الأربعاء، 9 أغسطس 2017

جيران القمر

أنا مؤمنة أن من ينظرون إلى القمر ينظر إليهم ..... ومن يعشقونه يعشقهم ...... ومن يتغنون له جيرانًا يصبح القمر صاحبهم ومن بني عمومتهم فجأة!

أن من يقصون له حكاياهم يسمعهم وينصت لهم ويتتبع معهم المشوار ...... يرسلون له تبعات كل شيء ..... ويبثونه أحزانهم وشكواهم .... ويترفق بهم ويحزن ويدمع .... وقد يختفي في آخر الحكاية خجلا أن يظل باسما أمام عيونهم ... فيقولون عنه محاق!


أنا مؤمنة ... أن كل الذي قلته للقمر يحفظه .... وكل الذي لم أقله له ..... أخبره كل ليلة يستدير فيها ويقترب من قلبي نحنا والقمر جيران ..... أغمز له بعيني فيحمر شفقا وخجلا .... ويبتسم لي إذ أطالعه من شرفتي كل مساء!!!


إذا لم أحفظ الود ينساني ... أو يتناسى ... ولا يخبرني بمواعيد الشروق والغروب .... ويصبح كل حضور كالغياب ... ويصبح كلانا يتحاشى النظر بعين الآخر ..... هو حزين وأنا خجلى!

وعندما أنظر إليه بعين الطفلة التي أجاهد كل يوم كي تبلغ العشرين فقط ... فقط عشرين! ولا تستجيب ..... تنظر إليه فجأة ... تتراقص جذلة .... وتقفز إليه وتلقي بقبلة إلى السماء .... تشير بلهو .... ماما انظري ... إنه اليوم بدر ... أو إنه اليوم هلال وليد!!! تتعجب أمي في كل مرة .... ألن تكبري؟ أتجاهل كلماتها وأغمز للقمر ... " كبرت انت ودورت ياعم وبقيت قمر يا قمر"

مؤمنة تماما أن القمر يبتسم لي حينما أبتسم له ... ويغمز أو يخجل حينما أغمز له .... وأحيانا كثيرة يضحك كشيخ كبير أو يرسل لي قبلة كما يفعل الصغار في الهواء!

من قال أن القمر جسم معتم يعكس الضوء؟ القمر قمر .... القمر ضوء ... ألا تصدقون؟ شاهدوا هذا الفيلم من هـــنــا

وعليه ..... فالقمر جميل جدا الليلة .... جميل مثل رغيف الخبز الدافيء وقت الجوع وبرد الشتاء يغزوك عصف الرائحة الذكية من التنور .... تدفئك الرائحة قبل أن تصل اللقمة إلى جوفك

والقمر مثل صحن جميل وشهي ...... فيه تتذوق طعم الحياة

والقمر مثل وجه جميل محايد ... لا هو ولد ولا هو بنت هو قمر .... قمر وفقط ..... يبتسم لي ولك وللعالم أجمع بلا تفرقة وترى في عينيه أنه صديقك وحدك وملكك وحدك ولا يعترض

وعندما تصبح لي سحابة أعيش فوقها سوف أذهب سريعا وأحضن القمر ..... وأحضر له كوبا من الشاي الساخن بطعم الخوخ أو الفراولة ونسهر سويا نتكلم حتى ننام في وسط الحكاية .... وفي الشتاء سوف نشوى الخمطى (المارشميلو) ونشرب القهوة والشيكولاتة وأرسم على وجهه بسمة بما تبقى في كوب القهوة ويضحك كثيرا ويغمز بعينه ونرسل القبلات للورد فقط .... وقد نلوح كثيرا للكلاب التي تعوي بوجه القمر على سبيل الحنين والحب والأسى! 

السبت، 25 فبراير 2017

عندما نغني!

عندما تدخل كل تلك الكلمات إلى أرواحنا، تلمسنا من الداخل، تفعل فعلتها في أجزاءنا وخلايانا، تلك الكلمات نحن، تلك الموسيقى الصاخبة بما يدور في قلوبنا من ألم أو فرح، تلك الطقطقات التي توائم بشدة نبضات القلب، تحدث إيقاعًا خاصا جدا، لا ندري لم نحن بالذات، ولم تلك الأغنيات بالذات، لكن هذا ما حدث!


عندما نغني، عندما نمنح هذا الشيء جزء كبير منا، عندما نتوحد في تلك المقطوعات الصغيرة، عندما نعيدها مرارا وتكرارا، عندما نضع سماعات الأذن ولا نسمع أي شيء يدور بالخارج، ندخل في عالمنا نحن، عالمنا وفقط، نشارك فيه الجميع بسمات لا متناهية، بسمات قد تختلط بمزيج من الألم والقسوة والمرارة، ذاك الصبر الذي يخرج في صريخ موشِّح بقول يااارب، وأنين أخرى بآهة ألم وعذاب وشوق!

عندما تضيق علينا جلودنا، يسعنا اللحن، يسعنا الغناء، يسعنا الفضاء، يسعنا هذا المزيج المكلوم من كثرة السكوت، يسعنا الوتر، الوتر الذي يصرخ عندما يشتد، ويعوِّل عندما يتألم، ويرق ويضحك حينما يبتسم له ثغر الحبيب!

في الرقص، يتلاشي كلانا بصاحبه، في الغناء، نكون نحن وفقط، نحن الذين يتلاشون في النغمات حتى تفرقنا السماء في أنحاءها فنسقط كالمطر، أو تجمعنا فنطل على الأرض في هيبة كالسحاب!

السماء التي تضحك معنا فتبعثنا من جديد في قوس قزح، وترسلنا قبلة لتلك الزهرات والوردات، أو تعصف بكل أوجاعنا، وتجعل من خناجر القلب الكليم رعدا وبرق!

عندما نغني، نجد أنفسنا، نبكيها ونضحكها، نجد تلك الجواهر المدفونة تحت كل الألم والسخط والتعب والضعف والخوف والوحشة والارتياع، كأن الألحان تجمعنا على أشلاءنا من جديد، كأنها تربط قلوبنا بأوتار الكمان، كأنها تسند ظهورنا بعصا الإكسليفون، أو تدفئنا بداخل طبلة، أو ترثينا في صوت الناي الحزين!

أعطني الناي وغنِّي، أعطني فضاء يسعني، أعطني قلبي الذي يهرب في كل كلمة، وأعطني تلك الروح التي لا تجتمع إلا مع الناي الحزين!

هذا الغناء .... هذا السحر ..... هذا الفضاء ..... هذا الشيء الذي يجمع فتات القلب!

* من وحي فيلم ( غنِّي) SING