السبت، 6 أغسطس 2016

بيضاء ٥ ...... الحلم!

غفت وهي تجلس على الأريكة، كانت تدير أسطوانة للموسيقار الإيطالي الذي تحبه، الجو بارد تلك الليلة غلبها بالنعاس...

يدور المفتاح في الباب، يقلق نومها الخفيف، تفتح عيونها على شبحه يعبر الردهة إلى أريكتها في قبالة الشرفة، تدور برأسها كي تملأ عينها منه وهو يدور لإلقاء التحية!

تبتسم ... كالصغار تبتسم .... كالملائكة ... كالورد ....

تضمه لا تعرف أي ضمة تمنحه إياها، ضمة أم لوليدها، أم ضمة طفلة لأبيها العائد من العمل أخيراً، هل ضمة محبوبة؟

لكنها ضمة تشي بشيء بريء جداً يلتمع في عيونها، شيء لا يظهر سوى أمام عينيه، لا يظهر سوى مع رائحة عطره وعرقه على حد سواء، لا يظهر إلى عندما تشعر بأمانها وسكونها بين يديه ....

يجلس بجوارها، وبخفة يعتدل في قفزة لينام بجوارها على الأريكة متخذاً من فخذها وسادة ومن حجرها مضجعاً.... تمسح رأسه كما تفعل دوماً، تقبل يده الكبيرة، وتداعب شعره،

كيف يومك؟
يبتسم ويهز رأسه ....

تفهم أنه متعب جدا، تستأذن أن تحضر له العشاء، يوافق ويرفع رأسه بما يسمح لها بالحراك...

تقف في المطبخ، تبدأ في التسخين والقلي وإخراج الأشياء من المبرد، تزين أطباقها بقبلات عينيها، بعناية تضع الأشياء في مكانها، تبتسم طوال الوقت، كأنما تخبر الطعام أن يكون حنونا معه، كما أن عيونها تحمله من الأرض إلى أعماق قلبها.

كأم متفانية، تصنع له الطعام بحب، طالما أحب طعامها على بساطته أو تعقيده، كان يقول لها أنها ليست ماهرة جدا في الطبخ، لكن شيئا ما يجعل طعامها مميزاً جداً في مذاقه، رغم عدم حرفيته!
كانت تبتسم له وتقول .... الحب .... أضع في طعامي كل الحب والشوق إليك! هكذا أطبخ لك!

تبتسم مرة أخرى، تذكرت كيف قفز في حركة بهلوانية، تجعلها في كل مرة تضحك وتنعته بالطفل الشقي، الليلة لم تفعل، ابتسمت وفتحت ذراعيها لاستقبال رأسه المتعب، ابتسمت ومررت أصابعها على جبهتها كأنما تتأكد من ثبوت قبلته مكانها كالتاج من رأسها!

أخرجت الأطباق بهدوء وحرص إلى الطاولة،
كاد يغفو مكانه، طبعت محبتها على جبهته، وأخبرته أن الطعام جاهز!

يستند على كتفها ويمشي، يدعي التثاقل في الحركة كي يستند أكثر عليها، يثقل كتفها ويوجعها، تميل قليلاً وتخبره، يضحك ويحملها فجأة، لا تضربه على كتفيه مثل كل مرة يفعل كذا!

تضع رأسها على رأسه وتضحك!

يجلسها قبل أن يشرع في الجلوس، كالأميرات، كالملكات، كصاحبات التيجان والمقام الرفيع، يسحب الكرسي لها وينحني،

مولاتي !

تتظاهر بأنها ترفع فستاناً وهمياً وتجلس، لا تستطيع أن تكتم الضحكة، تعجبها هذه اللعبة عندما يروق باله لمداعبتها!
يجلس، ويبدو عليه التعب واضحاً الآن، يخبرها أنه يحتاج أن ينام دهراً بعد شقاء اليوم، يتبادلان الحديث عن عمله وصفقاته،
حينما يمد يده إليها في حركة تشير إلى طلب يدها ليقبلها-هكذا يفعل كلما ذاق الطعام وأعجبه- بلا قصد يقع كأس الماء على الأرض ........

ترتجف، تفزع، تفتح عينيها فجأة، تضطرب، السقف الأبيض غير المريح هذا؟
امرأة تجلس على أريكة مجاورة، أشياء تخترق جسدها، أنابيب تمرّ هنا وهناك!

ماذا يحدث؟

صداع شديد، وشروق يلوح من خلف الستائر اللبنية!
ووجه هناك تعرفه، لكنها لا تذكره! من هذا المتنمر عند نافذة الباب ينظر لها؟

تشهق، كأنما تذكرت شيئاً

تفزع

ترتعب

تنكمش في سريرها مرة أخرى

تنتحب بهدوء، وتتظاهر بالنوم من جديد!