثورة ، كأن كل جزء في صار منتشياً بانتفاضة العطر الهائجة ، فبدأت أدندن أغنيتنا الحبيبة للسيدة فيروز "شايف البحر " تذكرت حينما كنت تديرها لي مساءً قرب الشرفة ونحن نطالع الشمس وهي تلقي كل ظلالها في أحضان هذا البحر البعيد ...
وتذكرت حينما كنت تديرها لي صباحاً مع زقزقات الشروق ، حينما أتحمم بماء الورد وأخرج سعيدة بصباحك الرائع .

أجلس أتفحص وجهي في مرآة صارت داكنة اللون من صفرة أصابتها بعد بريق ،لم أعد رائقة كالسابق ، لكن اللافندر يدب الحياة في احمرار وجنتي ، أحاول تصفيف شعري ،أتعثر به ، لست بحالة تجعلني سريعة الغضب كعادتي ... من أين أتاني هذا الهدوء ... صوت فيروز أم رائحة الأرجواني ؟ لا أعرف .. أرحت رأسي للخلف ... تذكرتك !

حينما كنت أتعثر فيه أيضا ، أتذمر ، لدي مهامي الصباحية ، لا أريد دفع دقيقة زيادة في تصفيف هذا الشعث !
حينها كنت تقف خلفي وتبتسم ، كنت تجبرني على الجلوس وتهمس لا تعكري صفو بسمتك ،
ألامس شعري مثلما كنت تلامسه كأنك تهدهد طفلاً يرفض اسكات حنجرته عن صريخ مزعج ومتصل !
ثم تصففه بهدوء ... تخبرني أنك ستكمل معي مهام عملي .. أخبرك لا يجوز .. وتسأل عن التفاصيل .. ونغوص فيها .. وتغوص في شعري ... وفجأة تخبرني انك انتهيت ..ألم شعثه وأقفز إلى مكتبي ... تضحك لجنون الطفلة ... تحضري لي قهوة راق لها صباحي فأتت بأنغامها الخاصة ...

أجلس الآن أمام مرآتي ... شعري مشعث جدا ... أتعثر بتصفيفه ثانية .. كأنه ليس شعري أو أني ضاق صدري بدلاله وحماقته !

بهدوء أحاول استعادة حيلك في التصفيف ... بهدوء أحاول منح نفسي الفرصة كي أظل مسحورة باللافندر ... ويقفز في رأسي سؤالٌ سخيفاٌ ، متى ظهرت التجاعيد بوجه الحب ؟ متى صار كهلاً ؟ متى انشق كل منا عن نفسه فصار آخر ؟ متى صرت عجوزاً هكذا حتى تبدو لي المرأة الممددة أمامك في الشرفة تملأ صدرها بأنفاس البحر وملوحته وعبقه شابةً جداً ؟ صغيرةً جداً ؟ وغريبة أيضاً ؟

سماع صوتك في صباحاتي كان القهوة ... منذ متى عاف قلبي القهوة ؟ منذ متى فترت أذني ؟ ومللت أصابعي من إدارة الأرقام على هاتفي حينما أستيقظ ولا أجدك هنا ؟ لا أعرف

أريد العودة لذاك البحر ... أريد العودة لتلك الأغنيات ... أريد العودة لتلك النسمات التي كانت تملأ أنوفنا بعطر بعضنا ... أريد العودة لعطرك أنت وزهراتي أنا ... بدلا من الأشياء التي أنظمها حولي كي تسرقني منك فتغرقني أكثر في تفاصيلك !
كما القهوة رفيقة الحزن ، يكون اللافندر فارس الشجن ... فارس في عنفوانه ... يشغلني بشباب عطره عن كهولة مشاعري ... وقسوة انشغالك ..

وداعاً .


دست الرسالة كعادتها في درج مكتبها ، قامت إلى المرآة وعدلت مظهرها الشعث ، نظرت للفستان القرمزي الطويل بنعومته المخمليه بحب ، ارتدته ، نظرت ثانية في المرآة ، ابتسمت ،  ومضت

قرأها بهدوء كعادته ، ارتسمت على وجهه الجامد شبهة ابتسامة ، وضع الورقة فوق المكتب ونظر إليها ، فوجدها غارقة في قرمزية ثوبها كوردة تنضح بتلاتها بالحياة ، أحكم الغطاء على جسدها المسجى ، وبهدوء سحب الباب وهرب !

الخميس، 25 يونيو 2015

بعثراتي وأفكاري المشعثة !

لا أعرف متى ينتهي هذا الشعور ، أني لا أنتمي إلى هذا العالم ، لا أعرفه ولا أنتمي له ولا أريده !!

أني سقطت سهواً من أحداث رواية ، رواية فقدت ملامحها في مقاتلاتي الهزلية في عالم الواقع ، كتاب لا أعرف عنوانه ولا أدري بأي رف قد وُضِـع !

متى أتيت ؟ ومتى أذهب من هنا ؟ لا أعرف 

اختناق يكتنف روحي وقلبي ، لا شيء هنا يشعرني بالدفء ، بالوطن !

أحمل غربتي بين ضلوعي يضيق صدري بي وبها ، متى أعود للوطن ؟ ثم ما هو الوطن ؟ لا أعرف تحديداً !! 
في صباحٍ ما ، استيقظت وبداخلي غربة شديدة !!

ثم باتت تكبر كل مساء ، وتتعملق كل صباح ، حتى جعلتني مفصولة تماما عن هذا العالم !

لم يعد هناك أية شغف لأي شيء ،  حلم ولا مستقبل ولا حاضر !

أذكر الماضي بشيء من تعب ، تعثر ، صعوبة ألم في أسفل رأسي ، كأني أذكر شيئا لم أعشه ، أو عشته في عالم آخر !

ملامح جدي باتت تهرب وتختفي ، صدى ضحكته صار بعيداً جداً على غير العادة منذ سنوات !

لا أدرك عدد سنوات عمري كأن الزمن توقف بلحظة وأنا واقفة هناك لا أتحرك قيد أنملة .

اليوم رأيت صورة لنبات الصبار ، كوجع في رأسي أتت ذكرى أني كنت أزرع الصبار ، بدا لي الأمر كأنه من قديم الأزل ، مشهد من فيلم تراكم عليه التراب في أرشيف سينما عفنة ! 

كنت أزرع الصبار وأحبه كثيرا ، كان لدي ثلاثة أنواع على الأقل من الصبار في الشرفة ، كان لدي نوع يزهر في الربيع ، كانت فرحتي وبهجتي للأمر كفرحتي بطفل وليد ، زهرة مخملية رائعة ودافئة ، لونها وردي فاتح مختلط بالأبيض ، رقيقة وناعمة ودافئة جدا ، كان لي صديقة من الصبار أو صديق ، كان صباراً اعتيادياً ، كبرت وكبرت وكبرت ، وصارت أوراقها أعرض ، الآن أذكر أنني كنت بمنديل ورقي أمسح أوراقها بهدوء وطيبة ، كأني أمسح أطراف طفلة صغيرة ، كانت ناعمة وحنون جداً ، كانت تلمع عندما أفعل ، كانت تميل على يدي أو أني كنت أظن ذلك أو أصوره لنفسي لكني كنت أشعر بشيء من الحب المتبادل بيننا ، كنت أقبلها بين الشوك ، وكانت ترد القبلة ، كنت أحبها جداً ، ماتت !
وكان لدي نوع آخر ، لاأذكر اسمه ، كان يقف منتصبا مثل الإنسان ، رافعاً أذرعه تجاه السماء ، كان شامخاً بحق ، كان أخضره جميل جداً ، داكن وقوي ، وبين الأخضر تعريجات أفتح قليلا تميل للصفرة كنهر يسري بين ضفتين خضراوين قويين ، تتزينان بالشوك القوي ، تعريجات الأخضر الفاتح تسري طولا وارتفاعاً وتميل في خطوط مستقيمة متعرجة الجوانب تماما كالنهر ، وكل ذراعين يقفان بزاوية قائمة فوق الذراعين السابقين لهما ، عندما كان ينبت لهما برعما جدياً ، كان يبدو صغيراً جدا كوليد تأسرك براءة عيناه ، وريقات صغيره وناعمة لا أثر للقوة والصرامة والانتصاب ولا شوك بعد ، لهما درجة ناضرة من الأخضر الجذاب تجعلك تتأملها ولا تمل ، كانت جميلة جدا ، بحذر كنت أمرر يدي بمنديل أو قماش نظيف وأحيانا مبلل فوق النهر الساري بين الشوك ، أمسح التراب عن وجهه اللامع فيبدو زاهياً جدا ... كان يشيكني .. وكنت أعانده ، ويعاندني وأصرخ فيه ويتذمر في وجهي أخرج له لساني وأمضي ، ويجذبني الأخضر الزاهي بين الدكنة ، فأعود وأبتسم !
أما القبة ، لم نكن أصدقاء ، كنت أخاف منه ، في أول مرة نقله أبي إلى الشرفة شاكني ، كانت شوكته قاتلة ، بالنسبة لطفلة كانت قاتلة ، شوكته كانت تحدث ألماً أشبه بالتنميل ، كأن أنملك أصابه الشلل المؤقت ، كان مزعجاً جداً لي ، كنت غاضبة منه وحذرة ، لعله لم يعرفني بعد ، هو ليس من أصدقائي لعله لهذا السبب شاكني ؟ كلا .. أنا المخطئة لم أكن حذرة بما يكفي وقد حذرني أبي ، 
كان مثل القُـبَّـة ، يتعرج فيه وبين أشواكه درجة الأخضر المحبب إليّ ، كان وجهه بشوشاً رغم ذلك ، شعرت أنه لطيفاً رغم شراسته الأولى ، بدأ يكبر ويكبر ويتكور ويزداد جمالا كلما تكور ، كان أبي يقول إنه يختزن الماء بداخله ، كنت أحب الفكرة ، كانت أشواكه تثير فضولي للمسها ، كنت ألمسها وأتحسسها برفق ، كانت تقف على شيء أشبه بالإسفنج أو القطن شيء مخملي ناعم جداً ، تحديت الشوك ، ثم صادقت الشوك ، ثم صرت أشيك نفسي به كي أتعود ألمه ، ثم صرت أسقيه بانتظام وأتابعه ، ثم صرت أداعب شوكاته ويبتسم ، ثم رأيت يوما بروزاً فيه أخبرني أبي أنها " خلفة " صبارة صغيرة يمكن نقلها بعد بعض الوقت في إصيص آخر ، كانت صغيرة تتسلل من تحت أمها ، تكبر وتكبر وتكبر ثم ينبت لها جذر وتنفصل ، كنت سعيدةً جداً ، بدأت ثانية وثالثة بالظهور على مدار الأيام والشهور ، صار سلوكا معتادا من تلك الصبارة بالتحديد جعلني أحبها أكثر وأبتهج بها أكثر وأكثر ، كانت كشجرة التفاح بالنسبة إلي ترمي طرحها في حجري وأنا سعيدة بالثمر ، كانت الورد كالزهر كالعبير ، كنت حقاً سعيدا باللآليء الصغيرة التي تخرج كل فترة بجانبها فننقلها في وعاء آخر ، ثم ذات ربيع ، بدأت بإخراج أحد البراعم ، كان غريباً جدا ، كنت متشوقة لأعرف ما هذا يوم وآخر بدأ يتكون له شكل ، كان البرعم زهرة مغلقة ، كبر البرعم وطال ، إلى حد معين ثم توقف عن النمو ، وفي يوم " شم النسيم" تحديداً استيقظت صباحاً باكراً فتحت الشرفة أتنسم الهواء البكر ، وجدتها تفتحت ! تقافزت فرحاً صرخت ، ركضت إلى غرفة أبي أخبرته الأمر ، أخذته ليرى الزهرة الجميلة ، تبعته أمي ، كان الأمر أشبه بهدية رائعة منها ، كانت زهرتها جميلة جدا جدا جدا ، كانت رقيقة كطفلة ناعمة ، وكان يافعة كامرأة حرة ، كانت باسقة تنظر للسماء في عزة ، ورقة وجمال آسر ، كان لها عطر خفيف جداً أذكره الآن ، كان لونها جميل بحق ، كانت تشبه الخيال ، تشبه الرسم الوردي المتشعب في الأبيض ، كانت ببساطة جميلة ! 

ظلت تفعل ذات الأمر كل ربيع ، كل " شم نسيم " تفاجئني بوردة حرة ، حتى .... أكلها فأر عابر ، يا للخيبة ! ماتت الصبارة ! لم نحضر غيرها ، لسبب غبي قررت ضم مساحة الشرفة إلى الاستقبال ، ألححت في طلبي ، دبرت نفقاته ، قاتلت ، ضممت الشرفة إلى الاستقبال بعد أن ماتت زرعاتي تباعاً ، نقلت البقية إلى الحديقة بدم بارد ، أقفرت أُصُـص الزرع ، لم أحاول أن أزرع ثانية ، وقتها فقدت جزءاً آخر من روحي ! 

وهكذا ترحل الروح قبلنا !  

الاثنين، 15 يونيو 2015

يا بياعين الفرح :)

معلش ... المرة دي عامية يمكن يتخللها فصحى ! #الغزالة

كانت السيدة رضوى عاشور تقول إنها يوميا تحمل سلتين من الأمل ... كنت بشوفها زي ذات الرداء الأحمر ومعاها سلال التفاح :)

تمشي توزع بين الورد والتفاح عالبئسانين والزعلانين ... يمكن تنور في قلوبهم وعنيهم شمعة !

وسط سنة من الشغل ... مرت عليا أيام ملونة ... وأيام غامقة ... وأيام كانت الغيوم فيها رمادية أوي ومخيفة أوي ... كان الليل فيها أشد سواداً من أي وقت مضى !

السنة دي أنا كبرت فيها أكتر من 10 سنين فعلا ! الحزن والهم والوجع والألم اللي كان عميق بشكل لا يحتمل ... بستغرب نفسي إني اتحملت !

بستغرب إني لسة عايشة ... إني مستسلمتش لفكرة إني أقطع شراييني وأراقب الدم لحد دلوقتي ... إن فيه صوت كنت بسميه غبي جوايا بيقول إنه يمكن الشمس تطلع تاني وقوس قزح ينور !

الحقيقة أنا مش عارفة قوس قزح فعلا ظهر ولا لأ ؟ إن الشمس منورة ولا لسة الغيوم كاسية سما قدري وحظي ... أنا مش عارفة غير إن فيه بصيصص نور ظهر ماشية عليه خطوة بخطوة !

اكتشفت أصدقائي من جديد :) ... اكتشفت أمي وأبويا وأخويا من جديد ... اكتشفت الحب من جديد .. اكتشفت لهفة عينيهم وخوفهم وحنانهم وحبهم ودفاهم من جديد  ... اكتشفت أصدقاء جداد ... وزاد حبي على الحب لهم ... عينين بتطل بالحب والرحمة ... الود .. مش نظرات شفقة ولا عطف ولا استخفاف بالوجع ... نظرات احترام وإجلال لحجم الحزن ... كإن للحزن عظمة ومكانة !!

اكتشفت الحضن من جديد :)

صحيح كوني مدرسة أطفال ومراهقين وأطفال أكتر الحقيقة .. بيعلمني إن الحضن ده بيختصر الكلام لكائنات ملائكية بريئة مش عارفة تعبر فتجري تحضنك ... تحضن وسطك .. دراعك .. رجليك ... لكن السنة دي اكتشفت معاني أكتر للحضن ده :)

يمكن اتعلمت لأول مرة أتكلم بيه .. وأعبر عن الحاجات اللي أحيانا بعجز أو أتكسف أقولها !! :)

اكتشفت إن الحضن ده لو مهم للأطفال عشان يكبروا بحالة سوية نفسياً فإحنا محتاجينه عشان نحاول نحافظ على طفولتنا جوانا !

اكتشفت إن فيه أحضان بالصوت ... وبالكلام ... فيه أحضان برسالة الصبح تفاجئك ... فيه أحضان بدعوة حد يدعيهالك فتلاقيها فرجت كده من وسع وان مش عارف :)

يمكن اتعلمت السنة وعملت كده ... إني أدي للناس أحضان كتير ... إني أروح لحد زعلان وأديله الحضن ده من غير ما يطلبه

أصل إحنا لما كبرنا فاكرينا نفسنا كبار على إننا نقول لحد يحضنا ... يحضنا عشان خايفين أو مرهقين أو خلاص تعبنا وفقدنا كمية طاقة كبيرة ومحتاجين حضن شحن !

مواقف كتير حصلت معايا ... زميلات حلوت زي الفراشات ألاقيهم بيدوني حضن ... واحدة حضنتني جامد أوي قالتلي حسيتك محتاجاه :) متزعليش واضحكي لسة الحياة فيها :) العجيب مسكت دموعي وضحكت .. العجيب إني كملت اليوم بضغط وتوتر أقل :)

أطفال ... عينيهم بتشع من الحب والنور والبراءة .. أحضان كتير وسع السما مع إن الايدين صغيرة والدراع قصير ... بس أد السما :)

كانت عينيها مطفية .... حسيتها ... رحت وحضنتها جامد ... أنا بحاول أردلها يومي الوحش اللي هي خلته حلو بضحكتها ... وهي كانت بتتأمل ضحكتي مع الأطفال ... بتتأمل كلامي معاهم وأحضان السما والحب الطاير ... كل اللي فكرت فيه هي إزاي بتديني قوة وأمل بضحكتها كل يوم الصبح أنا لازم أكون شخص أفضل ... وهي بتفكر إزاي هي مش شايفة نعمة الأطفال دول وحبهم وأنا قادرة أشوفه .. وإنه أكيد هي الغلطانة ولازم تغير نظرتها !! مع إنها هي اللي خليتني أغير نظرتي :) بسمات الصباح حلوة أوي متحرموش الناس منها :)

حد يفاجئك بحاجة حلوة ... شيكولاتة .. مصاصة ... جيلي كولا .. ياااه اليوم المغيم في عيوني على الأقل بيتغير :)

الهم مكانه والحزن قابع في الركن الأخير من روحي بيقتل فيها ويغتصب النور ..

لكن ... بضحك :)

بياعين الفرح في حياتي ... طول السنة يبعتولي ورد وشيكولاتة وكتب :) وأحضان وكلام حلو أوي ومزيكا

طول السنة قاعدين يشحنوني طاقة وأنا بطاريتي كانت مخرومة تقريبا ... كنت بقول مفيش فايدة .. بس طلع فيه :) وخلو أيامي السيئة تكون أخف وأرحم كتير :)

بياعين الفرحة كانو بيشتروا دموعي الحزينة والغير مبررة والغير مفهومة ... كانو بيستحملوا كلامي المكرر وعنيا المطفية وجنوني المفاجيء وضحكتي العالية لما تطل :)

بياعين الفرحة كانو حواليا في كل مكان .... هم دايما موجودين .. بيتبادلوا الأدوار مش أكتر ... كل الفكرة إني عمري ما كنت هشوفهم لو كانت الغيوم فضلت واقفة على عنيا !!

بياعين الفرحة كانو في مكان شغلي ... لما حد يقابلك الصبح بابتسامة .. ولما حد يحطلك شيكولاتة .. ولما حد يتعب نفسه ويجيب كب كيك .. ولما حد يقولك الله شكلك حلو النهاردة ... ولما حد يلاقيك طهقان يطبطب ويقولك كبر مخك .. طظ .. مش قضية ... هتعدي يا بنتي حارقة نفسك ليه !!

بياعين الفرحة طول الوقت بيعلموني .. طول الوقت بيجبروني أصحى الصبح أمسك سلة أمل وأوزع منها

بياعين الأمل في شغل ... شغلوا دماغي أوي ... حسيت إني عاوزة مرة أخد طرف الخيط .. أخد الدور واللعبة ..

قررت أعمل حاجة صغيرة أوي جنب اللي كل واحدة فيهم بتعمله طول السنة

قررت أجيب شيكولاتة صغيرة خالص وورق ملون وأكتب أساميهم ... أسامي كل أصحاب الحب والأمل والضحك والفرحة :) حتى الشوية دول اللي كان بينا بس موقف صامت عبارة عن بسمة :)

العجيب إنهم فرحوا أوي ... والأعجب إنهم ادوني طاقة أمل أكبر وطاقة حب أكبر ... وكمية أحضان تكفيني شوية في غيابهم :)

أحضان مفاجئة وأحضان دافية وأحضان بتضحك ... تخيل لما حضن يكون بيضحك ^_^

النهاردة ... حضنت ولادي ... حضنت كل اللي هيوحشوني في الأجازة :) ... عرفت أمسك دموعي امبارح لما حضنت إيهاب الولد الجميل اللي أول سنة ليه في مصر من خمس سينين والعربي بتاعه مكسر .. عرفت أمسك دموعي لما حضنت أشرف قبله .. أشرف هرب بعينيه مني امبارح ... هرب عشان دموعه متنزلش ... وداع مكنش متخيل إنه هيكون دافي كده بعد سنة كلها شقاوة ومد وجذر
مكنتش متخيله إني بحبه كده وإنه كمان بيحبني ومتأثر إنه راجع أمريكا تاني !
النهاردة ضحكت مع إيهاب اللي أخد تحذير شديد اللهجة إمبارح إنه لو عيطت هعيط !
النهاردة ضحكنا

النهاردة مشيت بضحك

النهاردة خرجت من باب شغلي وأنا مش فاكرة حاجة وحشة شخصية لحد :)

النهاردة حسيت إني ممكن أكمل ... بشوية خوف وحزن وهم ووجع موجودين في مكانهم متغيرش ... بس مش واقفين ادامي .. واقفين ورايا ...

حاولوا تشوفوا بياعين الفرحة حواليهم :) وحاولوا تاخدوا الدور منهم في يوم :)

أنا محكيتش عن كل الناس ... يمكن قلت أكتر عن شغلي ... بس فيه أكتر لو بصيت بعين الحب لكل واحد حواليا ... حتى الأشرار ! :)

انا محظوظة ... بس مش محظوظة أكتر منكم :) .... أنا كنت شايفة الدنيا أسود مما تتخيلوا ... أنا كنت بفكر في الموت أكتر ما بفكر في الأكل :D أيوة بحب الأكل ... أنا كنت بفكر في المرض والانتحار والقتل والدم والقبور والأكفان أكتر ما بفكر الربيع هتكون ريحته إيه السنة دي !

فتحوا عينيكم بس ... هتلاقوا حواليكم البياعين كتير .. حاولوا تستمتعوا بوجودهم

عارفين ايه خلاني أستمتع ؟ إحساس قاتل إن بكرة مش هكون هنا :) ببساطة !
الاكتئاب مر وقاتل ... ولحد اللحظة دي مش عارفة هكون موجودة أشوف ردودكم عليا ؟ ولا هموت قبلها وهموت إزاي !

افتحوا عينيكم ... اسمحولهم يقربوا

وانتم .. لما حد يبعد خلوكم مصرين تقربوا ... لما حد يقفل الباب على نفسه افضلوا واقفين عالباب ... متيأسوش ... ممكن في لحظة يأسكم منه يكون خارج يلاقي الكون حواليه فاضي يرجع يموت لوحده !!

اتقووا ببعض ... اسندوا واتسندوا على بعض ... دفوا بعض زي الكتاكيت في الشتا ... وزعوا أحضان وحب وشيكولاتة ^_^ 

السبت، 13 يونيو 2015

عاداتي القديمة ...

لا أستطيع التوقف عن عاداتي القديمة التي شبت معي !

الكسل ... النوم ..... ركل الأحجار الصغيرة ... والضحك بصوت عال جدا !

لكن ، مالم أستطع التخلص منه كليا ولا جزئياً ولا يفهمه أحد حولي !

الطعام والكتب ! ، أصابعي تعمل وفمي يعمل ومعدتي تعمل وقولوني يعمل أيضا ونهكة الطعام الشهية لا توقف الأفكار المتصارعة في رأسي !!

أمنع نفسي عنوة أن أوقف الطعام وأفز هاربة إلى حيث القلم أو الجوال أو الحاسوب أنقر عليه تلك الأفكار التي تسبب لي صداعاً نصفيا أحيانا إن لم تخرج للورق
أتحرج من أمي التي تنظر لي في ذهول ! أو أبي الذي يتمتم أني مجنونة لربما يقصد ملبوسة ... أو صرخة من أمي مدوية " خلصي أكلك "

إنهم لا يعانون ذات الصداع الذي ينغص عليك شهية الطعام ...

عندما آكل وحدي ... يصبح الأمر أفضل ... لسنوات مضت اعتدت أن أضع حاسوبي أمامي على الطاولة ... أحضر فطوري بشيء خفيف ربما بعض الكعك وقهوتي الأصيلة .... أو لربما بعض الطعام الذي أعده ساخنا وأضع كل الأشياء في صحن واحد ... كسرة خبز ... قهوتي ... صينية تحمل كل شيء .. ويجلسان متجاورين بلا صراخ ولا صراع ... حاسوبي والفطور !

كثيرا ما جعلني القولون الذي يتفاعل بشراسة مع جنون الفِكَر أن أتوقف عن طعامي عنوة وفجأة ! .. يسري المغص في أمعائي ودمائي ورأسي ربما ... أهمس له ... ارتحت الآن ؟ لم أنه طعاماً لذيذاً ... أرجو أن تكون " اتبسطت"
أنقر وأنقر وأنقر .... أفرغ رأسي ... وأملأ معدتي بالقهوة ... قد تبرد القهوة بجواري لكنها على عكس الجميع .. تجلس في أدب وخشوع ... تتأملني بهدوء المحب العاشق ... أبتسم لها بين فينة وأخرى ... تحثني على الإكمال بصمت وجودها ... تداعب أنفي بروائحها الزكية .. كأم تربت على كتف عقلك الثائر ... تلفه بحب .... تدفئه ... تجعله يتسرب كالماء بعد اختلاجه كالموج العظيم !

أنته .... أبتسم لها ... أرشفها عن آخرها ... أثني عليها صبرها عليَّ ... تكتنفني ... تحضنني ... تحملني ... تسري بكل خلايا جسمي ... أنتشي ... وتسعد هي بمهمة كاملة وقلب راض !

في تلك الصباحات التي تكون لي .... يظل مكانها محفوظاً .. في الركن الأعلى من طاولتي ... تقبع بحكمة السنون التي عاشتها على الأرض .. تُرضي الشارب .. وترضى برضاه !


ويعود الأمر كلما تجاهلته بشراسة " الطعام والكتابة أو القراءة " نعم ! لا أعرف السبب غير أن تلك الأشياء أحب إلى من طعامي ! لربما الأمر كذلك !

عندما كنت صغيرة ... لا أحد كان يساعد أمي بتنظيف الطاولة ... كانت تفترش أوراق الجرائد القديمة فوقها ليسهل حملها بعد الانتهاء ... كنت ألتهي بقراءة موضوعات الصحف القديمة ... كانت تسألني أمي أن أضع زوج من الورق فوق السفرة ... أضعهما .. ثم ألتهي بقراءة مقال قديم جدا لجريدة قارب ورقها على الاصفرار !!!
تأتيني صرختها من المطبخ .. ماذا تفعلين ؟ قامة ... أسرعي ... أكمل المقال وأنا أخطيء مكان فمي بالطعام ... عيناي وفمي وقلبي وعقلي وكلي يقرأ ... أثير أمي ... تثور في وجهي ... تطلب مني وضعه جانباً .. تنزعه أحياناً إن وضعته على مقربةٍ .. تريد أن أكمل طعامي وأستمتع به ... عقلي الآن مشتت جداً ... مثل لدغات البراغيث ... أريد أن اكمل قرائتي ...

ألتهم طعامي بسرعة .. لا أمضغ كما يجب .. أبتلعه .. أقرأ الكلام معكوساً وأرتبه في رأسي ... أقفز بعد الانتهاء على الأريكة القريبة .. انتهيت ... أمسك الجريدة بشغف مجنون ... ألتهمها بشراهة ... ثم أطويها بلا اهتمام !!!!

وكأنني لم اوقف طعامي لأجل قرائتها !

كبرت


لم تنقطع عاداتي ... صرت فقط أحاول التحكم بها .. احاول مجرد محاولة بائسة !

مثلما فعلت الآن .... أفرغت رأسي .. قولوني يعمل معي ... أصابعي تنقر بسرعة ... قهوتي بردت ... وطعامي أيضاً ! :)

السبت، 6 يونيو 2015

جذوة الحب !


إن أكثر ما سمعت عن اتقاد الجذوة أو برودتها وانطفاءها !

لكنني لا أعلم من أين يعلمون الأمر ؟ من قال أن الحب جذوة ؟ أو للحب جذوة ؟ لا أعرف ... لربما شبه أحدهم النيران المشتعلة بداخله يوما بالجذوة .. فصارت مثلا ؟ .. وصار السامعين يظنون أن الحب هكذا في ذاته ؟ ربما ..

لكن ... ما عملته عن الحب كان غير كل ذلك .. غير كل هذه الحكايا والأحاديث ... علمت الحب كالبحر .. تملأ ماؤه السحاب ثم تفيض غيثا في البحر ... فلا ينفد ولا يعذب ! ولا يتحول

الحب

الحب لا يشتعل ولا ينطفيء ... يثور ربما ... ويهدأ قليلا ربما .. لا يتولد ولا يفني من العدم ... الحب طاقة كبرى نولد بها .. نولد هكذا .. يدور بقلوبنا مثل البرق في السماء .. فنشتعل ... ويمر بضلوعنا مثل نسيم الصيف فنهدأ ونركن ونغط في حلم رائع ...

ليس للحب جذوة ، يغيرها الفراق والمسافات ، وليس للحب جذوة يشعلها القرب والوصل !

" كم من بعيد عن العين في القلب مسكنه ! "

يختلط بالحب لربما أشياء كثيرة مثل الغضب والحزن والألم والوحشة والقلق .. يختلط به مشاعر أخرى كثيرة لا نتحكم بها ولا نعرفها .. لكنه لا يهرب من بين الضلوع ، ولا يتحول .

الحب الصادق لا يتحول ... لا يصبح كراهية بيوم من الأيام .. لا يصبح سوى ثورة عنادا وغضباً عارماً لكنه لا يصبح كراهية أبدأً .

الحب .. مثلما عرفنا الحب .. لا يخطيء .. :)

يتعرف روحه المثلى ويركن لها ويسكن بها ... لا تخدعه الوجوه ، ولا تخونه العيون مهما كان سحرها ، يتعرف الروح من عميق روحه .. ويقول هي هي .. ثم لا يهدأ إلا معها ، ولا يسعد إلا بها ، ولا يشعر بالحياة إلا وقد سكنت بروحه روحه الأخرى .

ويظل إيماني بأنه ، الحب لا ينطفيء ولا يموت ولا يخفت ، الحب لا يتغير .. فإن حدث فلم يكن حباً من البداية .

ثم إنا لا نعرف الحب بالوصل ، كما لا يقاس الشوق بالفرقة !!

من قال أن الشوق حصري على الابتعاد ؟
لربما نلتصق بمن نحب قربا ، ويكون القلب لهيب ، كبركان من شدة اللوعة والشوق !
من قال أن الشوق لا يأتي سوى بالبعد ؟ الشوق كالنيران والقرب كالحطب والبعد كالخشب ، لا شيء يتغير ، لا الوصل يكفي ولا البعد يشفي ... من قال إن الحب يتغير ؟

الحب لا يفنى ، لا يتلاشي إلى اللاشيء

ولهذا لم أكن مؤمنة أبداً بالنسيان ، أنصح به من خابر علاقة عابرة ، أنصح به من طرأ الأمر في حياته ولم يكن قد ثبت ، أنصح به من ظن نفسه عاشقاً ، لكن ... من رأيت الحب في عينيه وأنفاسه وصوته ... لا أقول له شيئاً .. أبكيه في صمت .. وأدعو له من بعيد أن يطيب الله خاطره !

الحب لا يبلى !

ثم أني على ذات الفكر .. حتى رأيت جملة لابن عربي "وكلُّ حبٍّ يزولُ ليس بحبّ .. وكلُّ حبٍّ يتغيّرُ فليسَ بحبّ .. إنّما الحُّب ما ثَبَت "


إنما الحب ما ثبت !

لا الشوق يهدأ ، ولا الوصل يجدي ، ولا الحب يزول !






السبت، 30 مايو 2015

طلع عشقان !

تجلس في توتر بالغ وتحكي

ماذا أفعل ؟ بعد كل هذا ... بعد كل تلك السقطات .. أصدق رجلا !

مستحيل !

تمسك هاتفها الجوال .. تفرك عليه بأصابعها .. بلاهدف تبحث فيه عن اللاشيء .. تتركه وتنظر ثانية وتكمل :

يقول لي فرصة ثانية !! ثانية ؟ إنها المرة الثالثة .. فرصة أخرى ؟ فرصة جديدة !! كلا

بالطبع كلا .. ألم يكفني ما أصابني من الرجال ؟

بالطبع لن يحدث هذا .. لن أسمح له .. لن أسمح لنفسي ... لا شيء في جعبتي يخرج لأحد .. أفرغت كل الكيس في الفضاء !

تدور عينيها في الغرفة الواسعة ... تقع على إحدى الزهرات في ركن الغرفة المظلل ... قد بدأت ترزع الورد منذ زمن قريب في محاولة بائسة منها للتجاوز والنسيان .. نسيان كل شيء !

- لقد بدأت بالفعل التجاوز عن الأمر .... نعم ألتمس للغائب بعض العذر .. تعلمت الدرس وتجرعت الألم والمرار .. أعيش بمخططاتي السابقة الآن ... لا شيء يمنعني .. لا شيء يقيدني !

ألم تخبريني أن المرأة بلا قيد أفضل ؟ المرأة بلا رجل امرأة حرة .. المرأة بلا رجل مثل فراشة تبتهج بالربيع بلا ثقل يكبل أجنحتها !
وأنا ؟ لم يعد لي أجحنة ... خلاص .. خلصنا !

هناك في منتصف المسافة بين الحائطين واستناداً للمقابل يقف التلفاز شامخا ... شامخا بشيء من حياء .. ذرات التراب تعلو سطحه الرفيع ... أما الشاشة فتعرض نشرة الأخبار ...
بين ثورتها تتوقف .. إذ يبدو أن الخبر المذاع يمس الشخص المغضوب على وجوده هنا في الحياة وفي الذكر وفي الذاكرة ليكون في المستقبل أو الحاضر أو الوعي !

تتوقف أمام الشاشة ... تفزع ... تجلس مكانها في خواء .. تمد يدها إلى الجوال الذي ألقته على الأرض منذ دقائق في يأس ... تطالع أخباره ... ترسل برسالة قصيرة إليه .. تمسحها .. تحاول تلصص الأخبار ... تطمئن .. تلقي بجسدها مسجى على الأرض .. وتبكي

لا شيء أقسى على امرأة عرفت الحب بجنته والهجر بألمه وعذابه من الاختيار !!

لا شيء أقسى على فراشة من الاختيار بين قفار تامة أو زهر يملؤه الشوك !!

كلاهما قاتل !

فراشتك التي كسرتها النوائب المتتالية تبحث في ذاتها عن مكان للزهر من جديد .... تبحث عن ألوان داخلها كي لا تنظر إليك مرة أخرى ... تبحث عن الشمس فيها .. كي لا تصبح بين ليلة وضحاها أنت الشمس وأنت القمر !!

هدأت قليلا ... تتأمل علو سقف الغرفة بينما تثور بصوت مبحوح ضعيف من أثر النشيج ..

- أبعدته عن طريقي الأولى والثانية ... مسح عن جبيني العرق في يوم قائظ ... وفي آخر كان لي كمعطف الشتاء ... أتدرين نعومة الفراء في المعاطف الوثيرة ؟ أتدرين دفئها في صقيع يوم عاصف ؟ أتدرين كيف يطيب الصوت جرحاً غائراً ؟ وكيف يصبح الكلم البسيط زاداً وجرعة ماء في ظمأ ؟ كيف يصبح الحب أمناً من كل شيء ... ثم كيف يضيع كل شيء فجأة وتواجهين فصول العام وحدك في القفار !!! ترعبك أصوات الرياح ويبدو حفيف الأشجار وخيالها كأنها الأشباه المميتة ؟ القاتلة ؟ يعرف كم أخشى الظلام .. ثم ذهب بالنور كله وتركني ! ... هل أسلم رقبتي للحب ثانية ؟ كلا ... مستحيل !!

- ثم .. كلهم يقولون نفس الكلام وذات الكذب ... لا شيء يتغير .. يقول أنه لا يشبه الرجال ثم يصبح في لحظة مثلهم .. بكل ما قتلك في السابق سوف يقتلك ثانية !!!

مقابل التلفاز .. كان يرقد في حالة يرثى لها .. إكليل أزهار برية ... كان قد ألفها مع بعضها لأجل عيون السيدة ... كان قد حملها بطاقة صغيرة بألوان زهرية .. كتب فيها ... بانتظارك دائما !

كانت كلما نظرت تجاه الإكليل ثارت ثائرتها ... وهاجت وماجت في جنون ... ثم تذبل الوردات يوما تلو آخر .. تتجاهلها وتسترق النظر لها .. تقول ستذبل أولا .. ثم يذبل صاحبها ..

كان لا يمل !

كان على خلاف كل توقعاتها يرسل الزهر بنفس الموعيد كل أسبوع ... يتبعه ببطاقة جميلة أرق من سابقتها وأجمل .. يرسل فيها كلمة أو ثنتين .. لا ينتظر رد ... يخبرها أن العالم خارج القوقعة مليء بالحب والمرح .. مليء بالتسامح والسلام .. يخبرها أنها هي الشمس .. لأول مرة تجد من يرى الشمس بعينيها وشعرها الذهبي .. لأول مرة تؤمن أنها تنير حقا ... أوقفتها عبارته .. قررت الرد

كانت تنوي لأول مرة أن تهذب كلامها ليبدو راقيا كزهراته ... وصل صوته من بعيد ... تعثرت بكل شيء .. تلعثمت .. صرخت بوجهه ولامته أشد لوم على إرسال الورد صباح كل سبت !!! ... أغلقت الهاتف .. وجلست مشدوهة من فعلتها

لم تملك أي شيء سوى أن تبكي عبثها وألمها الذي صار يكسر كل شيء جميل حولها !!

مرت الساعة

أرسل لها باقة ورد أخرى

لم يرسل البطاقة

وقف أمام بابها مباشرة .. وعندما فتحت .. أتبع ورداته بكلمة واحدة

أحبك !

........................................................................................

تلك الفتاة الخمرية

تدرو في محرابها حيرى

تخبر مرآتها ونجمات ليلها

لا تجيبها سوى زهرات ربيعه العامر

طلع عشقان ! :) 

السبت، 23 مايو 2015

استراحات المحارب !

نعم

لم تعد استراحة واحدة ..... لم يعد يكفيه استراحة واحدة أبداً .... فهو يحارب في استراحته ضعفه ووخمه وانكسارات روحه وجروحه العميقة !!!

في لحظات عدة كنت اظن أني وصلت نهاية العالم ... لا شيء يحدث ... لا شيء مستجد .. كل شيء صار يوخز كالإبر والسم !!

كنت أظن أني وصلت نهاية الألم النفسي ... او على الأقل اقتربت منها ... أسقط .. أجلس بمكاني ... أبكي كثيراً ... أرفع كل الأشياء البيضاء في استسلام .... تعبت !

أجد أحد الأصدقاء ... يقف بجواري ... يقول بهدوء ... لم تنهزمي بعد .. إنها استراحة محارب فقط ...
أرفع عيني بثقل شديد .. كلا .. إنه استسلام محض ... لا أريد التكملة ... تعبت !

ثم .. ويا للعجب ... قوة صغيرة .. رشفة طاقة تحملني على الوقوف من جديد .. إحداهن تسقط .. أقف بجوارها .. استريحي .. ستقومين .. إنها استراحة محارب فقط ... علينا إكمال الطريق ولو فرادى !

ونظل هكذا دواليك ... نتبادل الأدوار والكلمات والأقنعة والألم والسقوط والوقوف

لا أحد منا يقف وقفة كاملة

ولا أحد منا يسقط سقطة تامة

لا أحد منا يحارب حربا ضروسا تشفيه

ولا أحد منا يجلس مسترخيا في استراحته كي يستريح

ثم فجأة

نجد أنا لا نحارب سوى طواحين الهواء ... لا مكان ولا مجال للهرب ...

نجد فجأة أن الأشياء التي تنكسر منا لا تنصلح ... لا تنصلح أصلا حتى عندما نرضة بالندوب الناتجة ... لا تنصلح !

نجد فجأة أن المفقود لا يعود ... ليس هناك صندوق المفقودات نبحث فيه عن أشياءنا فنجدها فنفرح كالأطفال ونعود راضين بما بذلنا !

لا شيء يعود

لا قيمة ... لا شخص ... لا ذواتنا القديمة البريئة ... الثوب ما عاد ينصع بياضاً عندما نغسله ... ما عاد لدينا ماء للغسيل !


عندما يتداعى البيت

نقف بجوار عمود الرأس

نقف بجوار الرامي

أو نجلس

أو نتأوه في ألم

عزيزي الفارس ..... لا بأس باستراحة المحارب ....... سقوطك عن الفرس لا يعني نهايتك ... لا يعني فشلك ..... لا يعني نهاية العالم .......... سقوطك عن الفرس لا يعني أن تقف سريعاً لتملك الزمام ثانية وتقاتل في معارك مختلفة الأرجاء دون أن تلهث وتتعب ..... سقوطك عن الفرس لا يعني هزيمتك ...... وكثرة السيوف حولك لن تلقيك بالضرورة حتفك ......
اجلس مكانك
اجلس ....... استرح .... تنفس بهدوء ....... لن يسلبك الهدوء حقيقة أنك فارس شجاع ........ لن تسلبك الراحة تلك الطريقة الوعرة ...... لن يؤخر الوصول ...... كل شيء بقدر .........
اسقط عن الفرس ..... لن يعرف الفرس الطريق بدونك ....... أنت الذي يقود الفرس ... أنت الذي يعرف الطريق .....

وكل من سار على الدرب وصل !

" هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة ، مادمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا ... "

رضوى عاشور .. أثقل من رضوى .

الأربعاء، 20 مايو 2015

إذا فقدن الربيع ....

يعدن إلى الشرانق

يلتففن بخيوط الحرير ... ناعمة أو خشنة من أثر الفتق الاول ... أجنحتهن في الغالب أصابها الخدش أو أكثر فصارت منكسرة ....

إذا فقدن الربيع

لا شيء يدعوا الفراشات إلى عناء الظهور كل صباح بألوان البهجة ... لمن يشع نورهن كل صباح ليضاهي ويباهي نور الشمس في الأفق الرائق الصبيح ؟

لمن تلتمع ألوان الحياة على أجنحتهن ؟ إذا فُــقِد الربيع ؟

كمثل القواقع .... يلملمن أشيائهن ... وأحياناً أشلائهن ... ويدخلن من جديد تلك القواقع !

الخوف ؟

لا مجال للخوف لدى الفراشات ... أكثر ما يكسرهن الصدمة ... الكذب ... الخدعة !

لماذا يا ترى يزيف الربيع ألوانه ؟ ويخلف موعده ؟

لماذا يا ترى يزهد الفراشات فجأة ... وهن البهجة ... وهن روح الربيع وقلبه النابض ؟

لماذا يا ترى يكذب الربيع ؟

مثلما أقبلن على تلك الحياة بقوة ... مثلما لمعن بشدة في وجه الشمس ... يخفتن ... يختفين ... يلملمن جناحاتهن !!

كاستراحة المحارب ؟ أم كنزوح الحلزون إلى كوكبه الخاص بعيداً عن العالم ؟

لا أعلم !!

لا شيء يبدو في أيام الصدمات الأولى

لا شيء غير أشواك الشرانق المؤلمة إثر الخروج الأول

لا شيء غير التقوقع حول ذات الوحدة والألم ... والبكاء بصوت وبدون ... والبكاء بدمع وبدون ... والبكاء بشيء من أسف ... وبكثير كثير من كبرياء ! 

الاثنين، 18 مايو 2015

من قال أنا لانموت ؟

من قال أنا لا نموت ونحن على قيد الحياة
نموت إذا انتحرت أحلامنا
وبلغ بنا اليأس آخر منتهاه
حت الشغف
صار يقتلها بأيد ناعمة
صار يسحقنا بغير أناة
نموت إذا كنا ضعاف البصائر بالهزيمة
نموت إذ أنشدنا أغاني الانكسار في مهد الطفولة
نموت ولا نبلغ من أي شيء أوله أو أعلاه
من قال أنا لا نموت إذا نعيش ونرزق ؟
أي رزق في الهزيمة ؟
أي رَحِــمٍ للقساة ؟

من قال أننا إذا ثارت دمانا لابد أن نربح
ألا نهزم
أي نصر يأتي إذا هرب الرماة ؟

من قال أنا لا نموت في الحياة إلا مرة ؟
من قال أنا لا نموت كل يوم ألف مرة ؟
من قال أن الويل حصرا من قاضي السماء ؟
من قال أنا لا نموت مرارة كل رفة جفنٍ من ظلم القضاة ؟

من قال أنا لا نموت ونحن هنا على قيد الحياة

هل قد رأيت بلادنا تنشد في حب الربيع وتنشر على الدنيا شذاه ؟

هل قد رأيت مدينتي يعلوها حمام الموت
تكسوها كل ألوان الحروب
تمطرها البلايا بلا هوادة
وتنظرنا النسور والصقور والحدائد الثكالي والأرامل
ويعلو نعيق غربانها بالموت المحتم والمقدر والرزايا
هل قد رأيت مدينتي؟
هل قد رأيت الدم يكسو كل أفواه الحياة ؟

أنا قد رأيت الموت يهرب
من هنا
من ذلك الدرب المعبد بالجماجم قد ركض
حتى من مدينتا الموت يهرب للنجاة !!!

من قال أنا لا نموت بكل صبح ألف ألف ؟

من قال أنا نرسم الأحلام على جدران تلك المدينة
إننا نرسم الموتى لا الحياة الرخيمة
إننا نرسم هنا الذكرى ... نرسم أنفسنا بجناحين منكسرين
نرسم قبورنا قبل أن نبغي المعيشة في القصور أو الخيام أو الكهوف أو كوخ معرش بحيَّـات تولول في انقضاء الليل طعم الجياف في أفواهنا ودمائنا الوسخة إثر تنفس الموت المعتق في الحواري والكؤوس وبيوت الإله !!

من قال أننا رغم كل الموت لا نحياة الحياة ؟

إننا نحياها ألف مرة
إننا نحياها بكل موت يقتل الإنسان فينا ألف كرة
إننا نحياها بكل شظية تسري في العروق للفراق ألف مرة
إننا نحياها حين تصيح غربان المنية مثل مآذن الصلوات
إننا نحياها
إذ يريد جلادنا أن يسلبنا الموت منا
إننا نحياها
في باطن الموت المعتق في حوارينا العتيقة
إننا نحياها
حتى ظن الموت أنا لا نخافه ... لا نهتم به ... إذ يحين ضيفا في المدينة
لم يعد الموت ضيفا
صار من أهل المكان ... صار من أهل العزاء والتعزي والسكينة
لم يعد يأتي بثوبه الأثوب مثل أثواب القضاة
لم يعد يمشي بين أطلال الحي في خيلاء كما فعل الطغاة
لم يعد يرتدي إذ يأتينا عمامته
صار يخلعها احتراما على باب المدينة
صار يمشي في سكينة
صار يكسوه الخشوع ألف مرة
صار يهمس في آذان الراحيل بكل رقة
صار يستأذن
صار يبكي مع الأم الحزينة
صار يحزن كلما مر من هنا
صار يبكي إذ رحل
صار يواسينا في مجالس التعازي والبكاء
صار يتلوا معنا آيات المودة والتراحم والتزاكي
صار يحضرنا بقلبه ويبتهل إذا ابتهلنا في الصلاة !

السبت، 16 مايو 2015

يغمرها النور !

على شاطيء النهر .... كرسي خشبي قديم ... من جوانبه يزدان بتفريعات ورقية من القصدير ... بعضها كان في السابق ملونا بالأخضر ... تتوسطه منمنمات وردية الشكل ودائرية كأنها الربيع ... بأحمر باهت وأرجواني .. عنفوان الأرجواني يغلب جرأة الأحمر في خجل يطل من تلك الوردة التي اكتشت بطبقة غير قليلة من ذريات التراب والمطر :)

بدا الأمر متعباً جدا في الصباح ، السعي المتواصل وراء الرضا ، حالة الاهتمام بكل التفاصيل الدقيقة ، حالة المراقبة لذرات التراب أن تفسد النظم المضني ...
السير هنا متواصل ... يصل حد الركض أحيانا حتى وأنت جالس أمام مكتبك .... التعب ... الأنفاس المتلاحقة كالأفكار التي تتصارع ...... وتتسارع ... الصباح مثقل جدا .. حتى كأن الظهيرة تتسلل إليه بخجل شديد ... أوشك يوم العمل على الانتهاء ... يجمع شتات أفكاره ... يرسل آخر رسائله .... يعلق خطته لليوم التالي فوق مكتبه ... يؤشر على المهمات التي يجب إنجازها أولاً ... يضع حاسوبه وجملة أغراضه في الحقيبة ... يتسارع الوقت مثلما قلبه ... يكتب رسالة نصية قصيرة ... يرسلها .. يبتسم .. يحمل حقيبته ولا يمشي بل ... يطير ..

بعض الألم يسري في رقبتها ... تنحني وتنتصب ... تسرع الخطا ... تأكل شيئا سريعا وهي تركض في محاولة اللحاق بالمهمة التالية ، إنجاز عمل فردي ... ثم جماعي ... حضور اجتماع هنا .. مناقشة عمل هناك ... الجري من جناح لآخر ... مع آخر دقات الساعة ... تبتسم أخيرا ... تركض لتجمع حقيبتها ... ترشف آخر قطرات في قارورة المياة معلنة بذلك بعض الهدوء لنفسها .. هاتفها يرن .. تتراقص في حب .. " ألقاكِ بعد قليل " .. كفيلة بتسارع قلبها أكثر .. وهدوء يجتنفها أكثر وأكثر ... تحمل حقيبتها وتجري ... تودع كل من يقابلها بين بسمات وقبلات طائرة ... يغمزها أحدهم ... ترتج ضحكتها عالية .. وتكمل طريقها تتقافز كما الفراشات تغلبها النشوة .. وتكسوها السعادة ...

يخرجان من حيز العمل الضيق والخانق ... كلاهما يشتاق صوت صاحبه ... تهاتفه ... كأنما لا تطيق شوقاً للقاء ... يرد بشغف شديد ... كأنما يريد طي المسافة الآن الآن ... ليصبح معها على ضفة النهر .. لا شيء يهديء قطار الشوق مثل تعانق أصواتها ... فيسري بعد ذلك في هدوء ... ثم قد ينتقل إلى المربع الخانق فيتناولان أحداثه المهمة أو اللامعة أو المضحكة أو الجديد أو شيء مثير للاهتمام أو جدير بالحكي .. أو شيء تود إخباره به مهما كان تافهاً .. يسمعها .. ويناقشها .. ويتفاعل كأن الأمر جلل ... يهدآن .. يبتسمان كطفلين ... يقطعان الطريق ببطء .. رغم أن الوقت يمر بسرعة !

صفحة النهر رائقة جداً ... تبدو اليوم بشكل مثالي ... كل يوم قبيل الأصيل كأنها تنتظر معهما لحظة الوصول ... كأنها تهذب تموجاتها فلا ينكسر الضوء بل ينحني ... بجعات النهر ؟ البط ؟ طيور النهر البيضاء كعصافير الجنة الملونة ... تبدو كدمىً لامعة ... ما بين سابح في هدوء .. وبين راقص فوق الشجر ... كأن الجميع يعرف نفس الموعد !

يسبقها ... يجلس يتأمل عقارب الساعة ... يريح رأسه على ظهر المقعد العتيق ... يغمض عينيه ويذكر ضحكتها فيبتسم ... تظهر ثناياه لتنير ثغره ... تبتسم ... ماذا يضحك ؟
يفتح عينيه ... تتسع البسمة ... يفتح ذراعه ... تقترب لتجعله مسند رأسها ...

يدور حديث طويل جداً ... أحيانا تقاطعه ذبذبات الحروف حينما ينطق أحدهم كلمات مقتضبة جدا عن هدوء النهر ...
يتابعان حركة الشمس على تلك الصفحة الفضية ...
يلقيان كل شيء عن كواهلهم المثقلة
شيئا فشيئا يصبحان طفلين .... تماما كما كانا وكما تمنَّا ... يسرحان في لعب العصافير .. في حفيف الشجر .. في النسمة التي تداعب خصلاتهم .. في شعرها الذي يغطي وجهها فيزيحه عنها بهدوء ...
البرتقالي يكسو الأفق ... يجعل كل شيء يشي بالبهجة ... يميل الظل على وجهه ... ويغمرها النور ... فلا تدري وهي غارقة في تأمله .... هل نور الأصيل الذي يغمرها ؟ أم نور عينيه وحنو نظرته ... ؟

الأحد، 10 مايو 2015

وتعرفين يــا صـَـفِــيّـة ..... 4 ... :)

وتعرفيني يا صغيرتي الحلوة

أن الحزن مثل يرقات دود القطن .. يأكل زهرتها قبل أن تظهر النوارة البيضاء الساطعة ...

الحزن يأكل روحك مثلما يأكل النور في داخل قلبك

أن الحزن مظلم ومتشعب ويمتد كالزئبق في كل مكان وينتشر ، حتى لا تذكرين منشأه ولا تمسكين طرفه فتطوينه كالثياب المرقعة .

أن روحك .. سوف تذبل من كثرة الحزن ... سوف تنطوي وتنطفيء  ... كزهرة القطن .. قبل أن ينضج النوار يا نوارة الحلم :)

أن الأمر سينتهي بك سيدة عجوز الروح بلا عمر ولا سنوات ، ستتشابه أيامك ولياليك كثيراً ، ويصبح الليل والنهار مستويان ، كلاهما بلا معنى وبلا هدف

لا تفقدي الشغف يا عزيزتي 

لا تفقدي الحب 

أحبي أمرك ... نفسك ... صورتك المشعثة في مرآة الصباح ... أحبي يومك ... ونهارك ونجمات ليلك المشرقة ... أحبي أكثر ما تحبين حزنك وخجلك وضعفك ... فهذه هي صورتك الحقيقية 

الحزن كالنار ... تضعف المعادن الأصيلة ... ولكنها النار التي تنقيها من كل الشوائب 

الحزن يضفي على عينيك بريق الألم والحكمة ... يضفي عليها نور المعرفة المتأنية !

أحبي حزنك واحترميه ,,, لا ترافقيه يا ابنتي ... لا تغازليه .... ولا تتوحدي معه فيأكلك أسوده وتحرقك ناره بدلا من أن تصقلك

أحبيه بقدر .... واحترميه بحدّ .... وتعلمي منه ..... ولا تواريه قدر طاقتك وفوق طاقتك ... واجهي أمرك

ثم 

فوق كل شيء ..... لا أحد يفتح لك نافذة الحب غير الله

ولا أحد يرسل لك شعاع المعرفة إلا الله

ولا أحد ينير صباحك بالأمل والحياة إلا الله

ولا أحد يحيي قلبك المسكين ثانية إلا الله 

فإن فعل

وإن ظهر في أطياف نهارك قوس قزح

فتعلقي بالحب يا ابنتي

تعلقي بألوان الطيف الرائعة ... واجعلي من أشعة النور أرجوحتك الحلوة 

واجعلي تعلق عيناك بالسماء أشدّ وأكثر من تعلقها بكل الأرض ...

واعلمي ... ليس لنا من الأمر شيء ... بل إن الأمر كله لله وحده ! 

:) 

الأربعاء، 6 مايو 2015

مرآة العمر !

أنظر إلى المرآة على حين غفلة  ( وعادة لا أقف أمام مرآتي .. لا أنظر إليها إلا خطفاً في الصباح الباكر وأنا أحكم غطاء رأسي وحجابي على شعري المشعث في تمرد بالغ أو المهندم في هدوء عجيب ! ... )
... أجد وجها لا أعرفه ... امراة ربما على وشك إتمام الثلاثين ... أو تعدتها

أنظر إلى حزن يشي بكل شيء ... إلى انطفاءة تلتمع فلا تدري هل هي التماعة أم عين مطفية حزينة !!

تجاعيد ؟ بعدي لم أصل إليها ... لكن خطوط الوجه حزينة !

وحيناً ... أنظر في المرآة عبثاً ... ثم أتمهل !

أخلع حجابي ... نظارتي الطبية ... أتفحص ملامحي ... أرى في المقابل طفلة ... يدهشها الأمر ويدهشني !

أرى تلك التي تطل بفضول من عيني ... أمرر يدي على وجهي ! أيهما أنا ؟

لا شيء يبدو على حقيقته !


الأحد، 26 أبريل 2015

يا جــدي !

هل رأيت ؟

طفلتك الصغيرة التي كانت تحب المروج وتسرح بين أغصان الجوافة والكروم ، تلتمس برعماً وليداً أو ثمرة يانعة ... صارت عجوزا بما يكفي ... !

سوداء بما يكفي ... يكتنفها الحزن عن الحياة ، وتستأثر بها الكآبة ، ويعتريها اليأس جولات وجولات .. حتى صارت لا تدري أيهما أقرب لنفسها الطيران في رحابة السماء ؟ أم السكون لباطن الأرض !

يا جدي ......... صارت آلام الحزن تداهمني ... وقد كنت ظننت أني قد فلت بأحزاني وآلامي بعد أن أشرق الربيع في أيام الله ... صرت أقول لنفسي أعزيها لقد مر العام وانقضى لعلنا نفتح صفحات جديدة !

صباح أحد الأيام .. كنت أتحدى قلبي ورئتي ... فتحت صدري للنسيم البارد العابر في الطريق ... تنشقته عن آخره ... حتى أمعاء بطني ... أزحت وشاحي الذي أتلثم به عن برودة الشتاء .... وابتسم ثغري للهواء ... وتنشقته ... حتى شعرت برودته في أمعائي ربما !

قلت لنفسي ؟ ماذا قد يحدث ؟ أموت من النسيم ؟ لا أحد يموت من الهواء العليل ... أسارع وجع قولوني الذي كان يرتجف لكل عارض ... معدتي التي أتعبها تكرار الأدوية ... أباغتها بحبة الصباح قبل أن تباغتني بتمغصها وتذمرها ...
أحاول التقافز كفراشات الصباح .. احاول العيش ... أحاول اقتناص لحظة فرح طفولية ... لا ينغص قلبي فيها ألم ذكرى ولا هياج ذاكرة !

لكني صرت كهلا يا جدي ... صار قلبي شيخاً كبيراً ... يعرف الحب ولا يقربه ..... ينصح القاصي والداني ... يقدم إليهم أزهاره على موائد السمر والطعام ... ويجلس في الليل وحيداً ... يأنس بقصص الغرباء ... ولا يؤانسه مثل صفحات الكتب ..


أصارع يا جدي كل شيء ... أصارع وحشية نفسي في محاولات الترويض المستميتة أن تصبح مثل الوحوش التي تغدو وتروح طوال اليوم حولي ... أصارع جموحها وتمردها وفي ذات الوقت أصارع كسلها ونمطية تصيبها عندما يصاب القلب بذاك الفتور !

أصارع عادات وتقاليد ومفاهيم ... داخل نفسي .. وأصارع أن تتخلل في نفسي وتسكن ... أخشى الهزيمة يا جدي وما أمرّ ما أخشى من الهزيمة !
أخشى أن يهزمني الدهر .. يهزمني التوحش ... يهزمني الفتور ... أن ألقي بسلة أحلامي في أحضان اليأس ... وألقي بصبوة شبابي في أحضان رجل لا أعرفه ولا يعرفني ... ولا تمتزج أروحنا لأنها في أصلها متنافرة !!!

ستقول .. صلي يا ابنتي وتكولي على الإله الحميد ؟ .... أصلي يا جدي ... أخاطب الإله ألا يتخلى عني ذات مساء فيقدر لي في الصباح التالي قدرا يؤلم قلبي أكثر !

أصارع يا جدي ... وكثيراً ما أكون وحدي .... لا بأس بالوحدة ... ولكن يصيبني التعب أحيانا ... يصيبني الفتور وشعور الخيبة والبأس ... أتعب ... أليس من حقي التعب ؟

كل شيءٍ يا عزيزي مقلوب رأساً على عقب ... اليأس ينتهشني أحيانا ... كان يتسلل ليلاً ... الآن صار يتقاذفني في وضح النهار ... يغتصب الفرحة في عمقي .. وتطال يده الأثيمة جوهر القلب الحزين فلا يصده ولا يرد !

تلك النفوس الأبية التي غرستها في نفوسنا صغاراً ... بين الإباء والكرامة ... بين الحاجة ... بين الجنون والصخب ... بين الزيف يا جدي نصطرع ... نُصرع أحيانا ونَصْرَع أخرى ... فتعود نفوسنا مهشمة ... مهما انتصرت لحظياً .. تأبى أن تموت !

وإنني يا جدي أخشى من لحظة انكساري ... تلك النفس المهشمة التي أسير بها في محاولة الاتزان ... تلك النفس المليئة بالخدوش والجروح .. تتحامل وتنتصب ... تظهر كخيال مآتة واقف في وسط الزرع كأنما يرهب العصفور ... لكنه من حطب يا جدي ! من حطب !

يؤلمني صدري كثيراً .... أضلاعه وعظامه صارت تضيق به ... تخبرني الطبيبة لا تحزني ... تخبرني توقفي عن المبالاة لكل شيء .... توقفي عن ... لربما تقصد عن الشعور ؟ .... رأسي يستعر بالأفكار ... تسبب لي صداعا وقتياً ... يزول بانشغالي بشيء ما ... فإذا ما خلوت إليَّ ... وراجعت من أمر نفسي شيئا ثقيلاً ... عاد وخز صدري يا جدي !

ألم أخبرك ؟ فقد تعلمت أن أبتلع الحزن ... أبتلع البأس واليأس والنصب .. أبتلع أفكاري وهمهمات قلبي ... أبتلع غضبي وثورتي وسورته ... وصرت لا أبكي ... لا أجد وقتاً لأبكي ... وأحياناً لا أجد دمعي .. نعم ... تلك الصغيرة التي كانت تحبس أدمعها أمامك ثم تفيض بها وحيدة بعيداً عن ناظريك ... صارت تلتمس الراحة في أدمعها فلا تجد !

هل كبرت إلى هذه الدرجة يا جدي ؟ لمَ لمْ تخبرني يا جدي ؟ لمه ؟

وتركتني هنا .... أصارع في الحياة كل شيء ... الطريق موحش يا جدي ... مقفر ... ووحيد .... أشباحه أكثر من معالمه ... وخيالاته أعلى من حقائقه ... وتلك الحقائق تعثر بأقدامنا يا جدي ...

عطرك .... حضنك ... إباءك ... كرامتك ... سندك .. أفتقدك !

هل كنت لتوافقني آرائي السياسية ؟ أم كنت لتأبى وتكون مثلهم ؟ لكن نفسك أبية حرة .. لعلك كنت تنفر من تلك الرذائل حولنا !
لعلك !

يا جدي ... يتلاعبون بي مثل الكرة ... الرياح شديدة وقوية ... ولا سارية في الأفق إلا من حديثي لنفسي أن تثبتي وتقوي ...
هل كنت تثبتني ؟ أم كنت لتتركني حيث الطلاسم تقتل كل شيء ؟ لا أعرف ! 

الاثنين، 20 أبريل 2015

2- الخوف .......

منذ متى صرنا نخاف هكذا ؟

منذ الأمس يا عزيزتي !

منذ متى تخشى الفراشات الربيع ؟

منذ أتى بمقص حاد القسمات يقتل ألوان أجنحتها

منذ متى نخشى الحب ؟

منذ أحببنا ؟ أم منذ خذلنا الأحباب ؟ أم أن ما مررنا به حقا لم يكن حباً وأن هناك شيء يدور في الأقدار القريبة أو البعيدة لا نعرفه ؟



منذ متى أخشى جسمي ؟ داخلي ؟ منذ متى أخشى الظلمة ؟ أنام في العتمة ولا أستريح إلا بالهدوء القاتل

منذ متى أخشى المجهول ؟

منذ القدم ... أخشى تلك المجهولات جدا ... في حالات الثقة الخفيفة يتحول الخوف إلى ضرب من فضول ، لكنني أكره المجهول حتى وإن كان علبة مغلقة !!

أكره المشروعات الفاجئية ... أكره الطرق المظلمة ........ أكره الأشياء التي لا يصل إليها بصري

أنا حرفيا عدوة ما أكره !!! حتى وإن كان شيئا رائعا جميلا سيظل عدوي حتى أعرفه !

ثم

ماذا فعلت بالمعرفة ؟ أحب من أعرف تماماً ... أعرفه كما يعرف نفسه ... قتلتني تلك المعرفة بين الكيف وال لماذا ؟

ثم .. تقتلني المعرفة أكثر
أقرأ أكثر ... أتعمق أكثر .. كأنما أغور الجرح أكثر وأكثر وأكثر .... كأني أقتل الجهل بسم يسري في جسمي أنا !!! ويحي !

فأفيق فجأة على جملة ... الجهلاء في نعيم .. ونعيم الجهل ... ونعيم الجاهل ... و ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم !!

منذ متى أخشى المرض حد الإرتعاب ؟ لا أعرف ... أفكر بالموت أكثر ما أفكر بالحياة ... أفكر كيف أموت ؟ ثم لماذا لا أموت ؟ ثم أخاف حزن أبي أن يقتله ... وأخاف صدمة أمي ... تلك التي تبدو صلبة لكنها هشة الدواخل كحبات سكر تذوب سريعا ...

أتراجع عن فكرة أن الانتحار وارد التنفيذ ... لأن ما بعد الموت مجهول لي !!!

ترى ماذا سأفعل بعد الموت ؟ مساءلة ... هل أنجح ؟ هل يسامحني رب العالمين ؟ هل يعفو عني ؟ فأصبح حقا في مكان أفضل ؟
أم ... لا يفعل ... ترى أين أصبح وقتها ؟ وإلام يؤول حالي ؟

ماذا سيحدث بعدي ؟ أبي وأمي ؟ أخاف خوفهما وحزنهما بشدة ... أتراجع

ويتحول الأمر إلى خوف من الموت ... من فراقهما ...

ثم

الخوف من البدايات الجديدة ؟

كم أحب اقتحام الأشياء ... لم أعد كذلك .. لماذا ؟ لا أعرف

ظلامية تعتريني .... يخفت النور ... تخفت نفسي .... كأني أتآكل في هذا الظلام .... أتحسس اندفاعاتي .. لأجدها تخفت تحت وطأة الزمن !

هل هو الزمن ؟ هل هي الظروف والاحداث ؟ أم نحن ؟

هل كان كل هذا زيفاً ؟

إذن لماذا لا يصمد ولو قليلا أستعيد فيه قوتي وشجاعتي ومواجهاتي القوية ؟