السبت، 20 أبريل 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (15)

أخاف ٢

ألم أقل لك يا صديقي أني أخاف من البشر ولا أفهمهم، وأني لا أحب أن تخرج أنيابي، لا أن أكشر عنهم ولا أن أعض بهم؟ ألم أقل لك بالأمس أني امرأة لا أحبها؟ وأن المرأة التي أحبها فعلا هي طفلة شريدة في هذا العالم؟ وأن هذه الطفلة عندما كانت على سجيتها كانوا يقضمون أصابعها ويأكلون طعامها ويخدشون وجهها وهي لا تفهم لماذا يتنمرون عليها بهذا الشكل؟ وأنها ظلت تراقبهم فعرفت أن بعض البشر يحبون التنمر من أجل التنمر وفقط، من أجل استعراض عضلاتهم وأنهم قادرون وفقط!

كانت تلك الطفلة تختبيئ، كانت تبكي دومًا وبلا توقف، كانت تندهش، كان هذا التنمر يصيبها بغثيان دائم، حاولت الحفاظ على بعض الهدوء، حاولت أن تفهم وأن تجد مبررًا لما يفعلون، حاولت التغير والتأقلم والتكيف، ثم تكشّف لها بعد ذلك أنها لم تكن هي المشكلة، بل هم يستمتعون باختلاق المشكلات الصغيرة، ثم تكبيرها وتصغيرها حسب فراغهم، يتغذون على هذا النوع من المشكلات!
منعت التنمر مرة، تحلقوا حولها، العصفورة الصغيرة صار لها أسنان! لعلهم لا يعرفون الآن أن العصفورة الصغيرة قد نمت لها أنياب شرسة، قد صارت مثل طائر الرخ!
تلك الصغيرة صبرت كثيرًا، في كل مرة تحلت بالمبادرة الحسنة والأخلاق كانت تلقى عقابًا على ذلك، قلبها كان يتسع للتجاوز والمسامحة، قلبها امتلأ، لم تعد قادرة على جعل مزاحهم السخيف يتجاوز قبضة يدها إلى قلبها مرة أخرى، تسأل نفسها كل ساعة: هل أرد القبضة لصدورهم؟ هل أرد القبضتين بقبضة أو قبضتين؟ هل أمنع الأذى وفقط؟ هل أكشر فقط عن أنيابي؟ أم أعضهم حتى يرتدعون لتلك الأيام القليلة الباقية قبل الرحيل؟ 
من أسوأ ما قد واجهت في حياتي ظن الناس أن الذي يتجاوز ضعيف! وظنهم أيضًا أن مريض الاكتئاب مضطرب عقلي! الاكتئاب في النفس في القلب في الروح المثقلة بحماقاتكم، وليست في العقل، العقل الذي يرى قبح أفكاركم قبل أن تتحول لأفعال!


في يوم ..... منذ زمن ... كنت خائفة جدًا، ظهرت أظفاري وأنيابي كنت أجرح بهم نفسي، خدشت أحدهم ربما بدون قصد، عندما أخاف أحب أن أكون وحدي، عندما لا أثق أن زوبعتي التي تتحول لإعصار بسرعة شديدة لن يحتويها هذا الحضن الصغير، وإذا قرر أن يفعل سوف يسحقه أعصاري، أحب أن أكون وحيدة، أريد أن أمسك بيد واحدة، أتشبث بها، ولكني أخاف على تلك اليد، فكنت أمسكها يومًا وأتركها يوما وأدفعها يومًا، لماذا يقرر أحدهم البقاء بشدة في ذروة الإعصار؟
وكيف لم أستطع الكلام؟ كنت أريد الوحدة والهدوء، أو كنت أريد قلبًا أوسع يقسم بصدق أن كل شيء سيكون بخير، أن يضمني رغمًا عني، وأن يمسك رأسي ويعصر أفكارها بعيدًا عني، وأن يخبرني أن كل ما أخاف منه ليس سوى أفكار، لا شأن لنا بها ولا شأن لها بنا!
أذكر كيف كنت أطعنه، كيف كنت مثل العاصفة تقتلع أشجار المحبة وتدهس أزهار الود، كيف كنت أدفعه خارجًا كي لا يتحطم عندي، وكيف كان يصر على الوقوف في الزاوية، لم يكن واثقًا بما يكفي ليحتوي ثورتي، ولم أكن قادرة على كبح أنيابي وأظافري. كيف أذكر تلك الأيام وأتألم بشدة، أود الاعتذار أحيانًا لقلب لم أخاف على أحد ولا من أحد مثله، وأنظر إلى أعاصيره التي تجتذبه وتسحقه، يختار الوحدة، ولا أملك الموافقة ولا أملك الرفض ولا أملك أي شيء سوى محاولة الخلاص من كل تلك الأفكار، من زوبعاتي، ومن ذكراه، ومن ملامتي لنفسي، ومن النظر للوراء!

الخوف ثقيل، يخرج ما ليس أنت ... إنسان آخر لا تعرفه، إنسان ضعيف وحزين وجبان، إنسان لا تعرف هل تصفعه لخسته وجبنه وأحيانًا لفقده السيطرة على حيوانيته وظلمه، أو تضمه حتى يهدأ ويطمئن؟ لو كان قلبك ضمني حتى اطمأن؟

الخميس، 18 أبريل 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (14)

الخوف

أخاف من هذه الدنيا بشدة، أتعامل في النهار بعقلي وفقط، أسب وألعن وأتوقع وأضع النتائج وأصيب في الكثير من تلك التوقعات، أستهجن ولا أندهش لوحشية البشر، في النهار تنمو لي أنياب وتخرج من أناملي أظفار .... 

وفي الليل

أعود إلى نفسي .... إلى تلك الطفلة الشريدة التي خرجت وسط الطرقات المتشابكة تهرول وتصرخ وتبكي وتذعر وتنادي أمها، وتبحث عن تلك الوردات الناعمة التي تهديها الطريق، تلك الطفلة التي كانت تسهر تقص للشجرة الضخمة قصة ما قبل النوم، تلك الطفلة التي آمنت بترويض الوحش بحضن دافيء، عندما تشاهد فيلم الجميلة والوحش في كل مرة مثل أول مرة، كانت مؤمنة بأن للحب سلطان وأن للحنان سحر، وأنه لا يرفض الحب مخلوق له قلب، تلك الطفلة التي نمت لديها قناعة أنها إن تبنت أسدًا وأطعمته بيدها كل يوم وأخذته في حضنها الصغير وقصت عليه حكايا قبل النوم سوف يصبح صديقها، ويظل وفيًّا لها ...... تلك الطفلة الصغيرة التي ذعرت عندما أخبرها أبوها بحادثة محاسن الحلو، اختبأت بحجرتها، كان لها مخبأ تحت السرير تجلس فيه وتبكي، كانت تختبي من العالم المتوحش تحت السرير وتبكي .... كانت تقول كيف؟ كيف لم ينتصر كل هذا الحب؟ كيف كانت تطعمه كل يوم ويقتلها؟ ما الذي حدث؟ عقلها قد يصدق الحدث، لكن قلبها الصغير الضعيف المصدوم وقف في معضلة كبيرة .... هل تكفر بكل ما آمنت به؟ إنها تعبد الله بالحب ... لا شيء يدفعها للصلاة ولا شيء يؤنبها في الذنب سوى الحب .... كانت تعرف الحب فقط وتتعامل به في الدنيا بشيء من السذاجة الطفولية، تكومت حول نفسها وخافت، إن بيتها الرملي الصغير على شاطيء الحياة يهتز بموج عاتٍ، هذا البيت الرملي من الإيمان الصغير هو كل ما تملك، تمر الأيام، الشهور، السنوات، تعاد القصة على مسامعها، تأسف، تصم أذنها عنها، لكن في وسط الحديث كان شفاء قلبها المثقل عندما قال أحدهم: "هل تعلمون أن الأسد انتحر؟" ... "ماذا؟ يا إلهي ... ماذا تقول؟" ...." نعم الأسد انتحر، لم يقصد أن يقتلها وعندما شعر أنها ماتت بسببه انتحر حزنًا عليها وعقابًا لنفسه، منع نفسه من الطعام وكان يحرج نفسه عقابًا" .... لم تعرف قبل تلك اللحظة وقتًا أسعد، تلك اللحظات القصيرة التي تؤكد لها أن الحب يبقى، وأن الحب موجود، وأن الأمور بسيطة عندما نثق بالحب .... تلك الطفلة التي كانت تتخيل الأشياء الكثيرة عن المعاني والأفكار الكبيرة، تلك التي لم تتوصل إلى حقيقة الإيمان إلا بمنتصف العشرينات، لم يختلف إيمانها في العشرين عن إيمانها في السابعة، عندما ترفع عينيها للسماء وتقول له يارب تعرف هتبسط أوي لو ماما عملت النهاردة مكرونة بالبشاميل مع انه صعب ماما بترجع متأخر ومش هتلحق بس الفكرة لذيذة صح؟ .... تعود للبيت لتجد أمها سبقتها وأعدت لها المكرونة بالبشاميل دون سابق طلب .... ترفع عيني قلبها للسماء وتقول يارب لما أشوفك هبوسك وأحضنك ... هو انت أد ايه؟ هعرف أحضنك؟ عامة لو أنا معرفتي احضني انت ....... تكبر الطفلة في عقلها وفقط، يتحول العقل إلى فتاة وشابة وامرأة، يستنكرن على قلبها ان يبعث بوسة في الهوا لربنا .... وقلبها طفل يرفع عينيه للسماء ويقول "أحبك"، كل مساء تعود الطفلة الشريدة منهكة، تستمع لها المرأة المتعقلة، أو تتجاهلها من فرط التعب والتوتر والانهاك والرهاق والقلق والخوف ونوبات الاكتئاب ونوبات الهلع وتنام، فتبقى الطفلة في عينيها تنتظر لحظة للخروج، مع الأطفال الصغار، مع أمنياتهم الصغيرة، مع أحلامهم الوردية، أحيانًا تكون قوية، تستغل انشغال المرأة في عقلي، وتخبر الأطفال أن الأساطير حقيقة، وأن جنية الأسنان ليست خرافة، وأنه من يتمنى من الله شيئًا قبل أن ينام سوف يتحقق له، وأن يحفظون الأمنيات عند رؤية الشهب السماوية، وأن يختاروها بعناية عند شمعة عيد الميلاد، وأن سندريلا يمكن أن تتحقق، وأن الوحش لطيف وقلبه طيب، وألا نعامل الوحوش كالوحوش ولكن نعاملهم بطريقة أفضل ونصبر عليهم حتى تتحرك قلوبهم بالمودة والحب، وأن الحب الذي نصدره للعالم سوف نحصده كل يوم، وتلون معهم الحيطان بالوردي، وتخبرهم قصصها الخرافية التي تحققت واعتقاداتها المجنونة التي ثبتت علميًا وتتفاخر كيف أن قلبها الصغير المعتوه يعرف أشياءً قبل الزمن، فتخبرهم أنها صادقت الصبارة طويلًا وكانت تمسح بين أشواكها بالمنديل كل مساء حتى أهدتها الصبارة زهرة في الربيع، وتخبرهم عن الشجرة القديمة التي كانت تقص عليها كل ليلة حكاياها الطريفة والكئيبة، تخبرهم أن الشجرة كانت تفهم كلامها وتشعر بالحب والحزن والسعادة والألم، تخبرهم أنها طالما آمنت أن الأشجار تشعر وتتواصل بطريقة غير مفهومة ولكن محسوسة لمن أراد أن يحسها ويفهمها، تخبرهم أنها قرأت عن اكتشاف بحثي يثبت خرافتها الخضراء، تخبرهم بما آمنت به من قبل، كل المخلوقات عبيد المحبة .... الله محبة .... كل ما فيه حياة فيه خير ... أحيانًا تستيقظ المرأة وتنهرها ... وتحبسها ... وأحيانًا تهذب تلك الأحلام حتى لا تُتهم بالجنون ....

في الصباح ترتدي ألف قناع، وتكبل قلبها بألف قيد، ويعمل عقلها على تلك المتلازمات المتشابكة والمعقدة، وتحسب لكل كلمة ألف حساب، وتصمت لإنها تخاف أن يساء فهمها، هذا ما جنته من البشر في عشر أعوام خارج الصومعة، كانوا يسألونني إن كنت مصرية؟ ثم إن كنت تربيت في مصر؟ ثم إن كنت أفهم ما يقولون ... حتى وصلت لفهم أغلب التلميحات البريئة والقذرة ودراية كاملة بقاموس شتائم عويصة كنت أحتاج لأسابيع لأسطيع نطق نفس الكلمة من قبل، ثم للتوقف والتساؤل هل يمكنني أن أقول كذا دون أن يساء فهمي؟ هل يمكن أن أفعل كذا دون أن يساء الظن بي؟ مثلما يحدث دومًا؟ أمسك نفسي من الاندفاع فيما يمليه قلبي وفيما أظنه الصواب، وأتكلم بما يتكلمون به في تلك المواقف، لأنني ببساطة خائفة!!!
خائفة من الظلم، أن أظلم أو أُظلم، وخائفة من المجهول، من الموجود تحت تلك الأقنعة، ومن الذي يظهر بلا توقع، أسمع وأرى وأخاف كثيرًا، وتكبر أنيابي ويشتد زئيري، وأصبح بشكل ما مهابة، يعرفني من يعرفني أني أكشر عن أنيابي ساعة اللزوم، وأن لي أظفار بالفعل لا أستخدمها لكن وجودها يردع البعض، أبتسم كالبلهاء للعابرين لأني أحبذ آداب اللياقة، وأسب وأبصق وألعن ويعلو صوتي، كأني غريبة عن تلك الطفلة، على النقيض، أصبحت أعرف خيوط الماريونيت، أمسكها وأتلاعب بها، أضحك كثيرًا لهذا القدر العظيم من الخدع، وبنهاية اليوم أتكور تحت السرير وأبكي، أرفع عيني لله وأقول له هذا العالم لا يشبهني ولا أشبهه .... هي يمكن يا الله أن أسير يومًا عارية ولا أبالي؟ 
هل يمكن أن أخلع الأقنعة والأظفار والأنياب وأسير أنا بلا شيء ... كما خلقتني ... كفراشة تحب الزهر وفقط؟ 

الخميس، 4 أبريل 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (13)

ألطاف الله التي تحميني!

عادةً أفقد التوقيت، أفقد الزمن، وأنسى عمري!!!! وأصدم حينما أتعرض لهذا السؤال، وأصدم عندما أضطر لحساب السنوات أو كتابة التاريخ!
التفسير الوحيد الذي تلقيته عن هذا الأمر هو شدة الضغط العصبي والنفسي الذي أتعرض له، والذي لا ينقطع تقريبًا منذ خمس سنوات الآن، لو أرقامي دقيقة، وغالبًا أكثر لإني لا أتذكر الأشياء جيدًا!

هذا الشهر، أتساءل كيف يبدأ الأسبوع بيوم الأحد ثم فجأة يكون الخميس وفجأة يأتي الأحد!!!!! أين الأسبوع في المنتصف؟ وأين العطلة في النهاية؟ لا أعرف

أتيه بالمنتصف، لم أعرف الله إلا تائهة، ولم يعرفني الله إلا تائهة! 
أقول على نفسي دومًا أني عبدٌ كلٌّ على مولاه، يأكل ويشرب ويتنعم ولا يستقيم كما يجب!

يقول لي الشيخ دومًا: الله لا ينتظر منكِ شيء، لا ينتظر منك تلك العبادة وتلك الطاعة حتى يرزقك، الله أكرم منكِ وأغنى منكِ، أنتِ فقيرة وضعيفة وبلا حول وبلا قوة، أنت مجرد مخلوق، ليس عنده الكثير، بل ليس عنده شيء!

أقول: صدقت!

يقول لي الشيخ: إن أشدّ الناس فقرًا هو أكثرهم حاجة للغنيّ، وإن أشد الناس ضعفًا أكثرهم حاجة للقويّ، وهو الله الغني القوي ... سبحانه 

أقول: صدقت ....

أقول في نفسي وزد عليه يا شيخي أني عبد كلّ على مولاه، ما الذي أفعله سوى العركلة في ملابسي والتعثر بأصغر أحجار الطريق، أسقط على وجهي فأجلس على الأرض أبكي، ثم أنسى ما الذي أجلسني على الأرض وما الذي أبكاني، ثم لعلي بعد كل هذا اسير بنفس الطريق العسر!

يقول لي الشيخ دومًا إذا ما فقدت الطريق والرفيق: الله هنا، الله معك، الله يرفع عثرتك، الله يسند قلبك، الله يراكِ، الله لا يتركك حتى إن تركتِه، الله لا يغفل عنكِ ولا ينام، الله يدبر لكِ حيث لا تفهمين ولا تدركين، الله رؤوف بعباده يا ابنتي!

هل أخبرت شيخي يومًا أنه في كل مرة يمسح على قلبي؟
هل أخبرت شيخي يومًا أن كلماته عن الله تتجسد في حضن كبير يلملم شعث قلبي؟
هل أخبرت شيخي يومًا أني أجلس أمامه مثقلة ومتعبة فيتحدث بما يجول ويجيء ويتصارع في صدري فأقوم من أمامه مثل فرخ عصفور يتنفس العليل الأول؟


في القصص القديمة التي مثلوها في الأفلام، كانوا يقولون " يا ألطاف الله" دِلالة على التعجب

وأنا أقول يا ألطاف الله تعجبًا واندهاشًا ..... كيف أن الله وحده الله يدبر كل هذا

في أيام كثيرة، أسودها كان أقوى وأشد وأكثر من أبيضها، في شهور أطول من أيام، ما كنت أرى سوى التيه، ومازلت أسقط في التيه، ومازلت أواجه الأسود، وتصيبني نوبات الهلع والركض إلى حيث لا وجهة ولا طريق، ويصيبني إعصار في رأسي فجأة في منتصف طريق سريع بسؤال أين تذهبين؟ ومن أنت؟ ومن هذه التي معك ؟ وإلى أين تنوين الذهاب؟ وهل هذا هو الطريق؟ أين أنت؟ ولماذا أنت هنا؟ في هذا الطريق تحديد؟ في مصر؟ على الأرض؟ ماذا أتى بك إلى هنا؟ أين أخيك؟ سافر؟ منذ زمن؟ هل سوف تلتقيه مرة أخرى؟ هل سوف يحين لقاء؟ لن تلتقيه؟ إذن أين خط الزمن وكيف يذهب؟ وأين ينتهي؟ ومتى ينتهي؟ ثم؟ حبيبك؟ أكان لكِ حبيب؟ مات؟ هاجر؟ هل التقيتِ به يومًا؟ أم كان خدعة؟ من أنتِ؟ ولماذا تسألين كل تلك الأسئلة؟ وأين أنا؟ وما هذا الزحام؟ وأين البيت؟ أين غرفتي؟ أين سريري؟ كيف أهرب من هنا؟ هل سوف أهرب؟ هل أنا سجينة؟ ...... أنا سجينة نفسي وقلقي وتفكيري وهذا النوع الفجائي من الأسئلة الذي جعلني أضطرب أكثر من مرة! ولكني الآن لا أعرف كيف أمسك رباطة جأشي وكيف أتجاهل تلك المرأة التي تسألني بداخل رأسي؟ وكيف إذا نسيت الطريق ونسيت وجهتي أنظر إلى لوحات الطريق وأهديء من روعي ثم أحاول التذكر أين يحملني الطريق وأين يسوقني القدر!!!

هكذا بالضبط تسير حياتي ... ألوم نفسي وأجلدها كل ليلة وساعة ونهار على أسبوع مر لم أقرأ فيه، وشهر مر لم أتعلم فيه، وسنة مرت لم أتقدم خطوة!

هكذا أرى من خرم الإبرة!

وليس هكذا تسير الأمور

الله .... الملك ... اختار لي أن أختار اللطف، فكان كل ما يفعله معي هو اللطف، لا شيء يفسر تقدمي خطوة للأمام سوى أن الله في كل مرة يجمع خطواتي

اختار مولاي أن يحمل عني عكازي، وأن يخلق لي قدمًا أمشي عليها
فكان يأخذ مني أحدًا أتكيء عليه، ليبدل قلبي قوة خفية، لم أرها إلا منذ أسابيع قليلة، لربما أيام!
مازال نفس الضعف في بدني يسري، ولكن قلبي لم يعد يناطح الضعف، ولم يعد يخجل منه

الله هو الملك وهو القوي، فلم الادعاء بأني شيء قوي؟ ولم الادعاء بصفات تخص الإله؟
لن يحدث الكمال على الأرض لإنها ليست مكان الكمال، وإن حدث لن يحدث من الناقصين الضعفاء، ننشده، نحاول تجاهه، لكن لا بأس إن أخفقنا بتحقيقه، لا بأس إن فعلنا وسعنا وكل طاقتنا ولم يكن الأمر كامًلا ١٠٠٪ بالنهاية! 
اقبلي كل هذا النقص، اقبلي كل هذا الضعف، أنتٍ لست إلهًا، والكون لا يدور في مدارك وكنفك!

أخاف من الأشياء، فيحمل الله إلي كل خوف :)

يقول أحد النبلاء: الشجاعة ليست انعدام الخوف، ولكنها مواجهة الخوف!

لماذا أختار كلام الفرسان دومًا؟ ولماذا يختار الله لقدري كلام الفرسان أيضًا، فعندما أجبن عن مواجهة خوفي يضعه الله أمامي!

أفقد الأحبة، بالموت مرة، وبالغربة مرة، وبالفراق مرة
أفقد الأصدقاء ويحقق الله في أمري معادلة لم أكن أفهمها ولا أستطيع شرحها، ولكنها تتلخص في كونك تفهم أخيرًا أنه من الجيد أن يكون لك أصدقاء جيدون، ولا بأس ولن ينهدم العالم ولن يتوقف الكون عن الدوران إن خسرتهم أو فقدتهم بأي شكل حتى لو كان انشغالًا بأمورهم عنك!
أفقد تلك الحاجة الملحّة لوجود البشر، أعترف بكراهيتي الوحدة، وأعترف بأن البشر لن يمنحوني الحب المطلق!

الله عرضني للحب .... الحب المطلق ... الحب الذي توقف فجأة ولم يصمد كثيرًا .... موجود ولكنه متخفٍّ ... الله أراد أن يقول لي البشر فانون فكيف تطلبين الباقي من غير الباقي؟ "سبحانه" 
أفقد نفسي .... لأرى كيف أنه سبحانه في كل مرة يجدني .... ويريني كيف يجدني .... أفقد حبي لنفسي ليتجلى كيف أن الله يحبني ... يحب كل مخلوقاته وكل عباده
أرفض نفسي فيقبلني الله ... بكل شيء .... وبكل صورة ... وبكل فعل ... وبكل ندم ... وبكل جهد .... وبكل كسل!
يعلمني كيف أقبل الخلق، كيف أتقبل شرود أحد وتقلبه، يريني أني بضعفي أستطيع تقبل هؤلاء البشر، يوسع قلبي، وينشر عليه من ستر المحبة، فكيف بأنه هو الواسع، وكيف بأنه هو البديع، وكيف بأنه هو الودود الذي يتودد لخلقه بالمغفرة والعفو
لكل الخلق ... يتودد لهم بالرعاية والعناية ... للمؤمن والكافر ... والناسك والفاسق .... للمنتبه والغافل ... للسائر والتائه ...
لكل أحد!
فعرفت أنه يقبلني ... وتعلمت أن أقبلني !

تلك الرسائل التي لا تنقطع
وتلك التدابير التي تنقذ رقبتي
وتلك الأشياء التي لا دخل لأحد فيها سوى لطف الله 

يقول لي الشيخ: كل إنسان بحاجة للعزلة، هذا القلب بحاجة للعزلة، بحاجة أن يتخلص من تعلقات الدنيا، أن يخلص لله وحده، اسألي نفسك كل يوم عن خمس تعلقات بالدنيا، خمس أغيار من الأشخاص أو الأشياء أو الصفات حتى هي كلها من الدنيا، أنتِ تظنين أنك لن تقدري على العيش بدونها، لكن جربي أن تقطعي الخمس أشياء عن نفسك ليوم، لأكثر أن تتخلصي من التعلق بها، أن تعرفي أنها مجرد أغراض في الدنيا، لا تتعلق بها حياتك ولا موتك، ولا فرحك ولا حزنك، إن أتت لك فالحمدلله، وإن ذهبت عنك فالحمدلله، لا شيء يتغير، لا تضيف لك قدرًا ولا تنزع عنك منزلةً، ثم إن فعلتِ يا ابنتي سوف يبقى الله وحده في قلبك، انعزلي، الله يهيء لعباده الأحباب الذين يحبهم تلك العزلة، ينبههم لها فإن لم ينتبهوا فرضها عليهم، حتى يختلوا بأنفسهم فيتدبروها، ويرجعون إلى الله، ويختلون بإلههم فيتجلى عليهم بجميل صفاته وبكمال لطفه ومحبته!

سيدي الشيخ .... هل قلت لك أنك تمسح قلبي؟ هل قلت لك  أنك تلمس قلبي؟ هل قلت لك أن قلبي يشعر بوسائد اللطف؟

اللهم لطفك بتلك العبدة الكليلة الضعيفة التي لا تهتدي بسواك! ولا تستقيم بدونك، ولا تقف بلا يدك وسندك ... آمين!