السبت، 27 فبراير 2016

11- ناري !

استيقظت في الصباح ، لا تلوي على أحد ولا شيء، قد صادقت هؤلاء الغريبي الأطوار منذ فترة، تطل من بعيد وهي تحمل علب المربى، أو يلوحون لها وهي تطل خلف صناديق الفاكهة.

سمعتها الطيبة في صناعة الحلوى تسري كالنار في الهشيم ، يتكلم معها صاحب المتجر القريب لو أنها تعلّم بعض الطلاب ذات الطريقة المميزة ؟

يتوسط لسيدة لديها فصول حرة في تعليم بعض الفنون، الرسم ، الطبخ، التطريزات اليدوية، والنقش على الأحجار والزجاج، وكلما لاح لهم فنّ يتعلمونه افتتحت تلك السيدة فصلاً جديداً، يضم المراهقين والسيدات والشباب والعجائز الذي أحيلوا للتقاعد ولديهم الوقت الكافي للتعلم أو المساعدة .

بعد إلحاح، تقبل دعوة صديقها الصغير الذي كان يساعدها في نقل كل شيء، يقف برجولته المعتادة " سوف أقلك وأعيدك للبيت كل يوم في سلام، صدقيني معاملة الكبار جميلة أيضا مثل المرح مع الصغار، وإن ضايقك أحدهم سوف أخلع رأسه عن كتفيه!"

تبتسم، تربت على كتفه، تخبره أنها ستفكر جدياً في الأمر، ثم تقبل في اليوم التالي وتبدأ !

عندما تبث معرفة قلبك إلى أحدهم، أنت تخرجها من قلبك إلى قلبه، أن تنقلها له عبر موجات متناغمة من الحب، كأنك تنقش على جدران قلبه نقشاً جميلا من خيوط قلبك وحبك!

عندما يدخل الأمر الشغف، يصبح الرسم والموسيقى مثل سيمفونية متناغمة، وتصبح أنت مثل البجعة الكبرى التي تستبد باللحن في رقصتها الساحرة، ويصبح كل الكون، كل الكون، راقص ثانوي يستجيب لنغماتك وترددات حركتك المبهرة.

وقد كانت، راقصة محترفة، كفراشة ترقص فوق الزهر، تتنقل من وردة إلى أخرى، من فتاة إلى شاب، ومن مراهق إلى عجوز، تنقش وترقص وتعزف، وتتمايل مثل غصن غضّ، لم ير الخريف في عمره!

تتصبب عرقاً، تبهجها نجاحاتهم الصغيرة، إطرائهم لما صنعوه وتعلموه، تفرح، ترقص، تطير، تدور حولهم كالنحلة الأم، والحارسة، والمعلمة، وتجلس لثواني كالملكة، يعرضون عليها ما صنعوه، إن الصبي محق، من الممكن للكبار أن يحملوا البهجة كالأطفال إن فتحوا للأمر قلوبهم الصغيرة، فقط قلوبهم !

تدق الساعة الرابعة والنصف، تحمل حقيبتها وتودعهم وتنطلق، وملاكها الحارس يعدو معها أو خلفها أو أمامها، لا يدعها حتى باب المنزل، كانت تمسح على رأسه مودعة، أما الآن فصارت تطبع قبلة على رأسه، وصار ينحني لها كالأمراء :)

كل يوم، كانت حريصة أن تشهد الغروب في شرفة منزلها، كانت تحب المنظر، وكانت تحافظ على طقوسها جدا!

فنجان القهوة، وكتاب جديد، ودفتر صغير بدأت تدون فيه فكاهات اليوم، وتعدّ لنفسها قائمة بما طلب طلابها أن يتعلموا، أو بما تريد هي أن تعلمه لهم!

لأول مرة تبتسم، تدرك أن الكون فسيح حقاً خارج ملكوته،

ألا تشتاق؟ بلى، تشتاق بالطبع، لكن قلبها أقفل أبوابه دونه!

ماذا قلنا؟
" إن المرأة العاشقة إن أدارت قلبها لا تعود.....لا تعود"

وهي أدركت أنها أدارت قلبها، لا نية لديها في الحب مجدداً، ولا الانفصال، أتدرون هؤلاء الذين تعايشوا مع الألم؟ حتى وكأنه جزء منهم؟ أو أنهم صاروا يستلذون به؟ هي صارت أشبه لهؤلاء، لكنها زهدت في الحب والفرح ببساطة شديدة، وتعودت هذه الوحدة، وهذا الألم، لقد صارت لا تغار، أجل، صارت لا تغار إن رأته مصادفة يسير بصحبة امرأة أخرى، لا تناقش الأمر، ولا تسأل، ولا تشغل رأسها بأن تعرف من تلك السيدة، زميلة عمل أم صديقة قديمة، أو حب جديد، صارت تعامله كأنه ليس هنا، كيوم من أيام حياتها عاشته وتبقت منه بعض الآثار والذكريات الغبرة، لا تهتم بأن تنظفها، ولا تجتر أية ذكرى معه.

كانت تحمل له أشياء كثيرة، أنفقتها كلها كلها في الصبر، كان عليها أن تدفع ثمن الصبر، ثمن أن تحتمله ولا تهجره سريعاً، كانت تنتظر أن يحمله الحب إليها، أن يحمله الشوق إليها، أن يحمله أي شيء من صندوقها إليها، ارتعاشة صوت أو ثورة عطر، لكنه لم يجيء، فكانت تخرج كل يوم ذكرى جديدة، تتأملها، تبتسم، تبكي، تنتظر، تموت الذكرى فتخرج أخرى، لكنه لم يكن يعلم أن الصندوق سيفرغ عن قريب!

ليلة أمس،

أحضر كل شيء محبب لقلبها، أشعل الشمعات، الورد، اللافندر تحديداً، ويا للهول كان من بين الورد بضع زهرات من توليب!! زهرتها المفضلة، الشوكولا، الطعام الشهي من مطعمها المفضل، لقد ذهب لأطراف المدينة قرب العاصمة كي يحضر لها طبقها المفضل، تستطيع تمييز رائحته من الفرن، الورد مرصوص تماماً كما تحب، والشمعات ترقص في فرح حزين، كأن الشمعات تعلم تلك النهاية، الشوكولا الداكنة من مفضلتها، أشياء كانت تجعلها لا تبتسم فقط ولكن تترنم فرحاً وتتراقص حتى تصل إلى ذراعيه فيحملها ويدور حول المائدة في صخب طفولي عذب!

تنظر للأمر بسخرية، اليوم كان طويل حقاً، أحتاج للنوم!

تلحظ أنه في الحمام الكبير الملحق بغرفة النوم الرئيسية، تدخل غرفتها بهدوء، تحمل ملابس نظيفة، تخرج للحمام الصغير المخصص للضيوف، تستحم، تبكي تحت المرش، وتبكي وتبكي وتبكي، هي فقدت ذاك الشعور بأنها تريد أن ترتمي بحضنه وتقص عليه أخبار يومها، متى ستظل في هذا الأسر؟ لا تعرف، كيف سيشعر حيال سخطها؟ لا تعرف، كيف ستتصرف تجاه مودته الزائدة جدا، والمتأخرة جدا جدا جدا؟

تنتهي، تخرج مشعثة الرأس لا تقوى على تصفيف شعرها الذي تخلصت من طوله، وأعادت صبغه بالكستنائي الدافيء، صار مائلا إلى لون البندق، هذا اللون يريحها، ارتدت ثوبا مريحاً بعد يوم مزدحم، كان هو قد خرج من الغرفة هرولة إلى المطبخ، دخلت في هدوء وتمددت على السرير في تعب، لم تضيء القناديل، يكفي اشتعال قلبها بالألم كي ينير لها أي ظلمة قادمة!

نامت!

خرج من المطبخ إلى المائدة، أعدها على أكمل وجه، لا حظ حذاءها في الممر، عرف بوجودها، الساعة تعدت السابعة مساء، هرع إلى الشرفة، إلى غرفة نومها، وجدها مسجاة على السرير بلا غطاء، كأنها فاقدة للوعي لا نائمة، اقترب منها تلاحقه أنفاسه، مسح على رأسها، وحاول أن يحملها ويعدل وضعها على السرير، فتحت عينيها فرأته، وكأنما لم ترى شيئا، بطرف ابتسامة ساخرة أزاحت يده عنها، أمسكت الغطاء، أدارت وجهها وجسدها، وأكملت هذا الكابوس في سلام!

اشتعل ...... كاد يصرخ في وجهها، خرج مذموماً مثل خروج آدم من الجنة، كاد يصفع الباب ولكنه تذكر أنها نائمة، خرج يهيم على وجهه، كسر المزهرية الجميلة، مزق كالأطفال الورد،  جلس بجانبه ثم بكى!

يتشعل وينطفيء، احمرت وجنتاه وشفتيه، أخرج زجاجة ضخمة من الماء المثلج وصبها فوق رأسه لعله يفيق!

أقسم أن يقتلها، أن يجعلها تندم على سخريتها منه وإهانتها له، أسقط الزجاجة من يده وبكى، كالأطفال بكى !

الخميس، 25 فبراير 2016

١١- قمحية !

تميل بجزعها عليه بهدوء، تعدل شكل دائرة العجين، تقول برفق له " كلا يا عزيزي ليس هكذا بل أدرها بهذا الشكل لتصبح ناعمة الأطراف ومتناسقة"
يميل برأسه للوراء ثم يعود ليرى التعديل الذي وضعته لها، كطفل تعلمه أمه أصول الكتابة والخط، نظر لها متعجباً، كيف لتلك الملائكية أن تتشح بنظرة مكسورة في عينيها؟
يعرفها لأنه رجل خبير بأمور النساء، شيخ فوق الستين من عمره، قضاها بين ربوع الأرض يتنقل، شعره الرمادي يعطيه وسامة وجاذبية خاصة فوق جماله الطبيعي، ورقة قلبه ومرحه يجعلانه المفضل لكل طلاب الفصل من كل الأعمار.

فستانها الحنطي يميل مع بشرتها البيضاء، يضفي ضيّاً أخر لوجهها الذي ينيره الكستنائي بالضدّ، فإن الضدّ للضدّ أبين، تحب الكستنائي هذا، يشعرها بالدفء، بالوطن، أي وطن؟ لا تعرف لكنها تشعر بأنه لون الوطن!
حزام يلف خاصرتها بلون النبيذ الصارخ، ويتأرجح معها جيئة وذهاباً، تنورة الفستان واسعة قليلاً، تعطيها شكل دائري يظهر خصرها المنمنم، خاصة عندما يتشاكس لون النبيذ ويوسفي التنورة!

هذا الشاب هناك، يتابع حركاتها باهتمام، بحاول إتقان كل شيء تقوله أو تصنعه ولو لمرة واحدة، يتابع مرحها الرقيق وهدوءها المفاجيء وثورتها المجنونة، وحزنها الخلاب !

نعم، قد يصبح يوماً للحزن بريق آخر، بريق يفهمه من أنهكته الحياة، لربما طلَّ هذا البريق من إعجاب الشيخ بها، برى فيها كبرى بناته التي تركها في بلاد بعيدة ليستقر هو بأرض الوطن بعد طول اغتراب، رجل يميل إلى طباع اللاطبع، قد استقى من كل المناهل ، وعايش كل الثقافات المتضاربة، حتى صار ليناً جداً وسهلاً جداً، ولا يلوي على شيء! فقط يضحك ويغامر ويقامر ويبتسم لتلك الحياة التي لم يتبق فيها أي شيء له سوى المرح!

رغم انكسار النور في عينها، لا تتوقف عن السخرية من ذاك الوسيم، تعايره يوماً بحزن يلوح في سماء عينيه، " هل هجرتك حبيبتك؟" ينظر لها بلامبالاة ممزوجة بشيء من غضب وهدوء شديد، يعود لطبق الحلوى الذي يحاول تعلمه منذ أسبوع آملاً في أن يخرجه على أكمل وجه اليوم، تلاحظ هي انطفاءة حماسته، لا تفيد السخرية في إخراجه من شروده الذي لا يؤثر على حركة يديه المنتظمتين، تقترب، كلا يا عزيزي، لا تكثر من الطحين، هذا قد يجعلها صلبة مثل المرة الفائتة هل تذكر..." قاطعها: " نعم أنت محقة، انتظري" ، يصلح ما أفسده بملعقة أخرى من اللبن الحامض، قليل من السكر، ورشة من جوز الهند...

يشعر أن تلك الأم التي داعبت خصلات الشيخ كإنه وليدها البكر، ترعاه هو الآخر، تدب فيه الحياة من جديد، يفرغ ما قد خبزه في قالب حلوى، يضعه في الفرن وينتظر بشوق، بينما تنشغل هل مع مراهقة في الخامسة عشر من عمرها تحاول تعلم المربى، يعد هو طبق التقديم، يعد القشدة الحامضة التي تحبها هي مع الحلوى عالية السكر، بعض الكرز، أو بعض حبات العنب الأحمر، أم التوت البري؟

الرائحة تتصاعد، ويفور معها حماسه الشديد، يراقب الحلوى في الفرن، ويتعالى زهوه، لقد فعلتها، سوف ترون .

بنظرة معلمة تدرك نجاح الصغار ابتسمت، قالت: " لعلها كذلك تلك المرة" غمزت له بعينها، وتابعت مع الفتاة الصغيرة، أما الشيخ فكان مازلت يلعب بعجين الفطائر المالحة كما الأطفال، يشكل منها وردات صغيرة للآنسة، وفراشات للفتاة، وشارب كثّ لهذا الأرعن كما يناديه، ويطلب من أحد الصغار أن يقترح شكلاً للصبية الذين يلعبون في الخارج بينما أمهاتهن يتعلمن بعض الفنون هناك في الجوار !

يخرج حلواه الشهية، يزينها بطبقة سميكة من القشدة، يرش فوقها بعض الفواكه المجففة، يتبختر كالطاووس فرحاً وجمالاً، يقترب منها ويميل بحركة استعراضية، " حبيبتي !" تضحك وهي تتناول قطعة تذوب في فمها لقد أتقنها حقاً! "لست حبيبتك " وتستدير بحركة أشبه للإعتراض، يبتسم ويرفع صوته قليلاً " على الأقل أحاول "

يتنمر عليه الشيخ، يقترب من قالب الحلوى ساخراً، أعطني هذا أيها الأرعن، لا تحسن شيء، ينشغلان بالتذوق وإبداء الآراء والنقار ، مثل مشاكسات الديكة، يتشاكسان يومياً، ثم يعودان في لحظة مفاجئة لهمهمة جانبية كأن بينهما سرٌ عميق!

اعتاد الأبله ذهابها منذ الصباح الباكر حتى مغيب الشمس، لا أحد يقف بوجه امرأة إن أرادت الرحيل إلى نفسها، لا أحد يسرقها من عذوبة أفكارها الناعمة، إن نهشتها أظفاره يوماً، فلا يلومنَّ إلا نفسه!


الأحد، 21 فبراير 2016

لا شيء يضمك مثل الورق :)

أحب الورق

أحبه جداً بجنون:) ، كل عبثياتي السوداء والوردية فوق الورق، أو همسات في آذان الأحبة :)

فوق الورق أبعثر جنوني وترهاتي، أفكاري المجنونة والأمل المنبثق من بين ضلوع الألم العتيد، الحب وال... ما أظنه كراهية!

الورق يحوي فكرنا وعبثنا وروحنا، لهذا أنا من المجانين الذين يملأون خزائنهم بقصاصات الورق :) لهذا أحب الرسائل الورقية جداً، أخرجها من الدرج، أقرأها، أشمها، أحضنها، أطبع قبلتي فوق كلماتها الرقراقة، وأخبئها ثانية ^_^

عندما يضيق بي الحال دوماً أهرع نحو مدونتي، صفحتي على فيس بوك، أو دفتري :)

عندما كنت أحب أحدهم، كتبت له دفتراً كاملاً ، كتبت له كل الألم الذي شعرت به، معظم صفحات هذا الدفتر الفيروزي مموجة من أثر الدمعات أثناء الكتابة، أكتب عادة من اليسار إلى اليمين :D

لا أعرف السبب لهذا الأمر لكني أكتب الأشياء خاصتي من اليسار إلى اليمين، قليل جداً عندما يأخذني الأمر من اليمين إلى اليسار! مجنونة أعرف، لا بأس لقد تعايشت الأمر، لكني أجد صعوبة عندما أفتح أي شيء يخصني أمام أحد الأصدقاء أو الغرباء، لعل أحداً لا يعرف هذا الأمر عني سوى صديقتي الصدوقة حسنة :) منذ كنا في الجامعة كانت تلاحظ، كانت تصرخ في وجهي متعجبة، ثم تضرب كفّاً بكفّ، ثم لا تجد تفسيراً لدي فتسكت، أو تتعهدني بالسخرية طوال اليوم حتى تملّ، ظلَّت هكذا لفترة ثم اعتادت هي الأخرى الأمر، حتى باتت تراقب هي نظرات المتعجبين من حالي :) #العشرة

بعدما أتممت دفتري الفيروزي، كان هناك هاتف في قلبي يخبرني بأن صاحب الألم بداخله سوف يعود، لكني كنت قد حسمت أمري، الحب يمنح مرة وأخرى، لكن إن طار طائره لا يعود أبداً مهما اكتوينا من الألم، وهكذا قررتُ، أني لن أعود أبداً، إن امرأة عشقت إن أدارت قلبها لا تعود...!

كنت أتمنى أن ألقى صاحبه وأعطه له، كنت أتمنى في بدايات كتابتي في الدفتر أن نلتقي ثانية وأن يقرأه برفقتي، لكن شهور تمرّ وجنونه يستعر، ويستذئب الألم، ينهشني في كل ليلة، حتى قررت أني سوف ألقيه بوجهه، ثم بعض العقل، كلا ليس من حقه أن يراه،

في خضم هذا الجنون، وبعد شهور عدة، فتحت الدفتر منذ شهور طويلة، قرأت منه بضع مقاطع، أذهلتني قدرتي الرائعة في الوصف والسرد، وجدت أن الألم قد يكون مبدعاً حقاً بعض الوقت :)

ويومها اتخذتُ قراراً جنونياً آخر، أني سوف أنشر هذا الدفتر، سوف أنشر بعض مقاطعه ولربما كله يوماً ما، هنا أو على ورق حقيقي، ورق يحوي نفس التموّجات التي أحدثتها الدموع!

لا يشيء يسمعك بهدوء وتعقل مثل الورق، لا شيء يمنحك ذاكرة أخرى مثله، ولربما حبيبٌ مخلصٌ عزّ بينكما اللقاء، فيصبح الورق خِـلٌّ وفيٌّ حتَّى نلتقي :)

لهذا، إن أصابك أي شيء، اكتب، ارسم، خطّط، اصنع لعبة من ورق، طائرة أو مركباً، وأرسل معه أمنيةً، أمنيةً لنفسك، لذاتك، للحرية، للعالم، للحلم، لأحلامك، لا لأحدٍ آخر.


ولهذا، هناك دفتر فارغ :) سوف أملأه تلك المرة بالأشياء السعيدة، بالبسمات والهمسات والكلمات الحلوة، بالورد والسحاب وغزل البنات، بالشيكولاتة، والمخمل الأحمر، بكعكات السكر والقرفة، بالقهوة، بالنسيم، بالمطر والشتاء، لربما الربيع يصدق تلك المرة ويأتيني بأمنية سعيدة فأكتب عن فراشات الربيع :)

حيث أن الشتاء يأتيني دائما بالحب، والربيع رغم حبي له كان دوماً ذكرى فراق!

صحيح لم أكتب في هذا الدفتر حتى اليوم، صحيح أنه لا حب ولا ورد يلوح في الأفق، لكني لن أفقد الأمل أبدأ أن أكتب فيه للورد يوما وعن الورد والحب والفراشات الجميلة ^_^

السبت، 13 فبراير 2016

تائهة بالطرقات ....

هل كنت تنتظر تلك اللحظة بفروغ الصبر؟

أن أرحل؟

أن ترحل؟

أن يُهيَّأ لنا الرحيل دون أن ندري؟

هل كنت تنتظر أن ألوح لك من بعيد؟ أخبرك أني أريد الخلاص؟ أني أريد الذهاب بعيداً؟

ألم أخبرك أني سأطلب الرحيل كثيراً عن دون قصد فلا تتركني لجذب الرياح الشديدة؟ أعدني إلى الكهف، واتل عليّ الأماني الجميلة التي سطرناها في يومٍ صافِ الوداد؟

ألم أخبرك، أني أحتار فيك احتياراً قاتلاً؟ أني أريدك وأخشى جلَّ ما أخشى ألّا أكون مثلما تريدني؟

ألم أخبرك، أني لا أعرف كيف أحبّك، وأني أحبّك وأنّ ما يعتمل بقلبي كان كـوَأْدٍ نجا من قضاه؟

الآن يا "أنا" أسير بالطريق تائهة

كأني ضللتُ طريق السكن ... وأنت السكن !

الآن يا "أنا" أهيم بالطرقات باحثة عن ظل شجرة أستريح فيه من الدوران حول كل شيء يصبح بالنهاية ليس أنت، فيختفي الظل بعد ساعة واحدة، وتلفحني شمس ملتهبة بصحراء الطرق المعجوجة بالسائرين فغصَّت بهم ، وضاقوا بها، أفيق لنفسي أن الظلال يا "أنا" لا تدوم! وأني ضللتُ الطريق إليك!

الطرقات باردة جدا، وحارة جداً، ضاجَّةٌ جداً، وموحشة جداً !

أتكلم مع كل المشاة هناك، أضحك لهم وأسمع كل النكات الجميلة والساذجة، وأضحك جداً بصوت عالٍ، وقلب حزين!
وكلما انتهيت إلى درب جديد، أسير به، لعله الموصل إلى البيت، لعلي هناك ألتقط أنفاسي من راحتيك، لعلي هناك أضع رأسي المتخم بكل الصراع وكل الخوف، هناك فقط على ساعديك، فأتيه من جديد، كأني أسير في متاحة من طريق!

كإني فقدت كل رفقتي فجأة، كل أصدقائي، كل الضحك، كل المرح، كل الحب، كل السكن، كأني تائهة ضللت طريق الرجوع للوطن، ألم يجدر بهذا الوطن أن يبحث عن رعيته الضليلة؟

أم أن الوطن لم يعد وطناً بما يكفي ليفعل؟ أو أن الوطن بحث في المدافن القديمة عن بقايا بشر؟


وأنت يا "أنا" كظلي كروحي كشمسي وقمري، كشيء أبصر منه البشر، كبؤبؤ عيني، لا أشتاقك ولا أشعر بأني أسير في الوطن!!!