الأحد، 8 يوليو 2018

نزهة خفيفة على سحابة

انظر هناك ..... يا إلهي .... هذا الكنز الأبيض .... القطن الطائر في السماء ..... حلوى غزل البنات ..... كل السماء حلوى قطنية .....

تشير إلى السماء وتوجه عيناه إلى السحاب بلمسة على ذقنه ..... يضحك ..... يتوسل إليها أن تدعه ينظر لهذا الطريق حيث يقود سيارته عائدا بها من العمل .....

" هل تظن أنه يمكن أن نعيش فوق سحابة؟ أريد أن أعيش فوق سحابة! "

" حسنا، في عيد ميلادك القادم سأحضر لك سحابة :) "

تضحك جذلا كالصغار، تضحك بفرح حقيقي، تقول في جدية " هل يمكن أن نربط السحابة، لا يمكن للأسف أن نربط السحابة "
تصمت قليلا ثم تخبره ... " ترى ما طعم السحاب؟"

"ماء!"

" كلا لابد أن له طعم آخر مستحيل أن يكون فقط بلا طعم كالماء، أتعرف أظن أن طعمه مثل حلوى القطن، أظن أيضا أن له طعوم متنوعة، يمكن أن نلون السحاب، تخيل لو كان السحاب بلون قوس قزح!!! يا إلهي!"

يبتسم في هدوء، ابتسامة رضا وصفاء، ابتسامة تشبه ابتسامات الصباح لوجه وردة، ابتسامة كانت كفيلة بضبط توازن قلبي من جديد، كأنك تقول لي وأنا أصدقك يا حبيبتي ... السحاب له طعم الحلوى وإن لم يكن سوف يكون كالحلوي في فمي وحلقي من أجلك .... كم كانت تلك الابتسامات تطيل عمر البهجة في قلبها بعد كل تفاهة تخبره بها!


عندما بدأت تسير وحدها، عندما بدأت تقود السيارة وحدها، عندما كانت تعصف بها نسائم الصيف وتذريها رياح الشتاء، ويطل عليها السحاب من بعيد كانت تبتسم وتلتفت له وتقول له ... انظر هاك سحابة ... حلوى القطن تظهر من جديد ... لكن الكرسي خاوٍ كقلبها .... تنتبه ثانية للطريق، ترتبك إذا تكلم أحد بجانبها وتفقد تركيزها، تذكر إذ كانت تمسك بذقنه وتقول له انظر هنا أو هناك .... تشهق ... يا إلهي ! كيف احتمل كل هذا العبث؟ ... لا تحاول أن تجلد ذاتها أكثر ... فقد اكتفى قلبه من تفاهات الصغار ورحل!

نزهة خفيفة على ظهر سحابة .... كان هذا ما تبقى لها لتطلبه من أمنياتها الكثيرة التي تلاشت والتي لم يعد لها طعم ....
نزهة خفيفة على ظهر سحابة .... يتراشقان فيها ببعض الثلج، وترى فيها لمعة عينيه من جديد، وابتسامته البلهاء في حضورها، وكلامها السخيف في حضوره تلملم بنكاتها من انفطر من قلبها من وهج قلبه، ويكتشفان العالم، ويفتحان فمهما كالصغار انبهارًا، ويخبرها بتفسيرات تاريخية لا وجود لها، وتتعجب وتسخر منه بتفسيرات طفولية لا أصل لها، يسخران من تأويلات بعضمها بظاهر القول، ويرسخ شيء عميق في قعر قلوبهم ونفوسهم، يخشون البوح به ويخشون فراره ولا يطيقون كتمانه أكثر!

يوليو ٢٠١٧

الجمعة، 6 يوليو 2018

الجنون

منذ عدة أسابيع أٌأَجِّــل الكتابة .... أين أكتب؟ وكيف أخبرك؟


منذ عدة أسابيع ... منذ أسبوعين ... أمر .. كما يقول محمود درويش ... " أمر باسمك إذ أخلو إلى نفسي كما يمر دمشقي بأندلس "

كنت - ولأشهر كثيرة مضت - كما يقول الشاعر
أمر على الديار ديار ليلى .... أقبل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار شغلن قلبي .... ولكن حب من ســكن الديــار

فأتنشق عطرك ... كأن أنفاسك تخالط الهواء والعبير ... وعند أقرب نقاط التقاء أنفاسك وصدري كان قلبي خافق
وروحي ملتفتة إلى حيث طيفك، أو أثر قدمك ... التفات لا أملكه، ولا أملك غيره، لا أصده ولا يسرني ... إذ أنه التفات للفضاء ولطيف لا يتورع يوما أن يظل طيفا أو سرابا، متى يكون الطيف حنونا ليأتي بك على حين غفلة؟


منذ عشرة أيام ... توقف التفات قلبي وخفقانه ... توقف العطر ... وسكن قلبي كطفل حزين ... تعجبت وبسمت له، قلت: يا صغيري لماذا توقفت عن عاداتك من إلقاء التحية خلسة عني مهما نهرتك؟
وكأنما قلبي لم يجد في الهواء ذات العطر فسكن .... ولم تلاحق روحي ذات الطيف فلملمت ثوبها وجلست ... ولم تعد تنافس الهواء في الوصول إلى رئتي ... فأصبح كل الهواء سواء

عبق بقي يا عزيزي بعد الرحيل ... عبق تشبثتُ به وتشبثَ بي ... عبق أصر أن يبقى في ملابسي وروحي وأغلقت أنفاسي عليه

لكنه لم يعد يتجدد ... جائني مستغيثا منذ أشهر ... قالي لي مذعورا سامحيني

وكنت .... كنت كعصفور أخذ الريح عشه ولم يتركه المطر!

كيف أدرك قلبي أن عطر أنفاسك ذهب فلم ينتبه للمكان ... ولم يلتفت ليراك؟