الثلاثاء، 19 أكتوبر 2021

خاطرة عابرة!


كيف تحولت في الغربة إلى امرأة مصرية خالصة، لم أكن أدرى أنها هي!

أجمع صديقاتي حول طاجن بامية يستاهل بوقك.

أجر صديقتي جرا وقت الراحة إلى بيتي، أجري يمينا ويسارًا، أصنع كوبين من الشاي أو القهوة، أجر ما عندي من طعام في البراد، أكدسه أمامها، وآمرها أمرًا أن تأكل حتى لا تكاد تتنفس! 

أضع الكمون على طاجن السمك بكميات مهولة، أشتري حزمة من النعناع الطازج، أغسله جيدًا، أفرش منشفة وأضعه عودًا عودًا ليجف ويظل ونيسي كل يوم، ويبقى للأيام التي لا أجده فيها!

أضع بواقي الأرز في كيس لأطعم بعض الطيور منه، وأجفف كسرات الخبز لنفس السبب

ألاقي رجل التوصيل بإسدال الصلاة (بعدما اشتريت واحدا من هنا) ألف طوله حول خصري، وأجد امرأة ملفوفة تميل للسمنة بقدم يلمع فيه الخلخال مثل سيدات أفلام الأبيض والأسود!

أضحك لنفسي، وفي نفسي، متى وكيف صرت امرأة كتلك النساء التي أسرتني عفويتهن وترحابهن، ورحابة بيوتهن!


رغم أني مازلت أقضي الليالي وحدي، إن لم تكن صديقاتي لا أدعوا أحدًا على العشاء، أبقى في بيت هاديء إلا من صوت أغنية أو فيديو أشاهده، أعتذر عشرات المرات لصديقتي التي رحلت إلى البلاد الضبابية الباردة، أني أفشل في التواصل كإنسان عاقل متزن يراعي أصدقاءه، أختفي بالأيام، بالأسابيع، بالشهور، أفعل كل شيء واللاشيء، لكن ... ورغم كل هذا ... أحب ما كنت عليه، وأحب ما صرت إليه ... أرى في المرآة امرأة جميلة، جميلة جدا، أتمنى لو تصادقني يومًا ما!

الخميس، 7 أكتوبر 2021

للذكريات السعيدة وفقط!

"تذكري دائما أنك جميلة، محبوبة، ومحبة، وقلبك من الذهب والعاج والياقوت! تذكري دائما أنك فراشة، توزعين الحب، تنشرين البسمات، تجعلين الدنيا ملونة وجميلة، وتكسبين الحياة طعمًا لم يكن لها من قبل! أثر الفراشة لا يزول، لا يُرى لإنه غارق في التفاصيل، أثر الفراشة يسري في كل التفاصيل!" 


اليوم عيد ميلادي، كل عام وأنا بخير، ومصر بخير، وكل من شاركني اليوم بخير، وكل من شاركني الشهر بخير!

بدأت يومي بالعمل باكرًا، أقول لنفسي سأرتدي ألوان علم مصر، القليل من التبرج لا يضر، الابتسامة مخفية، والصب تفضحه عيونه، والعيون هي باب القلب دائماً

صرخن فجأة ... ألتفت لأجدهن واقفات أمامي، يغنون لي بانسجام شديد كل عام وأنت بخير، عيد ميلاد سعيد!


متى يلتئم القلب ويفرح؟ ومتى ينسج الحب خيوطه في قلوب الآخرين؟ بالأمس كنت شريدة وحيدة، امرأة غريبة في بلد جديد، تسير مضطربة كالكتكوت! تتصنع القوة والحيلة، وبداخلها اضطراب البحر وهيجان المحيط!

بالأمس، كن أصغر قليلًا، يتطلعن لها بنصف عين، يختبرنها، ثم فجأة يحبونها، كلهم، بلا سبب، يعشقونها، يقدسون وقتها معهم، متى حدث وكيف؟ هي نفسها لا تعرف!

لا أعرف! حقًا متى تسلل كل هذا الحب إلى قلوبهم الصغيرة؟ ومتى تسرب لي من بين كل خيوط العنكبوت، وعظام السابقين، وجماجم الألم والأسى؟ متى؟


"مس ممكن حضن؟" ألا سامح الله الكوفيد! أقول لها أني أود، أرغب، أحب، أتمنى، ولكن!

"حسنًا، حضن افتراضي!"

"أحبكنّ"!

أقل من الساعة، ويأتي ولدي الصغير، صار أطول مني، صار شابًا مهذبًا وجميلًا، أسمر روحه تضفي عليه جمالًا آخر، قلبه متصل بعيونه، في كل مرة، في كل يوم في أول عام لي هنا، يأتيني بعد الحصة، يكلمني، في أي شيء، في كل شيء، حتى لو كلمة عابرة، مداعبة، مناغشة، يبتسم ويقول مع السلامة ، أراكِ غدًا، أراكِ الأسبوع القادم ... أراكِ!

من بينهم كان المحبب لقلبي، صار المحبب لقلبي، وأعتقد، هؤلاء التلاميذ سيظلون لوقت طويل جدا، محببون لقلبي!

"كل عام وأنت بخير!" ابتسامة ملء السماء "عيدميلاد سعيد"!

باقة زهور ملونة

علبة شيكولاتة

عيون طيبة

بسمة كلها محبة

أقول له، لولا الكوفيد لحضنتك! يقول لي: ولم لا؟ 

"سأخطفك" يومًا ما سأخطفك وتصير ابني أنا! يبتسم، يضحك، تشعل الغيرة قرينته التي تصرخ كلما رأتني، أحببببك، كيف حالك؟ كيف يومك؟ هل أنت بخير؟ تبدين جميلة!

في يوم من الأيام كان النقاش ما لون سترتي؟

في يوم من الأيام يكون التعليق "كيف تبدو جميلة كل يوم؟"

في أيام كثيرة متتالية " أريد أن أسرق خزانة ملابسك!"


ما لونك المفضل؟

هل لك حبيب؟

لم لا تخرجين مع أستاذ مايكل؟

أنت جميلة اليوم!

كل كلمات المحبة والمجاملات، يكون لها معنى وطعم، ولا شيء يشبه باقة ورد وصراخ بكلمات الحب، وأغنيات عيد الميلاد من تلاميذ لا تدينهم بشيء! ولا يطمعون منك بشيء!

تلاميذ لا تراهم كل يوم، ولا تدخل صفهم، ولم تعد أن معلمهم، لكنك الشخص المفضل!

متى أصبحت لتلك اللاليء الصغيرة شخص مفضل بكل هذا الخراب؟ لا أعرف، لكني أعرف أن وسط الخراب واحة آمنة وصغيرة وخضراء لهم، لهم وفقط، أحبهم بكل ذرة فيها، وأخلص لهم، وأبذل لهم كل ما في وسعي!


اليوم، في عيد ميلادي الثالث والثلاثين، أرى امرأة محظوظة تتبرج أمام المرآة، امرأة جميلة، لا يزيدها الدهر إلا بهاءًا، ولا يزيدها العمر إلا سحرًا! أرى شيئًا لا أعرف كلمات وصفه، لكنني أخبره جيدًا، هذا الذي يحول كل تعاسة الدنيا إلى بسمات متتالية!

تسأل صديقة: يوم صعب، كيف تحافظين على هذا المزاج الطيب!

أقول بثقة امرأة ثلاثية، إنه عيد ميلادي، أحب هذا اليوم، وأحتفل به، ولن يعكر صفوه أحد، كائنا من كان!


وقد كان!

الأحد، 3 أكتوبر 2021

مازلنا .....

 كنت دوما أتعجب من قدرة أصحاب المصائب على التخطي، التجاوز، المرور كأن شيئًا لم يحدث، أتعجب من قدرتهم على الضحك من جديد، على الدخول إلى المستشفيات التي سلبتهم الراحة لفترة طويلة بابتسامة عريضة، على السكن في بيت ضم أحبابهم وخطفهم منهم الموت بذات البيت، أتعجب من امرأة ذابت عشقًا ثم هجرها الحب والأمن إلى غير رجعة كيف تأمن من جديد، وكيف تضع يدها في يد آخر، وكيف تبيت معه على فراش واحد، وكيف يصبح لها بعد عدة أسابيع أو شهور أو سنوات معشوقها الذي لا تنام وهو خارج المنزل، ولا تهدأ وهو قلق مضطرب، ولا تهنأ وهو حزين، ولا ترتاح وهو متعب؟!

كيف يتسنى لقلب واحد أن يعشق مرتين؟ ما بالك بثلاث أو أكثر!

كنت أومن بمقولة ما الحب إلى للحبيب الأولِ، أقول الأول ليس أول من نلتقي بل أول من نحب!

وكان أول من أحب هو أول من هجرني، وقتلني، ومزّعَ قلبي حيًّـا، لم يشفع له خوف، ولم يشفع عنده عشق صافٍ لم أجده إلا له، ولم يصفو أحد إلا هو .. به، ولشدة ما مررت، أظن أني شهدت الموت بعيني، ورأيت الخيط الفاصل بين الوجود والعدم، ووقفت روحي في حلقي أكثر من مرة، لا تهدأ فتسكن بين ضلوعي، ولا تقوى على الدفع خارج الجسد فنستريح جميعا! وعشت لفترة تعدت الثلاث سنوات بين عالمين ضبابيين جدًا، حتى أني نسيت من أنا، وماذا أريد، وماذا أفعل هنا بالمعنى الحرفي للكلمات، أذكر إني من سنتين فقط أو ربما أقل، هاتفت صديقتي لأسألها من أنا؟ وماذا أحب، وماذا أفضل؟ وماذا تعرف عني؟

لإنني ببساطة لم أستطع أن أجيب سؤال المعالج البديهي، ما هو لونك المفضل؟ ماهو فيلمك المفضل؟ ماهو ..... المفضل!

الشيء الوحيد الذي كنت أذكره الموسيقى! أعرف أني أعشق الجاز، وأني أحب كل معزوفات أندريه ريو، وأني وإن كنت لا أذكر أسماء الموسيقيين بعد، لكني أحب الروس، لإن موسيقاهم قوية وثابتة ورائعة، وكنت أهيم على وجهي في الشوارع، لا شيء معي سوى الموسيقى، عشرات الأغان، القديم والحديث، الشرقي والغربي، ولم أفقد يومًا خصلتي في الانتقاء، حتى وإن كنت نسيت ما مفضلاتي فسمعت أشياء كثيرة، حتى المهرجانات سمعتها!

يسألني شخص مفضل، كيف الحال مع الارتباط، يقول أنه قد يفضل الحرية، أقول له أني أريد أن أطمئن! ولا أريد أن أكمل وحدي أكثر، ولا أريد أن أنزعج أبدًا، أشعر في كلماته بشيء أعرفه، هذا الخوف المحموم، كلنا نخاف، ولكن هناك من يريد أن يطمئن، وهناك من هو آمن بشكل كاف ألا يباشرك أي أذى من تجاهه!

الألم صفصفني، قطعني وسلخني، باشر عظامي وخالط جلدي ولحمي، سرى كالنار في دمائي، كالحمض الساخن، وكالثلج على شقفات الجلد المنهكة، وألحد قلبي بالحب، وآمن بالهلع، وانغمس وقُـبِرَ في الخوف من كل البشر، بل تعداه إلى كل متحرك ليس بآلة!

لكني تعبت!

هذه ليست أنا ... سأختار المغامرة .... ست سنوات وهاك السابعة تعبر، أخاف من خيالي، وأفــرّ هاربة إذا ما دق الحب بابي! لمه؟ لم يكن أنا، لم يكن ذنبي، لم يكن خطئي، اليوم تشرق أنوارك في ليل عيوني، أرى بسمة تجذبني، ومازال شيء في قلبي يصارعني!

لكني سأذهب حيث الفراشات، وسأخطو إن مددت يدك نحوي، وأمنحك كل الدفء الذي سلبته منا الغربة، وكل الحب الذي أخذه مني الغدر، وكل لطافة العالم في أطفال صغار، وسأخبز لك كعكًا، سيصيب مرة ويفشل مرة، وسأمنحك كل صباح تلك البسمة الناعمة، وأخبرك كم أني راضية تمامًا بهذه السكينة، وبتلك الشمعات التي تبثنا رائحة الورد وعبق النسيم!