الثلاثاء، 21 سبتمبر 2021

شريدين وكوبا من القهوة!

 إلى أي حد قد يفتك الخوف بأحدهم؟ 

لا أعرف الحد، لكني أعرف جيدًا أنه قد يفقد الناس عقولهم، يجعلهم يعمون عن المنطق الصارخ كالشمس، يتخبطون في نهار العالم وظلمات أنفسهم، ينفخون في العصائر ولا يقربون الشوربة رغم برودة الجو، ورغم تجمد أطرافهم!

البعض يصاب بالخوف بسبب الحب العميق الذي كان صرحا من خيال فهوى!

والبعض يصاب بالهلع من مجرد الفكرة!


وهما؟

كان شريدين، أصابهما الخوف على غرة وغفلة، مغتربان يبحثان عن رائحة الوطن، في كلمة، في لكنة، في طعام..

شريدين، يجمعهما الكتاب، وترفق بهما الموسيقى، يقتربان بشدة كأنهما خلقا معًا، ويضطربان فجأة كأنهما غريبين تمامًا!

ماذا يفعل الخوف في البشر؟

يغضبان، لا أحد يصرح بغضبه، الغضب نتاج الخوف، لا أحد يصرح بخوفه أيضًا!

يسيران بخطوات متباطئة، متكاسلة ربما، لكن أجسادهما تتجاذب بشكل عجيب، يود كل منهما لو يمد أطراف أنامله إلى يد الآخر فيطمئن، يود كلاهما أن يطمئن، يعيش الاثنين بين الثقة الكبيرة والخوف الأكبر، الخوف والثقة لا يجتمعان، الخوف والحب لا يقتربان!

رائحة عطرها تغمره، تجذبه، تأسره، بطرف عينه يتلصص النظر إليها بشفقة كبيرة، وبكل عينيها تنظر إليه بأملٍ أكبر!

ماذا عسى الأمل يفعل بكل الهلع الذي يسكن ضلوعهما؟

يلفهما الحب، حاضرًا بقوة، ويجتنفهما الخوف، كأنه ملابسهما، كأنه النسيم، كأنه عبق الكتب التي يتبادلانها، كأنه الوتر الحزين في الكمان، واللحن الهارب من الناي، صوت الناي كنعق الغربان، مخيف، منذر بشيء جلل!

لماذا في كل مرة تنعقد الكلمات المرادة على الشفاه، وينساب الغضب؟ كأنهما يخافان ألا يكون الآخر هو هو، أو هي هي، يخافان الفرقة، ويرتعبان من اللقاء، و"ماذا لو" تزيد مرارة القهوة!

صحيح

القهوة!

شيء وحيد جعلهما يبتسمان بأريحية، يكملان تسكعهما بحديث له أطراف للتبادل، رائحة القهوة، هي تخلط الهيل، وهو يحب الورد، هي تكره البندق، وهو يفضل الحبوب الغامقة، هي تمسح على وجه القهوة بلمحة سكر، هو لا يمانع الشيكولاتة الداكنة، هي تفضل لمس الأشياء أولا، هو يفضل تذوقها، هو يشربها مضبوطة، هي تشربها قوية، هو يشربها بلا إضافات، هي تفضل الحليب، هو يشربها لبنانية، هي مازالت تشتري مخزونها من محمصة البن المفضلة في الوطن البعيد، وكلاهما ينصاع لرأي الآخر، وكلاهما يجرب ما قال الآخر، بحب عمق من الداخل، بضجر وسخط وسخرية من الخارج.... كيف ينتهي رائعان كشريدين جدًا مع كوب من القهوة؟ .... 


أن يخافا الاقتراب، ويخشيا البعد!