الاثنين، 10 يونيو 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (21)

عندما أضطرب، كنت في السابق أمتنع عن الطعام، فكل طعام آكله يسبب لي المغص الشديد، ونوبات من الإسهال القاتل كأني أكلت شيئًا فاسدًا، وتستمر النوبة لساعات وربما لأيام!

في وقت لاحق كنت آكل كثيرًا، أكل الكثير من الحلوى، أنا لست فتاة حلوى، ولا أشتهي السكر كثيرًا لكني أحب الطعام، كنت آكل كل شيء، كنت آكل كل مالا يفيدني، سمنت كثيرًا، زاد وزني لأكثر من اثني عشر كيلو جرامًا، كنت أجد صعوبة في ممارسة التمارين، أو حتى الانتظام على حمية غذائية!

أضطرب، فآكل كل شيء أمامي، الأخضر واليابس، الكتب والموسيقى والألوان وكل شيء، آكل البشر أحيانًا، أقيم لهم مقابر دائمة تحت سريري، وأدفنهم للأبد في ركن بارد مظلم، ولا أنبش أي قبر إذ أسويه بالأرض!

أضطرب كثيرًا، فأفقد ذاكرتي، وأكتشف نفسي من جديد، ليس كل اضطراب هو قدر سيء!

أنا مضطربة، أنا قلقة، أنا مريضة اكتئاب، أنا حزينة، أفقد إيماني كثيرًا، منذ عامين كنت أخرج إلى صحراء وأصرخ هل تسمعني يا الله؟ هل أنت هناك؟ هل يروقك المنظر؟ هل تمد لي يدك؟ لماذا تفعل بي هكذا؟

كنت أبكي، كنت أقنط، كنت أجزع، كنت أريد الخلاص من كل شيء! من حياتي أول الأشياء، كنت أريد الخلاص مما بعد الحياة، لا أريد شيئًا من إيماني، ولا من كفري!

كنت أواجه نوبات القلق الحادة من ثلاث سنوات، لما يقارب تلك المدة كانت نوبات القلق أكثر وأسرع وأشد فتكًا من نوبات الاكتئاب، كنت في هذا الوقت أعرف نوبات اكتئابي، أرصدها، أشعر بها، اتعامل معها، أتخطاها، لكني كنت جبانة بما يكفي ألا أشاركها أحد!

أقول الآن لصديقتي، لو أني بذات الوعي بنفسي منذ سنوات كنت شاركت نوبات ضعفي مع من أحب، كنت طلبت المساعدة، كنت ارتميت في حضن صادق أختبيء فيه عن النوبة، وكنت أرص حولي الورق والألوان، وكنت أعتذر مسبقًا عن عزلتي ووحدتي ورغبتي في الاختفاء وربما الموت، كنت لأعرف كيف أن النوبات تمر أسهل مع المحبين الصادقين!

نوبات القلق شرسة، بلا رحمة، هل قلت يومًا أن القلق وحش؟ إن كان للوحش قلب فإن وحش القلق لا قلب له! 
القلق كان يأكل رغبتي وذاكرتي، يسحقني، أقرأ ولا أتذكر ما قرأت، أسير في الشوارع وأنسى من أنا وأين طريقي، أقابل زميلي في العمل والذي عملت معه لسنوات طويلة وأنسى اسمه، أنسى اسمه تماما، نتشارك في عمل فأحتاج أن أناديه، أقول لو سمحت يا أستاذ! بعد اذنك، وقفت لحظة نسيت فيها أني نسيت اسمه وقلت لو سمحت يا .... يا .... نظر لي شذرا، أعطاني الورق، هل ظن أني أسخر منه؟ لم يعد يلقي علي تحية الصباح، ولم يعد يبتسم في وجهي إن تلاقت الأعين!

وحده الحب يجعل للأشياء قلب، يجعل للقتال معنى، يجعل للأمل لمعة، كنت في كل اضطراباتي وسخطي، أعرف أن الله يرى، هو يحبني، أشعر بذلك في قلبي، أنا أحبه، هو يعلم ذلك قبلي، أنا عاصية طوال الوقت، لم أكن يومًا راضية عن نفسي، إيماني ملحد، أقول دومًا أن قلبي صوفيٌّ وعقلي ملحد!
الله وحده يقبلني على ذلك! أصرخ بالليل ساخطة، لأجد في الصباح بسمات الصغار تحاوطني!

جوناثان، طفل في السابعة، كل صباح يلف ذاعيه حول رقبتي، إن لم أنحن له فحول رجلي، وعندما ارتفع طوله كان يحضن خصري، قصير وخفيف الظل ولطيف، كان هذا لطف الله!
العام التالي، وردتي كما أسميتها، عائشة، سمراء، عيونها سوداء، بسمتها تشرح القلب الحزين، وكان قلبي حزين، وكانت بسمتها مهجة!
كتبت لها يومًا أنت جميلة مثل الوردة، ابتسمت، دمعت عيناها، ارتمت في حضني، كل يوم تضمني في حضنها، أنا الصغيرة التي تحتاج تلك الرحمات يا وردتي! كانت تقول لي: عندما أراكِ أطمئنّ! وأنا التي كانت تطمئن!

مجموعة أخرى، يعلمونني ألا أقسو على نفسي، بعد فترة من العمل قلت لهم، لم تيأسوا مني!!!! وأنا كنت يائسة من كل شيء!
تدربت معهم على ضبط النفس، كنت أنسى كثيرًا، وكانوا عونًا كبيرًا، كنت أضطرب، وكانوا يطمئنونني، كنت أخشى طوال الوقت أن أخيفهم، كانت عيونهم طيبة، كنت أهدأ، عندما علا صوتي، عندما أزعجني أمر بسيط، اعتذرت لهم، كنت صادقة في اعتذاري، كانوا صادقين في القبول!

كل يوم يمر بشكل جديد، شهور قد تتشابه، وأيام قد لا تتكرر!

أضطرب كل يوم، لكني كنت أريد فهم اضطرابي، كنت أريد مساعدة نفسي، أحب الحياة، أو هكذا كنت من قبل، وأريد أن أستعيد هذا الحب ثانية!

الله ..... يمد لي يده كل يوم، عندما أراها وعندما لا أراها ولا ألتفت لها!

أكتب، وسأكتب، وسأمتنع لفترات أخرى عن الكتابة، سأخطو ببطء نحو الحياة، لكني لن أخطو للوراء ثانية!

سأتعثر، وأرتكب الأخطاء كل يوم، ويثقل كاهلي بالإثم، سوف أكون سببًا في اضطراب أحدهم، وسوف أهب أحدًا آخر كل الأمان والحب، سأفعل ما بوسعي كل يوم لأسير في الطريق الصحيح، وستفترق بي الطرق حتى أجده ويجدني، الطريق ينادي صاحبه ....

سأشرب القهوة، وأصبحت أعرف لكثرة فترات المرض كيف أعالج معدتي بدون الطبيب، سوف أسعل كثيرًا بسعال عصبي لا حل له إلا الهدوء، سوف أشرب الأعشاب التي لم أكن أطيقها، ولكني اعتدت الآن طعمها وأحببت تأثيرها على صدري،وإن اضطربت بي الطرق لسيجارة دخان سوف أدخنها وأسعل، أو سوف أختار مشروبًا طازجًا بدلا عنها! 

سأترك لاكتئاباتي الوسادة خالية وجاهزة، وسآخذ قلقي من يده بعيدًا عن تلك الخطط البسيطة، وأفزع وأبكي وأصرخ وأتشاجر وأفتعل المشكلات، وأحافظ عن الاعتذار، ودائرة ضيقة جدا من الصادقين لا أريد سواهم ولن أتمسك بهم إن قرروا الرحيل!

لم أقل يومًا أني قوية، لا أحد أقوى من الكون، أنا ضعيفة، أنا نبتة خضراء، أنا برعم طري، إما أن تداعب الريح شعري، أو أنتصب بالقوة المصطنعة أمامها فتخلعني، وأنا؟ آخذ الريح كأنه النسيم في حضني وأطير! 

كل يوم هو فرصة لنوبة قلق واضطراب، كل يوم فرصة للمرور بلا خسائر، وكل يوم هو فرصة ولو ضعيفة لأن يمر بنسيم هاديء وعبير وردة!


** بحبني وأنا متفائلة والله كنت هقطع شراييني من يومين :D  مجنونة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق