الأربعاء، 24 يوليو 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (28)

كان من المفترض أن أكتب هنا ما يساعد أو ما يشعر به مريض القلق والاكتئاب

تلك الفوضى التي تنتابني

أن أحكي عن النوبات إذ تجتاح داخلي كله، وأن أحكي كيف تعاملت أو أتعامل معها
أن أشارك قوتي وضعفي، أن أشارك تلك اللحظات التي أنتصر فيها، وتلك اللحظات التي أحتاج فيها للوقوف من جديد
أن أكتب وأكتب وأكتب
أن أخرج ما في صدري بلا تفاصيل كثيرة، وبلا تعديل ليناسبني أنا فقط بل ليجد من يشاركني ذات الاضطراب ولو جزءًا منه، لكني لاحظت، أو أمسكت نفسي وأنا أكتب عن شيء وحيد، وعن شخص واحد، وعن تجربة واحدة، في علم النفس ما يحكى على السطح هو انعكاس للأعماق المضطربة، لكني لست طبيبة، ولستم أطباء، نحن عجزة نتكيء على كلمة طيبة وفضفضة مريحة ...
أكره فكرة المجموعة التشاركية العلاجية، أكره أن أتكلم عن ضعفي وضيقي والعيون مسلطة على وجهي، والعيون تتفحص عيني وشكلي ومظهري، أكره هذا التواصل المفتوح الذي  لا أسيطر فيه على الأمور والذي ليس بيدي أصلًا فيه شيء.
أكتب نعم، وأعلم أن ثمة من يقرأ، أن هناك أحد أي حد قد يظهر له هذا المحتوى في صفحة بحث عن شيء ربما لا علاقة له بما أكتب عنه، فيقرأ، أنا لا أعرف من قد يقرأ، أنا لا أعرفه ولا يعرفني، أنا خلف الشاشة وهو أمامها من ناحية أخرى، عيوننا لن تتلاقي، ونظرات الشفقة أو التشجيع أو الإحباط لن نتبادلها يومًا، أنا بأمان هنا، أنا بخير.....
حتى تلك اللحظة الشجاعة التي كتبت فيها على فيسبوك، كانت من أجله هو، كنت خائفة عليه جدًا، كنت أعلم أنه لن يقبل أن يكلمني، لن يستطيع، ولن يريد أن أكلمه، عندما يحب أن يكشف لي ستره ويفتح لي قلبه سوف يأتي وحده، وسوف يفعل هذا بأريحية شديدة، كأنه لا سنوات ولا مشاجرات ولا اضطراب، سوف يصبح النهر بيننا هاديء فجأة، وسوف يسبح فيه بحرية وهدوء، لكني لم أستطع أن أسكت، لم أستطع وهو بعيد في مكان لن أعرف كيف أمارس حمايتي له فيه، لن أقدر أن أمنعه أن يؤذي نفسه، ولا أريد أن يكون آخر أملي أن أبكي فوات الأوان، فكتبت كل شيء مررت به عن الانتحار، كل شيء مرورًا سريعًا، حتى يقرأ، حتى يتراجع، فيوم أن حكيت هناك بلا حسابات كان لأجله هو!
واجهت بعدها بشاعة فعلتي في العمل، هناك من تجرأ من زملائي وكلمني بعدها، وهناك من تجنبني :) لا لشيء لكنهم ظلوا لفترة غير مصدقين أن تلك التي توزع البسمات صباحًا، وتفرق الأحضان الدافئة، وتنثر بعض الحلوى، هي التي اسودت الحياة عندها وانتهت منذ زمن!

ابتعدت عن الفيسبوك، ضيقت الخناق حول نفسي، أحاول أن أكون بخير بعده، لكني بالنهاية أكتب عنه!!!!

قرأتُ آخر تدوينة كتبتها، ندمت، لا يجب أن أقول كل شيء هكذا حتى وإن كان مريحًا أن أحكي، وليس شأنكم ولا ذنبكم أن أكرر احباطاتي يومًا تلو الآخر!

لم يكن إنسانًا سيئًا، لم يكن مؤذيًا، لم يكن سوى حلم جميل لم أتمنى أبدًا أن أفيق منه، لم يكن سوى صديق جيد، وحبيب رائع، وأخ مساند، وشريك أتعكز عليه ويمد يده إذ أسقط منه!
كنت أتمنى أن نتقابل وأنا بحال أفضل، كنت أتمنى أن أستطيع أن أكون أنا أيضًا فسحة من ضيق الدنيا، وظلًا يستريح إليه، وسكنًا يحمله كل ليلة، كنت أتمنى أن ألون كل شيء حوله، أن أعطيه المزيد من الضحكات، والنكات، والحكايا الطيبة أكثر من الدموع، والخوف، والقلق، والاضطراب، والتوتر، والخوف والخوف والخوف والضغط والعصبية والثورة والصراخ، كنت أتمنى أن أكون ألطف، رغم أني لم أكن لطيفة جدًا إلا معه، لم أر كل هذا الحب بداخلي إلا معه، ولم ينفض أحد غيره عن قلبي التراب، دخل حجرتي وكهفي الصغير، رتبه، وضع لوحات بألوان قوس قزح، وضع طاولة بيضاء وكرسي أبيض، وضع مزهرية، ووضع فوق الطاولة أيضًا بعض الكتب، وضع في الركن الصغير جرامافون، ورتب لي سريرًا دافئًا، وبدل ستائري السوداء بأخرى حريرية، ألوانها ناعمة، وفتح النافذه بهدوء، فتحة لا تكشفني ولا تحجب النور، وخرج إلى شاطيء البحيرة، جلس هناك وحده، جلس ينتظر مني أي طلب كان يعتبره أمر، تركني وحدي هادئة، وعندما افتقدته وخرجت إليه سألته: لماذا تفعل كل هذا؟ لماذا تتحمل؟ كان يقول لي بأني شمسه، بأني ملكته، بأنه عبد مطيع! أي عبدٍ يمتلك قلب سيده يسوده! وقد امتلكت قلبي!
ما الذي حدث؟ غير جنوني؟ غير اضطرابي؟ غير أن صبره نفذ؟ غير أن طاقته انتهت؟ غير أنه أيضًا غير سليم، يعاني الكثير ويتحمل ويواري ألمه عني، ويحمل وجعه وحيد! 
كلانا خائف، وكلانا حزين، وكلانا يود لو يقدم تجاه الآخر لكن .... ثم؟
لو اننا اتفقنا؟
لو أني عرفت وقتها ما عرفت اليوم، اليوم تحديدًا، اليوم فقط!
لا بأس .... لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا .... آمين!

وبعد، فهذا اعتذار ... منكم ... ومنه .... اعتذار منكم لإني أزعجتكم بشيء شخصي حزين!
واعتذار منه لإني كنت مريضة أكثر من اللازم فلم أكن حكيمة أكثر وواعية أكثر وطيبة أكثر ... لكن والله والله لم أحب أحد ولم أشعر برحمة وود تجاه أحد، ولم أرغب من عميق قلبي أن أبذل الغالي والنفيس لأحد إلا لك ....

والسلام ختام :)

الجمعة، 19 يوليو 2019

سيف الخوف بتارٌ! (27)

أنا خائفة .... مم؟ ولم؟

أنا خايفة بحق .... الأمر لا ينتهي عند حد معين ... أتساءل كل يوم ما الذي حدث وكيف انتهينا هنا؟ وكيف صارت كل تلك المسافات بيننا؟ ومن منّا خذل الآخر؟ 
لم أخذلك ... طرفة عين لم أخذلك ... لمحة طرف لم أخذلك .... لم أخذلك وأنا ممسكة بطرف ثوبك أرجو منك كلمة حب واحدة!
ولم أخذلك حينما كنت أتوسد روحك وأنام
ولم أخذلك عندما قلت لك أخاف نهاية الأشياء، سوف نفترق .... سوف يذهب كل منا إلى طريق ... أقسم بربي لم أخذلك!
كنت أنتظر منك كلمة واحدة، أن تقول لي لن يحدث، أن تقول لي أن هواجسي ليست حقيقية ... أن تضمني لصدرك مثلما كنت تفعل دومًا، في ذاك اليوم كنت محتاجة أن تضمني لضلوعك وتسكنني روحك .... كنت محتاجة أن تقول لي لن يأخذك العالم مني .... لن يأخذك الخوف ... لن يأخذك اكتئابك اللعين .... لن يأخذك الوسواس حيث تخشين كل الرجال إلا أنا ... وترتعبين من كسر المسافات إلا عندما أقترب ..... وتتعثرين في أفكارك حتى أقول لك كل صباح " صباح الخير يا حلوتي"
لماذا قسوت علي في الفراق ولم تقسو وأنا في حضنك؟ لماذا لم تأخذني مني إليك عنوة؟ لماذا لم تضم شعر رأسي بيدك وتجذبها إلى كتفك وتقول لي اسكني أيتها الريح الشريرة؟ فتهدأ العواصف بداخلي، ويرقد البركان حيث يثور؟ لماذا أحببتني كل هذا الحب وسلبت مني الحياة؟ تعتذر مني وترجو أن أسامح عبثك، وجنوني من يغفره لي؟ وخوفي المتزايد من يتحمله عني؟ وقلقي منذ رحيلك من يخمده؟ وصراخ داخلي من يسكته؟ وشوقي لصوتك من يطعمه؟ وفراغ الحياة من مفهومها من يملؤه؟ وتلك الطرق المتداخلة والمتشابكة والمتفارقة والتي لا تهدي لشيء من يأخذ بيدي بينها؟ وهلعي كل صباح من يقول له كل شيء على ما يرام؟
كم مرة أخبرتك أني كنت أهرب مني؟ كنت أهرب حيث لا أنت ولا أنا؟ كنت أهرب حيث لا أفقدك .... كنت ومازلت خائفة ... هل إذا لمست وجهك احترقت؟ هل إذا لمست وجهي؟ ما الذي قد يحدث إذا لامست وجهي سوى الإشراق؟ تلك البسمات التي تشرق عليها صباحاتي في عينيك ..... 
هل أخبرتك أن قلبي يؤلمني إذ أذكر ضحتك؟ أني ملكت كل ما أردت من الحياة بلحظة؟ أني خسرت كل ما تمنيت من الحياة بلحظة؟ أينا الجاني يا صديقي؟ وأينا خذل الآخر إن لم يكن كلينا!
هل تسامحني؟ أنا سامحتك ... أنا لم أجافيك يومًا .... أنا لم ينكسر قلبي إلا لخيال امرأة ظهر لا أعلم من أين! أخبرتك كل جنوني عندما تكلمنا ....
أنت خائف يا حبيبي ... أعرف .... أنت غاضب مني كالصغار ربما .... أو غاضب من الدنيا .... أو غاضب من نفسك ...
متى ينتهي الغضب؟ ولماذا لا ينتهي الغضب؟ ولماذا لا يعود الزمن بنا للوراء أو يسير بسرعة للأمام أو للأعلى أو للأسفل فنلتقي؟ هل نلتقي؟ هل سوف نلتقي؟
كتبتَ منذ زمن طويل أنك مخذول في أحبة ..... رجوت أن أكون أنا كل أحبتك مثلما أنت كل أحبتي ... ورجوت ألا أكون صاحبة كلمة الخذلان! سألت نفسي مرارًا متى خذلته؟ سألت نفسي تكرارًا كيف خذلته؟

منذ يومين .... قبيل منتصف الليل ... أخبرت صديقتي خاطرًا يأتي على قلبي .... أننا التقينا ... قبل الخلق التقينا ... في الماضي السحيق التقينا .... في المستقبل البعيد التقينا ... في حياة أخرى التقينا .... منذ رأيتك أول مرة كنت أعرفك .... كنت أننا التقينا .... اهتزّ قلبي كزلزال يضرب جوانبه .... تنحبس أنفاسي وترتعد أواصري ... أنا أعرفه ... من هذا أنا أعرفه؟ ... وعندما مرت خمس سنوات التقينا ... وعندما مرت ست سنوات تقاربنا وتقاربت أنفاسنا وصرت أعرف رائحتك ... كنت أعرف رائحتك .... وصرت ألمس وجهك .... كنت أعرف وجهك .... وصرت أمسح شعرك ... كنت أعرف تعاريج رأسك .... كنت أعرف سعة صدرك .... كنت أعرف شكل عظامك .... فقبل أن نلتقي يا حبيبي كنا التقينا ....
هل كنت تعرف هذا قبل أن نلتقي؟ هل كنت تدرك هذا قبل ان نلتقي؟ هل كان ما قلته لي في لحظة سكر كان ما يدور بقلبك حقًا؟ هل تذكره؟ هل يعني لك شيئًا الآن؟ ..... " كنت عارف إنك موجودة، كنت متأكد إني هقابلك، الحب ده كله كان لازم يروح لحد" هل أخبرتك أني قبل جملتك هذه بتسع سنوات كنت رأيت في عينيك أنك حبيبتي فأنكرت وهربت منك؟ أني كنت أعرف أني إن اقترب منك سوف أذوب؟ سوف أتلاشى كقطع السكر؟
نحن التقينا .... وهذا خبر سعيد جدًا ... سعيد بحق ... سعيد قدر أني مازلت والله لا أصدق أنا التقينا .... حزين قدر أنه سريع جدًا .... متى انتهى اللقاء ولم أشبع من رؤية عينيك ولم أملأ صدري برائحتك؟ 
نحن التقينا يا حبيبي .... ولأول مرة كان للكلمات معنى، مهمة رائعة ... شكل وطعم ورائحة وملمس ودفء ... كان للكلمات دفء ... كان لصوتك إذ يغالب نعاسي كي أفيق دفء ... كنت أود ألا أفارق النوم كي تدللني أكثر .... لكن مزحاتك كانت تضحكني فينكشف أمري وأفيق!
منذ فترة طويلة، لم أعد أذكر الزمن تحديدًا، أعادوا عرض فيلم ( أرض أخرى Other Earth ) على التلفاز ... تمنيت أن نكون هناك .... تمنيت أن نعرف أننا هناك ... تمنيت أن نكون معًا .... أن يكون لنا ذات البيت ... وذات الدفء ... أن ننظر من الأعلى إلى نسختنا هنا ونضحك ونقول مساكين ... هذا كابوس يرعبهم لكننا معًا وهذا ليس حقيقي!
منذ يومين في السيارة مع صديقتي ... كنت أخبرها عن خوفي من فقدك .... عن الرعب الذي كنت أكابده كلما خفق قلبي لك ... عن أم موسى التي تعرف بقلبها أنه صبي وأنه محكوم عليه بالهلاك ... لأنه صبي؟ في قلبي كان محكوم علينا بالهلاك لأنك كل أمنيتي .... هل كانت الدنيا لتعطيني كل أمانيّ جملة واحدة؟ سوف تأخذك ... سوف تقتلك ... قلت لها هناك مشهد لا أنساه في فيلم "صانعة الأثواب، الخياطة The Dress Maker"، عندما أخيرًا ابتسم لها الحظ وشعرت بالحب ... قالت له أنها تخشى أن تصدق ... أن تصدق أن أحدًا يحبها .... وأنها تشعر بأمانٍ معه ... أزعجه قلقها .. لم؟ ... قالت له أنها نحس .... أنا نحس ... لا شيء أحبه يبقى معي .... قال لها أنت لست بنحس .... وأنا أحبك .... ووقف أمامها مازحًا يود أن يلقي نفسه بخزان الحصاد، يأمرها أن تقول له أنها ليست بنحس وإلا ألقى بنفسه .... لم تعرف كيف تتخل عن خوف لازمها لسنوات .... ترددت في الكلام ... أحبته ... وعندما أحبته خافت من نفسها عليه ... قالت له حسنًا أنا لست بنحس اخرج .... أتدري ما الذي حدث يا حبيبي؟ لم يخرج ... هي كانت شجاعة بما يكفي أن تقول أنها لعنة ... أنا نحس ... أنها شؤم ... أن ليس لها حظ مبتسم من الدنيا ... وأنا كنت أفكر ... هل ألقيك في اليم؟ هل اليم آمن عليك؟ لا يأتيني الوحي مثل أم موسى كي أتيقن يا حبيبي من نجاتك .... كنت بين هذا وذاك ... أن ألقيك وأن أمسك بك أكثر .... هل راجعت رسائلنا يومًا؟ هل تذكر كم مرة قلت لك ابق هنا؟ هل تذكر ما كنت تقول؟ "مالك بس يا حبيبتي أنا هنا أهو" هل كنت تعرف أني كنت أخاف من العالم، من كل العالم ، من أمي مع العالم، وكنت أرتاح إليك وأهرب معك من الدنيا؟ أنتَ الدنيا .... هل تذكر عندما كنا نتسوّق؟ كنت أريد بعض التفاح ... كان يومًا ثقيلًا، كنت خائفة كعادتي، وعندما يأتي الخوف والله لم أكن أعرف لماذا يجيء ومن أين يجيء، كنت أهرب إليك ... كنت ألتصق بك وأمسك بذراعك بكلتا يدي، قلت لك أريد بعض التفاح، قلتَ لي هاكِ ، اذهبي وأحضري ما تشائين، قلت لك تعالَ معي، لكنك رفضت وقلت لي: اذهبي أنتظرك هناك أراكِ من هنا، ذهبت خطواتي ثقيلة، أنظر إليك وأنت تبتسم، هل من المعقول أن أعود سعيًا إليك وأرتمي بحضنك وأقول لك أنا خائفة؟ وسط كل هؤلاء الناس أنا خائفة؟ في هذا المتجر المؤمّن أنا خائفة؟ هل يعقل أن شابة بعمري تجري عليك كأبيها وتبكي فجأة وسط الزحام والناس؟ نظرتك تدفعني للذهاب، بسمتك لا تفهم خوفي، ذهبت، بدأت بجمع بعض الحبات، ظل إنسان يقف بجانبي، أضطرب، يمد يده أمامي بتفاحة، أفزع، تبتسم تقول لي خذي هذه أيضًا، هل كان كل هؤلاء المسنين حولنا وكاميرات المراقبة والأمن وإداريي المتجر يسمحون لي بأن أحضنك وقتها وأبكي؟ أو أحضنك وأطمئن؟ أمسكت ذراعك ... التصقت بك ... تباعدت خطواتي قليلًا، كنت أخاف أن أبدو غير منطقية ومجنونة .... كنت أخاف أن أثير ارتباكك ...
هل تذكر عندما أحزنني أمر من هذه الخرابة التي نعيش فيها، كنا انتهينا من الغداء والليل أسدل ستائره، كنا في الطريق لمنزلي، كنت أخبرك عما يزعجني، تحدثنا قليلًا، أسندتَ رأسي لصدرك، وتشبثت أنا بك وقلت لك أريد أن أخرج من هنا، قلت لي أعدكِ أن أخرجكِ من هنا، قلت لكَ أنا حقًا خائفة ... ضممتني أكثر وقلت بهدوءك الجميل "خايفة من إيه يا حبيبتي أنا جنبك" كيف تسمح لي بالابتعاد؟ كيف تسمح لنفسك بالابتعاد؟ كيف تقول لي بعد كل هذا لم يكن حبًا .... بربك أقسمت عليك بربك ما كان هذا؟ 
هل تذكر حين تقابلنا سريعًا، قبل ذهابي إلى رحلة بعيدة، قلت لك أنا قلقة، قلت مم؟ قلت لك كابوس راودني وأفزعني، أنا خائفة، كان يبدو حقيقيًا الكوابيس تتحقق، قلت لي هذا مجرد حلم، لا تقلقي، لكن كوابيسي تتحقق ... لم تصدقني .. شبح أسود يقف بيني وبينك ... يأخذك بعيدًا عني ... وأنا عاجزة ... وأنت فاقد للوعي ... أبكي بحرقة ... أود لو أنادي عليك ... أمد يدي ... أختبيء خلف ساتر يحجبني عن الوحش ... وأنت ممدد هناك لا تتحرك ... أبكي بحرقة وأصرخ وأضع كلتا يدي على فمي كي يتيه الصوت عودًا لداخلي، والوحش يقترب منك ويأخذك ... وأنا أصرخ لا أعرف كيف أصل إليك؟ كنت تقولي لي أنه حلم، أني أوليه اهتمامًا أكثر من الزائد، لكنك خفت، في قرارة نفسك خفت ... في نظرة عينيك خفت ... وأنا كنت مرتعبة ... وسط كل الخوف كنت أتيه بعينيك ... حيث الأمان وحيث مصرع الخوف ومولده الجاني! 
هل تذكر آخر مرة تكلمنا؟ وكنت قاسيًا، وكنت مرتابًا، وأنا كنت في نوبة لم تنتهِ من القلق، لم تعترف لي أنك تحبني رغم أنك تقول صباح الخير مولاتي، ولم تجب عن سؤالي من أنا؟ رغم رسائلك إلى ملكة قلبي .... ولم تشف لهفتي بأمل .. رغم خطابك " أنا عايش بس عشان أرضيكي" وأنا عايشة ليه لو انت مش هنا؟
هل تسبقني بخطوات؟ هل أنت من المستقبل وتعرف أنه لا يجب أن نكون معًا أكثر؟
هل تخلفني بخطوات؟ هل أنت مازلت واقفًا حيث ازداد توتري وجنوني وكنت أصرخ فيك دعني وحدي؟

الخوف يهاجمني كل ليلة بحلم مرعب، أنك تقترب من امرأة غيري، وأنك حزين، أني أسألك تحبها؟ أتبين أنك لا تعرفها أصلا، أضربك، تقول لي كفى، تقترب، ماذا تريدين، هل كان يجب أن أخبرك في الحلم أني أريدك؟ لماذا لم نهرب من تلك الحياة التي لا تشبهنا؟ لماذا لم نحفر الخندق ونقف فيه معًا؟ لماذا لم نواجه أي خوف بداخلنا تجاه أنفسنا وتجاه الناس؟ ما الذي أخافنا أكثر كي نهرب من معركة لم تبدأ؟ ونموت بسكين لم تُسَنّ؟ 

هل أخبرتك أني بدأت جلسات جديدة؟ لأني لم أعد قادرة؟ هل أخبرتك أني لم أعد أصادق أحدًا؟ أن الجميع بلا استثناء لم يكونوا هنا؟ وأن لكل منهم مشهدًا واحدًا على المسرح لا يؤدي غيره، ولا يزيد من عدد الكلمات التي يحفظها ولو على سبيل اللباقة؟
هل أخبرتك أن أول طلب يطلبه المعالج أن أمحو كل أثر لك؟
أخبرتك أني حاولت ألا أتلصص عليك، أني نجحت ألا أزعجك، أني أكبت كل يوم رغبتي الشديدة في الرجوع من العمل والارتماء بحضنك وإخبارك ما حدث، أني أكبت فضولي الشديد أن أسألك كل مساء كيف كان يومك؟ أن أضمك، أضمك بشدة، أضمك مثلما لم أفعل من قبل، أضمك حتى أعصر الهم من رأسك، وأخرج الخطايا والآلام من أخمص قدمك، أضمك حتى يخرج ضيق قلبك مع قطرات العرق، أضمك حتى تبكي، وأبكي، أضمك حتى لا يبق لما كان قبل اجتماعنا أثر ولا معنى، حتى تخرج الدمعات التي كنت تحبسها، وحتى تنفرج الدمعات التي كانت تحبسني، وحتى تنام مثلما كنت تنام قرير العين هاديء النفس مطمئن الفؤاد على صدري ..... 
أخبرتك ألا أزعجك، وعدتك، وعدتك ألا ترى طيفي، ولا تلمح كعب قدمي ولا طرف ثوبي، وأنا والله أحاول يا سيدي، أحاول يا قمري، أحاول قدر ما أستطيع، أخبرتك ألا أزعجك، ولسوف أهاجر إلى مكان ليس بالبعيد مؤقتًا حتى يحين موعد سفري البعيد إلى حيث لا يزعجك وجودي أبدًا إن كنت تنزعج .... لو أقتل نفسي؟ أتمنى كل ليلة لو أقتل نفسي .... أتمنى كل ليلة لو لم أكن هنا من البداية .... الخوف يمنعني ... الشجاعة أحيانًا ... 
يخبرني المعالج أني سأبدأ من جديد .... يخبرني أني عندما أتخلص من تلك العلاقة سوف تبرق لي الدنيا 

هل عرف المعالج معنا يا حبيبي معنى الدنيا؟ هل يجدر بي أن أخبره عنك أكثر؟ عن أنك الدنيا؟
كيف يطالبون الناس أن يتخلصوا من أرواحهم كي يعودوا للحياة!

السابق ٢٦

الثلاثاء، 16 يوليو 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (26)

أحب الموت ... لا أخاف منه مثلما كنت .... أريد أن أموت مفتوحة العينين ... أخوض معاركي .. واعية ... أخسرها أكسبها ليس هذا هو المهم .. المعركة ستنتهي وستبقى الصور ... لا أريد أن أموت جاهلة!

المعرفة ... كالجرب .. نعم لم أخطيء كتابتها .. المعرفة كـ الجرب ... تؤرق عقلك، وتنزع من قلبك كل سكون وهدوء، المعرفة تمنحك السكينة، بعد القلق، تمنحك السلام، ولكن؟ بعد المعركة ...

وأنا في الظلام منذ شهور وسنين، أحارب الأشباح، أرهف السمع علّي لا أخطيء التصويب، أنهكني الخطأ فاستسلمت طويلًا لكل الخوف الآتي من الشمال والجنوب والشرق والغرب، من الأرض التي أجلس عليها، من السقف الذي لا أعرف متى ينطبق فوق رأسي، أو أنه جاثم بالفعل فوق قلبي!

أخذت القرار من عامين أو أكثر، أخذت أول خطوة منذ عام على الأرجح، جلسات عدة، أفهم فيها عن نفسي، تلك الضعيفة تقوى بالمعرفة، وتلك القوية تتضاءل بالمعرفة، وهذا الإله الذي بنيته لنفسي من السراب يتلاشى، وتلك الملائكة التي تطوف حولي تتكشف، لا تعدو مجرد ظلال اشخوص ليست على قدر من الحقيقة والشفافية في الأصل كي تصير ملائكة!

أنا عدوة الجهل، أنا عدوة الظلام، أكره الطرق التي لا تنكشف أمامي، أكره الخيالات التي يسببها الشجر في الظلام على الطرق الطويلة، أكره ما وراء الجدار حتى ينكشف، كيف صادقت الظلام، وعشت في تلك المتاهات أعوامًا، لا أفهم ولا أعرف ما الذي يحصل!

في نوبة اكتئاب، وقتما كان هناك حبيب، ووقتما كان حبيبي يلازمني هناك، سألني هل تتصورين يومًا أن يجمعنا بيت؟ أن نعيش في مكان واحد؟ بسرعة قلت له: لا ... بالطبع لا ...
كنت أعاني نوبة اكتئاب قاسية .... عرض عليّ وقتها أن أتحدث مع أحدهم، أن أخبره ما أشعر به .... قلت له لا أريد، خائفة، هل ستكون معي؟ أخبرني أنه علي أن أفعل هذا بنفسي، لا يصح أن يكون معي أحد، لكنه كان ليأتي معي فقط لأجلي....

ماذا حدث في الأيام التالية؟ هل تعافيت؟ هل خدعته؟ هل مثلت عليه أني بخير وأنا لم أكن كذلك؟ لا أذكر، كل ما أذكره أنني لم أفعل أي حماقة أخرى تستوجب أن نتحدث عن اكتئابي، أو تستوجب أن يقول لي هيا للطبيب!

أنا أكره الأطباء، أكره رائحتهم، أكره الكراسي عندهم، أكره ساعات الانتظار، أكره الانتظار ولو كان للحظات فقط! أكره المرض، لماذا أكره المرض؟ ... حسنًا ... الآن أفهم عن نفسي أكثر ... أكره المرض لأنه ضعف!

وكنت أخاف منك لأني أضعف أمامك، وكنت أخاف الارتباط لأني أخاف أن يتغير كل شيء، أخاف أن أكون معك بمكان واحد لأنني كنت أريد أن أكون وحدي طويلًا، لكني لا أطيق أن أكون وحدي بدونك .... أنت تؤنس قلبي ... أخاف الوزاج ..... لأني أخاف ألا يسير الأمر كما أريد ..... هل سألتُ نفسي يوما ماذا أريد؟ كلا لم أفعل ... فلماذا أكره شيئا لا أعرفه ولا أعرف ما أريده منه!
أكره لحظات مرضي معك، لأنني أكون حملًا ثقيلًا، أشعل بثقل روحي وقتها، وأنت كنت تخفف عني كثيرًا، فكنت أريد أن تسعد بأي شكل!
لماذا لم أقبل ضعفي برحابة صدر؟ 
لماذا لم أقبل مرضي برحابة صدر؟
لماذا لم أقبل أن تكون سندًا برحابة صدر؟

لماذا فقط عندما كنت تبتسم لي أنك لست مستاءًا كنت أقبلني!

القلق بدأ، القلق يشتد، القلق يمنعني النوم، هل كنت أدرك قبل يومي هذا جنون تفكيري؟ أني كنت أريده أن أبعده لآخر الدنيا وأنه الدنيا؟ لماذا كنت خائفة لهذا الحد؟
يقول لي المعالج: كنت خائفة من ضياع الحب! 
وهل احتفظت به الآن؟

قبل عام، فتحت صدري بسكين، فتحت جمجمتي وكأنها رأس غيري، أبحث فيه عن الخيوط، أحاول الوصول لأي بداية، لأي سبب لما فتح على باب الجنون هذا، فهمت قليلًا، انزاح عن قلبي شعوري المتلازم بالذنب تجاه كل شيء!

هل كنت تعلم أني كنت أشعر بالذنب لأني كنت سبب اضطراب الهواء إثر مروري مسرعة بجانب أحدهم!!!
كنت أشعر بالذنب لأني لم أفهم أمي كما ينبغي، لأني إذ فهمت المعضلة التي تسبب لي فيها لم أستطع مسامحتها، شعرت بالذنب لأني رأيتها ضحية، ورأيت نفسي قاسية جدًا في غضبي عليها إذ كسرت في قلبي الكثير بعنادها وعدم فهمها لي، بقسوتها حتى وقد صرخ فيها أخي أني أذهب للعلاج النفسي بسببها! 
أمي لسنوات كانت تظن أني أفتعل النوبات الأليمة التي كانت تنتابني
لسنوات ظنت أنني أمثل الدور عليها كي أثير شفقتها فكانت تزداد تجاهلا وقسوة، كانت تظن أني أحاول الانتحار بسببك، بسبب من قبلك ... لم تكن تعرف أني لم أعد أرى الدنيا ..... كانت تظن أني أهددها :)

لم تكن تعلم أني قمت بتوزيع ممتلكاتي، أخبرت صديقتي أني لربما أضعف يومًا فإن حدث، أخبرتها أن تعطيك من أشيائي، أن تحتفظ بما تريد، أن تسلمك كل تلك الرسائل التي كنت أكتبها لك، أت تعطي حاسوبي لأخي إن احتاجه أو لك، أن تأخذ ملابسي، وكتبي، أن تعطي صديقة أخرى من ملابسي وعطوري وأشيائي، وأن تحرق الباقي إن تبقى شيء! لا أحد غير أحبائي يلمس شيئا يخصني!
لم تكن أمي تعلم أني أوصيت صديقتي بالفعل حال موتي ومر أكثر من عام على وصيتي تلك، ومنذ شهور ونحن ندفن والدة صديقة أمي (امرأة طيبة جميلة أحسبها على خير) أوصيت أمي بأن تخبر صديقتي فلانة أن تتكفل بالدفن، أن تقوم بما يلزم.
لم أعد أخاف من الموت ولا وحدته!

الآن أفهم قليلًا، الآن لا أشعر بالقسوة تجاه أمي ولا بالغضب، لا أشعر بالشفقة ولا بالذنب، أشعر كأنها في كل يوم هي أم جديدة، أتعامل مع اليوم بيومه، أغضب منها اليوم، ولا أخاصمها على إثره للغد، لا تؤثر بخياراتي مثلما كانت تفعل، ولا أفتقد مشورتها مثلما كنت أفعل.

هل تعرف؟ سافرت لأسبوع إلى ساحل البحر مع أصدقائي، لم أتلهف لمكالمتها، لم أشعر بالذنب أني لم أفعل، كنت أرد على المكالمات في الوقت المناسب لي، عدت من السفر مشغولة بمشكلة مع الطبيب، ومشكلة في أوراق سفري، قلت مساء الخير، حمدالله بالسلامة، الله يسلمك ... وانتهى!
تعجبت أمي أني لم أشتاق .... ولكني لم أتعجب .... أنا شفيت من عقدة الذنب .... شفيت من هذا التعلق المجنون ..... شفيت من طلب الاهتمام .... شفيت من تسول الحب .... شفيت من الاعتماد عليها في الأمان .... لم يعد لي أمان .... أصلي وأنا أرتجف، أقول يارب ... أبكي بشدة .... أتوسل ..... تنزل السكينة على قلبي :)

أقبل عصبيتي وجنوني، أقبل غضبي ... أصبحت أعرف لماذا أشعر بهذا الغضب الدائم، ولماذا لا أرضى بسهولة:)

أقبل مشاجراتي معك، أقبل خوفك، أقبل رفضك، أقبل ابتعادك، أقبل حياتي بدونك، أقبل وحدتي، أتكيف معها وأحبها، أنتظر أن أكتشف في قلبي المزيد

اضطراب القلق لا يجعلك ترى، لا يمنحك رفاهية الفهم، لا يدعك تقترب من الجرح كي ترى ما يلوثه، وأنا كنت أغمض عيني عن الجرح وأتساءل ماذا يؤلمني!

اليوم أرى جرحي غائرًا
اليوم أرى الجراح سندًا ومساعدًا
اليوم أصبحت أكثر رغبة في قطب هذا الجرح!

تركت الطبيبة، أخبرتك أني تركتها؟
قابلت مساعدًا آخر، ينصحني بآخر أكثر اختصاصًا .... أنا أكره أني أحكي لأحد، أنا أكره التعري .... لكني سأفعل، سأحكي للطبيب الجديد، لربما ليس غدًا، ولكن قريبًا، قريبًا جدًا!

أنقذتني الكتابة من السرداب المعتم ... أنقذني الحكي للورق، أنقذني الحكي لشبح وجودك ...... ولعله أنقذني الوهم اليومي أني سأراك صدفة رغم المسافات والبحور..... أنقذني الأمل لربما الطرق تجمعنا .... أنقذني أني أكلمك في نفسي وأنك ترد في خيالي على خيالي ... تراك تذكرني أصلا؟

الاثنين، 15 يوليو 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (25)

أتساءل كل يوم، كيف يمر الوقت هكذا؟

متى مرت تلك السنون؟ متى كسرت حواجز الوقت؟ ومتى تغيرت ملامح هذا القلب الذي لم تعد له هوية؟

قابلني منذ أيام، يقول عني مشرقة، يبحث عن سر انطفاءاتي، يقترب حثيثًا من حصوني المقنعة، يقول لي لا تقنعيني أنك شخص آخر، لك لون مثل نور الشمس، لماذا تدارينه؟ لماذا تصرين على عدم وجوده؟ ماذا حدث؟ وكيف انطفأ ...

أخبره بالدليل القاطع أنه مخطيء، أن هذا الأصفر المشرق الزاهي ليس لوني من الأساس، لقد اعتنقت ألوانًا كثيرة كلها ليلاء، الكحلي أفتحها .... صدقني .... الحواسيب لا تخطيء، راجع نظريتك!

يفتح عينيه عن آخرهما، يقول بل تخطيء، كل شيء يخطيء، يقول كيف أقاوم هذا البهاء وتلك الطلعة؟ إنها تظهر رغما عنك، ماذا حدث؟ ولماذا تخفينها بقوة .... هل تسمحين؟ أسأله بم؟ يقول بالاقتراب؟ هل تسمحين بالحديث؟ هل تسمحين بأن أوضح لك بعض الأشياء الكامنة في قلبك؟ هل تسمحين أن أكشف بعض أطراف لعبتك العقلية عليّ وعلى نفسك؟
هل تسمحين؟ أنت ترين كل تلك الأشياء، أنت تخافين من الانكشاف والظهور، أنت تخفين شيئًا لك كامل الحرية والإجلال في إخفاءه، لكنه عظيم!
لماذا ينحن كأنه يجلّ عملا عظيما لا يد لي فيه؟ لماذا يوزع انحناءاته أمامي! يتوسل، يستسمح، يضم يديه في أدبٍ شديد!

أقول له: لقد انتهيت، أنت تخبرني بقصة خيالية!
يسترسل أكثر، يكشف المستور، أضحك، يخبرني أشياء كثيرة عن نفسي، لا يلاحظها إلا مدقق في أحوالي، أتراجع خطوة للوراء، يلاحظ انزعاجي، يعتذر، الفضول يأكلني، لم يقرأني أحد من قبل هكذا، حبيبي فقط قرأني، حبيبي فقط كان ينكشف له كل المستور، حبيبي فقط رأى ما أخفيه عن الكل حتى عن نفسي، رأى كل العقل ورأى كل الجنون!!!
يتراجع، يطلب المغفرة، يقرأ الفضول في عيني، يتكلم أكثر، يخبرني أكثر، يفسر خروقاتي أكثر وأكثر ... وأنا؟

مندهشة! 

كيف كنت بكل هذا الغباء، يتحدث مع الحاضرين، يتكلم عن أنواع البشر بشغف، يأخذ كامل أذني وحبيبي وحده يأخذ كامل قلبي .... أراه يتجسد في الكلمات، أرى العمر الذي انتابني فيه الجنون يمر أمامي مثل قصة غريبين عني!

أحمل في حقيبتي في اليوم التالي آلاف الأسئلة، لا يتسع الوقت لي .... لا أسأل مرتين! هكذا عنادي وجنون عظمتي!

أحمل إجابات مرهقة، أحمل أسئلة جديدة كل يوم .... أسير في مفارق الطرق، أقف ... أي طريق يجب أن تسلكيه يا ذات الرداء الأحمر؟ أي طريق يجب أن تسكله أليس أيها الأرنب؟

أنضغط، أحمل الغضب شعلة لا تنطفيء في قلبي، أحمل القلق والخوف، أحمل التناقضات والجنون .... لا أحد يسمع صوته ويعطيك صدره كي تستريح ... بلا مقابل .... هكذا ....!

أنهي بعض الأوراق ... لماذا كل الطرق لا تجيب أي شيء، تتشابه ولا تتقاطع ....

أستيقظ في بعض الأيام وأنا أعرف من أنا، أو أني كنت أظن أني أعرف

اليوم أشعر أني لا أعرفني .... لا أعرف من أكون حقًّا

أحيانًا ... أحيانًا أرجو ألا تكون كثيرة .... ولا تكون مزعجة لك على البعد ... وكأن ما قدر يدور فقط في قلبي قد يصلك ,, قد يزعجك ... فأتراجع حتى عن الخاطرة
أحيانًا ... أتمنى لو يعود الزمن .... لو أسألك من أنا؟ أنت الوحيد الذي كنت أصدقه ... أنت الوحيد الذي مازلت أصدقه .... محدش حبِّك ولا هيحبِك أدي! صدقت!

الجمعة، 12 يوليو 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (24)

رغم كل الطرق المغلقة تبقى عينك معلقة على طريق واحد يبحث قلبك فيه عن مخرج!

تلك الاضطرابات الكبرى التي تحدث فتحملك إلى حيث كان مقدرًا لك، ولا تقاوم

أحيانًا تفقد سبل المقاومة

أحيانًا تتمسك بقشة الغريق!

هل أخبرتك يا (أنا) أنك كنت قشة الغريق؟
أن حضورك كان يمنحني كل السبل للمقاومة وكل السبل للحياة؟
أن الأمان الذي تحمله بقلبك وتنشره حولي وتنعمني به كان يجعلني أخلع بحرية كل أقنعتي؟
كنت معك أنا، التي رأيتها والتي أعرفها ولا أعرفها
كنت معك أنا التي رأيتَها وأخبرتني عنها
كنت معك تلك الحنون المرحة الذكية التي تبرق وتشع من عيونها الحياة
كيف وجدت كل هذا وحدك؟ وكيف وصلت إلى قلب الحضيض؟
كيف كنت أبكي بحضنك، أضحك بحضنك، أنام بحضنك قريرة العين مطمئنة؟
كيف بعد كل هذا الصخب كنت تحملني للهدوء الساكن بقلبك؟
كيف وثورات البركان في عقلي متتابعة كنت تحملني إلى شاطيء البحر الأزرق والسماء الفسيحة والموج الناعم الذي يداعب شعري ولا يتعدى، ولا يغرقني، ولا يخيفني، ولا يرعبني، كان قلبك أرجوحة ومهد طفل يهدهدني، كيف؟
كيف كنت تحجب عني كل ثوراتك، وتمتص كل نيراني وبراكيني الهائجة دوما الثائرة بلا انقطاع؟
كيف أنه لا أحد يحمل ذات الأخضر بقلبه ويجعلني ألهو بجنته مثلما فعلت!
لا أحد يحبني مثلما فعلتَ أنتَ .....

أغلق الباب، منذ أن طلبت مني أن أغلقه، منذ أن أعطيتني كل قسوة تجبرني أن أغلقه.... أحاول .... أقاوم ... أسقط ... أدور في دوائر .... أنعزل ... أتكور ... أكتب ... أبحث عنك في كل شيء .... أجدك في قلبي دومًا ... أشعر بابتعادك ... أشعر برفضك ... أتمنى ألا تكون كراهية .... أتمنى أن أجد الجنة ثانية .... أتمنى ولو يومًا واحدًا على شطآن زرقة بحرك ... أطفيء فيه نيراني التي لا تخمد ... أنام في حضنه قريرة العين ثانية ... ولو لمرة واحدة!

أنا قوية بما يكفي ... أعرف
أغلق الباب خلفي وأمضي ... أعرف
أقطع الذراع الذي يؤلمني ... أعرف

لم تكن ذراعًا ... لم تكن بابًا ... لم تكن ندًّا أكرهه ... كي أمضي

لا أحد يقتلع قلبه من مكانه، ولا يقفأ عينيه بيديه، ولا يسحب روحه إلى الخارج بإرادته، ولا ينسلب حياته بخنوع ورضا

لا أحد يطرد نفسه من الجنة .... ولا أحد يقصد أن يُطرد!

السبت، 6 يوليو 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (23)

في لحظة ما تفرغ جعبتك، تضع كل كلماتك على نفس السطر متراصة ومتلاصقة، تجمع كل الحكايا بنفس الصفحة، وتحشد كل ذكرياتك بصورةٍ (فوتوجرافية ربما) منتقاة بعناية، وتهمس بكل ما يلخص مشاعرك (أٌحِبُّـكَ) وتجعل كل شيء كان يعني الكثير .... بذات السلة ...

يقولون لا تضع كل التفاح بسلة واحدة، إلا إن كنت تنوي الخلاص منه، فالأفضل أن تجمعه كله بسلَّة واحدة .....

تخرج كل ما لديك، تعاتب بكل العتابات، تتنفس، تحضن، تبكي، ترجو، تسامح، تتنازل، تضحي، وتقبل من نظيرك ما يقدم على سعته وقلته، على رقته وغلظته، تنوي بصدق أن تفرغ جعبتك وتتخفف من حملك!
تفتح قلبك على مصراعيه، لا وقت للألم، لا حد أقصى تخشى منه لإنك تخطيت ما فاق احتمالك منذ الأمس، اليوم تنوي أن تقطب هذا الجرح، أن يندمل، أن يلتئم، أن تتعافى!

تنتظر، بقدر ما يُسمح لك بالانتظار، بقدر ما تظن أنهم قد مجرد "قد" يأتون إليك بتفاحة واحدة، بكلمة واحدة، بشربة ماء واحدة تنقذ لهفة جوفك الظمآن!
تنتظر كثيرًا قبل أن تفرغ كل جعبتك أمامهم، تنتظر كثيرًا قبل أن تعطيهم آخر الفرص وتسلبهم آخر الآمال، تسمع الكثير والكثير من الكلمات المخيبة للأمل، كل الإشارات والدلائل التي تخبرك بأنك لم تكن أكثر من دمية في يد صغير يتقاذفها ويدهسها، بأنك كنت تفرح إذ يحضن الصغير دميته في المساء، بأنك كنت لا ترى كيف أن الصغار يلقون الدمى القديمة عندما تأتيهم دمى جديدة، أو عندما يملون! 
أنت دمية، مجرد دمية أعجبت طفلًا كبيرًا، دمية قرر بلحظة أنها لم تعد مهمة، لم يعد لها مكان على السرير أو فوق المكتب أو بين الأرفف، ربما لم يكن لها مكان في ذكرياته أيضا!
قلبك الأبله، قلبك الطفل الصغير الذي يحب كل شيء، يحب الحياة، يتمسك بأطرافها وكأنها كل شيء، قلبك الذي قد ظن أن الكلمة وعد، وأن الوعد سيف على رقبة الفرسان، قلبك من ألبسهم ملابس الفرسان ... فرح بتيجانهم الزائفة لممالك زائفة قالوا أنها منصوبة على قلوبهم، فأعطاهم تاجه الثمين، ودرته الوحيدة، وأسلمهم كل مفاتيحه ورضي (محتالًا عليه) بتلك التيجان (الفالصو) وتلك الألقاب التي لا تتعدى حروفها.

أنت دمية .... أنت لا شيء ..... أنت لم تكن من الأساس عندهم أي شيء سوى نزهة لطيفة وكلمات ومشاعر تأججت فجأة مثل حرور الشتاء، وزوت فجأة مثل نسمات نهار الصيف في كوكب تغير مناخه!

كان عليك أن تفعل شيئًا، أن تحفظ باقي كرامتك، أن تبعثر أخر الأمال، أن تنثر آخر تراب الجنيات فوق حلمك الوحيد الجميل وأمنيتك الكبرى .....

كان عليك أن تسمع الرفض بأذنيك ثانية وثالثة، وللمرة المائة، أن تراهم يغادرون، يبكون خديعة غيرك لهم، يتحسرون على حلم لم يكن لهم من البداية، كان عليك أن تتجرع كل تلك المرارة وحدك، أن يقتحموا مناماتك إن حدثت معجزة وخلدت للنوم، أن يأتون في حلمك فقط ليخبروك بأوجاعهم التي تسبب فيها سواك، أن تتألم لأجلهم، أن تتلصص أخبارهم، أن تأكل كل الحوامض وتجر أذيال عقلك الذي يتشبث بطوب الأرض كي لا يطيعك ولا يأتي معك، أن تحمل قلبك النازف وتذهب إليهم، تسألهم باستحياء، تسألهم بلهفة تجاهد أن تخفيها، تسألهم وتود لو تستأذنهم في أن تحمل كل هذا الوجع عنهم، تعيد السؤال مرارًا وتكرارًا ( هل أنت بخير؟) تأتيك تلك الإجابات اللزجة المحفوظة والمتحفظة، تبتلعها وتبتلع مرارة الإهانة من التحفظ وكأنك كلب أجرب يقترب من ساحاتهم الجليلة، تبتسم، تجبر شفاهك المأسوف على توردها باصفرار على التبسم، تعرف أن صوتك في الهاتف ينتقل إليهم ببسمته الحقيقية والزائفة، تجبر قلبك أن يصدق الشفاه في بسمتها، ترد بهدوء فقط كنت أطمئن.
تلك الردود القاتلة مثل حسنًا، اطمئن أنا بخير، لا تقلقي، تلك الردود التي تتكور مثل قطعة معدنية صدئة في يد متسول بائس بردان وحزين يتجرع الإهانة مقابل الحياة، تلك الردود التي كانت تلقى ولا يلق لها بالًا .... كل تلك الكلمات الجافة، والشائكة والجارحة في صمتها .... تجمعت ذاك اليوم في سطر واحد كخنجر قاتل!
تلك العيون التي لا تكذب أبدًا، قد طوتني بكفن الكلمات الكاذبة! قد حفرت لي قبري في بؤبؤها ولا تدري، قد سجّت جسدي البارد من الموت فوق المغسل، وألحقت الكافور ببشرتي الشاحبة، تلك العيون التي أشرقت منها الشمس قد غيبت شمسي، شاهدت فيهما الحياة وأزهرت، ويومها شاهدت فيهما جدثي ولحدي، تلك العيون التي وعدت لا تكذب، خدعتني، تلك العيون التي وعدت لا تغيب، ودعتني ورحلت!

كان عليك أن تنهي تلك الحياة التي تقطر على حافة القبر، أن تقطع هذا الشريان كي تموت أسرع، أن تكمل الطعنة التي تجعلك على حافة الموت والحياة أيضا، فلا أنت هنا ولا أنت هناك!
أن تلقي بنفسك في مقبرة تلك العيون، وأن تحضن للمرة الأخيرة ذلك الرمح من الكلمات الجارحة، وأن تملأ أذنيك بالرفض الموجه ضدك، وأن تقتل نفسك بسيف المواجهة القوي عوض عن سكين الإهمال البليدة، وأن تمني نفسك بعد الموت بالحياة الآخرة، بالانبعاث، وبالأمل الجديد، وباحتمالية الجنة والفردوس، وبأن الحلم دنيا والدنيا حلم قصير نفيق منه على الحقيقة، فلربما كان الحب القادم هو الحقيقة!
لربما!
رغم كل تلك التخاطرات، رغم اتفاقكما في كل ميل وهوى، رغم تكامل المحبة، ورغم رفعة المودة، ورغم اتساق العبارة عندما تكونا أنتما شطريها، ورغم تحول العواصف بين همساتكما إلى نسيم، ورغم تلك العيون التي تتعانق عند كل لقاء ولا تشبع أبدًا من هذا العناق، ورغم تلك الأيدي التي رسمت أخاديد التشابك كأن فراغ الأصابع مفصل ليملأ الآخرى في يد الحبيب، ورغم تلك العبارات التي تكملونها ضحكًا بدون كلام، ورغم تلك الموسيقى التي تحملكما فوق سحابة عابرة تخجل من البكاء أمام سعادتكما، ورغم تلك اللمسات التي تهبكما حياة غير الحياة، ورغم ذاك الدفء الذي لا يفتر، ورغم هذا الأمن الذي لا يهتز، ورغم هذا النهر المتفق الموصول بينكما بلا انقطاع، ورغم الكهف والجزيرة والبحيرة، ورغم سحابات الخريف، ونكات الصيف، وأحضان الشتاء، وضحكات الربيع المتراقصة، ورغم أندريه ريو، ورغم كلمات أم كلثوم (كنت بشتاقلك وأنا وانت هنا بيني وبينك خطوتين)، ورغم حفلة ياني التي عشتما حلم حضورها سويًا حاولتما ولم يكن الحظ معكما، ورغم صوت أديل الأوبرالي، ورغم النكات التي كان يلقيها في ترجمة كلمات أغنيتها وضحكاتك، ورغم عمر خيرت، ورغم القصائد، ورغم أحلام الهروب من البلد، ورغم تلك البلدة البعيدة التي وعدك أن تكونا هناك سويًا لكن قارب حياته لم يتسع إلا له وحده فألقاك في عرض البحر، ورغم تلك الهمسات الناعسة التي تقول أحبك بدلا من أحلام سعيدة، ورغم أن هذا الحب كان كل أحلامكما السعيدة، ورغم كلماته في الرسائل، ورغم لمعة عينيك إذ تقرأين، ورغم بسمته البلهاء إذ يشاهدك، ورغم مقاومتك في كل مرة تلتقيان أن تسرعي كل خطواتك، أن تختصرينها في خطوة واحدة، أن تكون الخطوة الثانية بين ضلوعه ورائحته وفقط، ورغم حماسه وهو يحكي موقفًا غبيًا، ورغم رجولته وطفولة عينيه إذ يرتاح إليكِ، ورغم صوته الناعس إذ يغلبه النوم قبلك، ورغم أمنياته المتعددة والمتكررة أن يحضر فطورك الملكي ويسافر معك إلى الدنيا، ورغم أنك أنت الدنيا، ورغم أنه النجم الوحيد في سماءك، ورغم أنكما تحضران الربيع حيثما تذهبان، ورغم أنكما تبعثان بالحياة، ورغم أنكما تدبان بخفة الأطفال في إشراق ولطافة وصخب محبب، يشرق في القلوب، كان على الحكاية أن تموت!

كان على كلمة النهاية أن تنزل
كان عليك أن تقرأها
رغم سواد ألوانها تقرأها
رغم صعوبة نطقها تقرأها
رغم عتامة عينيك عنها بالذات تقرأها
رغم أنه لا ورق هناك في الدفتر كي تبدأ قصة جديدة ... تقرأها
رغم أنه لا قصة بدون بطل .. تقرأها
رغم أنك كنت قويًا كي لا تنتحر وكانت النهاية مثل سكين بليدة تقرأها
رغم أنك تقتل نفسك إذ تقرأها .... تقرأها

تقرأها ... وتترك لروحك الحرية كي تتحرر من الحياة

تترك لها متنفسًا عند الموت بعدما كانت لسنوات معلقةً على حافته

تمنحها رحمة الموت .... وكرامة الدفن

تقرأها .... وتترك لنفسك متعة المجهول بعدما أفنيت رعبك من عتمته

ما الذي سيحدث بعد الموت

ماذا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها؟ لا شيء! هل يشعر الموتى؟

يتمثلون فقط ما بعد الموت .... ينتظرون لحظة النشور ... ينتظرون لحظة الإحياء الجديدة .... ينتظرون النعيم

يقال أن النعيم للعاشقين الصابرين

وأنا عشقت
وأنا صبرت
وأنا مت
وأنا صحوت
وأنا أنتظر هذا الخلود
وأنا أنتظر إكسير الحياة الأبدية
وأنا أعرف الآن .... ما قتلك لم يكن ليحييك ... وإلا فلم قتلك ولم يبالِ؟


الاثنين، 1 يوليو 2019

قدرية .... عبثية (2)

هل كانت تدرك كل تلك الفوضى الخلاقة التي تحدث في قلبه؟ هل تقصدها؟ هل تعنيها؟ هل تقصدها وتعنيها وتتجاهلها؟ هل لا تقصدها ولا تعنيها ولكن تعرفها وتتخطاها؟
ثم
كيف هي؟ كيف داخلها؟ هل يشبه خارجها المليء بألوان الربيع؟ وهل يشبه حمرة وجنتيها المدورتان؟ أو يشبه سواد عينيها الذي تقف فجأة أمامه لتدرك أنه بني، أو تتفاجيء أنه عسلي، أن لا تلحظه أصلًا مثلما قد لا تلحظها شكلها لكن طغيان الحضور يأخذك، فتدور حولها لتره ترى ما الوجه الذي يملكه هذا الطغيان؟

في المساء، يجلس وحده، يتساءل هل يا ترى وجد ضالته؟ لا يعرف، حقيقة لا يعرف، هي جميلة، هي رقيقة، هي ذكية، هي خلابة، هي كل ما كان قد تمنى وأراد، هي حلم، ليس صيفي ولا ربيعي ولا شتوي دافيء، هي حلم يمكنه أن يمنحك الأبدية وأنت على الأرض، ويمنحك خلود الآلهة وأنت فانٍ، هي بسيطة، مثل أي شيء بسيط ولكنه آخذ في البهاء، مثل تلك النجمات الصغيرة في السماء، لا تحدث أي فارق إلا أنها تلتمع في هدوء وسكينة، بنور بسيط، بنور صغير في السماء، كيف تجثم السماء على صدرك بغير نجوم حتى وإن سطع القمر؟ وكيف تنير النجمة قلبك بالأنس في ليلة كحلاء؟
ولكن!
لا يعرف عنها الشيء الكثير، هل تحب أحدًا؟ هل هي مرتبطة؟ بالطبع ليست متزوجة، لم تذكر أمامه أي اسم بدون صفة إلا اسمين لفردين من أسرتها على الأرجح أخيها واحد منهما، ولربما الثاني كان أخوها؟ لا يذكر، لكنه متأكد أنه لم يرها يومًا تحضر بصحبة أحدهم، أو ينتظرها أي مذكر عند الباب، ولا تتحدث أمامه مع مذكر بشكل ملفت أنه حبيب أو خطيب، يعرف بعد أيام بذكاء الصياد ودهاء الثعلب انها لا متزوجة ولا مخطوبة، يبقى أن يعرف هل هذا القلب الذي يقلب حياته رأسًا على عقب حر؟
كان معتادًا على عدة نقاط احترافية في العمل، لا يتحدث عن أمور شخصية، لا يبدأ بالحديث عن تلك الأمور التي تثير أسئلة شخصية، لم يتطوع أبدًا لنصيحة إحداهن أو حتى التعليق على تلك الثرثرات العابرة عن العلاقات من مجموعة النساء اللاتي يتبدلن على مكان العمل، ولم يحاول أن يعرف شيئًا، هل ذكرت لك أنه شخص تحفظي؟ هو بالفعل كذلك، لا يعرف أحد عنه شيء، ولا يسأل أحد عن شيء، كيلا يُسئل، عادل بما فيه الكفاية، والآن قوقعته الجميلة التي بناها حول نفسه بدأت تشيكه، يريد أن يعرف بشدة، يريد أن يعرف عنها كل شيء، تمسك هاتفها كثيرًا، لربما يمكن أن يجد شيئًا على صفحات التواصل، يكتب اسمها الأول والأخير بشكل عشوائي، بتسارع نهم، بعيني ذئب، وتربص مفترس، لا يجد شيئًا، وكأنها غير موجودة على الكوكب، لكنه يجد الكثيرات العشرات ربما يحملن نفس الاسم، ولا يحملن قلبه بطرف ثوبهن مثلها!
هل يسألها بعد الغد عندما تأتي لتكمل عملها في جمع تلك البيانات السخيفة؟ هل عندما تسأله شيئا في الطب يسألها شيئًا عن (الفيسبوك) مثلا؟
هي لا تعرف أي شيء عن الطب، تجمع معه بعض المعلومات التي كُلفت بها، ذكرت مهمتها في أول يوم التقيا، لكنه نسي، بدت له في أول يوم مثل فتاة عادية ربما متحذلقة، تضع منظارها الطبي السخيف وتتكلم بدقة وحذر وتباعد، كأنها صاحبة الشركة التي أرسلتها، تقول له أنها المكلفة من رئيس مجلس الإدارة بالخطاب الموجه لمدير المؤسسة الطبية التي يعمل بها، يدخل رئيس الوحدة فجأة فيسمع طرف كلامها، رجل مسن في الخمسين، يرحب بها ويقول نعم تفضلي، من فضلك يا دكتور ساعدها في كل ما تسأل عنه، هي تقدم منفعة مشتركة بيننا وبين شركتها، ولقد طلبت من المدير أن نبدأ من وحدتنا اعتمادًا مني على نباهتك وأنك تستطيع إنجاز أكثر من شيء في نفس الوقت!!!
كان كلام رئيس الوحدة صادمًا، لكنه بعد أن جزّ على أسنانه استسلم، سوف يهملها وسوف تملّ من سؤاله، تبدو غبية متحذلقة، سوف يوقعها في الخطأ، أو يقتلها بتجاهله فيوكل رئيس الوحدة أحد غيره، لكن يا إلهي، ما الذي يحدث له في الأيام التالية حتى يدفع الأيام دفعًا لموعد لقياها؟

ينتظرها، تتأخر، تخبره أنها قد لا تستيطع القدوم في الموعد المحدد، يسهل لها كل العقبات ويبدأ في عملها هي كي لا تؤثر عليها دقائق التأخير، يتظاهر باللامبالاة، يتركها عشر دقائق قاتلة دون أن يطمئن عليها، يأتي متثاقلًا كإنسان جديد ليس الذي عاملها بلطف في رسائله .....
ينتظر الموعد التالي، الشوق يبدأ في التحرك، يتعجب، لماذا ينتظرها؟ ولماذا إذ تخبره بأن اليوم الذي حدداه مسبقًا لا يناسبها يخاطب رئيس الوحدة ومدير المستشفى وبعض العاملين كي يعطيها موعدًا آخر يناسبها؟ ومتى بدأ الكون يدور فجأة حولها؟ وكيف تحول لقاءها الثقيل إلى طرفة رقيقة؟
تسأله عن شيء في رسالة، يرد، مقتضب لكن سعيد، يجعل اقتضابه اقتناصًا لسؤالٍ آخر، يماطل، يستمتع كالمراهق الصغير بظهور اسمها على الشاشة! يجلس مع أصحابه، ينسحب قليلا بدعوى الحمام، يتسلل إلى أماكن عدة، لا يتجعل في الرد، ذكي، ولكنها ذكية ولطيفة، يثير خفة ظلها ويضحك، يلقى طرفة مقتضبة مثل وجهه ولكنه يعلم يقينًا أنها تضحك، يعود لمجلسه متغير القلب، ومحاولا أن يحافظ على ثبات وجهه الذي تصيبه عدوى النور.... يكااد هذا القلب يثب.
يعود لغرفته في المساء
يحملق في السقف الهاديء
يتخيل ضحكتها، يتخيل أنه يسير معها، يعرف أنها المطلوبة، لكنه يعرف أيضًا أنه غير مستعد، أو .... أنه ... بصدقٍ، خائف!
يتذكر تلك "البومة" كما يسميها ويسمي كل فتاة يكرهها، يتذكر كيف تعلق قلبه كأنه أمسك نجوم السماء، يتذكر كيف كاد يحارب العالم بالمعنى الصحيح للحرب، كيف كان على وشك تعريض سلامته الشخصية للخطر في مقابل الحصول على بسمتها ورضاها، طعنتها في صميم القلب جعلته يضرب عن الحب، عن النساء، عن فكرة الزواج لفترة طويلة، حتى فاجئته تلك الحمقاء، في لحظة لا يعرفها، هل كانت لحظة قدرية ليفتح قلبه أم عبثية؟ ببسمة طفولية وعيون لا يدري هي سوداء أم بنية أم عسلية!!

تمت.