الخميس، 27 يونيو 2019

قدرية .... عبثية

في الموعد المحدد تسير بتؤدة إلى المكان المتفق عليه، دائمًا ما تخونها المواعيد، دائمًا ما تتأخر وينتظر، دائمًا ما ترسل له اعتذارا متعجلًا لا يخلو من رقة، رقة لا تكشف عن رقتها، وعذوبة لا تجعله يطمع بها، وتحفظًا لا يجعله يتخلى عنها!

في كل مرة ينتظر، يتابعها بعينيه ويتظاهر بالانشغال، تعتذر فلا يخفف عنها حرجها ولا يدع الحرج يتمكن منها! تلك المداعبات الرزينة، التي تجعلها تبتسم أو حتى تضحك، مع تحفظ واضح من الطرفين!

يا إلهي .... لم هي زاهية في كل مرة؟ ولماذا في كل مرة يراها يشعر كأنها المرة الأولى، يكتشف شيئًا لم يره المرة السابقة.... هل تزداد بهاءًا؟ هل تزداد بياضًا، أو لماذا وضاءة وجهها في كل مرة تخطف أنفاسه فيبدأ بالنحنحة أو افتعال السعال كي لا يشهق!
لسبب ما جمعتهما الدنيا، جمعت طريقين لم يكونا ليلتقيا، في لحظة قدرية تسبب الدنيا أسباب هشة، ودوافع واهية جدًا فقط كي يتقابلا ..... 

تتسع بسمته في كل مرة، وهو لا يدري، يقطب جبينه، يتظاهر بجدية لا تمنع خفة ظله التي تتقافز من عينيه، يميل تجاهها بهدوء، يعدل وضعية شيء قريب، بدقة، بحذر، كأنما يميل إلى فراشة يخشى أن تشعر به أو تهرب منه!
يبدآن العمل، يعرف ما عليه فعله، وتتبع هي كل التعليمات المتفق عليها، هي سعيدة، هي مبتهجة، هي فراشة تتقافز، وهو؟
هو دب، هو أسد، هو فيل، هو ملك الغابة، وسيد الأدغال، وصاحب الثلوج، يعرف كيف يضبط الجو حوله، وكأنه إله روماني يتحكم بالزمن والجاذبية، وهي؟ عبثية جدًا، قد تنظر فجأة في عينيه وتباغته بسؤال عجيب، وقد تظل طوال الوقت صامتة لا تتحرك لها شفة ولا يرمش لها جفن ..... 

في لغة الجسد يكشفون الكاذب والمخادع أنه يظل طوال المحادثة ناظر في عين المستمع، يتأكد من تصديقه لحكايته وواقعه المزيف، هو لا يرمش، هو يحاول تجميد وجهه، هو ينظر في عينيها مباشرة إذ يحادثها، هي ترمش كثيرًا لكنها تقتله دائمة ببسمة بلهاء أو ضحكة طفولية تقطع عليه حدته، فيبتسم، ويتوتر، ويتحرر من تحفظه فتدور عينه بالغرفة، ويقف واثبًا من أمامها وكأنها ستكشف كل ما في قلبه من خلال عينيه!

في كل مرة تفسد عليه خططه!

وفي كل مرة يظن أنه يقابل الشمس في مهدها، أو القمر في تمامه، أو إلهة من آلهة الجمال، فيفقد إيمانه بما سواها، ويمسك جواحه أن تطيع قلبه فينحني أمامها، ويتظاهر بالضخامة أمام نحول جسدها عبثًا ألا يضعف، وفي كل مرة تسير مودعة في عجلة من أمرها وقلبه كالطفل يعدو وراء فراشته في جزل وحزن، وهو كالرجل الواثق من نفسه يحول وجهه عنها بسكينة، ويترك لقلبه وداعها حتى الباب ... وما بعده!

ينظر للمساعد الذي يقف معه كاتمًا حنقه كاشفًا نظرات صاحبه ويدرك أن أمره فُضح ... يلملم بقايا ابتسامه الساذجة ويقول له بحنق مصطنع .... إنسانة مستهترة .... ليتني بهذا الفراغ وتلك العبثية ...

الجمعة، 21 يونيو 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (22)

الحب والأمل ..... كلاهما متشابهان .... أشياء لا منطقية تعطيك تفسيرًا منطقيًا لحياة لا تساوي جناح بعوضة!

كل تلك السعادة المشبوبة بالتفكير، لا شيء يفسد لهو المرء سوى الفكر!

أسير على خط رفيع، أستقيم يومًا وأسقط أيامًا أخرى، أخاف وأرتعب، وأدب الأرض في صباح عبثي بخطوات واثقة، من أين يأتي كل هذا لا أعرف!
في السابق، كنت أقول الأمل يجعلني أستيقظ كل صباح، أجتهد في القراءة، في الدراسة في العمل، أتعثر، من الممكن للإنسان أن يتعثر لكني لم أكن أعامل نفسي أني إنسان مسموح له أن يتعثر! أكتئب، أعاقب نفسي كثيرًا، لا أعطيها الفرصة لتصحح هذا الخطأ وتجتهد مرة أخرى ومن جديد!
في السابق، الحب يجعلني أنام، يجعلني أطير، يجعل كل مستحيل ممكن ووارد، يجعلني مثل فراشة تكتشف الحياة في أول ربيع لها في الحياة، لم تكن تعرف أنه آخر ربيع، لعلها كانت خائفة أن يكون آخر ربيع فأتاها الشتاء باكرًا تلك السنة، لكنه كان آخر ربيع!
الحب يجعل تلك الخطوات خفيفة وواثقة في ذات الوقت، يجمع المستحيلات تحت سقف واحد، يجعلني ضعيفة جدا أمام عينين اثنين، ويجعلني مثل التنين أمام أخريات، يجعلني واثقة جدًا من أنفاسك المنتظمة، ويجعلني ملتاعة إثر غيرة حمقاء لتصرفك الأحمق!

والأمل؟ يجعلني أومن بكل شيء ممكن ومستحيل، يجعلني واثقة من شكي القتّال، يجعلني أبحث عنك في الشوارع وأنا أعلم يقينًا أنك لست هنا، ويجعلني أتيقن أنك تأتيني رغم استحالة ورود الفكرة مع معطيات الواقع!

منذ أيام زارتني صديقة، نفس الصديقة التي زارتني منذ عامين، عندما كنت تنتظر تحت نافذتي المشرعة والأنوار الساطعة تنقل للفضاء كل هذا الصخب الذي يلف بيتنا عند الزيارات فقط، وقفت وحدك، وقفت هناك تنتظر رؤيتي وكنت أقف أنا كل ليلة ما عدا تلك الليلة أشكوك لكل شيء حولي، أسأل كل نجمة في سمائي الكاحلة ألم يشتاقني؟ ألا تشتهي خطواتك المسير إلينا؟ ألا تفتقد قدماك الطريق؟
شرفتي مفتوحة، الأنوار مزعجة، الستائر مشرعة، صخب وضوضاء، وذات الصديقة بالبيت، ذكرتني الأجواء، وأنت على جانب آخر من هذا العالم!

في اختبار أجرته لي الدكتورة منذ فترة، كانت أكثر الصفات السيئة التي أُنعت بها "غبية" كانت أكثر الكلمات التي أنعت بها نفسي.
أقولها لنفسي مرارًا وتكرارًا، أصبحت إذ ألاحظ بوادر أمل أو محبة، بواقي شوق وأطراف عتاب وعشم، وأشلاء حنين يجتمع أيامًا ليكون جارفًا ويبهت أيامًا ليكون كاللاشيء، أقول لنفسي غبية!

لكني تعلمت،

تعلمت الكثير بين الحب والأمل واليأس والرجاء والشوق والحزن وكسر الخاطر وتلاشي الأحلام ومرارة الحقيقة!

تعلمت أحيانًا أن أقبل مشاعري، هذا الفيض، هذا الحب الذي يذهب إليك سدىً ما عدت أنعت نفسي بالغبية لأجله، أدعه يفيض، وأستجيب له بحدود، أكتب عنك وأفرغ تلك المشاعر على الورق وعلى الملأ "كلماتنا في الحب تقتل حبنا إن الحروف تموت حين تقال"، أن أقبل كوني فشلت فيما اعتبرته ورأيته وسرى في قلبي "حب حياتي، ومعجزة الجنّيات التي انتظرتها طويلًا، والحلم الذي كنت أسير فيه حقيقةً" أن أقبل أني في وقت ما لم أكن مثلما كان يجب أن أكون، مثلما اعتدتني  وكتبت لي، وكتبت عني، وأن أقبل مشاعر رفضك المتأخرة كلها، وأن أرفضك أنا حقًا، أرفض رفضك، وأرفض الاقتراب منك!

أنا امرأة تكتب، امرأة شاخت فوق الورق، امرأة ما زالت تنام وهي تحتضن رواية، أخلق الأشخاص وأغير الحبكة في رأسي، وهكذا غيرت نهاية قصتنا مرارا، ورسمت لك طرقًا كثيرة كي نعود، ورسمت لك خططا كثيرة وحبكات أخرى، ورسمت لنفسي قصة حب أجمل من هذه، وأقاوم الآن مشاعر " ماهو مش بالساهل ننسى عشان مكنش بالساهل أصلا نتلاقى ونحب" إلى مشاعر تحتاج لنهر أكثر استقرارًا، تحتاج لإنسان يقبلني مثلما أنا، يقبلني هو ويبصق فوق تقاليد المجتمع، يقبلني أنا بشحمي ولحمي وطول لساني وجنون منطقي وتقلباتي وغبائي وعصبيتي وخوفي وفزعي وكوابيس نهاري وتخاريف ليلي، يقبلني إذا أصحو نشيطة مثل عصفور يهم بلثم جميع الزهور قبل أن تحضنهم الشمس، أتراقص على الموسيقى بين المطبخ لتحضير فطور شهي وبين الحاسوب والورق والكتب لمذاكرة شيء، أو ترتيب أفكار أو تعلّم جديد ورائحة القهوة تملأ المكان، أتنقل من هنا لهناك أرتب الأشياء بدقة وأزيل التراب، وأعد طعامًا آخر، وأفتح النوافذ عن آخرها، وأرقص وأدور وأضحك هكذا بلا سبب سوى أني سعيدة جدًا اليوم! فيأخذني للغداء بالخارج أو العشاء، يهديني الورد، ويمدح عطري النفاذ، ونعود سعيدين بالحياة كأنها صارت كما يجب أن تكون، ويحتمل أن أصحو مصابة بمغص لإني لم أنهي عملًا كان يجب أن أنهيه في المساء لكني عدت منهكة من العمل، أصرخ أني أريد تحضير ألف شيء ولا وأعرف من أين أبدأ، أن يحتمل خمسين اتصال باليوم، أصرخ فيهم أو أبكي أو أمزح بطريقة بذيئة، وأن يحتمل ألا أجيب أي اتصال منه لإني لا أريد أن أكلمه ولا أن أكلم أحدًا!! أن يحتمل صباحاتي التي أكون فيها ملاكه، أهمس له بحب عطف شديدين بكلام عذب وجميل، وأن يحتمل ألا أجيبه على كلمة صباح الخير!!! فإن فعلت يأتيني هو، يضمني، يقبلني، لا يأخذ الأمر على محمل شخصي، يدعني أجري حول نفسي، ويحضر لي القهوة! وهو يعلم يقينًا أن عدم كلامي معه لإرهاق أصابني، أو منام أزعجني، أو تفكير يأخذني مني، لا جفوة عنه، ولا ابتعاد عن خط المودة مقدار أنملة! أن يقرأ وجهي وصوتي وصمتي! أنت قرأت كل شيء، انت قرأت روحي على البعد، لكنك لم تواجه نفسك، ولا المجتمع، ولا أنا، ولا تلك الأفكار المعلقة على جدارك.
وأنا؟ مثل قدر هائل من البشر يسكن جسدًا واحدًا، لا أعرف مسبقًا أيهم يحكم اليوم، ولا أعرف حقًا أيهم يحكم غدا، رغم أنهم جميعا يعرفون أني أحبك .... كنت ... كنت أحبك! الآن أحاول أن أحبهم، أكثر!

الاثنين، 10 يونيو 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (21)

عندما أضطرب، كنت في السابق أمتنع عن الطعام، فكل طعام آكله يسبب لي المغص الشديد، ونوبات من الإسهال القاتل كأني أكلت شيئًا فاسدًا، وتستمر النوبة لساعات وربما لأيام!

في وقت لاحق كنت آكل كثيرًا، أكل الكثير من الحلوى، أنا لست فتاة حلوى، ولا أشتهي السكر كثيرًا لكني أحب الطعام، كنت آكل كل شيء، كنت آكل كل مالا يفيدني، سمنت كثيرًا، زاد وزني لأكثر من اثني عشر كيلو جرامًا، كنت أجد صعوبة في ممارسة التمارين، أو حتى الانتظام على حمية غذائية!

أضطرب، فآكل كل شيء أمامي، الأخضر واليابس، الكتب والموسيقى والألوان وكل شيء، آكل البشر أحيانًا، أقيم لهم مقابر دائمة تحت سريري، وأدفنهم للأبد في ركن بارد مظلم، ولا أنبش أي قبر إذ أسويه بالأرض!

أضطرب كثيرًا، فأفقد ذاكرتي، وأكتشف نفسي من جديد، ليس كل اضطراب هو قدر سيء!

أنا مضطربة، أنا قلقة، أنا مريضة اكتئاب، أنا حزينة، أفقد إيماني كثيرًا، منذ عامين كنت أخرج إلى صحراء وأصرخ هل تسمعني يا الله؟ هل أنت هناك؟ هل يروقك المنظر؟ هل تمد لي يدك؟ لماذا تفعل بي هكذا؟

كنت أبكي، كنت أقنط، كنت أجزع، كنت أريد الخلاص من كل شيء! من حياتي أول الأشياء، كنت أريد الخلاص مما بعد الحياة، لا أريد شيئًا من إيماني، ولا من كفري!

كنت أواجه نوبات القلق الحادة من ثلاث سنوات، لما يقارب تلك المدة كانت نوبات القلق أكثر وأسرع وأشد فتكًا من نوبات الاكتئاب، كنت في هذا الوقت أعرف نوبات اكتئابي، أرصدها، أشعر بها، اتعامل معها، أتخطاها، لكني كنت جبانة بما يكفي ألا أشاركها أحد!

أقول الآن لصديقتي، لو أني بذات الوعي بنفسي منذ سنوات كنت شاركت نوبات ضعفي مع من أحب، كنت طلبت المساعدة، كنت ارتميت في حضن صادق أختبيء فيه عن النوبة، وكنت أرص حولي الورق والألوان، وكنت أعتذر مسبقًا عن عزلتي ووحدتي ورغبتي في الاختفاء وربما الموت، كنت لأعرف كيف أن النوبات تمر أسهل مع المحبين الصادقين!

نوبات القلق شرسة، بلا رحمة، هل قلت يومًا أن القلق وحش؟ إن كان للوحش قلب فإن وحش القلق لا قلب له! 
القلق كان يأكل رغبتي وذاكرتي، يسحقني، أقرأ ولا أتذكر ما قرأت، أسير في الشوارع وأنسى من أنا وأين طريقي، أقابل زميلي في العمل والذي عملت معه لسنوات طويلة وأنسى اسمه، أنسى اسمه تماما، نتشارك في عمل فأحتاج أن أناديه، أقول لو سمحت يا أستاذ! بعد اذنك، وقفت لحظة نسيت فيها أني نسيت اسمه وقلت لو سمحت يا .... يا .... نظر لي شذرا، أعطاني الورق، هل ظن أني أسخر منه؟ لم يعد يلقي علي تحية الصباح، ولم يعد يبتسم في وجهي إن تلاقت الأعين!

وحده الحب يجعل للأشياء قلب، يجعل للقتال معنى، يجعل للأمل لمعة، كنت في كل اضطراباتي وسخطي، أعرف أن الله يرى، هو يحبني، أشعر بذلك في قلبي، أنا أحبه، هو يعلم ذلك قبلي، أنا عاصية طوال الوقت، لم أكن يومًا راضية عن نفسي، إيماني ملحد، أقول دومًا أن قلبي صوفيٌّ وعقلي ملحد!
الله وحده يقبلني على ذلك! أصرخ بالليل ساخطة، لأجد في الصباح بسمات الصغار تحاوطني!

جوناثان، طفل في السابعة، كل صباح يلف ذاعيه حول رقبتي، إن لم أنحن له فحول رجلي، وعندما ارتفع طوله كان يحضن خصري، قصير وخفيف الظل ولطيف، كان هذا لطف الله!
العام التالي، وردتي كما أسميتها، عائشة، سمراء، عيونها سوداء، بسمتها تشرح القلب الحزين، وكان قلبي حزين، وكانت بسمتها مهجة!
كتبت لها يومًا أنت جميلة مثل الوردة، ابتسمت، دمعت عيناها، ارتمت في حضني، كل يوم تضمني في حضنها، أنا الصغيرة التي تحتاج تلك الرحمات يا وردتي! كانت تقول لي: عندما أراكِ أطمئنّ! وأنا التي كانت تطمئن!

مجموعة أخرى، يعلمونني ألا أقسو على نفسي، بعد فترة من العمل قلت لهم، لم تيأسوا مني!!!! وأنا كنت يائسة من كل شيء!
تدربت معهم على ضبط النفس، كنت أنسى كثيرًا، وكانوا عونًا كبيرًا، كنت أضطرب، وكانوا يطمئنونني، كنت أخشى طوال الوقت أن أخيفهم، كانت عيونهم طيبة، كنت أهدأ، عندما علا صوتي، عندما أزعجني أمر بسيط، اعتذرت لهم، كنت صادقة في اعتذاري، كانوا صادقين في القبول!

كل يوم يمر بشكل جديد، شهور قد تتشابه، وأيام قد لا تتكرر!

أضطرب كل يوم، لكني كنت أريد فهم اضطرابي، كنت أريد مساعدة نفسي، أحب الحياة، أو هكذا كنت من قبل، وأريد أن أستعيد هذا الحب ثانية!

الله ..... يمد لي يده كل يوم، عندما أراها وعندما لا أراها ولا ألتفت لها!

أكتب، وسأكتب، وسأمتنع لفترات أخرى عن الكتابة، سأخطو ببطء نحو الحياة، لكني لن أخطو للوراء ثانية!

سأتعثر، وأرتكب الأخطاء كل يوم، ويثقل كاهلي بالإثم، سوف أكون سببًا في اضطراب أحدهم، وسوف أهب أحدًا آخر كل الأمان والحب، سأفعل ما بوسعي كل يوم لأسير في الطريق الصحيح، وستفترق بي الطرق حتى أجده ويجدني، الطريق ينادي صاحبه ....

سأشرب القهوة، وأصبحت أعرف لكثرة فترات المرض كيف أعالج معدتي بدون الطبيب، سوف أسعل كثيرًا بسعال عصبي لا حل له إلا الهدوء، سوف أشرب الأعشاب التي لم أكن أطيقها، ولكني اعتدت الآن طعمها وأحببت تأثيرها على صدري،وإن اضطربت بي الطرق لسيجارة دخان سوف أدخنها وأسعل، أو سوف أختار مشروبًا طازجًا بدلا عنها! 

سأترك لاكتئاباتي الوسادة خالية وجاهزة، وسآخذ قلقي من يده بعيدًا عن تلك الخطط البسيطة، وأفزع وأبكي وأصرخ وأتشاجر وأفتعل المشكلات، وأحافظ عن الاعتذار، ودائرة ضيقة جدا من الصادقين لا أريد سواهم ولن أتمسك بهم إن قرروا الرحيل!

لم أقل يومًا أني قوية، لا أحد أقوى من الكون، أنا ضعيفة، أنا نبتة خضراء، أنا برعم طري، إما أن تداعب الريح شعري، أو أنتصب بالقوة المصطنعة أمامها فتخلعني، وأنا؟ آخذ الريح كأنه النسيم في حضني وأطير! 

كل يوم هو فرصة لنوبة قلق واضطراب، كل يوم فرصة للمرور بلا خسائر، وكل يوم هو فرصة ولو ضعيفة لأن يمر بنسيم هاديء وعبير وردة!


** بحبني وأنا متفائلة والله كنت هقطع شراييني من يومين :D  مجنونة!

السبت، 8 يونيو 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (20)

لعام وأكثر، أجرب الأشياء، الأطعمة والامتناع عن الطعام ... بعض الأنظمة الغذائية والحميات، بعض الفيتامينات والأدوية، امتنعت عن السكر لفترات طويلة، عن النشا، عن الحلوى، عن الفاكهة، عن الكافين، عن الشيكولاتة، عن بعض الحبوب، عن البقول من أجل قولوني، عن بعض الخضر من أجل معدتي، عن طرق معينة في تحضير الطعام، وعن جميع الأطعمة المصنعة، ابتعدت عن الناس، عن الكتابة والقراءة، عن الموسيقى إلا من كلمات أمير عيد وصخب ألحان فرقته، عن الرقص، عن مواد التجميل لفترة، عن الألوان، عن العالم، عن كل شيء إلا بعض الكوابيس

منذ أيام أجرع القهوة، لا أشتهي السكر لكنه يدخل فنجاني بلا احترام، لا أذكر كيف كان مذاق القهوة إذ عشقتها يومًا لكنها الآن تصر على الوقوف بجانبي، تصر على التواجد في المشهد الحزين!

لا أرشف القهوة كما المعتاد، أجرعها، وكأنها كأس خلاصي المسموم، إكسير لحياة أخرى لا أعرفها ولكني أريدها، شيء لا يشبه اللاحياة هنا.....

صديقتي هناك، على الجانب الآخر من العالم، تحادثني كل بضعة أيام، تناقش معي أمر علاقتها، يزعجها شريكها وتتعثر في قلقها اضطرابها، وأنا تزعجني الحكايا!!!!

أقول في نفسي لها مالا أصرح به يومًا!

لم أكن لأترك كل تلك الأفكار تعكر صفو حبي، لم يتعكر صفوي سوى بفكرة واحدة، هل يتركه القدر لي أم يأخذه مني؟
كل تلك المشكلات، كل هذا القلق، كل الاضطراب لفكرة مجنونة أنه سيلقى حتفه إن أحبني أكثر!

هل شاهد أحد  " The Dress Maker" 

هل يرسخ في ذاكرة أحد مثلي هذا المشهد الذي تخبر حبيبها فيه أنها نحس؟ أنا لعنة شؤم؟ أنها تخاف أن تقبل حبه حتى لا يصيبه نحسها؟ هل تعرف صديقتي نهاية الفيلم؟ لقد لقي حتفه وهو يحاول أن يثبت لها أنها ليست بلعنة، وأنها ليست بنحس!

في كل مرة يتكرر المشهد أمامي أبكي مسبقًا، ألم ينخر في صدري، ألم تقل لك يا عزيزي أنها نحس؟ لماذا لم تصدق؟

أما أنا لم أقلها، جبنت، خفت، لم يكن ليصدقني إن أخبرته بذا! لم يكن ليقف على حدود الخط الأحمر الفاصل بين الحياة والموت، كان ليأتي في كل مرة ليضمني إليه، ليطبع قبلته على جبهتي، ليخبرني أني ملاكه وملكته .... تصيب الملائكة أحيانًا لعنات الشياطين!

كان من المخطط أن أهرب أنا، أن أتأكد بشكل ما أن النحس يزول أو أن اللعنة تحل بلاد غير رأسي، لكنه هرب، لكرامته ربما هرب، لتأثير لعنتي ربما هرب، لامتداد نحسي ربما هرب، لشدة غبائي في الحب ربما هرب!

لماذا لا ينتهي المشهد يوما عن بسمة صافية وقلب سعيد؟ 

أشرب القهوة بلا سكر، بلا حليب، بلا مبيض، بلا كريمة، بلا قشدة، أشرب القهوة بسكر زائد، بحليب دسم، بمكسبات طعم، وبلا شيء على الإطلاق، أشرب القهوة وأشتهي الدخان، أبحث عمن يمدني بسيجارة واحدة، وجدت مددي مرة، أو مرتين، وفي الكثير من المرات يصيبني كسل شديد أن أجر قدمي بحثًا عن الدخان!

تقول صديقتي إذ علمت، سيقتلك الدخان، أن تسعلين من رائحة العطر، سيجارة ثانية وستموتين، أبحث منذ أيام عن خلاصٍ، أتجنت التوتر كي لا أبحث عن شيء مؤذٍ، تأتيني أخبار سيئة تشعل في قلبي النيران، أشتهي الآن الدخان، وصدري يسعل مسبقًا، والقهوة تدور في رأسي تبحث عن خلاص!

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (19)

الجو حار 

أو أن جسمي هو الذي يشعر بالحرارة

أو أن كلانا لا يطيق الآخر، أنا وأنا!

أهرب إلى ما تحت الماء، أنفق الوقت في عناية مصطنعة بنفسي، الماء يهدر فوق كتفي علّه يمحو عنهما الإثم، وعن قلبي كل هذا الثقل الذي يعتريه!

ما تبدأ طريق بالفتح إلا ونغص حائط صفو هذا الفتح، وبدأت كل الحوائط تتكالب فوق رأسك!

اليوم، الماء يهدر، تمر حشرة في صندوق أدواتي، أفرغ الصندوق، أغسله جيدًا، أجففه، أرتب أغراضي من جديد، أختار المقشر الثقيل، مقشر الملح، أختار صابونًا خاصًا، أغسل الحوض، أفرك جسمي، أقارن بين السكر والملح أختار الملح

أفرك جسمي بالملح كثيرًا، في دوائر كما هو مدون على الورقة، أفرك جسمي بشدة، كأني أزيل طبقات من الأوساخ لا أراها، أفرك جسمي بقوة، جلدي يحمر، وأنا أفرك، وأفرك وأفرك وأفرك، أزيل الأشياء العالقة بقلبي، مثل الآلة أعمل وكأنه ليس جسدي، بوادر التهاب من كثرة الفرك والملوحة، وأنا أزيل الهم والعناد والعتب والتعب عن قلبي.
في تلك الحركات القوية والمتتابعة والمنتظمة وكأنها مفصولة عني، وكأننا مفصولان عن الزمن والمكان أسأل نفسي، لماذا لم تختار السكر؟ لماذا اليوم اخترت الملح بلا غرض وبلا سبب؟
السكر ألطف وأسهل ورائحته أعذب، لماذا لم أختر السكر؟

لأني حزينة
لأني مثقلة بالحزن
لأني محملة بالهم والأوساخ
كأن أفكار عقلي المزعجة أوساخ على جلدي، أحاول إزالتها بكل ما أوتيت من قوة!

بشرتي تثور، الملح يتغلل أفكاري العفنة، الملح حنوط الجثث، الملح حفظ للموت، الملح يطرد الأرواح الخبيثة، الملح يطرد الطاقات السلبية، الملح يطرد الأطياف الشريرة، فلماذا لا يطردني؟ ولماذا لا يطرد الشر مني؟ ولماذا لا يطرد الأفكار عني؟ ولماذا رغم كل هذا الفرك لم أتخلص من تلك الزوبعات في قلبي؟

سنة كاملة، أفرك فيها جسمي أكثر من اللازم، أتحمم أكثر من اللازم، أغير ملابسي أكثر من اللازم، أرتب الأشياء في عصبية كاملة، أساعد الخادمة التي تأتينا كل فترة لترتيب البيت، أقول لها أنا أتولى هذا، أرتب وأرتب وأرتب وأمسح التراب كالمجانين وكأني أنفضه عن روحي، أنفق وقتًا طويلًا كالخائبات، أخرج لها مطأطأة الرأس، ترى العجز في وجهي والانهاك، تقول لي لا بأس فقط أخبريني بالمهم الذي تودين الاحتفاظ به، أخبرها، تنجز الأمر في دقائق!!!!!

أخرج كل ملابسي من الخزانة، أعيد طيها مرة ثانية، جميعها، بشكل آخر، أعيد ترتيبها، أنفق الساعات في ترتيب الخزانة وطي الملابس، أبتسم، أسعد لآني أنجزت شيئا، لأن هذا الجزء من حياتي مهندم ومرتب! يوم يمر، تعود لي كآبتي من جديد!

أرتب الكتب، أفرغ صندوق الكتب، أبحث عن رواية الطنطورية، ألعن سلسفيل من أخذها ولم يعيدها، أكتشف الكتب التي لم أقرأها، أخرجها، أرتبها فوق المكتب، أدخل الكتب التي قرأتها إلى الصندوق، أمسح عنه التراب الذي يتراص بسرعة البرق، تمر الأيام ولا أقرأ، أدخل الكتب الصندوق حتى لا يأكلها التراب، أنا أكره التراب، أخرج كتبًا أخرى، أغلق الصندوق، لا أقرأ أي شيء!

أفتح حقيبة السفر، أرتب فيها بعض الملابس التي أحتاج، بعض الصابون، بعض الكتب، أخرج الكتب ثانية، أضع بعض الرسائل التي أهداني إياها من كنت حبيبته، أضعها بحافظة صغيرة بسحّاب، أرص الملابس، أخرج الملابس وأعيد طيها، أسأل صديقتي المهاجرة إلى بلدة قريبة من البلد التي أنتوي الرحيل إليها عن أهم ما آخذ معي، تسألني في ذهول أليس باكرًا أن تحضري الحقيبة؟ أقول أني كنت أرتب غرفتي وعندي وقت، أريد أن أنهي ترتيبات السفر قبل رمضان!
لا تنتهي الترتيبات قبل رمضان!
لا تنتهي حتى بعد رمضان!

لماذا لا أسافر الأسبوع المقبل؟ ولماذا أسافر أصلا؟ ولماذا لا ينتهي هذا العالم عن الدوران المقيت؟

تمر صباحات جميلة، ليست كل الأيام سود، أقابل أطفالي وأرتشف الحياة من مباسمهم، أستحم في الصباح، يغريني عطر جميل وتبرج، أتأخر كل يوم عن حضوري، أقول في نفسي مادمت أبتسم فليحترق العالم، لم يعرف العالم أني أتعطر كل صباح لإني أحترق!

تمر بعض الأيام ثقيلة، وبعض الأيام لا يمر!

اليوم من الأيام الثقيلة، أضايق نفسي، أدفعها للجنون، غرفتي تحتاج لترتيب، أفرك جسمي بالملح، أمشط شعري أكثر من خمس مرات، أفرك وجهي أكثر من مرة، تلتهب بشرتي من فرط غضبي، أتصفح الهاتف وأشياء لا قيمة لها، أكسر جزءًا من سني يستلزم زيارة الطبيب، أفكر في أشياء عبثية، أفتح رسائلك، أقرأها، أشمها فلا يكون إلا الحبر، أفتح صورتك على هاتفي، أتحسس بسمتك، ولا أعرف ما هو الشعور الذي يجب أن أكنّه لك؟ الغضب؟ الكراهية؟ الشوق؟ العبث؟ الهروب؟ الاحتقار؟ التخطي؟ الحنين؟ اليأس؟ الأمل؟ التعالي؟ التجاوز؟ التعلم؟ التبسم لذكريات جميلة؟ أو صب اللعنات على رأسك!

لم أعد أسأل نفسي كيف انتهى، أكرر على مسامع قلبي أنه انتهى، أغلق الباب على نفسي، أغلق الأبواب عليك، أهرب منا، منك ومني، أريد تجربة الهروب الذي تفعله وتختفي ولا تشعر بشيء، كيف لامريء أن يجعل قلبه مكان نعليه ويخطو؟

أجرب السفر والهرب، وعدتك ألا تجمعنا أرض ولا تظلنا سماء، سأبذل ما في وسعي حتى أفي لك بعهدي، حتى وإن خرقته أنت!