الخميس، 18 أبريل 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (14)

الخوف

أخاف من هذه الدنيا بشدة، أتعامل في النهار بعقلي وفقط، أسب وألعن وأتوقع وأضع النتائج وأصيب في الكثير من تلك التوقعات، أستهجن ولا أندهش لوحشية البشر، في النهار تنمو لي أنياب وتخرج من أناملي أظفار .... 

وفي الليل

أعود إلى نفسي .... إلى تلك الطفلة الشريدة التي خرجت وسط الطرقات المتشابكة تهرول وتصرخ وتبكي وتذعر وتنادي أمها، وتبحث عن تلك الوردات الناعمة التي تهديها الطريق، تلك الطفلة التي كانت تسهر تقص للشجرة الضخمة قصة ما قبل النوم، تلك الطفلة التي آمنت بترويض الوحش بحضن دافيء، عندما تشاهد فيلم الجميلة والوحش في كل مرة مثل أول مرة، كانت مؤمنة بأن للحب سلطان وأن للحنان سحر، وأنه لا يرفض الحب مخلوق له قلب، تلك الطفلة التي نمت لديها قناعة أنها إن تبنت أسدًا وأطعمته بيدها كل يوم وأخذته في حضنها الصغير وقصت عليه حكايا قبل النوم سوف يصبح صديقها، ويظل وفيًّا لها ...... تلك الطفلة الصغيرة التي ذعرت عندما أخبرها أبوها بحادثة محاسن الحلو، اختبأت بحجرتها، كان لها مخبأ تحت السرير تجلس فيه وتبكي، كانت تختبي من العالم المتوحش تحت السرير وتبكي .... كانت تقول كيف؟ كيف لم ينتصر كل هذا الحب؟ كيف كانت تطعمه كل يوم ويقتلها؟ ما الذي حدث؟ عقلها قد يصدق الحدث، لكن قلبها الصغير الضعيف المصدوم وقف في معضلة كبيرة .... هل تكفر بكل ما آمنت به؟ إنها تعبد الله بالحب ... لا شيء يدفعها للصلاة ولا شيء يؤنبها في الذنب سوى الحب .... كانت تعرف الحب فقط وتتعامل به في الدنيا بشيء من السذاجة الطفولية، تكومت حول نفسها وخافت، إن بيتها الرملي الصغير على شاطيء الحياة يهتز بموج عاتٍ، هذا البيت الرملي من الإيمان الصغير هو كل ما تملك، تمر الأيام، الشهور، السنوات، تعاد القصة على مسامعها، تأسف، تصم أذنها عنها، لكن في وسط الحديث كان شفاء قلبها المثقل عندما قال أحدهم: "هل تعلمون أن الأسد انتحر؟" ... "ماذا؟ يا إلهي ... ماذا تقول؟" ...." نعم الأسد انتحر، لم يقصد أن يقتلها وعندما شعر أنها ماتت بسببه انتحر حزنًا عليها وعقابًا لنفسه، منع نفسه من الطعام وكان يحرج نفسه عقابًا" .... لم تعرف قبل تلك اللحظة وقتًا أسعد، تلك اللحظات القصيرة التي تؤكد لها أن الحب يبقى، وأن الحب موجود، وأن الأمور بسيطة عندما نثق بالحب .... تلك الطفلة التي كانت تتخيل الأشياء الكثيرة عن المعاني والأفكار الكبيرة، تلك التي لم تتوصل إلى حقيقة الإيمان إلا بمنتصف العشرينات، لم يختلف إيمانها في العشرين عن إيمانها في السابعة، عندما ترفع عينيها للسماء وتقول له يارب تعرف هتبسط أوي لو ماما عملت النهاردة مكرونة بالبشاميل مع انه صعب ماما بترجع متأخر ومش هتلحق بس الفكرة لذيذة صح؟ .... تعود للبيت لتجد أمها سبقتها وأعدت لها المكرونة بالبشاميل دون سابق طلب .... ترفع عيني قلبها للسماء وتقول يارب لما أشوفك هبوسك وأحضنك ... هو انت أد ايه؟ هعرف أحضنك؟ عامة لو أنا معرفتي احضني انت ....... تكبر الطفلة في عقلها وفقط، يتحول العقل إلى فتاة وشابة وامرأة، يستنكرن على قلبها ان يبعث بوسة في الهوا لربنا .... وقلبها طفل يرفع عينيه للسماء ويقول "أحبك"، كل مساء تعود الطفلة الشريدة منهكة، تستمع لها المرأة المتعقلة، أو تتجاهلها من فرط التعب والتوتر والانهاك والرهاق والقلق والخوف ونوبات الاكتئاب ونوبات الهلع وتنام، فتبقى الطفلة في عينيها تنتظر لحظة للخروج، مع الأطفال الصغار، مع أمنياتهم الصغيرة، مع أحلامهم الوردية، أحيانًا تكون قوية، تستغل انشغال المرأة في عقلي، وتخبر الأطفال أن الأساطير حقيقة، وأن جنية الأسنان ليست خرافة، وأنه من يتمنى من الله شيئًا قبل أن ينام سوف يتحقق له، وأن يحفظون الأمنيات عند رؤية الشهب السماوية، وأن يختاروها بعناية عند شمعة عيد الميلاد، وأن سندريلا يمكن أن تتحقق، وأن الوحش لطيف وقلبه طيب، وألا نعامل الوحوش كالوحوش ولكن نعاملهم بطريقة أفضل ونصبر عليهم حتى تتحرك قلوبهم بالمودة والحب، وأن الحب الذي نصدره للعالم سوف نحصده كل يوم، وتلون معهم الحيطان بالوردي، وتخبرهم قصصها الخرافية التي تحققت واعتقاداتها المجنونة التي ثبتت علميًا وتتفاخر كيف أن قلبها الصغير المعتوه يعرف أشياءً قبل الزمن، فتخبرهم أنها صادقت الصبارة طويلًا وكانت تمسح بين أشواكها بالمنديل كل مساء حتى أهدتها الصبارة زهرة في الربيع، وتخبرهم عن الشجرة القديمة التي كانت تقص عليها كل ليلة حكاياها الطريفة والكئيبة، تخبرهم أن الشجرة كانت تفهم كلامها وتشعر بالحب والحزن والسعادة والألم، تخبرهم أنها طالما آمنت أن الأشجار تشعر وتتواصل بطريقة غير مفهومة ولكن محسوسة لمن أراد أن يحسها ويفهمها، تخبرهم أنها قرأت عن اكتشاف بحثي يثبت خرافتها الخضراء، تخبرهم بما آمنت به من قبل، كل المخلوقات عبيد المحبة .... الله محبة .... كل ما فيه حياة فيه خير ... أحيانًا تستيقظ المرأة وتنهرها ... وتحبسها ... وأحيانًا تهذب تلك الأحلام حتى لا تُتهم بالجنون ....

في الصباح ترتدي ألف قناع، وتكبل قلبها بألف قيد، ويعمل عقلها على تلك المتلازمات المتشابكة والمعقدة، وتحسب لكل كلمة ألف حساب، وتصمت لإنها تخاف أن يساء فهمها، هذا ما جنته من البشر في عشر أعوام خارج الصومعة، كانوا يسألونني إن كنت مصرية؟ ثم إن كنت تربيت في مصر؟ ثم إن كنت أفهم ما يقولون ... حتى وصلت لفهم أغلب التلميحات البريئة والقذرة ودراية كاملة بقاموس شتائم عويصة كنت أحتاج لأسابيع لأسطيع نطق نفس الكلمة من قبل، ثم للتوقف والتساؤل هل يمكنني أن أقول كذا دون أن يساء فهمي؟ هل يمكن أن أفعل كذا دون أن يساء الظن بي؟ مثلما يحدث دومًا؟ أمسك نفسي من الاندفاع فيما يمليه قلبي وفيما أظنه الصواب، وأتكلم بما يتكلمون به في تلك المواقف، لأنني ببساطة خائفة!!!
خائفة من الظلم، أن أظلم أو أُظلم، وخائفة من المجهول، من الموجود تحت تلك الأقنعة، ومن الذي يظهر بلا توقع، أسمع وأرى وأخاف كثيرًا، وتكبر أنيابي ويشتد زئيري، وأصبح بشكل ما مهابة، يعرفني من يعرفني أني أكشر عن أنيابي ساعة اللزوم، وأن لي أظفار بالفعل لا أستخدمها لكن وجودها يردع البعض، أبتسم كالبلهاء للعابرين لأني أحبذ آداب اللياقة، وأسب وأبصق وألعن ويعلو صوتي، كأني غريبة عن تلك الطفلة، على النقيض، أصبحت أعرف خيوط الماريونيت، أمسكها وأتلاعب بها، أضحك كثيرًا لهذا القدر العظيم من الخدع، وبنهاية اليوم أتكور تحت السرير وأبكي، أرفع عيني لله وأقول له هذا العالم لا يشبهني ولا أشبهه .... هي يمكن يا الله أن أسير يومًا عارية ولا أبالي؟ 
هل يمكن أن أخلع الأقنعة والأظفار والأنياب وأسير أنا بلا شيء ... كما خلقتني ... كفراشة تحب الزهر وفقط؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق