الخميس، 30 ديسمبر 2021

عندما تحبك مريضة باضطراب القلق 2

أشعر بالخوف ..

في تلك اللحظات التي يجب علي أن أترك يدك فيها، أن أودعك بقبلة على خدك وأجر قدميّ إلى بيتي، أُلَوّح لك مودعة بعيون زائغة، وأنت تشير لي أنك ستتصل حالما تصل!

أشعر بفراشات في معدتي، وخفقان في قلبي، تلك المسافة الفاصلة بين بيتك وبيتي، رغم يقيني بأنك ستتصل بي، رغم يقيني بأننا حتمًا سنلتقي غدًا!

أشعر بالخوف ..

كلما اقترب موعد إقامتنا في ذات البيت، تحت ذات السقف، في نفس الغرفة، نتشارك حرفيًّا كل شيء، من أول الأفكار والخطط حتى الأنفاس، ورغم اطمئناني بك، ورغم هدوء اضطرابي بجوارك، لا أعرف لماذا أشعر بالخوف!

تمازحني بكل لطيف، وكل ما يصلني منك لطيف جدا، لطيف للغاية، رغم عنادك أحيانًا، رغم تمسكك ببعض أفكارك المزعجة أحيانًا أخرى، لكنك لا تبعث في قلبي غير الدفء والمحبة!

أرى اضطرابك بسبب مشكلة بالعمل، تلتفت لي وسط مكالمة ثقيلة فتبتسم، تغمز بعينك وأنت تبتعد حتى لا يصلني صوت غضبك، في كل مرة أسخر منك، وأنت تحيل الأمر إلى دعابة تسخر فيها مني! لماذا أنا؟!

أرى مثابرتك كل يوم، تتابع الخطط الثقيلة التي تأكلني تفاصيلها، أرى الحماسة في عينك، كنت أعتقد أن النساء يكن الأكثر حماسة حينما يتعلق الأمر بتكوين البيت، حتى التقيتك، ولأجمل ما جذبني إليك أنك لا تنازعني تفضيلاتي في الألوان، وتميز أسماءهم جيدًا، وتسألني إن كان هذا اللون تحديدًا يتسق مع الآخر، وتقول لي في لحظة لطيفة مرحة هل سيشعرك البرتقالي في غرفة المعيشة بالدفء أكثر أم وجودك، لأنك لن تجلس معي في بيتنا إلا ملاصقًا لي تمامًا! أصفك بالطفل التائه، فتثير حفيظتي بتقليدك الرخيص لبعض المؤثرين الذين أصفهم بال ( بيض).

أفقد أعصابي كثيرًا مؤخرًا، إما تخلصني من وسط قتال مع الصنايعية، أو تجنبني الاحتكاك بهم من الأساس، "دعي لي الأمر، لا بأس" صحيح أن الأمر يتأخر أسبوعًا كاملًا حين تتولاه أنت، لكني لا أستطيع إلا أن أكون ممتنة لك .. وبشدة

"سأبدأ بكِ عامي الجديد" .. "عيد ميلاد سعيد يا حبيبي" .. نتهامس، وأنا أرتجف من الداخل، خائفة بشدة، لا يدور في قلبي وعقلي إلا ماذا لو؟ لماذا أنت مبتسم طوال الوقت!

أنتظر لحظة سخطك، تلك اللحظة التي تمل فيها، ويتسلل كل الغضب الدفين خارجًا، تتأخر بعض الطلبات، ويستغرق عمال التوصيل أكثر من اللازم، تعاملهم بشدة وحسم، عيونك الحمراء تلك المرة تخيفني وتريحني في ذات الوقت!

أقول لنفسي أنك إنسانًا عاديًا، لست بلطف القاتل المتسلسل، ولست برعونة القاتل الأهوج!

أشعر بالخوف ..

وبلا وعي أقترب منك ونحن نتجول في السوق بحثًا عما ينقص بيتنا، بلا تردد أمسك يدك وألتصق بذراعك، كرجل رزين وعاقل وواثق من نفسه تكمل بذات الخطوات الثابتة والأنفاس المنتظمة، تظن أنك تتزوج بألطف امرأة في العالم رغم حدة مزاجها، تظن أن هذه رومانسية، لكني فقط أحاول أن أجد الطمأنينة .. وأجدها.

تتذكر بعد أسابيع تلك اللمسة، تكون رومانسيًا جدا عندما تقترب بوجهك نحوي وتبتسم بعذوبة، هل قلت لك أني في ذات اللحظة كنت أشعر بالهلع؟ وأود لو أختبيء بمعطفك أو أتكور في جيبك؟ لولا أعين الناس التي تراقبنا!

أشعر بالخوف ..

حين أفكر أن تلك السعادة التي لا أخبرك أبدًا عنها بوجودك، أكبر من قلبي، وأن كل هذا الجهد الذي تقدمه لي على طبق من ذهب، أجمل من كل ما رأيت، لأنه منك، ولأنه صادق مثلك، حين أفكر هل سوف تجعلني الحياة -أخيرًا- أهنأُ بك؟


أشعر بالخوف ..

في كل مرة أرسلت لك سؤالًا سخيفًا عن حالة الطقس في الصباح، فيكون ردك "أنا أيضًا أحبكِ" أريد فيه أن أسمع صوتك، أن أطمئن كـ أمِّ قلقة عليك، هل ترتدي اليوم ثيابًا تناسب الجو؟ لكني أبدًا لا أقول، لأنني أخاف إن سألتك حقًا أن ترى الخوف في صوتي وكلماتي!


أشعر بالخوف ..

حينما أعرف أني لأحظى بك، يجب أن أواجه كل هؤلاء البشر، أن أظل تلك القوية التي تنظر في عيونهم مباشرة، حينما أتذكر أنني يجب أن أمسك كل الزمام حتى لا أنكشف، حينما أقول بيقين لنفسي أننا يجب أن نتناقش في مسألة الإنجاب، ومسألة الانتقال للعيش معًا، ومسألة الزواج برمتها، وحينما أسألك إن كنت مازلت تحبني فتصمت، وحين تجيب بأنك تعشقني، وحين لا تجيب وتلقي عليّ طرفة، وحين تضمني لصدرك وتلفحني أنفاسك الهادرة! أشعر بالخوف لأنني أفكر في كل المعاني والاحتمالات في ذات اللحظة، ويطاردني ماذا لو!


وحين يمر اليوم بسلام، وحين أفتح عيني وأجدك بجواري، وحين أتيقن أنه لا مهرب من كوننا معًا بذات البيت، بنفس الرباط والميثاق الغليظ، فإذا رأيت عيني زائغة بلا سبب، وإذا رأيت روحي شاردة في اللاشيء، فاقترب كما تفعل وألق بنفسك على نفسك، وحوّط بذراعيك روحي وجسدي، وضمني إليك، كطفلتك الخائفة الشريدة، وهدهد قلبي بأغنيتك اللطيفة، ولا تفزع إن نزلت دموعي خلسة، ولا تبتئس إن وصلك صوت نحيبي، ولا تضطرب إن علت خفقات قلبي ووجدتني أتشبث بك أكثر كالغريق، لا تظن أبدًا أني أبكي وجودي معك، ولكن تذكر ... أنني وسط كل شيءِ أتشبث بك أنت.

الأربعاء، 22 ديسمبر 2021

كيف تحبك مريضة اضطراب القلق.

 في أول يوم أدركت أني أفتقدك، انتابتني نوبة فزع هائلة، الخوف يسحق عظامي ويعصر معدتي، القلق يغتالني بأسوأ آلات التعذيب، أذكر أني كنت أهرع إلى الحمام كل بضع دقائق، لم آكل شيئًا يذكر، تنظر لي صديقتي باستنكار شديد، ماذا حدث؟

ترفع لي شطيرة البيض بالفطر المفضلة لدي وتقول: لن تأكلي؟ لم يعرف بطنك طعم الزاد هذا الصباح.

أبتسم لها وأعتذر، تتساءل في قلق ماذا حدث!؟ 

لا إجابة عندي

كيف يقول المرء أنه ينسحب إلى أكثر الأشياء هربًا منها!

كيف أقول لها أن كل قلاعي وحصوني تسقط الواحدة تلو الأخرى، آنس بك، لكني أشعر أني في العراء! أود أن أستدفيء بنارك، لكني أخاف من انطفاءها، أبحث في داخلي عن بعض الخشب، كي تظل مجالسنا فقط مجالس أُنس ومحبة، لا حاجة وافتقار، فيغتالها الشبع أو الملل!

مهلا!

لماذا أخاف أن تغتالنا العادة؟ وتسحقنا التقاليد؟

فأجد أني أود الاحتفاظ بك، إلى المالانهاية وما بعدها، إلى أجل لا أعرف له مدة ولا أريد له انقضاء، أتعثر كل صباح في بعثراتي، لماذا بسمتك هادئة طوال الوقت رغم قلبك المشتعل؟

ترد علي بسخافتك التليدة: لأنني أنا يا فتاة! 

تبًـا لك!

من أين تأتي بالجليد الذي يحمي كل ميكانيكية الشعور واللاشعور؟

وكيف تجلس في وسط النهار أو بنهاية الليل، تستمع للموسيقى وترشف القهوة وكأن كل ما يحدث في العالم لا يعنيك!

وكيف حينما أثور بوجهك لأي سبب تافه، تتحرك ببطء وثقل كالفيل من مكانك، وترد كـضبعٍ شيخٍ عجوز، كذئب محنك، "إذا أردت الاستمتاع بحياتي لا شيء يوقفني!" يحمرّ وجهي غضبًا، أحاول تدارك الموقف بالسخرية منك، أهم بالخروج من برجك العاجي، تبتسم كالوحش الواثق من تكبيل فريسته، كالعنكبوت الذي أحكم كل الخيوط على الضحية، الذي يعرف أنه أمسك بها، لكنه يبتسم بلزوجة حانية "لكنها خيوط حرير تليق بها" تدس يدك في أحد المخابئ الكثيرة في مكتبك، وتدفع لي برواية رقيقة رومانسية، أصفك باللزوجة، فتتعالى ضحكاتك، وتقول لي لا بأس إن لم تعجبني، بالطبع لن تعجبني!

وراء كل هذا الفزع، أود لو أجري باتجاه شخص وحيد، أفرغ كل ما في قلبي عنده، أقول له أني أسقط ويقول لي لا بأس اطمأني، أريد أن أطير في حال السقوط، لأنه كما يقول شيرلوك هولمز: السقوط ليس النهاية أبدًا" لكني لا أجد من أندفع إليه بكل خوفي فيطمأنني، وبكل تلك التشابكات فيصبر عليها ويرتبها معي!

أتصل بصديقتي البعيدة في بلاد تفصلنا أنهار وبحور وصحراء وجليد وأشياء لا حصر لها، أقول لها أني أشعر بالفزع، لكني لا أخبرها أني أشعر بافتقادك! وهي لا ترد، تستمع فقط، تخبرني أن ألقي بكل شيء وراء ظهري وأنام!

تراني رفيقتي في الصباح، عيونها تسألني إن كنت أنام جيدًا، يرن هاتفي وتكون أنت، تسألني عن الرواية السمجة، أقول لك أنها سمجة، ثقيلة، لن أقرأها! تضحك وتدعوني لـ .. أقاطعك أني أعمل لساعة متأخرة!


في الليل، أسير في كل الشوارع المتقاطعة، أعبر إشارات المرور عشرات المرات، ينزل الضباب فلا أرى يدي، يخطر لي أن أهاتفك وأقول الضباب يغطي المكان، يخفيني ويخفي الناس، لكني لا أفعل!

يقترب الفجر وأنا هائمة بالطريق، يتوقف بجواري رجل شرطة في سيارة الدورية الليليلة، يسألني إن كنت بخير، أدرك أني ابعتدت عن البيت، أطلب منه أن يوصلني إن كان لا يمانع!

هل أخبر الشرطي عما يدور بقلبي؟ يسألني عدة أسئلة ودودة، يود أن يتأكد أني في كامل وعيي وأني فقط متعبة، حجابي يقول له أنها لا بد مسلمة ولا تسكر، لكنه يتأكد! 

هل أنفجر الآن في البكاء وأقول للشرطي أني أفتقدك؟

أمسك الألوان أحاول أن أهرب، أمسك الورق فتعاجلني رسائلك، أهم بمقابلة أصدقائي فيحين اتصالك، سؤال ساخر منك إن كنت غرقت في الرواية! أصرخ في وجهك تبًّا لك وللرواية السخيفة! تنهي المكالمة بهدوء، يثير غضبي اللامبرر قلقك، لكنك تفضل السكوت!

لماذا لم تهاتفني ثانية فأبوح لك!

لأني لم أجد بين كل من حولي من أبوح له بلا خوف أن يحاكمني سوى أنت!

ولأني أخاف أن يحدث أي شيء قبل أن أخبرك!

ولأني أغار بشدة ولكني أتظاهر كل لحظة أني لا أبالي!


هل أبالي حقًّا!

لا أفتقدك ... ولا أبالي!

الثلاثاء، 21 ديسمبر 2021

متى ..2

 متى تتسلل المحبة إلى قلوبنا التي كانت تخاف كل شيء؟ فتطمئن؟ 

الشقوق المتصدعة، ينبعث منها وفيها النور والدفء.

فأجد نفسي أفتقدك بين تفاصيل يومي المزدحم، 

حين أغضب عليك، أقول أني لا أبالي، أمضيت اليوم بدون تذكارٍ.

وحين تتسلل بهدوء ويسري صوتك في هذا السكون فيملؤه، 

أجد أني أشتاق إليك فجأة، وبلا مقدمات!

توقظني رسالة طريفة منك، أهمس بعيون مغمضة وثغر باسم وقلب مطمئن، غـبيّ.

وأجد على غير موعد منك كلمات طيبة، فأعترف أني أفتقدك، أفتقدك الآن، أفتقدك في هذه اللحظة تحديدًا.

تسافر لعملك، وترسل لي بلا مناسبةٍ كوبًا من القهوة والحليب، تقول لي: دعي الدفء يدخل قلبك، البرد قارس!

لماذا يصعب عليّ إخبارك أنك دافيء؟

ولماذا يصعب علي تصديق أني أحبك؟

الحياة تمضي، ونحن كلانا يمضي معها، وتسير بي في أحياء الجنوب الباردة، تقول لي: "هل تريدين البطاطا؟ إنها دافئة وحلوة، ليست أحلى منكِ!"

أبتسم، أسخر منك، أتلقى كل إطراءاتك بأذن واحدة، وأغض طرفي كله عن الغزل اللطيف، وكأنه ليس لي!

لكن لا تنكر أني أخبرك عشرات المرات أني أحبك!

حينما أصرخ بوجهك لأني أريد الأفضل لك، حينما أترصد وجودك مثل المباحث، حينما أغض الطرف عن محاولاتك إشغال الغيرة في قلبي ولا أنفجر بوجهك، حينما أضحك مطولا على كل نكاتك، وأخبرك بحسم أن السخيف منها سخيف حقًا.

حتى عندما بحثت لك عن عروس، وحينما حاولت ترتيب لقاء لكما، وحينما بدوت بعينيك أنني سخيفة وغبية ولا أعبأ بمحبتك، كنت أحبك، أريد لك امرأة أكثر سكونًا من عواصفي، امرأة تستقبلك ببسمة، تخلع لك نعليك، وتنجب لك من الأبناء عشرة، وترضى بكونك رجلها، وتتنازل عن الثقة بذراعها، امرأة لا تسألك ألف مرة إن كنت تحبها، لأانها تنشغل بثوبك ونظافته، وطعامك وجودته، وتشاركك في المساء قراءة الرواية، وفي الصباح فنجان القهوة، تبدو مشرقة بلا هم، ومشغولة بكَ بلا كلل ... ليست مثلي، ليست أنا!

لأني سأحيل حياتك حربًا إن تجاهلت رسائلي، وأحيل غرفة نومك ساحة للقتال إن لم يعجبك فستاني ولم تثنِ عليه غاية الثناء، بصدق ومحبة، بكلمات أشعر أنها من قلبك لا مجاملة، لأني سأجرك في الشوارع وبين الأزقة بحثًا عن طعامٍ أنا نفسي لا أعرف ماهو، وسأنزع الرواية من يدك في المساء لأنني أنا الرواية والقصة، ولأني لم أخبرك بعد تفاصيل يومي، ولأني لم أنته يوما من سرد كل التخيلات التي دارت برأسي من حديث قبل أن يدور بيننا، ولأنك متعب من العمل، تعود منهكًا تريد من يحملك، أما أنا فلن أستقبلك بهدوء وصمت، ولن أحمل السكينة بين ضلوعي لأهبها لك عند عودتك من عملك، بل سأحفظ كل الصخب كي نتشاركه معًا، وأدخر كل الحماسة كي أدفعها دفعًا إليك، إليك وحدك، ولن أغزل الصوف لوليدنا القادم، لأنني أمـلُّ بأسرع ما يرتد إليك طرفك، ولن أعدك بمولود، لأني أخاف من كل الصغار، كيف أتكفل بطفل وأنا أتعثر بخطواتي، وكيف تثق بي كل تلك الثقة كي تهبني أطفالك وأهبهم حياتي وبعثراتي وجنوني؟ ولن تجد بيتك هادئًا، فالموسيقى تشعلني، ولن يكون صاخبًا، فأنا أنزعج بسهولة من الضوضاء، ولن يكون بلون واحد على كل حال! امرأة تسكن لك أو امرأة تثير جنونك في كل لحظة غير متوقعة كالبركان؟ فكيف تلقي بنفسك في فوهة البركان ولا أمنعك! سأجد لك عروسًا هادئة تطمئنك كي أطمئن! أليس هذا حبًّا؟

متى تسللت إلى كل تلك التفاصيل، متى تسللت إلى قلمي؟ ومتى أستطيع الهرب!

الأربعاء، 15 ديسمبر 2021

متى؟

 بالطبع أذكر أول لقاء بيننا، بالطبع أذكر بعض التفاصيل، مثل لون ملابسك، بسمتك الهادئة، جلستك الواثقة، كأن الكون يدور حولك، أقول في نفسي متعجرف، لكنك تقترب بهدوء، ترمي إلي بطرف الخيط كي نتبادل الحديث، فأجد الكثير والكثير من المرح في صوتك وكلماتك....

متى عبرت السنون وانتهينا هنا؟ ومن أين يأتي هذا الشعور الذي يفتقدك، ويطمأن عليك، ويبتسم لمجرد ظهور اسمك على الهاتف؟

متى دخلت بين أفراد عائلتي؟ ومتى جعلتهم جميعًا يسعدون بك، بلقاءك، بكلماتك، بروحك الطيبة!

لا أعرف كيف يغير الزمن قلوب البشر، لكني أعرف أني تغيرت كثيرًا، حتى أني أقابلك بكل الوجوه التي عرفتها عن نفسي، ولا أخجل، ولا أخاف، كنت أظن في البداية أني أفعل لأني لا أعيرك اهتمامًا، لكني وجدتك لطيفًا إلى حد مقبول، وغبيًا إلى حد مريح، تقسم لي في كل مرة أنظر فيها مباشرة إلى عينيك وأقول: حذارِ! تضع يدك على صدرك بعفوية شديدة وتقول: أقسمت لك من قبل وأجدد القسم والوعد.

لم تكن يومًا في قائمة أصدقائي، ولا أنت قريب لعائلتي من قريب أو بعيد، متى انشقت السماء وألقت بطائرك الأبيض فوق نافذتي؟

الغربة تغير الحياة، تجعلها أبسط وأوضح، تجعل الخطوط أكثر استقامة أو أشد تعقيدًا، كلانا اختار الاستقامة، أقول لك لا وقت لدي للعبث ولا صحة ولا طاقة، تسخر وتكمل بكلامك عن مسكنات الألم والفولتارين.

وجدت فيك كل مخاوفي التي أفزع منها، وأهرب، تلك التي أعرف أنها خطوط متوازية لن تلتق بي، ولن ألتقِ بها!

متى تقاطعت سبلنا؟ فجمعنا فنجان قهوة، فأغنية، فعرض مسرحي، فحفلة، فمتحف؟

ومتى صارت سخريتنا من الآخرين هي وصف دقيق لحالنا معًا! أصبحنا ذات النكات التي أطلقناها بفظاظة!

وأعترف أني على وشك أن أصبح تلك الفتاة "المسهوكة" التي تنتظر مكالمتك ليلا! رغم أني أخبرتك بكل شيء، بأني انتهيت من كلمات الحب الجوفاء، بأني لم أعد تلك الفتاة العشرينية اللطيفة، وأني بومة سوداء أكثر من فتاة مرحة!

فلماذا في كل مرة تلمع عيناك وتخبرني بأن هناك "مستخبي"

متى رأيت كل "المستخبي"

ومتى اقتربنا وكل منا يود أن يهرب "وحيدًا" إلى آخر الدنيا!

بنهاية الأمر، لا أعرف متى خالجني شعور الأنس، ومتى افترست تلك الابتسامة ملامحي الجادة حينما أراك؟

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021

 في ليالي الشتاء الباردة، أتمنى لو كنت هنا، لو كنت لي.

سوف تخرج بذراعين عاريين وعضلات مفتولة بلا جهد لتجمع بعض الخشب، ترفع فأسك وتقطعه بأشكال متباينة ومتشابهة، تلقيه في النار فلا أدري أيهما يشتعل أسرع، المدفأة أم قلبي.
سوف أحضر مشروبًا ساخنًا، وسوف تختار موسيقىً هادئة، وتقول لي بحسم متخذ قرارٍ يسعى للتنفيذ: تلك الرواية بدأتها، كلماتها جميلة، أعتقد أنها مناسبة لليلة تمامًا.
ستقرأها لي؟
تبتسم وأنت تتخذ مجلس الحكواتي.
سوف تعيش في الرواية، وسوف أنام على الدثر، وسوف تنتبه بعد حينٍ حين تعلق على جملة ولا يأتيك مني رد، تبتسم ابتسامة الواثق من حدوث هذا، شعوري بالدفء، غوصي في الرواية، مزج صوتك بالحلم، ثم أن أغط في نوم عميق مثل القطط.
لا شيء سيتغير في الليلة التالية، غير أنك قد تستبدل الرواية بالشعر، أو أصرّ أنا كالطفلة المدللة على مشاهدة فيلمًا من أفلام عيد الميلاد، لا أحد يشيخ على أفلام عيد الميلاد!
ستنام أنت أمام الفيلم، وسأكمله للنهاية، وأعتبر هذا الانتصار رد شرفٍ أمام كل الليالي التي غلبني فيها النوم على صوتك الراوي.
لن تكون الحياة مثالية، أنا أعي هذا، لكن لطالما أحببت فخذ الدجاجة وأحببتَ الصدر فنحن على وفاق!
أنا أخوض في الحياة بكل حماسة، أتقافز كالصغار، وأنت تخطو بثبات شديد، ويكأنك لا تبالي، أنا أخاف كثيرًا من القرارات السريعة، القرارات الجاهزة-المعلبة، أفكر وأفكر وأفكر، أكون مملة أحيانًا، وأنت لا تتوقف عن التفكير، تعرف ما تريده جيدًا، تصدر القرارات كأنها النكات الصباحية، كيف لا تخشى شيئًا هكذا؟ ومن أين تأتيك كل هذه الثقة.
بكل الأحوال، لا بأس من جنوني وعبثيتي، عندما تقابل اتزانك وتريثك، لا بأس من البعثرات، عندما تلتقي بجميع الأشياء المنمقة، ولا بأس بقليل من العشوائية، لاثنين تائهين يهيمان على وجهيهما، بلا طريق، بلا وجهة، لكنهما يأنسان، وهذه هو المهم.


الثلاثاء، 19 أكتوبر 2021

خاطرة عابرة!


كيف تحولت في الغربة إلى امرأة مصرية خالصة، لم أكن أدرى أنها هي!

أجمع صديقاتي حول طاجن بامية يستاهل بوقك.

أجر صديقتي جرا وقت الراحة إلى بيتي، أجري يمينا ويسارًا، أصنع كوبين من الشاي أو القهوة، أجر ما عندي من طعام في البراد، أكدسه أمامها، وآمرها أمرًا أن تأكل حتى لا تكاد تتنفس! 

أضع الكمون على طاجن السمك بكميات مهولة، أشتري حزمة من النعناع الطازج، أغسله جيدًا، أفرش منشفة وأضعه عودًا عودًا ليجف ويظل ونيسي كل يوم، ويبقى للأيام التي لا أجده فيها!

أضع بواقي الأرز في كيس لأطعم بعض الطيور منه، وأجفف كسرات الخبز لنفس السبب

ألاقي رجل التوصيل بإسدال الصلاة (بعدما اشتريت واحدا من هنا) ألف طوله حول خصري، وأجد امرأة ملفوفة تميل للسمنة بقدم يلمع فيه الخلخال مثل سيدات أفلام الأبيض والأسود!

أضحك لنفسي، وفي نفسي، متى وكيف صرت امرأة كتلك النساء التي أسرتني عفويتهن وترحابهن، ورحابة بيوتهن!


رغم أني مازلت أقضي الليالي وحدي، إن لم تكن صديقاتي لا أدعوا أحدًا على العشاء، أبقى في بيت هاديء إلا من صوت أغنية أو فيديو أشاهده، أعتذر عشرات المرات لصديقتي التي رحلت إلى البلاد الضبابية الباردة، أني أفشل في التواصل كإنسان عاقل متزن يراعي أصدقاءه، أختفي بالأيام، بالأسابيع، بالشهور، أفعل كل شيء واللاشيء، لكن ... ورغم كل هذا ... أحب ما كنت عليه، وأحب ما صرت إليه ... أرى في المرآة امرأة جميلة، جميلة جدا، أتمنى لو تصادقني يومًا ما!

الخميس، 7 أكتوبر 2021

للذكريات السعيدة وفقط!

"تذكري دائما أنك جميلة، محبوبة، ومحبة، وقلبك من الذهب والعاج والياقوت! تذكري دائما أنك فراشة، توزعين الحب، تنشرين البسمات، تجعلين الدنيا ملونة وجميلة، وتكسبين الحياة طعمًا لم يكن لها من قبل! أثر الفراشة لا يزول، لا يُرى لإنه غارق في التفاصيل، أثر الفراشة يسري في كل التفاصيل!" 


اليوم عيد ميلادي، كل عام وأنا بخير، ومصر بخير، وكل من شاركني اليوم بخير، وكل من شاركني الشهر بخير!

بدأت يومي بالعمل باكرًا، أقول لنفسي سأرتدي ألوان علم مصر، القليل من التبرج لا يضر، الابتسامة مخفية، والصب تفضحه عيونه، والعيون هي باب القلب دائماً

صرخن فجأة ... ألتفت لأجدهن واقفات أمامي، يغنون لي بانسجام شديد كل عام وأنت بخير، عيد ميلاد سعيد!


متى يلتئم القلب ويفرح؟ ومتى ينسج الحب خيوطه في قلوب الآخرين؟ بالأمس كنت شريدة وحيدة، امرأة غريبة في بلد جديد، تسير مضطربة كالكتكوت! تتصنع القوة والحيلة، وبداخلها اضطراب البحر وهيجان المحيط!

بالأمس، كن أصغر قليلًا، يتطلعن لها بنصف عين، يختبرنها، ثم فجأة يحبونها، كلهم، بلا سبب، يعشقونها، يقدسون وقتها معهم، متى حدث وكيف؟ هي نفسها لا تعرف!

لا أعرف! حقًا متى تسلل كل هذا الحب إلى قلوبهم الصغيرة؟ ومتى تسرب لي من بين كل خيوط العنكبوت، وعظام السابقين، وجماجم الألم والأسى؟ متى؟


"مس ممكن حضن؟" ألا سامح الله الكوفيد! أقول لها أني أود، أرغب، أحب، أتمنى، ولكن!

"حسنًا، حضن افتراضي!"

"أحبكنّ"!

أقل من الساعة، ويأتي ولدي الصغير، صار أطول مني، صار شابًا مهذبًا وجميلًا، أسمر روحه تضفي عليه جمالًا آخر، قلبه متصل بعيونه، في كل مرة، في كل يوم في أول عام لي هنا، يأتيني بعد الحصة، يكلمني، في أي شيء، في كل شيء، حتى لو كلمة عابرة، مداعبة، مناغشة، يبتسم ويقول مع السلامة ، أراكِ غدًا، أراكِ الأسبوع القادم ... أراكِ!

من بينهم كان المحبب لقلبي، صار المحبب لقلبي، وأعتقد، هؤلاء التلاميذ سيظلون لوقت طويل جدا، محببون لقلبي!

"كل عام وأنت بخير!" ابتسامة ملء السماء "عيدميلاد سعيد"!

باقة زهور ملونة

علبة شيكولاتة

عيون طيبة

بسمة كلها محبة

أقول له، لولا الكوفيد لحضنتك! يقول لي: ولم لا؟ 

"سأخطفك" يومًا ما سأخطفك وتصير ابني أنا! يبتسم، يضحك، تشعل الغيرة قرينته التي تصرخ كلما رأتني، أحببببك، كيف حالك؟ كيف يومك؟ هل أنت بخير؟ تبدين جميلة!

في يوم من الأيام كان النقاش ما لون سترتي؟

في يوم من الأيام يكون التعليق "كيف تبدو جميلة كل يوم؟"

في أيام كثيرة متتالية " أريد أن أسرق خزانة ملابسك!"


ما لونك المفضل؟

هل لك حبيب؟

لم لا تخرجين مع أستاذ مايكل؟

أنت جميلة اليوم!

كل كلمات المحبة والمجاملات، يكون لها معنى وطعم، ولا شيء يشبه باقة ورد وصراخ بكلمات الحب، وأغنيات عيد الميلاد من تلاميذ لا تدينهم بشيء! ولا يطمعون منك بشيء!

تلاميذ لا تراهم كل يوم، ولا تدخل صفهم، ولم تعد أن معلمهم، لكنك الشخص المفضل!

متى أصبحت لتلك اللاليء الصغيرة شخص مفضل بكل هذا الخراب؟ لا أعرف، لكني أعرف أن وسط الخراب واحة آمنة وصغيرة وخضراء لهم، لهم وفقط، أحبهم بكل ذرة فيها، وأخلص لهم، وأبذل لهم كل ما في وسعي!


اليوم، في عيد ميلادي الثالث والثلاثين، أرى امرأة محظوظة تتبرج أمام المرآة، امرأة جميلة، لا يزيدها الدهر إلا بهاءًا، ولا يزيدها العمر إلا سحرًا! أرى شيئًا لا أعرف كلمات وصفه، لكنني أخبره جيدًا، هذا الذي يحول كل تعاسة الدنيا إلى بسمات متتالية!

تسأل صديقة: يوم صعب، كيف تحافظين على هذا المزاج الطيب!

أقول بثقة امرأة ثلاثية، إنه عيد ميلادي، أحب هذا اليوم، وأحتفل به، ولن يعكر صفوه أحد، كائنا من كان!


وقد كان!

الأحد، 3 أكتوبر 2021

مازلنا .....

 كنت دوما أتعجب من قدرة أصحاب المصائب على التخطي، التجاوز، المرور كأن شيئًا لم يحدث، أتعجب من قدرتهم على الضحك من جديد، على الدخول إلى المستشفيات التي سلبتهم الراحة لفترة طويلة بابتسامة عريضة، على السكن في بيت ضم أحبابهم وخطفهم منهم الموت بذات البيت، أتعجب من امرأة ذابت عشقًا ثم هجرها الحب والأمن إلى غير رجعة كيف تأمن من جديد، وكيف تضع يدها في يد آخر، وكيف تبيت معه على فراش واحد، وكيف يصبح لها بعد عدة أسابيع أو شهور أو سنوات معشوقها الذي لا تنام وهو خارج المنزل، ولا تهدأ وهو قلق مضطرب، ولا تهنأ وهو حزين، ولا ترتاح وهو متعب؟!

كيف يتسنى لقلب واحد أن يعشق مرتين؟ ما بالك بثلاث أو أكثر!

كنت أومن بمقولة ما الحب إلى للحبيب الأولِ، أقول الأول ليس أول من نلتقي بل أول من نحب!

وكان أول من أحب هو أول من هجرني، وقتلني، ومزّعَ قلبي حيًّـا، لم يشفع له خوف، ولم يشفع عنده عشق صافٍ لم أجده إلا له، ولم يصفو أحد إلا هو .. به، ولشدة ما مررت، أظن أني شهدت الموت بعيني، ورأيت الخيط الفاصل بين الوجود والعدم، ووقفت روحي في حلقي أكثر من مرة، لا تهدأ فتسكن بين ضلوعي، ولا تقوى على الدفع خارج الجسد فنستريح جميعا! وعشت لفترة تعدت الثلاث سنوات بين عالمين ضبابيين جدًا، حتى أني نسيت من أنا، وماذا أريد، وماذا أفعل هنا بالمعنى الحرفي للكلمات، أذكر إني من سنتين فقط أو ربما أقل، هاتفت صديقتي لأسألها من أنا؟ وماذا أحب، وماذا أفضل؟ وماذا تعرف عني؟

لإنني ببساطة لم أستطع أن أجيب سؤال المعالج البديهي، ما هو لونك المفضل؟ ماهو فيلمك المفضل؟ ماهو ..... المفضل!

الشيء الوحيد الذي كنت أذكره الموسيقى! أعرف أني أعشق الجاز، وأني أحب كل معزوفات أندريه ريو، وأني وإن كنت لا أذكر أسماء الموسيقيين بعد، لكني أحب الروس، لإن موسيقاهم قوية وثابتة ورائعة، وكنت أهيم على وجهي في الشوارع، لا شيء معي سوى الموسيقى، عشرات الأغان، القديم والحديث، الشرقي والغربي، ولم أفقد يومًا خصلتي في الانتقاء، حتى وإن كنت نسيت ما مفضلاتي فسمعت أشياء كثيرة، حتى المهرجانات سمعتها!

يسألني شخص مفضل، كيف الحال مع الارتباط، يقول أنه قد يفضل الحرية، أقول له أني أريد أن أطمئن! ولا أريد أن أكمل وحدي أكثر، ولا أريد أن أنزعج أبدًا، أشعر في كلماته بشيء أعرفه، هذا الخوف المحموم، كلنا نخاف، ولكن هناك من يريد أن يطمئن، وهناك من هو آمن بشكل كاف ألا يباشرك أي أذى من تجاهه!

الألم صفصفني، قطعني وسلخني، باشر عظامي وخالط جلدي ولحمي، سرى كالنار في دمائي، كالحمض الساخن، وكالثلج على شقفات الجلد المنهكة، وألحد قلبي بالحب، وآمن بالهلع، وانغمس وقُـبِرَ في الخوف من كل البشر، بل تعداه إلى كل متحرك ليس بآلة!

لكني تعبت!

هذه ليست أنا ... سأختار المغامرة .... ست سنوات وهاك السابعة تعبر، أخاف من خيالي، وأفــرّ هاربة إذا ما دق الحب بابي! لمه؟ لم يكن أنا، لم يكن ذنبي، لم يكن خطئي، اليوم تشرق أنوارك في ليل عيوني، أرى بسمة تجذبني، ومازال شيء في قلبي يصارعني!

لكني سأذهب حيث الفراشات، وسأخطو إن مددت يدك نحوي، وأمنحك كل الدفء الذي سلبته منا الغربة، وكل الحب الذي أخذه مني الغدر، وكل لطافة العالم في أطفال صغار، وسأخبز لك كعكًا، سيصيب مرة ويفشل مرة، وسأمنحك كل صباح تلك البسمة الناعمة، وأخبرك كم أني راضية تمامًا بهذه السكينة، وبتلك الشمعات التي تبثنا رائحة الورد وعبق النسيم!

الثلاثاء، 21 سبتمبر 2021

شريدين وكوبا من القهوة!

 إلى أي حد قد يفتك الخوف بأحدهم؟ 

لا أعرف الحد، لكني أعرف جيدًا أنه قد يفقد الناس عقولهم، يجعلهم يعمون عن المنطق الصارخ كالشمس، يتخبطون في نهار العالم وظلمات أنفسهم، ينفخون في العصائر ولا يقربون الشوربة رغم برودة الجو، ورغم تجمد أطرافهم!

البعض يصاب بالخوف بسبب الحب العميق الذي كان صرحا من خيال فهوى!

والبعض يصاب بالهلع من مجرد الفكرة!


وهما؟

كان شريدين، أصابهما الخوف على غرة وغفلة، مغتربان يبحثان عن رائحة الوطن، في كلمة، في لكنة، في طعام..

شريدين، يجمعهما الكتاب، وترفق بهما الموسيقى، يقتربان بشدة كأنهما خلقا معًا، ويضطربان فجأة كأنهما غريبين تمامًا!

ماذا يفعل الخوف في البشر؟

يغضبان، لا أحد يصرح بغضبه، الغضب نتاج الخوف، لا أحد يصرح بخوفه أيضًا!

يسيران بخطوات متباطئة، متكاسلة ربما، لكن أجسادهما تتجاذب بشكل عجيب، يود كل منهما لو يمد أطراف أنامله إلى يد الآخر فيطمئن، يود كلاهما أن يطمئن، يعيش الاثنين بين الثقة الكبيرة والخوف الأكبر، الخوف والثقة لا يجتمعان، الخوف والحب لا يقتربان!

رائحة عطرها تغمره، تجذبه، تأسره، بطرف عينه يتلصص النظر إليها بشفقة كبيرة، وبكل عينيها تنظر إليه بأملٍ أكبر!

ماذا عسى الأمل يفعل بكل الهلع الذي يسكن ضلوعهما؟

يلفهما الحب، حاضرًا بقوة، ويجتنفهما الخوف، كأنه ملابسهما، كأنه النسيم، كأنه عبق الكتب التي يتبادلانها، كأنه الوتر الحزين في الكمان، واللحن الهارب من الناي، صوت الناي كنعق الغربان، مخيف، منذر بشيء جلل!

لماذا في كل مرة تنعقد الكلمات المرادة على الشفاه، وينساب الغضب؟ كأنهما يخافان ألا يكون الآخر هو هو، أو هي هي، يخافان الفرقة، ويرتعبان من اللقاء، و"ماذا لو" تزيد مرارة القهوة!

صحيح

القهوة!

شيء وحيد جعلهما يبتسمان بأريحية، يكملان تسكعهما بحديث له أطراف للتبادل، رائحة القهوة، هي تخلط الهيل، وهو يحب الورد، هي تكره البندق، وهو يفضل الحبوب الغامقة، هي تمسح على وجه القهوة بلمحة سكر، هو لا يمانع الشيكولاتة الداكنة، هي تفضل لمس الأشياء أولا، هو يفضل تذوقها، هو يشربها مضبوطة، هي تشربها قوية، هو يشربها بلا إضافات، هي تفضل الحليب، هو يشربها لبنانية، هي مازالت تشتري مخزونها من محمصة البن المفضلة في الوطن البعيد، وكلاهما ينصاع لرأي الآخر، وكلاهما يجرب ما قال الآخر، بحب عمق من الداخل، بضجر وسخط وسخرية من الخارج.... كيف ينتهي رائعان كشريدين جدًا مع كوب من القهوة؟ .... 


أن يخافا الاقتراب، ويخشيا البعد!

الأربعاء، 30 يونيو 2021

السيدة الجديدة

 منذ أن عرفت الدنيا وأنا لا أطيق قلة النظام وعدم النظافة وبنفس الوقت أتعثر بأعمال البيت!

ربيت كابنة برأس ولد، ونشاط ولد، وتصرفات ولد، هكذا كن ينعتنني، أنا لا أجلس مع عرائسي، بل أحب سباقات الجري، وأحب لعب الكرة، والاستغماية، والحركة، وتسلق الأشجار وخلق بيتًا من خيال بين أغصان الشجر، وألعاب الفيديو، والقراءة والتلوين، ومشاهدة التلفاز بكلي!

أعيش نصف عقل، ونصف وعي، ونصفي الآخر هناك، في عالم خيالي جميل، أفكر دومًا في حلول عجيبة، كانت تثير حنق أمي، لأنها تريد دومًا البيت منظم ونظيف.

عانينا حتى نجد سيدة جديرة باستلام نظافة البيت، جربنا وجربنا وجربنا، نجد ونتعثر، وانتهت حقبة أمي لأبدأ الطريق وحدي!

وأجدني أتحول إلى ماكينة صراف آلي، أفكر كالرجال، جدوا لي سيدة تتولى البيت وأنا سأدفع!

غير أن أمي علمتني كل شيء، كانت تعرف خصالي، تقول دومًا عني: "لا جلد لها بأشغال البيوت، لكنها نظيفة وذكية ودقيقة ومتقنة، صحيح أنها تستغرق وقتًا أطول في إنهاء المهام، لكنها تتقنا بشكل غير مسبوق، كأني أنا التي قمت بها بل وأفضل، فهي ذكية وتريد أن تنتهي بسرعة في نفس الوقت" هكذا كنت، إذا قررت تنظيف غرفتي قد أقضي اليوم فيها، لكني أقلبها رأسًا على عقب، أرتب خزانة ملابسي، وأنظف تحت السرير، وألمع الحوائط، والشباك، وكل ذرة على مكتبي، والأدراج، والتفاصيل المملة، وأملّ كذلك وأتعب وأنهج، وأستريح، وأجد قصاصة ورق فأقرأها، وأجد كتابًا قديمًا وأحجية، وأجد بيت شعر أو قصيدة بدأتها فأكملتها ولم تعجبني، أو لم أكملها وأعجبتني!

وهكذا، ينصرف تركيزي لألف شيء، حتى أفيق من غفوتي بين الكتب، فأرتب وأنظم وأمسح التراب، وأرص، وأغير المفارش، وأكنس وأعود للعمل من جديد!

الآن صار البيت بيتي، بيتي صغير، لكنه واسع، لكنه صغير هاهاها، غرفة استوديو، شباك عريض لكن أتمنى لو كان أعرض، حشوت فجأة بهذا البيت الصغير أغراضي، فأسست لمكتبة، وأحضرت عدة التلوين، وكتاب تلوين ثقيل، وأدراج المكياج، والملابس، والأدوية، وأرفف من التوابل، والسكر، والنكهات، والمكسرات، والأكواب، أحب الأكواب!

في لحظة لا أمسكها من الزمن يتراكم التراب، في لحظة لا أمسكها من الزمن لا تكون لي همة بتنظيف كل هذه الأشياء، وطبخ الطعام، ومحاربة الاكتئاب، ومجاراة الوحدة، والهرب من الغربة في آن واحد!

حتى عرفت تلك السيدة الجديدة!

في أول زيارة لها أغرقت المكان بالماء! 
فزعت، سألتها: ماذا تفعلين؟
أنظف المكان، هكذا أفضل ... سترين!

بإنجليزية مكسرة، وقلب متعب، استسلمت لإرادتها، في قلبي أستغفر وأحوقل، أقول تلك المجنونة!
لكنها نظفت البيت بشكل مقبول على الأقل


في المرة الثانية، وعندما مرت إلى بيت، قالت لي بنبرة منبهرة: مس .. لقد سمنتِ!

أنا: حقًّا؟ حسنًا...


في رأسي سحقا لك! وتبًّا، هل هذا فقط ما رأيته!

لكني فهمت بعدها أنها مجاملة في بلادها!

تنتهي، وتهز رأسها في إعجاب شديد بسرعة فعلها، كنت حقا أحتاج مساعدتها ذاك الأسبوع، صارت تعرف أماكن الأشياء وترتبها حسب ما تريد، قررت مثلا أن ترمي شيئا خاصا يعاد استخدامه لألف مرة، لكنها رأت انه لا فارق بينه وبين ذو الاستخدام الواحد! فأضطر إلى مهاتفة أمي لتشتري لي غيره!

تسحب البخاخ المطهر من الحمام إلى تحت حوض المطبخ! نعم هناك أضع عدة التنظيف، لكني أريد المطهر في الحمام من فضلك!


في كل مرة أدور أبحث عن الضائع وفي رأسي: يا بنت المجنونة ودتيه فين!!!


وفي كل مرة تستقبلني بابتسامة!

اليوم، أستعد لمغادرة بيتي إلى مدينة أخرى، يجب أن أنظف كل شيء وأحزم حقائبي، طلبت مساعدتها فأتت، وفي منتصف العمل، تمت دعوتنا للغداء، لم أكن لأجيب، لولا الإلحاح الذي صار أمر على سماعه عن القتل!

قلت لها نذهب؟ وافقت!

صعدنا السلم لجارتنا، تشاركنا الغداء وشكرناها، في العودة قالت لي أنها تحب أجواء أصدقائي، غناء ورقص وطعام وفرفشة!


لسان حالها يقول: ليست الأجواء مثل بيتك يا كئيبة، تديرين أغاني أم كلثوم التي لا أفهم منها شيء، تغنين معها بصوت حزين يخرج الآهات من العمق، ولا تتقافزين مثلهن، وتكلمينني بكل جدية ونظام!

أشعر بك عزيزتي مانجو! أشعر بك تماما!

أنا امرأة ثلاثينية، ماذا تنتظرين مني! امرأت تحب الطعام والكلاب والكتب والموسيقى، تقضي يومها في تعليم الصغار، وتقضي ليلها في القراءة أو الكتابة أو الموسيقى!

امرأة تمسك المهمة فتريد إنجازها أسرع، بعيدًا عن التشتت، فتترك لك التنفيذ، لتخلو لأحلام يقظتها، وتشتت أفكارها!

امرأة ترفع سماعة الهاتف لتطمئن على فلان، وتذكر أمرًا لعلان فتسب وتلعن الذاكرة الضعيفة، ثم ترد على كذا، وتدلل أمها، وتستغيث بأخيها، وتدير أغنية لأم كلثوم كي تهديء من نوبات قلقها المتلاحق


لكن يا مانجو أتدرين ما المميز في تلك المرة؟ أنك أيتها السيدة الجديدة صرت تعرفين طريق الأشياء، تتصرفين في البيت كأنه بيتك، تتركينني لجنوني وعبثيتي، أغوص بين الأغراض فلا تعترضي، أقول لك سنترك الحمام للنهاية، فتجدينني منشغلة فتدسين رأيك بسلاسة، أغسل الحمام الآن؟ فأوافقك، أقول لك استريحي الآن، اجلسي، لن أخصم هذا من ساعات عملك! هل كنت تعرفين يا مانجو أنك إن شاركتني الطرب بأغنية "بعيد عنك" كنت سأصنع لك فنجانا من القهوة ونطرب سويًا؟

لكنك عملية بقدري، تغسلين الحمام، وتحركين الأشياء كأنه بيتك الخاص، وتتركين كل سطح يلمع ونظيف، وتتركييني أغوص في الصداع والأغنيات والأغراض المبعثرة، لكن صارت بيننا رابطة خفية، سنكتشفها يومًا، هل تحلين في يومي وحياتي محال "أرزاق؟" ويأتي اليوم الذي تفرضين خطتك في التنظيف رغم أنفي؟


لعلكِ!

في المرة التي بعدها،

الأحد، 27 يونيو 2021

أصدقاء الغربة أقرب للروح!

 لمدة عام طويل، كان كل شيء مرهق وضاغط، كل شيء مؤسف وموجع، ضغط في كل مكان، مرض غامض يجتاح العالم، هوة اكتئاب عميقة، وجه قبيح يتكشف لمن ظننته حبيب وصديق سابق، سقطات كثيرة، نجاحات تتحول إلى فشل في آخر لحظة، ودكتور يحاول كل يوم أن يخرجني من السرير فقط لمهامٍ يومية بسيطة!

الجري يقطع الأنفاس لكنه لا يقلل حدة القلق، ولا ينبئ بنوم هانيء، نوبات بكاء تحدث فجأة بلا إنذار، لا أشعر بالتأقلم مع هذا المكان، لا أريد رؤية أحد، ولا أعرف أين ينتهي المطاف.


بعد الكثير من التمارين والجلسات، بعد المئات من مقطوعات الموسيقى، والعشرات من الأفلام، والصور العديدة والأطعمة اللذيذة والأحضان العشوائية، مر العام!

وبدا لي أن هذا العام لربما يكون أفضل قليلًا، لا أعرف لماذا غير أن شعور الأمل بدأ يتسلل لقلبي كمرض جديد!

كنت ألتقيهن في الصباح، ذهب أنا والأولى للمقهى سيرًا تحت الشمس، تكلمنا كثيرًا، عن بلادها الباردة التي احتلت بلادي المشمسة الطيبة، وعن الفن، وعن الإسلام، وعن الطعام، وعن الطفولة، وعن أشياء كثيرة، وعن النكات التي لا تظن أحدًا يفهمها، تمر الأيام ونذهب في جولة للمتحف، المتحف أجمل بعيون الفنانين، وهي فنانة شغوفة جميلة، والفن يجمع أهله، فكانت سببًا لمحادثة أطول مع زميلة عمل أخرى!

ويأتي رمضان، رمضان الخير، وأطبخ لهم بعض الطعام بوصفات أمي الشهية، طاجن البامية يقرب البعيد ويجلب الحبيب!

تحلقنا حول الطعام، تكلمنا في أشياء عديدة، أخذنا الحديث إلى الإسلاموفوبيا، مائدة طعام يلتف حولها مصرية وعربية وفرنسية وأيرلندية وإنجليزية أصيلة!

الطعام لغة جميلة، والفن أجمل، والضحك يعبر إلى القلب متجاوزًا كل اللغات!

في شهور قليلة، صارت إيمي وبسمة إيمي وكلمات إيمي العربية المتكسرة، وعزف إيمي على الفلوت، وضحكات إيمي المجنونة، ورقصات إيمي العشوائية تضحكنا جميعا، وتدفئ قلوبنا كلنا!

متى قررت الرحيل!

أخبرتنا على استحياء!

شهقنا!

أمس التقينا!

ما بين الخيبة والحزن والغضب والتفهم لحاجتها للرحيل!

لم تستطع التوافق هنا أكثر سوف تعود إلى البلاد البعيدة الباردة! سوف تترك كل الشمس وراءها، وسوف تتركنا بقلوب باردة!

أكتب لها هذا الصباح، أنني لا أقترب من البشر في مدد قصيرة!

لا أحبهم عادة بسهولة

ولا أعطيهم من مساحتي حتى أشاركهم مشاعري بوقت قصير!

كيف اقتربتِ إلى هذا الحد؟ وكيف أشعر أنك أكثر من زميلة عمل؟ أنك أقرب للصديقة، أنك أقرب للأخت!

الغربة تغسلنا من جديد، تفتح عيون قلوبنا، تغيرنا إما لأفضل نسخة منا أو لأسوأها، لكني منذ عرفتك وأنا أشعر بخفة لطيفة، حتى وإن كنت أجلس أمامك في هدوء وأبتسم، سوف أفتقد كلمتك الطفولية عندما أطلب منك شيء! Yes mom!
وسوف أفتقد رقصاتك (العبيطة) عندما تظهرين فجأة أمام باب بيتي تطلبين الدخول وتسمعين إحدى المهرجانات، لا تفهمين كلمة واحدة لكنك تقولين بكل براءة: هل يمكن أن تكتبي اسم الأغنية هنا؟ على سبوتيفاي؟

سوف أذكر دومًا شغف عينيك وانبهارهما بأم كلثوم، وبموسيقي عمر خورشيد، وفي كل مرة سأقول (يالاهوي) سأتذكر كيف أن ال (يالاخوي) منك معبرة أكثر مني ألف مرة!

لا نقول وداعًا، لقد تعاهدنا "فتيات الميزان" على المحاولات الكثيرة للقاء من جديد! حتى أني منذ ليلة كنت في منامي أحزم حقائبي إلى لندن، وأحضر رسالة لكِ أني قادمة!

أصدقاء الصدفة هم الأجمل، أصدقاء الغربة أقرب للروح!

الثلاثاء، 22 يونيو 2021

صراعات تبدأ، وحروب تنتهي!

 عجيب يا أمر الدنيا، لا شيء فيك على حالٍ أبدًا، تلك المرأة التي تتوارى بين البسمات، لا تقترب من معاني الشوق وغيرها، الآن الآن يأخذها شوق إلى مجهول!


عجيب!

كيف يبدأ كل أمر وكيف ينتهي؟ وكيف نعيش في المنتصف؟ وكيف يعتصر أمعائي كل ليلة قلق المناطق الرمادية، وكيف يدور السؤال في رأس متخم بالأفكار .. هل يعي ما بكِ حقًا؟ وهل يقصد تلك الفوضى التي يحدثها؟ تقريبًا كل ليلة!

لا أعرف، حقًا لا أعرف، لا أشعر أني بتلك القوة التي تمكنني من مواجهة الأمر، أكره الرماديات، أحب الأمور الواضحة، سحقني الرمادي فيما قبل، قد أبدو صعبة، لكني فقط منزعجة، قلقة، غاضبة في معظم الوقت!

من في الدنيا يواجه كل الغضب بنوبة نكات وضحك؟ في كل مرة أضحك، أنا لا أحب الشجار ولا أكتم الغضب، مبدأي في الحياة أني سأفرغ كل غضبي على رأسك، اعتذر، صحح لي الخطأ، اكشف لي ما خفي، واعتذر، وسينتهي كل شيء، الغضب والحنق وكل شيء، سوف لن يبقى في صدري غير ابتسامتك الهادئة، وغير كلماتك الغير مرتبة تحاول انتشالي من نوبات الغضب العارمة، وسوف أضحك، وقد أعتذر منك لتسرعي الذي ألام عليه، وقد أتريث في المرة القادمة قبل أن افجر المرفأ وأحرق المراكب! لكنك بالنهاية تجعلني أضحك! في كل مرة أتساءل: كيف أبدأ شجارًا وأنهيه بلا ضحك وسخرية في المنتصف، تأخذنا عن لب العراك؟ وتجعلني أتمنى لو أنك أمامي الآن الآن فأبتسم لك...

كيف يبدأ وراء السلك الشائك فصل جديد للربيع؟ الأرض مرتعبة، كيف تخرج الزهرات منها على كل حال؟ وكيف يرسل الورد رحيقه في الهواء وجذوره تصارع الزلزال؟ بركان قادم وجارف، كيف رغم هذا الهول أبتسم وأشتاق وأهنأ بأغنية هنا ومحادثة هناك؟

أقول أني مجنونة، أعرف أني مجنونة، ألا يحق للمجنونة رؤية خطوط واضحة تطمئن قلبها، أن الأرض بخير، وأن الزلازل ستهدأ، وأنه لا داعي للبركان أن يثور؟ وأنك ستكون هنا كل الوقت، وأنك لن تهرب، ولن تختار نفسك فوق نفسي، ولن تختار امرأة أخرى فوقي، وأنك لن تدير ظهرك لي إذا عصفت الريح، وأنك ب ودًّ شديد وكرم وحب ستتقاسم معي كل شيء الرغيف والمحبة والعواصف والخوف والثقة والحلم والأمل والبكاء، وأنك ستلقي في حجري ما في بطنك، وتتنازل عن غرورك في حضرتي، وتتخلى عن حرصك، وتأخذ لفافة القسوة بعيدًا عن المائدة إلى الخزانة خارج المنزل عند المدخل الخلفي كي لا أراها منك أبدًا ولا أصطدم بها؟ وأتساءل إن كان بإمكان أحدهم أن يعدني بأنه سيلقي النكات دومًا، ويحتمل ذوقي الموسيقي الغريب، الذي قد يبدأ بموتسارت وأم كلثوم وينتهي بأغنية لحسن الأسمر، وينضح بشيء عجيب مثل صوت حسن شاكوش؟ وصراخ ريكو؟ هل سيصمت عندما يغلبني النعاس على الكرسي وأنا أحاول إتمام قراءة رواية طويلة، الموسيقى في الخلفية تحملك إلى سرير مريح، وهل سيغطيني بهدوء ويبتسم دون أن يظن أني عشوائية كوني لم أمارس روتينًا قبل النوم، ولن يتعبرني في الصباح متعجرفة إذ أريد إعداد فطور كما يقول الكتاب، وأصر على تناوله على المائدة بالترتيب الصحيح؟ ثم يتفاجأ أن الغداء عبارة عن شرائح البيتزا أو شطائر اللحم فوق الأريكة نتابع عرضا تليفيزونيا عن الجريمة؟


للحظات في الصباح، لا أعرف لماذا، صديقتي تخبرني أني بالقطع أحبك، تخيلت لو أنك كنت رفقتي في المتحف، سأريك لوحتي المفضلة، سأقول لك أني أريد أن أسرقها، وستخبرني أنه يجب أن أضعها في الصالون، في مقابلة أرفف الكتب، سأرد بأنه يجب أن يكون لهذه الغرفة نافذة تطل على الحديقة، ستقول لي يجب أن تكون النافذة واسعة وزجاجية بإطار بني يشبه كثيرًا اللون الطبيعي للخشب!


هل هذه استراحة محارب يفر فرارًا من نوبات الهلع والخوف؟

هل هذه قصة لتبدأ؟ أو حرب لتنتهي؟

لا شيء يسعف خيالاتي مثل الورق!

السبت، 19 يونيو 2021

صباح لطيف!

 أستيقظ كل يوم وأنا أشتاقك، أنتظر بهدوء وثبات رسائلك اللطيفة، أذهب مع أغنية، مع ذكرى لطيفة، أو أقضيه في تجاهلك تمامًا!


اليوم، لا ينفك الشوق يفتح عيني في الصباح، أتلقى عدة رسائل من أخي وصديقاتي، صباح عادي، لكني شعرت أني أريده لطيفًا!

آخذ دراجتي الطيبة، وأصل إلى المقهى القريب، أشتهي فطورًا منظمًا، يبدأ بالزبدة وينتهي بالقهوة، أشتهي أن أقرأ اليوم شيئًا جديدًا، تحدثني نفسي أن أحمل معي الحاسوب، لكني حملت الماء والكتب ودفتري الجديد ذو الورق البني وبعض الأقلام الملونة.


لحظي السعيد أجد الركن الهاديء الذي أفضله خاليًا، لأول مرة يحضر فطوري سريعًا حتى قبل أن تنتهي الأغنية، وقبل أن أنهي بعض صفحات الكتاب!

تلك الأوقات اللطيفة التي تتابع فيها موسيقى مختلفة، يختار لك التطبيق أغنيات جميلة على غير توقعك، كلمات تنعش سمعك وألحان تربت على قلبك برفق!

في صباح هاديء أشعر بنفسي، أستجمع ما أحب للحظات لطيفة، وجلسة هادئة.


الحمدلله ... أشعر بالامتنان!

الجمعة، 18 يونيو 2021

هل أنت معجب خفي أو لصّ!!!

 مساء الخير عزيزي القاريء من بلاد الواكواك!


من عبر المحيطات والبحار والأنهار والقارات تعبر إلى صفحتي بشكل شبه منتظم، تقلب في كل مقالاتي القديمة بشكل مرعب! حتى أنني بدأت أشك أنك تسرقني بانتظام، أو أنك بلا شك نهم مجنون!!!! 


أتمنى أن يكون هذا وسواسي القهري وفقط!

أو أنك تكون نَـهِمًا لا أكثر !


لكن بحقك، ما الذي يعجبك في هذا الجنون حتى تقرأه بهذا الانتظام؟ 

لا أعرف ما الذي يثيرك في خفقاتي المتتالية، وجنوني المستمر، وعجزي شبه الدائم والمتقطع في ذات الوقت عن القيام بمهام بسيطة حياتية ويومية ولكن لا أستطيع!

وما الذي يجذبك بحق في مقالاتي شديدة القدم! المليئة بالأشواك والدمع!


أنا كاتبة، المفترض ألا أنزعج، لكني الآن إنسانة، تحاول التمسك بأقل وأبسط أسباب الحياة، سأقول لك بهدوء وثبات شديدين، إنني يا عزيزي أو عزيزتي صرت أنزعج من رؤية هذه العناوين القديمة جدا!
صدمات أحاول التعافي منها

وعشق كسر روحي، الآن بدأ النور يشرق، فلا تزيد شروخ قلبي! 

الجمعة، 7 مايو 2021

كيف؟ 2

 كيف أخبرك أن صوتك الذي يشبه النعاس اللذيذ في يقظتك يأخذني؟


وأني استيقظت يومًا لأجد نفسي أشتاق إليه؟

وكيف يسطر المشتاق سطورًا لن يقرأها غيره! وكيف يضع الكلمات بسبيل الصدفة أمامك ولا طريق!

وكيف يكون القلب في جهة والعقل في جهة؟

وكيف نستسلم لتلك القوى المفرطة فنتجه إلى اللامكان لنلتقي!

كيف الخطوط بيننا الآن؟ في هذه اللحظة تحديدًا؟ متوازية تماما إلى اللانهاية؟ أو أنها ستتقاطع مرة عن عمد وقصد! 

كيف لا تعرفني؟ لكني أعرفني وأعرفك

في مئات من المرات تحادثنا، في مرات ينكشف على أطراف لسانك ما تجاهد في إخفاءه، لكنه لم يخف، أنا فقط غضضت الطرف عنه، لا تعري إلا بالرضا، لا سهوا ولا عرضا!

وأكثر ما أعمى أمامه ... أنه قد كان "خطأ"


يغريني العمد .. يشقني إلى داخلي..يشعرني بالحياة..دع المصادفات للحكايا والخيال!

أكثر ما عرفت عن نفسي أني امرأة مقاتلة، أحب المواجهات، أحب أن ألتقي بك بكلّـي، لا أتسلل حولك، ولا آتيك من ظهرك، ولا أنقض عليك من خلاف!

إن كنت حبيبي فأجمل ما قد أهديك لهفتي وشوقي وتسابق خطواتي إليك، عليك أن ترى هذا بوضوح، وعلي أن أهديك حبي بصدق، وتراه جليًّا أمامك واضحًا، معدًّا ومنمقًا لك، يأتيك بكل جماله، بكل عطوره، بكل بهاءه، لا أقطره لك لأنني لا أقع في الحب أنا أسير إليه، ولأنني لا أخون في الحب أنا أثق به وبك، فلماذا لا يتسابق شوقي ولهفتي؟ ولماذا أحجب عنك أنني أحبك .. أحبك أنت؟ وأحجب عن الكون أمرًا لا يحتمل الستر ولا التأجيل!

أن أنظر في عينيك فترى كل تلك الفرحة، وأن تتابع خطواتي فتشعر بكل المرح، وأن أواجهك بمحبتي معناها أن أفتح ذارعي قلبي قبل ذراعي جسدي، أن أحضنك وأنا أعي، لا أن أسكر من النشوة فلا أعمد إليك بل أُسَاق! أنا لا أساق! هل فهمت الآن كيف يغريني العمد؟

لا أعرف إن كنت أخبرتك

كيف أني أحب السماء والفضاء والهواء والنسائم تصفع وجهي لا فقط تتلمسه في الظلام!

كيف أني أحب أن أقترب من الخطر وأنا أربط نفسي بوسائل الأمان، فكأني أقول للموت لماذا لا نتصادق؟

في الألعاب الخطرة التي أخطو نحوها بثبات في مدن الملاهي، منذ صغري، أتقافز نحوها، أقف في الصف بثبات عجيب، أبتسم للعاملين، متحمسة جدا، لأول مرة يرون طفلة متحمسة بجسد ضئيل لألعاب خطيرة، أجلس بجوار غريب أو صديق لا يهم، أنتظر الثواني قبل الانطلاق بفارغ الصبر، أضحك من شدة الحماسة، عضلات وجهي تؤلمني من شدة التبسم، متحمسة، أضرب الأرض بقدمي في قلة صبر، فإذا ما ارتفعنا، يغلق جسدي عيني بفعل فطري لا إرادي، أما أنا فأقول لهما انظرا، ما أجمل شكل الأرض من العلو، ما أجمل الفضاء، أنا الآن عصفورة، أنا الآن أطير بلا أجنحة!

دائما ما يقولون النشوة تجبرك على غلق عينيك! النشوة في النظر، النشوة في أن أقدم على الأشياء وأنا أعيها تماما، وأرتشف المتعة عن آخرها، وأنظر إلى عينيك لآخر لحظة .. حتى ... لا أظن أني سأشبع!

لنعود إلى سؤالنا الأول 

كيف

أنا لا أعرف كيف

كيف التقينا ولا كيف ستتقاطع الطرق

كيف تجافينا ولا كيف تعود المياه إلى مجاريها

كيف يجتاحني الشوق فجأة ولا كيف يأتيني الغضب كإعصار عاصف

كيف يزعجني الشعور بتباطيء خطواتك نحوي، ولا كيف كان يغريني صوتك الناعس على كل حال

كيف تسحقني أنفاسك، أو كيف تشعلني كلماتك بالغضب والثأر

كيف تكون بحرًا فيحيلني الأمر لحورية، أو كيف يتحول مدك إلى جذر فأشعل البركان!


أصلي كل يوم ... لا أعرف كيف المفر ولا كيف تعود الأمور إلى نصابها


الله يعلم

إن يعلم الله فيكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم!


الأحد، 25 أبريل 2021

كيف؟

 لا أعرف كيف -بعد طول جفاء وغربة- يخبر المُـشْتاق أَنَّهُ مشتاقٌ؟

كيف من وراء كل تلك الحجب تتسلل تلك الشعورات لقلوبنا؟ وكيف بعد كل هذا الجفا مازال بالقلب اشتياق؟

أتتبع الصور أحيانًا عَــرَضًا بعين غير مبالية، أقول في نفسي قسوته مرعبة، وانتقامه مخيف!

لم يعد الرجل الذي عرفته، ولا أعرفه، وتعود الذكريات إلى عقلي الصغير المحشو بكل القلق والخوف والصدمات، أتذكر كيف كان لطيفًا وحنونًا، ثم تأتيني لحظات قسوته كالصريخ، كبوق يوم الحشر، كالإعصار والزلازل، كصعقة، كصفعة، ككابوس، فأنتفض، ويلمُّ برأسي صداعٌ وألم!

كنت أعود لرشدي سريعًا، أقول مثل هذا الرجل البعيد ليس لي، ولا يجدر به أن يكون لي، ولا يجدر بي أن أضع له خطًا يقف فوقه في حياتي فما بالك بكرسي وأريكة وفراش ومكتبة وأسطوانات موسيقى وأغانٍ ورقصات ناعمة وجولات ومطبخ ورسومات وضحكات وفسح حول العالم!

أكثر ما جذبني فيه حنوّه الطبيعي بلا تصنع، وأكثر ما يجعلني أفرّ منه - ولو كان مجرد فكرةً في رأسي - قسوته المباغتة!

ثم ....


من حيث لا أدري يجتاحني اشتياق!

إليه، إلى صوته، إلى نكاته السخيفة، إلى ضحكاته العالية الساخرة، إلى تفقده إياي، إلى عينيه التي كنت أتجنبهما بقوة وأباغتهما بذات الثبات!

كيف يباغتنا الاشتياق؟

وكيف نصرح به!

وكيف والحجب مسدولة بيننا؟

وكيف وقلبي لا يأمن الكسر .. فقد تفتفت مرة ومرتين وعشرة!


 كيف -بعد طول جفاء وغربة- يخبر المُـشْتاق أَنَّهُ مشتاقٌ؟

دون أن يعتريه الحياء

دون أن يخشى الصدّ والردّ

كيف!

الاثنين، 1 مارس 2021

 

أنا بهزر معظم الوقت


على السوشيال ميديا


في الشغل


مع أهلي


بس من جوايا مش بيهزر


معتقدش كنت حمل فقد تاني بموت مريد البرغوثي


معتقدش هقدر أكتب قريب


سلام

الثلاثاء، 9 فبراير 2021

البرتقال يدفيء القلب ...

 أحب البرتقال


طعمه ولونه ورائحته وكل ما يخصه ... أتحسسه كالكنز الثمين، وأضمه كحبيبي، وأنتشي بوجوده في البيت كطفلة بحلواها


لكني سأكتب عنه غدًا أو بعد غد!


الآن أنا ذائبة في رائحته التي تملأ قلبي وبيتي

الثلاثاء، 2 فبراير 2021

البسكوت!

 رغم أني بجميع تصنيفات اللغة امرأة راشدة!

إلا أن طعم البسكوت واللبن لم يفارقني! شيء ناعم ولذيذ، أعتقد أنه قد يشبه طعم السحاب، بنفس الطيبة والدفء، حتى لو كان اللبن "الحليب" باردًا!

أعاني أحيانًا من تقلبات مزاجية، وأحيانًا أخرى من التعب، الفراغ الذي لا طاقة لي على ملئه، أقضي هذا الوقت في افضل الهوايات التي تفرغ طاقتي السلبية ولا تستهلك مني التفكير الكثير خارج سياقها المبهر!


اليوم أعاني بعض التعب، اضطراب نوم متعلق بعدم الاستقرار، لا تعرف هل تكمل الطريق الذي أنت فيه أو تلملم ملابسك في حقيبتين وتعود إلى حضن أمك!

اليوم أشتهي شيئًا، قلت لنفسي سأخبز الكعك، لا أستطيع، حسنًا الكيك! "كعك أيضًا باللغة العربية للأسف" لكن لدي بيضة واحدة!

حصلت على وصفة بصفار بيضة....لكني لا أستطيع!

أريد حلوى!

البسكوت حاضر دائما عندي، والحليب، لم لا؟ بعض "الأوريو" وبعض الفتات، والحليب!

لا يفشل المزيج (بأي نوع من البسكويت) في إعادتي لتلك السنوات الأولى عندما كانت أمي تعطيني البسكوت مع الحليب!

لايزال طعم البسكوت عالق في أعمق نقطة في ذاكرتي

أشعر بشيء من الدفء الآن

أشعر ربما بأني مدللة من أمي ... كثيرًا!

أتمنى لو أنها تعرف ذلك! 

الثلاثاء، 26 يناير 2021

يناير

 هل أتجنب الكتابة هذه الأيام؟


على ما يبدو

ربما

يجوز

نعم

نعم أتجنب الكتابة، وأتجنب أن أفيض بما في داخلي، وأتجنب أن أدول في دوامة عميقة وساحقة من عشر سنوات، بكل شيء، تغيرت؟ نعم ومن منا لم يتغير، قبلها كنا، وبعدها صرنا، وبينهما الكثير والكثير والكثير!


هل سأحكي في المستقبل شيئا؟ ربما يقتلني الحنين حد الغضب، حد الصراخ، حد إفراغ ما في صدري على الورق، ما الذي يمنعني الآن؟ لا أعرف، حقا لا أعرف، صدقًا لا أعرف! لكن ما أعرفه حقًا أنني لا أريد أن أتذكر


أو لعلي غير جاهزة بعد للتذكر، للاعتراف، للتقبل، والتعايش مع أكبر هزائمنا التي كانت أفضل أحلامنا يومًا ما!


لكن الأمر عندي لا يقف عند كونه هزيمة، كانت يناير هي أول فرصة أعرف فيها أن الرصاص الذي يخرج في الحياة ليس كما يبدو على الشاشة، لن يرجع للوراء، ولن يقف في منتصف الهواء، ولن يقوم المصاب بعدها معافى، ولن يتحول البطل الذي توارى التراب إلى مزحة ثقيلة الظل، يقوم بعدها عندما يذهب العسكر كل إلى ثكنته بنفض التراب عنه ويقول "غاروا؟"

كل الذين ودعناهم إلى التراب لم يعودوا، وكل الذين سقطوا لم يقوموا بنهاية الثورة ولا بنهاية المشهد!


كان حلما، غير أن دماءه كانت حقيقة، وغير أن خدوشه كانت في أجسادنا، وغير أن أنيابه طالت قلوبنا حقًا لا مجازا!


هي يعود الزمن؟

إذن فلننكره، ولننساه، ولنتجاهله تماما كأننا لسنا هنا!

الاثنين، 18 يناير 2021

شطيرة البيض بطعم أمي!

 باديء ذي بدء، كنت أنوي الحديث عن زبدة اللوز العنيدة، التي تسببت في أن قضيت معظم وقت راحتي في تبديل ملابسي المتسخة بالزيت، ولكن لا بأس، سأؤجل الكلام عنها ليوم آخر!


اليوم وكالعادة لم أستطع جر نفسي من السرير بسهولة، وبالتالي فقدت عادتي الصباحية الجميلة من الغناء وتحضير القهوة وتجهيز شطيرة أو تقطيع فاكهة أو إعداد طبق من الشوفان أو الجرانولا! فصرت أعد لنفسي شطيرة سريعة في استراحة منتصف اليوم التي تقارب الخمس وأربعين دقيقة، أقضي من عشرة إلى خمسة عشر دقيقة ذهابا وإيابا، والباقي بين غرض لي في البيت أو إعداد شطيرة ومشروب يكون غالبا القهوة أو الشاي!

اشتريت من فترة "طاسة" صغيرة تحمل بيضة أو بيضتين على الأكثر، لإنجاز وقت التسخين، ولم أجد بالأمس لبنة كاملة الدسم فاستبدلها لي بمنزوعة الدسم، وافقت مرغمة، واستبدلت الخبز الأسمر أو ذي الحبوب الكاملة بخبز الحليب "مرة من نفسي"، وتمدني أمي دوما بقوالب السمن الفلاحي الشهية التي لا مثيل لها ولا بديل، أضع قطعة السمن فتذوب وتشعل كل جميل من ذكريات وروائح بداخل قلبي، أشعر أن رائحة الطعام الطيبة تولد لدينا قدرة عجيبة على التخطي والإبداع!

أضع البيضة اليتيمة فوقها، بلا ملح أو بهار، وأقرر أن أفرد بعض اللبنة على شطري الخبز، وأضع الملح والفلفل الأسود وبعض الزعتر على قطعة الخبز الأولى وفوقها البيض وأكمل المهمة بالقطعة الثانية!

كافئت نفسي اليوم بشريحة خبز التحلية قبل الطعام، زبدة الفول السوداني والعسل، لا تخذلني أبدًا!

وعندما وصلت إلى العمل، وبدأت تناول شطيرتي اللذيذة، شيء غاص في قلبي! كان طعمها أشبه بالبيض الذي كانت تعده لي جدتي، وتطلب منها أمي أن تضع فوقه قطعة جبن قريش طازجة، وكنت أتذمر كثيرًا لإنني أكره طعم الجبن العذب، بلا ملح! ما الحكمة أن أتناول جبنًا بلا طعم بلا نكهة بلا ملح! لم أكن أفهم طعم الحليب، ولا أميزه، أنا عدوة الحليب منذ صغري، تقام مناحة قبل شربه ومناحة بعد شربه، وتتحايل أمي عليه بالشاي، فأبدأ الشكوى والتذمر لوجود طبقة القشدة على وجه الحليب! أكره الطعم الذي يخلفه الحليب الطازج في فمي بعد الشرب، وأكره إجبار أمي لي أن أنهي كل شيء طعامي وكوب الحليب!

"يا ماما بيعملي يع في بوقي" كان هذا تعبيري، وظل تعبيري تجاه الحليب وتجاه البندق! في مرة من المرات سألني شاب كنت معجبة به جدا:" لماذا لا تحبين الشيكولاتة بالبندق، إنها ألذ أنواع الشيكولاتة"

أنا: لإني لا أحب البندق!

هو: لماذا؟

أنا: عشان بيعملي يع في بوقي!

حقًا لا تعبير ينقذ حلقي من البندق أو الحليب إلا هو!

لماذا تختلف الأشياء عندما نكبر؟

الآن قد أتناول كوبا من الحليب الدافيء بكل رضا قبل النوم حتى يساعدني على التمدد والنوم!

وأحب أن أضيف الجبن القريش إلى صحن البيض إذا حللنا ضيوفًا على بيت جدي البائس بعد رحيله ورحيل جدتي!، وأتلذذ بالعيش الصابح المخبوز الذي لم أكن أستطيع مضغه وأنا صغيرة هاربة إلى الفينو والتوست!

اليوم وأنا أتناول هذه الشطيرة كانت لذيذة بشكل! كانت مثالية، رائعة، كاملة!

كان فيها لذعة الحليب، وطيبة السمن، وحلاوة البيض، والقليل من البهار الذي لم يعكر صفو المزيج! كان الخبز طريًا وفيه طعم الحليب، وكان ممتعًا لإن به رائحة جدتي وطعم جدتي وذكريات أمي!

شطيرة اليوم كانت بطعم أمي، الجبن القريش "نكهته الحليب وفقط" مع البيض والسمن البلدي ...

شطيرة اليوم كانت تحضن قلبي الوحيد هنا! 

يوم آخر لا بأس به على الإطلاق، وفطار آخر سعيد جدا! 

السبت، 16 يناير 2021

كيف تحولك زبدة الفول السوداني إلى سوبر هيرو!

منذ القدم وأنا أحب الفول السوداني، وأحد مفضلاتي الأسواني، صاحب القشرة الهشة والشاحبة، والطعم المالح اللذيذ، لا يخفي حدة نكهته كفول سوداني، ولا يثقل عليك بحلاوته، بل يضيف مسحة الملح التي تربت على قلبك ولسانك فلا تجزع!

أسمع دوما عن زبدة الفول السوداني، نحن مصريون، قلبا وقالبا، لم ننشأ في بيت متأمرك، أو مغترب عن الواقع، لم يكن لدينا أي شغف جديد يجعلنا حتى نطلبها من أمي، لم نشعر أن هناك ما ينقصنا مع قرطاس السوداني!

أمي أيضا تحب الفول السوداني وتحترمه، فكانت متنوعة في شراءه، مرة محمص مع القشرة الخارجية الصفراء الذهبية المدهشة، ومرات أسواني لإننا جميعًا نذوب في عشقه، ومرات مع القشرة الصلبة المقرمشة البرتقالية اللامعة التي لا أعرف حتى الآن مم تتكون لكنها لذيذة أيضا، ومرة مع قشرة هشة مقرمشة من عجين طحين الأرز ومطعمة بالجبنة أو الشطة والليمون أو الطماطم، ومرة فول سوداني محمص وفقط! سادة، بحلاوته المعهودة، وبأقوى درجات نكهته!

عندنا الفول السوداني نفسه، فما السعي وراء الزبدة؟ وهل هي أفضل من الزبدة الجاموسي بلونها الأبيض الصافي الذي يذكرك بطعامة القشدة التي صنع منها؟ بالطبع لا شيء يضاهي الزبدة! أو كما يشاع (السمن).

يأكلها الأمريكان مع المربى، أو العسل، لم يجربوا القشدة الطازجة من فوق الحليب كامل الدسم بخيره من اللبان، أو من البلد! حقًا لم يعرفوا طعامة وحلاوة (من حلو) طعم القشدة وتأثيره بالفم! يغلب المربى ويغلب العسل! هذا المزيج المسئول الأول عن تسمين المصريين والمصريات! ولم يعرفوا طعامة القشدة فوق البسوسة، أو على الكنافة، أو بين طيات الجلاش، أو فوق الرز المعمر، أو ذائبة فوق الأرز الأبيض عندما تريد أمي أن تبرّنا بأرز أبيض لذيذ ولا وقت لديها للأرز المعمر!

لم يجربوا القشدة بدلا من السمن في عمل طبق البيض، أو يضعونها فوق قطعة من الجبن القريش الطازج فتزداد حلاوته، أو يضعونها في الثلاجة فتتماسك قليلا ثم يأكلونها بالملعقة في تلذذ واسع واشتهاء ما بعده اشتهاء!

الأمريكان لم يعرفوا جدتي، ولم يقابلوا جدي ... فاتهم الكثير!

لكني منذ العامين تقريبا محرومة من الرفيق الأهم في أيام اكتئاباتي، المكسرات! وعلى رأسهم الفول السوداني الأسواني الذي أعتبره كحبات اللؤلؤ الأحمر! 

فكان عليّ تعويض هذا الأمر، أخذت العزم والنية وذهبت إلى البقالة (السوبر ماركت) أبحث عن زبدة الفول السوداني لعلي أجد عندها ضالتي المنشودة، وجدتها، نوعًا شهيرًا لماركة معروفة، ولكنه للأسف نوع سوقي (تسويقي بما فيه من المواد الحافظة والزيوت المهدرجة) كان الأكثر بروزًا في المحل، اشتريته، لم يعجبني كثيرًا لكنه كان كجرعة الماء للظميء.

بعدها بشهور، وبرغم عدم ارتياحي، ولإني بدأت وقتها نظامًا غذائيًا يستبعد الزيوت المصنعة، بحثت عن نوع آخر طبيعي تماما لم أجدها بسهولة فاستبعدتها تمامًا، وفي إحدى المرات في بقالة أخرى لم أكن عرفتها من قبل، وجدت ضالتي المنشودة "زبدة الفول السوداني الطبيعية بلا أية إضافات" كانت غالية الثمن مقارنة بالأولى، جازفت بشراءها، لعلي أجد فيها ضالتي .... ووجدتها!

هل "تضمك" هي الكلمة الصحيحة؟ تشعرك بالحميمية والدفء؟ تأخذ من على كتفيك كل ثقيل؟ أفردها على قطعة خبز "توست" وأزينها بخطوط من عسل النحل فنتجلي عن قلبي الهموم شيئًا فشيئًا مع أول لقمة؟ نكهتها القوية بلا تكلف، وطعمها الحلو بلا اصطناع، ولونها الداكن، وشيء من مرارة قشرتها لا يعرفه إلا من تذوق القشر، ولا يكاد يلحظه!

أجرّ اليوم قدميّ بصعوبة، لا أُقبل على الدنيا ولا تُقْـبل عليّ، أفكر ماذا أُعدّ للغداء بعدما حلّ الليل بالفعل، لا أتحمس لأي شيء، أتقلب طوال اليوم على فراشي في حالة يائسة، لا أستطيع النوم، ولا طاقة لي لإنجاز مهمة واحدة، ولا حتى أن أضع ملابسي النظيفة في الخزانة كما العادة! تذكرتها، كنت قد أخرجتها في الصباح من البرّاد، وتكاسلت عن شريحة التحلية التي أكافيء بها نفسي عندما أكون محبطة، كانت حرارة الغرفة قد فعلت فعلتها في السماح لها بالليونة والذوبان، فردت ملعقة على شريحة الخبز، رسمت خطوط العسل فوقها بهدوء، ضممت الشطرين فوق بعضهما حتى لا آكل شريحتي خبز، أتناولها وأنا مثقلة، أذوب شيئا فشيئًا تأتيني الفكرة من حيث لا أدري، أفكر في خبز بعض الكعك حتى يتحلى بيتي بشجاعة الحلوى في إزاحة الهموم The blues وأفكر في صنع المعكرونة بالزبدة والريحان كي أربت على قلبي التائه والمثقل!

كيف تنتهي سحب الهمّ بانتهاء الخبز؟ وكيف تتسلل أفكار الغداء اللذيذة إلى رأسي؟ وكيف أتسمر لدقيقتين ألتهم فيهما زبدة الفول السوداني وأنا أشعر بالعجز، وأنتهي وأنا أشعر بشيء من الطاقة والدماء تسريان في عروقي؟

كيف تحولك زبدة الفول السوداني إلى سوبر هيرو!

خذ ملعقة صغيرة من الزبدة الطبيعية بلا زيوت مهدرجة تثقل قلبك

افردها على قطعة خبز الحبوب الكاملة لإنها لذيذة وصحية

ارسم وجها باسمًا وبعض الخطوط بالعسل الأبيض

يمكنك إضافة بعض حبات الشيا لمزيد من الحب لجسمك

التهمها فورًا ... وأخبرني النتيجة! 

الاثنين، 11 يناير 2021

رز بلبن!

 هذه الدهشة التي تصيبكم حقيقة، اسمحوا لها بالتدفق على مهل وبسهولة!

نعم، أتكلم كثيرًا هذه الأيام عن الطعام، هل عندكم مواضيع ألذ؟


اليوم، في اليوم الثاني الذي أبتلع فيه آلام حيضتي، لا آكل كثيرًا، لا أشتهي الطعام، ولا أفكر فيه

اليوم خطرت لي فكرة، لماذا لا أتناول بعض الأرز بلبن؟

فتحت الخزانة في مطبخي الصغير، وجدت علبتين واحدة من لبن جوز الهند والثانية كريمة جوز الهند، وعندي زيادة على النصف لتر من الحليب، أمر لذيذ ... لم لا ... حقًا لم لا؟


بدأت بتجهيز مكوناتي السحرية!

وبدأت بتجهيز وجبة الغداء، طعام معد مسبقًا ومحفوظ مجمدً، تسخين وتحمير وتجهيز بعض الأرز ..

مكالمة طويلة سريعة لأمي الحبيبة، وعاء فيه الأرز ووعاء فيه اللبن (الحليب)

العام الماضي كانت أول مرة أجرب فيها هذه الحلوى الشهية، لم يكن عندي فانيلا، أو جوز هند، فما كان مني إلا أن أضفت الورد المجفف إلى الحليب، كان طعمه مذهلا بحق! كان رائعا، أعددته بطريقة أمي، ظلت معي على الهاتف خطوة بخطوة، كنت صائمة وقتها، واشتهيته، وقفت من المغرب إلى العشاء أعده على مهل وتؤده، تعبت، ومللت، وقلت لنفسي لماذا لم أختر شيئًا أسهل!! لكن بالنهاية كان طعمه رائعًا بحق، أبهرني أنا شخصيًا وكنت سعيدة بهذا الإنجاز المبين.

اليوم، غمرني ذات الشعور، ذات الاشتهاء إلى رائحة الحلوى، إلى الأرز بلبن الطيب الحنون الذي يضمك ويذكرك بأمك الطيبة!

اليوم، عندي مسحوق الفانيلا، ومازالت أوراق الورد عندي، وعندي لبن جوز الهند، وعندي كريمة، وعندي حليب، أشياء زاكية، وقلب منفتح للمغامرة 😅

اليوم لم أقض كل الوقت في تقليب الأرز، لم أشعر بذات الملل، اختصرت الحرارة باستخدام وعائين، واختصرت مسحوق جوز الهند بالحليب، واختصرت الزبيب بالتوت البري المجفف، ألم أقل أني أعشق التوت؟!

قسمت الوعاء إلى علب صغيرة من قبل أن ينضج وأرفعه، وضعت علبة لزميلة في العمل دعتني إلى بيتها، وعلبة لزميلة أخرى اعتادت مساعدتي ولم أشكرها بما يليق، وصديقتي الجديدة التي اهدتني إياها ٢٠٢٠ ألمانية لطيفة، لا يخيب الألمان ظني أبدًا، سألتها إن كنا سنلتقي اليوم أو غدًا! حسبت حسابها، وحساب صديقي المصري، وحساب صديق لبناني!

فرشت العلب أمامي، ووضعت النشا في المرحلة الأخيرة، ورفعت المعجزة من على النار!

طعمه اليوم عادي، لذيذ وخفيف، أخف من الحليب والقشدة، لكنه عادي، أنا التي تشعر أنه معجزة، لأنني أعده للمرة الثانية فقط! 

رغم أني طبخت الأرز المالح العادي عشرات المرات، إلا أني اليوم شعرت أيضا أنه معجزة!

لإنه كان لذيذًا بدرجة استثنائية، رغم أني لم أستعن بالمرق! كان لذيذًا جدًا!

وزعت الأنصبة، أسميت كل علبة باسم صاحبها، حتى أطباقي سميتها باسمي، ابتسمت لهم جميعا، وأفسحت المجال ل (علي الحجار) في الخلفية وأنا أضيف السكر أن يشدو بكلماته العذبة الحلوة ( اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني وعشان كده مصر يا ولاد حلوة الحلوات) أقول حلواني واضحك، وأقول حلوة الحلوات وأنا أنثر القرفة فوق الوعاء الكبير!


تلك المرأة التي تتقافز في مطبخها بعد يوم عمل عصيب!

تلك الشابة التي تتراقص فجأة مع أغنية بالمزمار الصعيدي وتضحك!

تلك الحنون اللطيفة التي ترص العلب لتوزعها الليلة أو في الصباح الباكر على أصدقاءها!

لكم افتقدت تلك الفتاة! لكم افتقدت ضحكتها التي تشرح القلب، وطيبتها الغير مبالية، وتربيتها على قلوب من حولها بلا حذر وبلا تردد، ترفع سماعة هاتفها وتحادث المصري تسأله بعفويتها التي خشيت عليها الموت " انت فين؟ تعالى" [ليه؟] "عاملة حاجة حلوة تعالى دوق" 

لم أعد أخشى عليها أن يساء فهمها، لقد حميتها العام الماضي بما يكفي، لقد بنيت لها حدودها لن يعبرها أحد إلا وكسرت قدمه، لقد شحذت من أجل عفويتها أسلحتي، وقوّيت من أجل براءتها الساحرة ذراعي، ومرنت لساني على كل كلمة ترد كيد الكائد في حلقه!

لبست ثوب الشجاعة الذي لم أعهد، وعرفت قناع الجمود الذي أكره، وأسلمت لحاسة الشم التي تكشف الكاذبين، وأخذت بسوء نيتي كي تتمتع هي بحسن نيتها وطيبتها وسذاجة قلبها الصغير!

أنظر لتلك المرحة في بيتي وكأنها امرأة أخرى، ليست أنا، امرأة اعتادت أن تكون بحريتها هكذا، حتى طُعنت من ظهرها وأوشكت على الوفاة، خمسة أعوام أعيد بناء نفسي وبناءها، خمسة أعوام أتيه في قلبي وأبحث عن قلبها، خمسة أعوام فقدت فيها كل الأمل وكل الثقة وكل أسباب النجاة، خمسة أعوام وأقف الآن لا أصدق أنني نجوت، وأنها نجت، وأنها أعدت اليوم ال "رز بلبن" بقلب مليء بالحب بلا ندم، بلا حزن، بلا ماضٍ بلا كراهية، بلا نظرة للوراء....


مقادير الرز بلبن:

علبة لبن جوز هند

علبة كريمة

0.75 ml حليب بلا دسم

نصف كوب من الأرز المصري الجميل

سكر حسب الحاجة

فانيلا

رشة قرفة (اختياري)

أوراق الورد أو ماء الورد (اختياري)

حفنة من التوت البري المجفف

ملعقة كبيرة نشا + نصف كوب ماء بارد

ضع أغانٍ مصرية جميلة، استمع وارقص بينما تستمر في الإضافة والتقليب ❤️

اسلق الأرز في حوالي كوبين من الماء ثم أضف اللبن المغلي، استمر في التقليب حتى ينضج الأرز، "أضف السكر والفانيلا ورشة القرفة، أضف أوراق الورد أو يمكن اختصار تلك الخطوة للنهاية" إذا لم يكن المزيج متماسكا كفاية أضف ملعقة النشا إلى الماء وتأكد من كلية الذوبان ثم اضفها إلى الخليط، استمر بالتقليب حتى تتماسك قليلا، اطفيء النار وهنا يمكنك إضافة السكر والفانيلا!

ضع حفنة التوت في قلب الأرز!

أو .. ضع النصف واستخدم النصف الآخر بالتزيين.

بالهنا والشفا 😌

الأحد، 10 يناير 2021

المربى والعسل!

 أقول دائما أني شخص "مالح" أحب الملح، أعشق الجبن المصري القديم، أتناول الجبن "البراميلي" مع البطيخ بتلذذ شديد، أشتهيه أيضا مع "الكورواسون بالزبدة" أشعر أني سلطانة زماني عندما أتذوق طعاما بسيطا وممتعا مثل هذا!


لكني تغيرت!

مدهش :)

أمر مدهش أن يتغير المرء، أن يصبح صورة أخرى تتيح له التجربة الأوسع، أمر مدهش أن ألاحظ هذا التغير وأعيشه وأتمتع به، أشعر كأني طفلة نفسي الوحيدة، أهدهدها وأربيها على مهل، كأننا نكتشف العالم من جديد، وأكتشفها، وأسعد بكل تلك الامور التي كانت مخبأة!

منذ زمن وأنا أحب المربى، لا أحب السكريات كثيرًا، لكني أحب رائحة الحلوى، أشعر بأن البيت بيت حينما أخبز فيه، وحينما يحترق السكر عن رائحة النعيم!

في أيام الكورونا الأولى، بدأت هوايتي التي فقدتها لسنوات، أن أصنع المربى في البيت، أتمتع بقطع الفاكهة الشهية، أغذي عيوني بلونها الزاهي في القدر تهتز وتفور وتذوب وتسستسلم للعسل والسكر، وتخرج عصارة قلبها في رائحة تملأ البيت حياة وسعادة، وفي لون يترك أثره في عين قلبك!

أعشق التوت والفراولة وفصائلهم، والعنب أيضًا، صنعت مربى التوت ومربى الفراولة، انتصار عظيم أن أضعهم بداخل "البرطمان" الزجاجي الشفاف، أو علبة زجاجية تعكس هذه النشوة المعلبة!


عندما انتقلت إلى بيتي الصغير هنا، كنت أشتري الكثير من التوابل، ومازلت، كثير من أوراق الورد، هل جربت طعم الورد مع الحلوى؟ هل وضعت بعض وريقاته مع الشاي؟ هل صنعت شاي البابونج والقرنفل؟ الروائح التي تسحر قلبي، وتأخذ عقلي، أجرب الأشياء وأستمتع بها، أذوب فيها، ونتدرج في المعرفة حتى تصير صداقة بيني وبينهم!

عندما أقف لأصنع بعض الحلوى، أو أطبخ الطعام، أو يأخذني الشوق إلى خبز الكعك، أشعر أن حوارًا سريًا يدور بيني وبين مكوناتي، أكلمهم طوال الوقت، أشهر أن التوابل تعطيني ما أريد تمامًا، يجذبني الكركم تارة ويقول أزيدي، ويدفعني تارة ويقول كفى!


منذ عدة أيام طلبت من اخي بعض أغراض البيت لإني كنت في عزل صحي لدواعي السفر، اشترى لي برطمانًا زجاجيا جديدا يليق بعسل النحل الصافي، أو لعله يليق بأرجوانية مربى التوت!

عندما كنت في وطني، كان موسم الفراولة الشتوية، اشتهيتها، كانت لذيذة مسكرة، وكانت الجوافة فواحة، قلت لأمي أشتهى أن أصنع المربى بتلك الفراولة الطازجة بدلا من المجمدة التي أشتريها في الغربة!

حملت معي كيسًا من الجوافة، صديقتي تسخر مني، "تحملين الطعام في السفر؟" "هل خربت البلاد التي ترحلين إليها من كل أنواع الطعام والفاكهة؟"

أقول دائمًا: فاكهة بلادي غير، الطعام في بلدي غير، اللحوم في بلدي غير! لو أني أستطيع لحملت الكثير معي، لكني جربت الجوافة، لا طعمة ولا رائحة! وجربت المانجو لا طعمة ولا رائحة! حتى تلك المعلن عنها أنها من بلدي!

أشم رائحة الجوافة فأشتهى المربى! حبات معدودات كيف يصنعن المربى سيدتي الجميلة؟ 

أرى الفراولة فأشتهي المربى، من أين لي فراولة بلادي اللذيذة؟!


لعلي غدا، لعلي بعد غد، أتشجع قليلًا وأقف في مطبخي الصغير، أصنع المربى، وأضعها في الجرة الزجاجية الشفافة، فكلمها نظرت إليها، تذكرت أن في هذه الحياة الكثير من المربى، والكثير من العسل ❤️

هذا النعيم ...

 منذ سنوات أبحث عن شيء


أدور في دوائر متشابكة

دائما تبدو لي النوايا الطيبة هي الأقرب إلى القلب، وهي الأولى بالتصديق

الحياة ليست هكذا 

البشر ليسوا هكذا

لكن الله هنا!

يمر المرء بنيران الشك بحثًا عن جنة اليقين، فإذا ما وصل وجد الماء ماءًا لأول مرة!

ووجد النعيم مقيمًا لأول مرة!

ووجد الله هناك ... للمرة اللامعدودة، وللمرة اللامحدودة!

أدور في دوائر متداخلة

أبحث عنه وأبحث عن نفسي

من أنا ومن هو؟ وهل يراني كما أراني أو يراني شيئًا مختلفًا وغرضًا حقيرًا!

الكون عظيم ... كوكب الأرض باتساعه، وفضاءه المحيط، وقمره التابع، حقير جدا إذا ما قورن بتلك المجرات، واللامكتشفات المتوقع لها أن تكون أعظم مما عرفه الإنسان .. وأنا؟ بالنسبة للكون أقل من ذرة رمل وحبة ملح ذائبة في المحيط

كيف يراني؟

كان السؤال الأهم .. كيف أراه؟ وكيف أرى نفسي!

أدور في دوائر لا متناهية

أبحث عن كل إجابة وأتساءل في كل لحظة، أمر بعثرات من البشر، أُخدع وأُصدم وأتعثر، أسقط على الأرض، أجلس، أقعد، أبكي، أذوب فلا يكون لي ظل ولا خطو! ثم يبعث في الروح، فأقف من جديد وأعود للبحث، وأتعثر من جديد وأذوب وأتلاشي، وأتبعثر، وفي كل مرة يد الله تصلح كل شيء!

عندما أتعب أتساءل هل كان يمكن أن يكون الأمر أيسر؟ تيسر على غيري.. ثم أسأل هل حقا تيسر؟ وهل حقا من أظنه قد وصل .. وصل؟

أنظر اليوم إلى الوراء ... إلى كل الدوائر التي تهت فيها، إلى كل العثرات التي بعثرتني وتلاشيت فيها، إلى الحريق الذي أذابني، وإلى الزلازل التي ضرب فؤادي فتساقط كدرر العقد روحًا وراء أخرى!

رحلة شاقة جدا، جدا، لكنها ممتعة، ما كنت أصل اليوم إلى أولى علامات الإرشاد التي تنبيء قلبي بالنعيم الموعود، قلب مرتجف ووحيد لكنه آنس! قلب مرتعب لكنه مستسلم، قلب تعب لكنه راضٍ وكثيرًا سعيد!

أنظر إلى الوراء، أقول الحمدلله في كل نفس، الحمدلله على كل نفس، الحمدلله على عثراتي، على النيران التي صهرتني، على كل التمزق الذي أنشأني نشأة أخرى!

أنظر إلى الوراء، إلى الفتاة الغضة الطرية، إلى الزهرة الجميلة البريئة والبرية، إلى عفويتها وجمالها وبراءتها، كنت بالأمس القريب أبكيها، أقول ما كان لها كل ما حدث! لم تكن لتنجو، أنظر إلى المرأة التي هي أمامي في المرآة، أعشقها، أوقرها، وأحترمها، أقول للطفلة التي خلفتها ورائي صارخة تنحب كل أمرها، مسكينة، لو حقًا تصبر! سترى!


كيف الله يرى؟

كيف في كل تلك الأمور مد يده وحده بكل العون وكل المحبة وكل النعيم!

الحمدلله ... كنت سامعني يارب؟ كنت شايف قلبي؟ كنت حاسس بيا؟ 

أبحث عنك ... وأبحث عني، أتعثر في طريقك، وأتعثر في ظلي، لكني بعد كل تلك السنوات أعرف كيف تراني وأتمنى لو أنك تراني بأرحم وأحن وأرأف مما أظن!

في تلك البقعة من الفكر، تدرك أن الله هو الله، يحبك حيث تغتال نفسك، ويرحمك حيث تجلدها، ويراك حيث لا تعرف من هي!

أنظر إلى محنة الأمس ومنحة اليوم، أذوب يا مولاي وسيدي .... في كل أمر كنت في مفارقه وتثني لي الطريق التي أظنها الأصعب، ولكنها كانت الأأمن، والأفضل!

أتساءل، لماذا كل تلك العناية؟

أشكر ربي على كل الضعف الذي أصابني، الضعف يستجلب رحمة القوي

أشكره على النيران التي اشتعلت بقلبي

ما بين القهر

ما بين الخوف

ما بين الفقد

ما بين التيه

ما بين الألم

ما بين المرض

ما بين أشياء كثيرة ثقيلة!

لم يكن قلبي ليعرف ما بإمكانه أن يعرف أو يفعل!

كل يوم هو في شأن سبحانه، وكل يوم نحن في نعمة منه سبحانه

أنظر للأمس بالتبسم، أنظر لليوم بالحمد والثناء والرضا التام، أنظر للغد بكثير من الرجاء


يا صاحب الملكوت ... يا صاحب الملكوت ❤️



*ملحوظة: أنا معرفش أكتر من الوقعة والطبطبة! حقيقي معرفش كتير ويمكن معرفش خالص، كل اللي أعرفه إن ربنا كان دايما هنا، ومازال والأكيد هيفضل، أعرف إن كل أمر صعب ربنا عداه، وكل طلب ربنا يسره باللي فيه صالحي، وكل ألم ربنا عرفني خلال شقوق الروح والقلب نور، أنا مش بعمل كويس في حياتي، أنا مش بصلي كويس، وطول الوقت مقصرة، وكل يوم بخاف أموت، وبخاف ملحقش أعمل كويس قبل ما أموت، وبخاف أفكر في فكرة إني أقابله، أحسن حد يقرا الكلام ده ويفتكر إني ياما هنا ولا حاجة، بالعكس ربنا بيسترني كتير، وبقول ربنا يفضل بيسترني يارب، ومعنديش أي سبب أقوله لنفسي "هو ليه ربنا بيعمل معايا كده؟ رغم كل اللي بعمله ده ؟" غير إن ربنا هو ربنا، هو مش أنا، وهو مش البشر، بس ربنا أكتر واحد وثقت فيه ومخذلنيش، وأكتر واحد وقف معايا ومسابنيش في النص، وأكتر واحد بيحبني بحالي، بيحبني بجد، بيحبني زي ما أنا كده، بيحبني حتى لو معرفتش أكون صالحة وكويسة ١٠٠٪ يمكن ربنا بيحبنا عشان إحنا ضعيفين وعبط وبنخاف بسرعة؟ يمكن بيلطف بينا عشان هو اللي قدر الوجع وعارف اد ايه بيوجع؟ يمكن بيدينا عشان من كرمه بيحب يشوفنا مبسوطين؟ يمكن كل ده، بس الأكيد إني رغم كل نوبات الشك اللي أصابتني في يوم من الأيام، مكنش فيه أجمل ولا أحلى من لما عرفت حقيقة إنه هنا، وإنه تحديدا سامعني، سامعني أنا .. التافهة الهلفوتة القصيرة الصغيرة دي، سامع كل الهبل اللي بتقوله، سامعه وعارفه وبيرد عليه ومبيغضبش (ويارب أبدا ما تغضبش) منه أو مني! مفيش أوسع من ربنا، ولا من رحمته، ولا من محبته، كل يوم كل ثانية فيه لطف كبير ورزق ونعمة وود، حتى وأنا مبصليش حلو وحتى وأنا ملهية وغافلة، دول كلمتين كده عشان القوالب بس والصور ..