الأحد، 24 فبراير 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (٢)

البحر 
طالما أعشق البحر وأهابه ..... علاقة عجيبة بين الحب والخوف! العشق المتناهي والرهبة الأبدية!

من تحبه تهابه، تخشى أن تغضبه، ترتعب إن عبست ملامحه أو تغير صوته في الهاتف، ترتعش إن ارتفع صوته هادرًا

تثق به نعم، ولكنك في ذات الوقت تخافه، كأنه اجتمع غدر الزمان ورضاه بكلتا عينيه! ولا تعرف أي نصيب منهما تحصل بالنهاية!

كانت أمها تخاف البحر، تقول دومًا أن الحب خدعة وأن البحر غادر مكّار.
وهي؟
كيف كانت؟
تحب البحر نعم، ولا تنس أبدًا كلمات أمها ..... عندما كانت طفلة أخذها عمّها إلى البحر مرارًا، كانت تحب البحر وتغوص في الرمال، تحبو فوقها وتتذوقها، ملوحة البحر تجعلها تبكي، ولكنها سرعان ما تعود إليه، تهدر بكلام الصغار الغير مفهوم، وتمد أصابعها تجاه الماء المالح العذب الجميل .... 

أراد عمها أن يلاعبها، حملها فوق كتفيه وقفز في البحر، غرق بها، لم تستطع التنفس، لربما وصل الكثير من الماء إلى معدتها الصغيرة، ملوحة البحر مزعجة ومحببة، ولكن حينما تباغتك تصبح مزعجة فقط! هكذا شرقت وسعلت وشهقت كأن الموت تسملها وأسلمها للحياة مرة أخرى!

غضبت، وبكت كثيرًا، وخاصمت عمها، وخاصمت البحر ..... وكالأطفال سامحته، كأنما بينها وبين البحر حديث دائم، ترى هل اعتذر البحر وقال لها لم يكن خطأي؟

تراودها الأحلام، كوابيس، أشياء ليس لها تفسير طوال السنوات العشرين بعد تلك الحادثة، ترى البحر وتقفز فيه بمرح، لكنها لا تخوض في الماء بل تخوض في نسيج متين ومزعج!

إلى متى يدوم هذا المنام؟

البحر!

مثلما نفعل مع هؤلاء الفرادى النادرين، الذين نسامحهم قبل أن نغضب منهم، الذين ينفطر قلبنا نصفين جزء يعشقهم وجزء غاضب كالصغار ..... سامحت البحر من كل قلبها، وصار بينهما حديث شيّق كلما تزاورا، كانت تحفظ الحدود دائما
 هو الملك وهي الأميرة ..... تنحني أمامه في كل مرة تقابله، وهو يميل بكامل أناقته وكبرياؤه ليقبل أصابعها.

تشعر أن لهذا البحر هيبة ..... البحر يحبها، وهي تحبه، البحر  يسري عن قلبها أكثر مما يفعل البشر

أريد أن أذهب إلى البحر، تطلب بهدوء .... الوقت لا يسمح ... أين نذهب لمدة يومين ... أنت تحبين الساحل البعيد ما باليد حيلة، اصبري حتى الصيف، حتى الربيع ، حتى نهاية الشهر .... دومًا هناك اصبري

لماذا لا تأخذ ثوب السباحة والمنشفة وسيارتها وقارورة ماء وترحل ببساطة؟

ببساطة أيضا لأنها تخاف! 
 الطرق تصيبها بأشياء متضاربة، تسير في الدنيا وفق  النَّـجْم، إن كان طالعها حسن في ذاك اليوم سوف تتصالح على الطريق، لن تصيبها نوبة في المنتصف، ولن يصيبها تبول مفاجيء أو سير سريع لأمعاءها ... أو مغص لا تعلم كيف تصرفه، أو بكاء تحاول الهرب منه بالانشغال .... كيف تقود سيارة بمفردها مع كل تلك الأشباح التي تلوح لها بالطريق إن كان الظالع سيء؟

البحر ! 

مثل الملك ..... يجب ان تذهب إليه رأسًا تلقي عليه التحية أولًا، تخلع عنده نعليها وتركع .... تقترب منه في شوق عارم، وكأن آداب اللياقة لا تسمح لها بأحضان المتعبين مع ملابس السفر .....

البحر !

أي شيء يذوب فيها حينما تقفز فيه، تشعر بأحضانه الدافئة، تشعر أنه الأب الذي يأخذها حيث اللاشيء سوى الأمان

البحر غادر، لكنه عبد إذا أحب، مثلنا جميعا، البحر عارٍ، وهي تحب العراة حقًّا .... البحر لا يتأنق كثيرًا أمامها رغم عنفوانه، ولا يظهر كنوزه إلا إذا أصرت عليه!

لا شيء يجعلها تهدأ مثل البحر ..... تسبح وكأنما تطير، يكشف لها أكثر وأكثر عن قلبه، تذوب، وتقول له بدلال: هل يمكن يا عزيزي أن أكون سمكة؟ تكتشف كم كانت " أريل " غبية عندما طلبت من سيد البحار أن يحررها من كونها حورية بحر لتصبح إنسية! أي غبية تلك التي تضحي بصفاء الكون من أجل الأوغاد الذين يعيشون على اليابسة!

لو أني لي جزيرة يا بحر .... أو لي خياشيم مثل السمك! أو لي زعنفة طويلة وجلد سميك مثل الدلافين، لكن هربت من كل العالم إلى قلبك، وكنت أسكن هناك حتى الأبد .... أو حتى أموت!

يهدأ كل العالم هناك ..... تهدأ نوبات الغضب والقلق والهلع والاكتئاب، تهدأ رئتاها الضعيفتان، يهدأ عقلها المتذمر دومًا، ويغوص قلبها إلى الفراغ ..... إلى حيث اللاشيء .... 

النجوم تأسرها، السماء، الأزرق، هل هناك ثمة اشترك بين المرضى النفسيين والأزرق؟
هل هناك ثمة اشتراك بين أهل الاكتئاب والأزرق؟
أخبرتها الطبيبة يومًا أن طاقة اللون الأزرق هي الهدوء، ومن يرتدي الأزرق فهو يبحث عن بعض الهدوء لشدة توتره
كم من أزرق تريد في يومها كي يهدأ وينشرح!
الأشباح لا تظهر عند البحر ولا فوق الجبل
الأشباح لا تظهر  إلا حينما نسير بين البشر!

الجمعة، 22 فبراير 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (١)

تتحول الدنيا فجأة إلى مصدر ضوضاء عظيم

أريد أن اختبيء

كل الكلام مزعج وكل الأصوات صاخبة

أنا لا أسمع رغم كل تلك الضوضاء

مريم .... هل تسمعين؟

أريد أن اذهب ..... من أنتِ؟ من أنا؟ ماذا أتى بي إلى هنا ...

مريم لم تجيبي؟ أي يومٍ تريدين؟ ومتى أتسلم منك هذا العمل؟

مريم: أعتذر ... أين حقيبتي .... أين الباب ...

في أي مكان ركنت سيارتي؟ هل معي سيارة؟ أجل ... هذا مفتاح السيارة ... تذكرتها ... أين ركنتها؟ متى أتيت إلى هذا المكان؟ لربما في الصباح؟ أعتقد .... عادة أضع سيارتي في الأمام .....

تتفقد البوابة الأمامية ..... تحاول إيجادها بجهاز التحكم ... ليست هنا ...

تبحث في الخلف .... تجدها، تبدأ بالهدوء ... المشي يسعدها إن كانت ساكتة، تتحاشى الأوجه ....

صباح الخير ؟
ابتسامات متفرقة

لا تجيب

تتوتر .... تتساءل ... يزداد خفقان قلبها ... من هؤلاء ... هل أعرفهم؟ أريد الذهاب ...

فقط لا تنظري إليهم ... عقلها يوجهها كأنه شخص مستقل، ينقذها كثيرًا، لهذا تحبه جدًا ... يقول لها هذا الطريق بلا ناس، تواجه بعضهم ... يقول لها استمري ... انظري في الهاتف أو الأرض أو أسرعي الخطى ...
تصل سيارتها
تديرها
لحسن الحظ أنها تنسى الوجهة لكن لا تنسى كيف تقود!
تخرج مسرعة

منظر الشارع يطمئنها
تقف لحظة .... ماذا بعد؟

تقود لا طريق

تصل إلى السوق التجاري .... الصباح هاديء .... تسير بين المحلات .... عندما ترى الواجهات التي اعتادتها تنزعج .... إنني أريد أن أزور هذا المحل ولكن لماذا؟ هل ينقصني ثوب محدد؟ نعم ينقصني؟ أيهم؟ لا أعرف ... أريد شيئا تجميليا ... صابون؟ زيوت؟ عطور؟ لا أذكر

لماذا لا تدخلين إلى محل التجميل؟ هناك تجدين دوما ضالتك؟
يا عقلي أنا الضالة هنا!!!!

لماذا لا يوقفني أحد فجأة ويقول لي ببسمة رقيقة صباح الخير، ثم يجلس على ركبتيه ويربط حذائي، قد يبتسم وينصرف، وقد أضمه وينصرف وقد نكمل الطريق إلى ذاك اللاشيء الذي أسير فيه طول الوقت!

طلاء أظافر!!!!
نعم هذا الصديق المفضل لنا وقت المرض والقلق ..... صديق نوبات الاكتئاب المحمومة .... وصديق الفرح

تسرح يدها لتلك الألوان الكحلية ..... يقول عقلها ألا تريدين بعض الألوان المبهجة؟

عقلي .... أنت رائع .... ألوان ..... أريد بعض الألوان

كالممسوسة التي زال عنها السحر، أو كالعادية التي سحرتها قبلة حياة تجري إلى المكتبة

تشعر بالبهجة .... تبتسم لكل تلك الصفوف المتأنقة المتراصة

فجأة، كأنما أخيرًا عرفت الوجهة، وكأنما عادت للحياة، وكأنما زال عنها المسّ .... تشتري الألوان

تمازح البائع بصفو كلام على غير عادتها ... هي تكره الغرباء وتتحاشاهم

في هذا المحل تصير كالفراشة

كالعصفورة

كسحابة صيف طيبة

وكدعابة من البحر إلى الشاطيء

تنفق الوقت هناك وكأنه لا يعنيها وكأنها لا تنتمي إلى هذا العالم

تخرج تتبختر في خطوتها كأنها أمسكت العالم كله وحبست عجائبه في ذاك الكيس!

ترى أول غريب أمامها

تنقبض

تعبس

قلب يرقص

وقلب حزين

وعينا طفلة تنتظر العودة للمنزل لتجرب لعبتها الجديدة!