السبت، 8 يونيو 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (19)

الجو حار 

أو أن جسمي هو الذي يشعر بالحرارة

أو أن كلانا لا يطيق الآخر، أنا وأنا!

أهرب إلى ما تحت الماء، أنفق الوقت في عناية مصطنعة بنفسي، الماء يهدر فوق كتفي علّه يمحو عنهما الإثم، وعن قلبي كل هذا الثقل الذي يعتريه!

ما تبدأ طريق بالفتح إلا ونغص حائط صفو هذا الفتح، وبدأت كل الحوائط تتكالب فوق رأسك!

اليوم، الماء يهدر، تمر حشرة في صندوق أدواتي، أفرغ الصندوق، أغسله جيدًا، أجففه، أرتب أغراضي من جديد، أختار المقشر الثقيل، مقشر الملح، أختار صابونًا خاصًا، أغسل الحوض، أفرك جسمي، أقارن بين السكر والملح أختار الملح

أفرك جسمي بالملح كثيرًا، في دوائر كما هو مدون على الورقة، أفرك جسمي بشدة، كأني أزيل طبقات من الأوساخ لا أراها، أفرك جسمي بقوة، جلدي يحمر، وأنا أفرك، وأفرك وأفرك وأفرك، أزيل الأشياء العالقة بقلبي، مثل الآلة أعمل وكأنه ليس جسدي، بوادر التهاب من كثرة الفرك والملوحة، وأنا أزيل الهم والعناد والعتب والتعب عن قلبي.
في تلك الحركات القوية والمتتابعة والمنتظمة وكأنها مفصولة عني، وكأننا مفصولان عن الزمن والمكان أسأل نفسي، لماذا لم تختار السكر؟ لماذا اليوم اخترت الملح بلا غرض وبلا سبب؟
السكر ألطف وأسهل ورائحته أعذب، لماذا لم أختر السكر؟

لأني حزينة
لأني مثقلة بالحزن
لأني محملة بالهم والأوساخ
كأن أفكار عقلي المزعجة أوساخ على جلدي، أحاول إزالتها بكل ما أوتيت من قوة!

بشرتي تثور، الملح يتغلل أفكاري العفنة، الملح حنوط الجثث، الملح حفظ للموت، الملح يطرد الأرواح الخبيثة، الملح يطرد الطاقات السلبية، الملح يطرد الأطياف الشريرة، فلماذا لا يطردني؟ ولماذا لا يطرد الشر مني؟ ولماذا لا يطرد الأفكار عني؟ ولماذا رغم كل هذا الفرك لم أتخلص من تلك الزوبعات في قلبي؟

سنة كاملة، أفرك فيها جسمي أكثر من اللازم، أتحمم أكثر من اللازم، أغير ملابسي أكثر من اللازم، أرتب الأشياء في عصبية كاملة، أساعد الخادمة التي تأتينا كل فترة لترتيب البيت، أقول لها أنا أتولى هذا، أرتب وأرتب وأرتب وأمسح التراب كالمجانين وكأني أنفضه عن روحي، أنفق وقتًا طويلًا كالخائبات، أخرج لها مطأطأة الرأس، ترى العجز في وجهي والانهاك، تقول لي لا بأس فقط أخبريني بالمهم الذي تودين الاحتفاظ به، أخبرها، تنجز الأمر في دقائق!!!!!

أخرج كل ملابسي من الخزانة، أعيد طيها مرة ثانية، جميعها، بشكل آخر، أعيد ترتيبها، أنفق الساعات في ترتيب الخزانة وطي الملابس، أبتسم، أسعد لآني أنجزت شيئا، لأن هذا الجزء من حياتي مهندم ومرتب! يوم يمر، تعود لي كآبتي من جديد!

أرتب الكتب، أفرغ صندوق الكتب، أبحث عن رواية الطنطورية، ألعن سلسفيل من أخذها ولم يعيدها، أكتشف الكتب التي لم أقرأها، أخرجها، أرتبها فوق المكتب، أدخل الكتب التي قرأتها إلى الصندوق، أمسح عنه التراب الذي يتراص بسرعة البرق، تمر الأيام ولا أقرأ، أدخل الكتب الصندوق حتى لا يأكلها التراب، أنا أكره التراب، أخرج كتبًا أخرى، أغلق الصندوق، لا أقرأ أي شيء!

أفتح حقيبة السفر، أرتب فيها بعض الملابس التي أحتاج، بعض الصابون، بعض الكتب، أخرج الكتب ثانية، أضع بعض الرسائل التي أهداني إياها من كنت حبيبته، أضعها بحافظة صغيرة بسحّاب، أرص الملابس، أخرج الملابس وأعيد طيها، أسأل صديقتي المهاجرة إلى بلدة قريبة من البلد التي أنتوي الرحيل إليها عن أهم ما آخذ معي، تسألني في ذهول أليس باكرًا أن تحضري الحقيبة؟ أقول أني كنت أرتب غرفتي وعندي وقت، أريد أن أنهي ترتيبات السفر قبل رمضان!
لا تنتهي الترتيبات قبل رمضان!
لا تنتهي حتى بعد رمضان!

لماذا لا أسافر الأسبوع المقبل؟ ولماذا أسافر أصلا؟ ولماذا لا ينتهي هذا العالم عن الدوران المقيت؟

تمر صباحات جميلة، ليست كل الأيام سود، أقابل أطفالي وأرتشف الحياة من مباسمهم، أستحم في الصباح، يغريني عطر جميل وتبرج، أتأخر كل يوم عن حضوري، أقول في نفسي مادمت أبتسم فليحترق العالم، لم يعرف العالم أني أتعطر كل صباح لإني أحترق!

تمر بعض الأيام ثقيلة، وبعض الأيام لا يمر!

اليوم من الأيام الثقيلة، أضايق نفسي، أدفعها للجنون، غرفتي تحتاج لترتيب، أفرك جسمي بالملح، أمشط شعري أكثر من خمس مرات، أفرك وجهي أكثر من مرة، تلتهب بشرتي من فرط غضبي، أتصفح الهاتف وأشياء لا قيمة لها، أكسر جزءًا من سني يستلزم زيارة الطبيب، أفكر في أشياء عبثية، أفتح رسائلك، أقرأها، أشمها فلا يكون إلا الحبر، أفتح صورتك على هاتفي، أتحسس بسمتك، ولا أعرف ما هو الشعور الذي يجب أن أكنّه لك؟ الغضب؟ الكراهية؟ الشوق؟ العبث؟ الهروب؟ الاحتقار؟ التخطي؟ الحنين؟ اليأس؟ الأمل؟ التعالي؟ التجاوز؟ التعلم؟ التبسم لذكريات جميلة؟ أو صب اللعنات على رأسك!

لم أعد أسأل نفسي كيف انتهى، أكرر على مسامع قلبي أنه انتهى، أغلق الباب على نفسي، أغلق الأبواب عليك، أهرب منا، منك ومني، أريد تجربة الهروب الذي تفعله وتختفي ولا تشعر بشيء، كيف لامريء أن يجعل قلبه مكان نعليه ويخطو؟

أجرب السفر والهرب، وعدتك ألا تجمعنا أرض ولا تظلنا سماء، سأبذل ما في وسعي حتى أفي لك بعهدي، حتى وإن خرقته أنت! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق