الأربعاء، 17 أكتوبر 2018

متى نرحل من هنا؟ من العالم؟


هذا العالم لا يحبنا يا أمي
هذا العالم لا يشبهنا متى نتركه؟
قلتِ لي يومًا أن من أراد شيئا يحصل عليه، يحارب من أجله، ويناله بالصبر
كم قلت لكِ أني أريد الخروج من هنا
قلتِ لي: ما هنا؟ لعل الله يفتح لك بابًا يسرك خارج تلك البلد
لا يا أمي ... من هنا ... من هذه الأرض ... من هذا العالم
لماذا لم تخبريني منذ البداية أن هذا العالم لا يشبهني؟
لماذا تركتني بين الكتب والموسيقى؟ لماذا تركتني أشاهد الأفلام وأهضم الروايات وأتغذى بالشعر؟
لماذا حملتني مسئولية العالم إن أنا ألقيت ورقة على الأرض؟
لماذا حملتني كل قبح العالم إن لم أهذب مظهري وغرفتي وملابسي وكتبي كل يوم؟
حتى صرت لا أثني ورقة بشكل قبيح، ولا أخط بقلم في كتاب أقرأه، ولا ألون جملة أعجبتني، وأتعامل مع الكتاب مع كل كتاب كإنه كتاب مقدس!
لماذا علمتني الابتسام بوجه الناس قهرًا، أن يكون ظاهري مثل باطني، وكأنك بعظاتك اللطيفة تخبريني أن الكذب سبب في تحولي إلى شيطان رجيم والخروج من ثوب الملائكة؟
لماذا علمتني كل هذا التسامح؟ لا أجد في قلبي محلا للغضب المتنامي، ولا الانتقام؟ لماذا عندما أريد الانتقام من أحد أنتقم في نفسي؟ فأقطع شرياني؟ وأنهش في جلدي، وأجرح وجهي، وألطم وجنتي الصغيرة، وأهشم جمجمتي ما استطعت في الحائط فتنتزعني يداكِ؟ لماذا أصرخ في وجه نفسي؟ ولماذا كلما أساءني أمر وقفت في المواجهة ظنًّا مني أن هكذا تسير الأأمور وهكذا شجاعة الفرسان الذين حفظت قصصهم عن ظهر قلب، فصار قلبي فارس نبيل، لماذا لم ترقِّ في معاملتي يا أمي فتخرجيني أميرة مدللة؟ أصفع من أغضبني بقسوة، وأتدلل على المشكلات فيحلها غيري؟
لماذا تركتني لقصة الفرسان الثلاث؟ ولحروب أيرلندا، ولفرسان اسكتلندا؟ ولماذا وقد كنت فردًا من أجل الأمة عندما احجتجت الأمة لم تكن الأمة من أجل الفرد؟
ولماذا عندما كان الحب يكسرني كنت تبتسمين وتقولين ستعرفين الحب؟ ولماذا عندما حان وقت الحب قلت لي انظري بعقلك، ولماذا عندما جاء الزواج ونظرت بعقلي لم يعجبك أني أريد تلك القصص التي رأيتها، وبالعقل والمعقول والمنطق، لماذا يبتسم هذا العالم للأشباح والأنصاف؟ ولماذا يا أمي يعبس في وجهي وقد عشت مبتسمة له، ليس رغم أنفي لكني والله يا أمي عند غياب ناظرك الناقد والمقوم كنت أجري وراء الفراشات، هل كنت أخبرك أني تعلمت أن أمسك جناحات الفراشة برقة؟ كنت أصطاد الفراشات بخبث ومكر ودهاء؟ هل قلت لك أن بداخلي صوت كان يطلقهن من بين أصابعي الصغيرة؟ كنت أقرّب الفراشة من وجهي أنظر إليها أتفحصها ثم أطلقها سعيدة بهذا الانتصار؟ لكني لم أخبرك أبدًا أنني كنت أحزن بشدة لما يطبعه جناح الفراشة في يدي، كنت أظنه مجرد لون تتركه الفراشة، لم أكن أعرف أنه جزء من جناحها، هل أخبرتك أني تبت عن هذا الفعل عندما تجرحت الفراشة؟
هل أخبرتك أنني اصطدت أحد الحشرات؟ (فرقع لوز) كما أطلقنا عليه؟ شيء صلب الجسم أشبه بالصرصور؟ كانت مغامرة لأنه أسرع وأصغر ويطير، لكن بعد مرتين أو أكثر قليلا، رأيت سخف ما يحدث، فلم أعيدها، ولم أسجن فرقع لوز مرة أخرى! رأيت أنا أطفالا سخفاء وحمقى أن نؤذيه
هل قلت لك أني كرهت اللعبة، وكرهت جيراني الذين كانوا يدعسونه بعدها؟
وهل قلت لك أني أكره الصراصير؟ وأفزع منها رغم ذلك؟ وأشعر أن جرثومات العالم سوف تغزوني إن لمسني أحدهم؟ أفرطت في نظافتي يا أمي!
هل أخبرتك يومًا أنني كنت أكره الظلام؟ كنت أرى فيه أشباح القصص المرعبة؟ عندما جلست يوما تقنعينني أن هذا تمثيل، هذا غير حقيقي، أثبتِ لي الأمر بمشاهدة ذات الممثل في عمل جديد، اقتنعت، حتى أصبحت أرى الذي ماتوا قابلين للعودة للحياة مرة أخرى!
كنت أقرأ الرواية دائما من تلك الزاوية البعيدة، أنقم على الكتاب الذي لا يجعل الحق ينتصر، وأكره النهاية التي تعذب إحداهن بالحب أو الفقد أو المرض، ولا أرضى بمشهد موت في غير حضن الأحبة، حتى ظننت العالم له فرصة ثانية
ظننت يا أمي أن الرجل الذي يطلق النار في الشارع ممثلا محترفًا، وأنه عندما نربت على كتف القتيل عند الانتهاء سيقف، وينظف ثيابه ويقول" ها مشي؟ أروح أنا؟" ولكن القتل صار قتيلًا وظلَّ قتيلا!
كبرت، وعرفت أن الوداع لا يأتي أبدًا، وأن فراق محبوبي سيكون فجأة بلا كلمة وداع واحدة، وأنه لن يضمني بشدة قبل سفره البعيد، وأنه لن يلوح لي من الباخرة، وأني عندما يحين اللقاء لن يكون لي أي فرصة في استقباله عند الطائرة ... لأنهم يا أمي يضعون الأسوار في كل مكان، ويمنعنون الحب أن ينتشر، ولأنه يا أمي لم يعد يحبني مثلما اعتدنا، ولما يعد يمسك يدي إذا عبرت الطريق، ولم يعد يطعمني من الذي اشتهاه من الطعام، ولم يعد يعرفني على الكتب الجميلة، والموسيقى الراقية التي كنا نسمعها، ولأنه يا أمي خرج من الرواية، وصار شخصًا عاديًّا مثل هذا العالم القبيح!
أخبرتني يا أمي أن الحب يصنع المعجزات، وما وجدت في معدتي غير القرح، وفي قلبي غير الوجع، وفي المريء غير حركات تشنجية، وفي أنفاسي غير التلاحق والتنافر وكأن اضطراب القلب قد أعدى رئتي!
أخبرتني يا أمي عندما انكسر قلبي للمرة الأولى، أنه لم يكن حبًّا، وأني سأعرف الحب إذ ينطلق نحو الباب، إذ ينثر أوراق الورد، وإذ يبعث بالعبير إلى قلبي المشعث فيلملمه، قلتِ لي أني عندما أقابله سيكون مثل الرواية، سيكون مثل أجمل الحكايا، سيكون مثلما أتمنى وأجمل وأكثر، لكن لا تقعي بكلك في الحب يا ابنتي!
وعندما وجدته يا أمي، كنت أمد قدمي ببطء، عندما كنت أشمئز من مشاركة كأسي وطبقي وملعقتي وفمي أحد، شاركته كل شيء، شربت من كأسه، وتشاركنا قطع الطعام وأكلت من طبقه، ومددت أسناني فوق تعاريج أسنانه على كعكتي، وكانت حلوة، وكان الماء أكثر عذوبة إذ يلامس شفتيه ويجري عليه ريقه، لكنك لم تخبريني يا أمي أن البشر يتحولون لأشياء أخرى لا أفهمها إذا عجزوا عن القتال!
قلتِ لي إن الرجال إما رجالًا أو ذئاب، فصرت أبني الزجاج بيني وبينهم، وألوح فقط من بعيد، كيف لاح القلب النبيل وراء كل تلك الأشياء؟ وابتسم لي؟ ووجدني كأني كنت ضالته؟ ووجدته وكأنه حلمي الذي ظل عمرًا طويلا يراودني ولا يأتي!
كيف لم تخبريني أن هناك منتصف، أقولك لك هل كان ذئبا مثل الذي قبله؟ ترفضين، أقول لك هل كان رجلًا إذ تركني في الطريق وأنكر كل ضروب المحبة؟ تسكتين .... حتى أقول لنفسي كل يومٍ ... قد كان حلمًا في غيبوبتي التي تصيبني حال نوبات اكتئابي ...
أخبرتني يا أمي أن هناك وطن، نحبه أكثر من أنفسنا، ولم تخبريني أن هذا الوطن لم يوفر لي أي شيء، أن الوطن عندما طلبت نجدته عندما حدث لي حادث لم يغثني لأكثر من أربع ساعات، وأن هذا الوطن لم يوفر لي أمانًا إذ عبث أحدهم بجسدي في الطريق العام، وأن هؤلاء الناس الذي يشكلون وطنا بصقوا على وجهي عندما أردت أن أذهب باللص إلى الشرطة، وأن عساكر الشرطة أخرجوا لنا أعضاءهم ليسبونا في أعراضنا، لم تخبريني يا أمي أن هذا العالم لا يشبه أي عالم حدثتني عنه ....
لم تخبريني عندما كنت طفلة تبتهج بالمكتبات الجديدة، والكتب الملونة، وتعشق القراءة، أن تلك المرأة التي يضعون صورتها على المكتبات وملصقات اسمها على المدارس باسم الطفولة، وأن هذا الحفل الذي كنت أود المشاركة فيه لأغني وأرقص يومًا في مهرجان الطفولة أمامها سيأتي يوم لا تبالي فيه بأرواحنا، ويقول المنتفخ وراءها أنا أو الفوضى، لم تمنعيني من الانشراح لصورتها يا أمي، ولما تمهدي لي طريق الشوك، فصرت أنزف في هدوء كل مراهقتي وأنا أكتشف، أن هناك ذئاب نبلاء، وهناك بشر أخساء، وأن هناك يا أمي أناس لهم كل وجه، وأن هناك رجال بصورة رجال وقلوب ذئاب وأنياب الغول!
كنت صغيرة عندما قال نور الشريف ممازحا لكن نابي مش أزرق نابي أبيض حتى شوف؟
كيف يكون لبشر ناب أزرق؟ كنت أربط بين تلك الصورة والتيجان الفضية أو المذهبة للضروس المكسورة .... لم أعرف ان أنياب الناس قد تصبح زرقاء كالغيلان!
لم تخبريني الكثير يا أمي، ولم تكفي عن إقناعي أن هناك مكان أفضل في هذا العالم، وأن هناك قلوب ثرية في هذا العالم .... قابلتهم يا أمي، وكأن أكثر من أحبب تحت الثرى ... لماذا يا أمي يستكثر الثرى حضنه علينا؟

الاثنين، 8 أكتوبر 2018

عزيزي البحر!

ماذا لو عندما تعانقت أرواحنا حوّلتني إلى سمكة تعيش بداخلك ولا تمل منك ولا تمل منها؟

هل كان الأزرق يناسبني؟ هل كان يشبهني مثلما أزعم؟ هل كان هذا الهدوء الذي أبتغيه عندما أنام على صفحتك هو ما كان سيدخل قلبي؟

البحر واسع وضيق!

أسبح وأسبح وأسبح، أتعب أنا وانت ما انتهيت، ولا وصل بصري إلى شطآنك، ولا تصل قدمي ولا ظلها ولا امتداد الظل إلى قرب أعماقك ... فلماذا ينتابني الضيق إذا رأيت نفسي سمكة؟

لربنا صغر أحجام الأسماك التي أعجبني بيتها بين الشعب؟

ولربما لو حولتني إلى حوت أو حورية؟ هل كان الأمر ليختلف؟

هل تجعلني حورية بالنهار، ثم إلام تعيدني في الليل؟

هل تعيدني إلى نجمة تطل عليك من العلية؟ تبعث نور قلبها لترى انعكاس بسمتك كالمرآة؟

عزيزي البحر ...

هل كنت تعرفني قبلا؟ وإن كنت تعرفني؟ لماذا كنت تتسلل إلى مناماتي تلامسني وتغرقني ولا تأتيني في الصباح؟
لماذا كنت تشبعني من الحب في تلك المنامات، وتخيفني عندما أقترب من رمالك والموج الحثيث؟

من منّا الذي كان يغرب بوجهه عن الآخر؟ من منّا ذاق الحب ومن هابه واختفى؟

كنت أراك في ليالِ كثيرة، أسافر إلى تلك البلاد التي تحمل جزءًا منك ... سيناء ... أو بلاد لم أزرها يومًا .. كنت أتعجب .... كيف أعرف البحر في تلك البلاد ويعرفني؟

وكيف أدس قدمي في رمالك فيأتي الموج يقبلني؟
وكيف أغار منك؟ وأغار عليك؟ وأخشاك؟ وأحبك؟ وأود الغوص وأود الهروب؟

كان أخي يقول لي في كل مرة ... البحر يحملك .. الماء ترفعك

قالت لي صديقة ... أحبيه ... ثقي به ... أسلمي له نفسك وسوف يريك من أعجوباته

وكانت أمي تقول ... البحر غدار يا ولدي!

وأنا ... بين كل المقولات أقف أمامك وأتعجب ...أيهم يا عزيزي البحر أصدق؟

عندما انتابتني نوبة أرق منذ شهور طويلة ... أخبرني أخي عن تطبيق فيه صوت الموج ... أضبطه وأنام .... أشعر أني نائمة على الرمل ... الصوت يحاصرني ويبلعني .... والنسيم العليل يشرق برائحتك ... أملأ صدري .. فيصدمني هواء جاف! 

عندما التقينا منذ عدة أشهر ... كان أول لقاء ألقي فيه بنفسي إليك ... كان ترحيبك حار ... دخل الماء إلى كل جسمي ... إلى فتحتي أنفي وحلقي وعيني ... أقول لأخي لقد صرت ضربًا من المقبلات المملحات

وعندما التقينا قبل شهرين ... في أول يوم ... كأن الخوف كان يجثم على صدري ... بتّ ليلتي اتنفس بصعوبة ... كنت أشعر أن الموج يطبق على نفسي!
في اليوم التالي ... كنت تصالحني ... كنت تمد إلي يدًا حنون ... كنت تفتح لي قلبك ... كنت تغني لي ... كنت تحكي لي قصة الشاطر حسن الذي وجد صندوق الأعاجيب ... كنت تفتح لي صندوق الأعاجيب .

عزيزي البحر ..... أحبك

الاثنين، 24 سبتمبر 2018

في لحظة عدمية

أفقد التأريخ، أفقد المكان والزمن، أفقد الهدف والاتجاه، وأحيانا أفقد الأشخاص!

في لحظة وقفت أمام زميل أعمل معه قرابة السبع سنوات، قلت له حسنًا يا .... ثم فقدت الاسم!

اليوم في رحلة مكوكية إلى الجانب الآخر من البلد أجفلت! أي طريق هذا؟ هل سلكت الطريق المؤدي لمدينتي؟ 
" أنا طلعت طلعة الكوبري ولا لأ؟ هي دي الدخلة؟ هو أنا فين!!!"

أمي بجانبي .... لا تدرك ما يحدث .... تقول ما بك ... هذا هو الطريق الذي جئنا منه نعود منه ...

أتماسك خلف المقود .... بدأت أمي الحديث كأني جاهلة بالطريق، أو أني نسيته ... معقولة؟

لم أتمالك نفسي .... قلت لها أنت لا تفهمين .... أنا أفقد الوقت والمكان والوجود لبضع دقائق أو لعلها ثوانٍ معدودة .... لا مرة تشبه الأخرى .... أقف فجأة في منتصف الطريق لا أعرف لماذا أنا هنا وما الهدف وراء خروجي؟ أسير وأصل وجهتي ولا أعرف لماذا أتيت ومن أنا ومن هؤلاء

أصاب باعتلال في الذاكرة ... مؤقت جدا وباهت جدا، لا أستطيع البوح به، ولا أحتمل كتمان سره أكثر!

هكذا صرت يا أمي أميز الأشياء بصعوبة وأحاول التفاعل معها!

وما دور العلاج؟ 

لا علاج .... فقط أتعامل مع الأمر ... أجعله يبدو في حلة أجمل .... أجعله أبطأ أو أهدأ أو متباعد الهجمات وفقط!

في نفسي .... أحيانا أحمل الأمر على الفكاهة، أقول أصبحت مثل دوري، أنسى الأشياء والناس لكني أعرف الأصدقاء .... أحبهم وأميز أصواتهم، فقط من أحببتهم وأحبوني ينعشون ذاكرتي ...

أذكر أني بلا وعي كنت اتمسك بك، أمسك يدك وأخاف أن أفلتها، كنت "مرهف" بالنسبة لي، معك أحمل معنى للحياة وهدفًا من الرحلة، حتى ولو كان جلّ أملي وقتها هو مجرد الصحبة، معك أذكر الأشياء، أذكر الأخبار، أذكر الأماكن، أربطها بضحكاتنا وسخريتنا من أنفسنا ومن كل شيء!

أربط الأيام برسائل الصباح، وأستيقظ على بشائر أكتوبر بمستقبلات الأمل في كلماتك، وأنام ولا أذكر أي شيء من تلك المحادثات الطويلة بيننا، غير أن عبء يوم كامل صار كالرماد!

في يوم غضب "مرهف" من "دوري" تركها وذهب، قالت له انتظر، أرجوك! أريد أن أكمل معك الطريق المجهولة، فقال لها لماذا؟ الأمر لا يعنيك، قالت: معك أتذكر الأشياء ... معك لا أفقد ذاكرتي ... وأنا معك كنت لا أفقد نفسي بين التواريخ والبشر والأماكن!

أجلت سفري الآن لمرتين إلى ألمانيا، أتحجج في كل مرة بحجة مختلفة، مرة بك، مرة بالترتيبات، مرة بأسعار التذاكر المتزايدة، ومرة أخرى بأن الصيف حار أو الشتاء قارس ... أنت لم تعلم أنني حين تقابلنا كانت لدي خطة للسفر في الأشهر المقبلة!


عندما واجهت الأمر، لماذا أفعل؟ لقد خفت ... فزعت، وصرت في أيام متتالية أبكي، أتابع حجز الطيران، أجلس الساعات أمام موقع السفارة من أجل التأشيرة، أغتم، وأنام باكية

كنت أخشى تلك اللحظات العدمية، ولا يدور برأسي سوى .... ماذا لو؟
قلت للدكتورة .... أنا فقط أخاف أن أقف فجأة ولا أدري أين أنا ولا من أنا ولا كم الساعة وما اليوم في حسبة الأيام في بلد غريب لا أعرف فيه أحد ولا أتحدث لغته .... ماذا لو فقدت كل شيء في لحظة كان يتوجب فيها على الذهاب للمطار؟ ماذا لو استمرت لأكثر من دقائق؟ ماذا لو صاحبتني نوبات القلق في الشوارع الغريبة؟ ماذا لو ظن الناس أني مجنونة أسير كالطفلة تبكي وتلهث وتلعق مخاطها الممزوج بالدموع؟

ثم .... كيف يهتز الجبل؟ وأنا أعيش بجملة المقادسة "يا جبل ما يهزك ريح"

وكيف أبقى في مكان لم يعد يربطني به شيء! كنت أخشى التفكير في الانتقال لبلد مجاور حيث أنعم بصحبة رفيقي الجميل ..... كنت أقول لنفسي كيف أواجهك؟ كيف أتركك خلفي وأذهب؟ كيف أمزّع قلبي بين بلدين؟ قلبي متمزع الآن بين بلدان كثيرة .... قلبي ذهب ... وأنا ... أقف في اللاشيء أسأل ... ما الذي أتى بي إلى هنا؟

غير أن لطف الله يحملني!


السبت، 22 سبتمبر 2018

في مثل هذا اليوم ...

كنت بأريحية تامة أضع قائمة أمنياتي .... كنت لا أعرف إن كنت سأحصل عليها أم لا .... قرأتها أنت ولم تكن معني بشيء وقتها، قرأتها، وقدمت لي أجمل خطاب مكتوب بخط يدك، أنفقت الكثير من الأوراق يومها لأنك لم تكن تعرف ماذا تكتب وماذا تقول!

قدمت لي خطابك في العام التالي، قدمته بعد فوات يوم ميلادي، قدمته بلا مناسبة، وقتها قلت لي أريد أن أرى عينيك وأنت تقرأين!

في العام الذي تلاه، في يوم ميلادي، كنت بعيدًا، كنت تخشى أن تخلف موعدك معي ولا تأتي، كانت كل أمنيتي وقتها فقط أن أراك!

في الطريق قدمت لي الخطاب الثاني .... مكتوب بسرعة، عليه توقيع بنهاية الصفحة .. " هيكون مين غيري" 
وقفت في منتصف الطريق، في مكان للانتظار حالفنا الحظ بقربه منا، وقلت لي لا تقرأي حتى أتفرغ من القيادة وأنظر إليك
كنت لا أحتمل الانتظار، كنت سعيدة، كنت مندهشة، لم أطلب منك أن تكتب لي شيئًا، لكنك فعلت، كلامك ساخر، وناعم ولطيف، كلامك مثل المعطف في البرد، مثل القهوة التي تشرق عليها صباحاتي، مثلا الشيكولا الساخنة التي تلملم جنوني وعبثيتي لسياق مهندم وجذاب!

نظرت إليك ... كادت عيني تدمع، كنت سعيدة بحق، كنت أريد أن أشكرك بطريقتي الطفولية ... لكن حذر الكبار دائما يحضرني!

كنت سعيدة، وكل شيء كان سعيدًا، أتأمل اليوم ما فعلناه في تلك الليلة للاحتفال بيوم ميلادي، لم نفعل الكثير، ذهبنا إلى مكان هاديء، لم يكن الأفضل وفكرنا في تغييره، لكنه لا وقت، أمامنا ساعة فقط ... المهم أن مساحة من الوقت والمكان تجمعنا ... هذا كل شيء!

أعجبك فستاني، وارتديت القميص الذي أعجبني كذلك .... كنا بحق مثيرين ... وكان شغف طفولي مجنون يتقافز حولنا!

لم تنفك تذكر أن هذا الفستان يعجبك جدًا، تريدني أن أستدير نصف دائرة، وكأنك تدعوني للرقص

لماذا لم تتح لنا فرصة الرقص سوية؟ #أندريه ريو يا عزيزي 

اليوم ... في سلة الذكريات، كان هذا المنشور الذي ذكرني بكل شيء 

اليوم .... كنت أبحث عن قائمة أمنياتي فلم أجد ... ولم أكتب ... ولم أتمنى!

منذ أسبوعين، أتسوق بشكل عشوائي .... أشتري لنفسي أشياءًا أحبها ... واشتريت فستانًا أعجبني بشدة دون التفكير في رأيك لأول مرة!

اشتريت اسطوانتين لاثنين من الفنانين اللذين أعشقهما
وبحث عن موسيقى الجاز التي تدب في قلبي بعض الأمل

اشتريت أشياءًا تسعدني .... تبسطني ... تجعلني أهتم بنفسي ... أشياء أقول فيها لنفسي لا تخافي أنا هنا، وأريدك سعيدة وأريد أن أراك سعيدة!

اليوم، لأول مرة لا أطلب هدية من احد،، ولا أكتب قائمة أمنيات، وعندما كتبت هذا على سبيل المزاح على صورة لكوب شاي مسحته، خفت أن يأخذه أحدهم على محمل الجد!

لأول مرة يعرض على أخي شيء أحتاجه منذ فترة ليس بالضرورة الوقتية، ولكنه ضروري، وأجده مازال رفاهيا أن أنفق عليه هذا المبلغ، عرضه على سبيل هدية عيد ميلادي .... لم أجب، كنت أرفض بشكل منمق، اعتبر رفضي مهينا، أعلق الأمر لأني حقا لا أعرف!

لكني مرتاحة بأني لا أنتظر أمنياتي من أحد .... أتمنى أن تصلني أمنية منك، لكني لن أفكر فيها، ولن أكتبها، ولن أنتظرها

بدأت أعتاد الهدوء والوحدة .... يمد لي اللطيف بعض مؤنساته ... يحررني من هذا الأسر للتعلق ... يجعل الحب بقلبي فقط، لا بقلبي وعقلي وعلى رقبتي ومكبل لأقدامي مثلما اعتاد أن يكون! 

اليوم .......... لا لي ولا علي ... خفيفة عن الهم والثقل ووجع الفقد وألم الانتظار .... ترى هل كبرت فجأة!

الأربعاء، 19 سبتمبر 2018

تلك الشجاعة التي لا أعرفها!

في الظلام قضيت أوقاتًا كثيرة ... وطويلة ... صادقت الوحشة، وكنت أحادث طواحين الهواء

الله .... هذا النور الذي لا ينطفيء في قلبي .... يخفت ... ولا ينطفيء 

وعطايا الجميل ... كانت مثل النجوم المتفرقة في شدة العتمة ... عتمة الليل البهيم

أحب السماء .... لا أجد تفسيرًا لذلك .... هناك عالم آخر يجذبني كي أطيرد 

السحاب ... كأن السحاب مركبة اعتدت القفز فوقها ... ألعاب طفولة لم توثّق بالصور وفقط ... لكنها موثقة بروحي

المطر .... أحب المطر ... يلمسني .... يحيي قلبي مثلما يحيي الأرض 

أشعر بدبة الحياة في هذا الصغير

في الظلام ..... كنت أنتفض من صوت الرعد، وكنت أبكي لنزول المطر، وكنت لا أعرف في كثير من الاوقات هذا بكاء سعادة أو شجن؟

تلك التي تكورت في ركن غرفتها، وركن قلبها، وكوّرت الأشياء معها في الخفاء، متى خرجت إلى الشمس تعاتب غيابها؟ ومتى قالت للفراشات أن تعود؟ ومتى سخرت من الشجر الباسق كأنما يسابق النخيل إلى السماء؟

من هذه ومن تلك؟

ومن أنا بينهما؟

أجريت اختبارًا منذ أسبوعين لأعرف منه من أنا؟

أخرج الاختبار تلك الشجاعة من غرفتها .... 

عجيب أمر هذا الإنسان ...... عجيب خلقه .... والأعجب تدبير الله في كل ذاك!

امرأة أخرى ..... تصول وتجول منتصبة القامة، رغم قصرها .... باسمة الوجه رغم اضطراب القلب .... وثابتة الخطوة رغم نوبات القلق .... ورائقة الحلم رغم تشابك الشعور والأمنيات!

أنت شجاعة، تواجهين، تضعين النقط فوق الحروف ... أنت حاسمة ... لك رأي .... مستقلة .... لا تخضعين لقانون أحد ... تحترمين رأيك ..... وتدمنين المعرفة ..... وتحفظين العلاقات .... وتقدسين الجمال!

وفي اختباري أنا

أنا أريد أن أكون بمفردي ..... لا مواجهة ولا صمت ولا اضطرار .... لا وجود ولا غياب ... ولا شيء!
مازلت أتكور بداخل قلبي .... أقول أني أريد اللاشيء .... العودة إلى نقطة العدم الأولى حيث الوضع الجنيني لن يفيد إذا جاء المخاض! 

ومازلت أريد أن أجوب الأرض، أن أصفع أحدهم ليفيق، أن أدهس الغباء، وأن أطلق النكات والضحكات بقلب خفيف، أتجول بفستان الفراشات، وأراقص الطيور صباحًا، وأهتف في وجه الجلاّد بلا ذرة خوف، أو بكل الخوف، وأن أسير مع النساء الثائرات لحقوقهن، وأن أعود لبيت صغير أخبز فيه بعض الكعك، وأن أكتب أكتب أكتب بلا نهاية، وأن آكل الكتب، وأن أجالس الفراغ باللاشيء، وأن أعتزل كل هذا الزخم إلى مشهد البحيرة الرائق، أو أرتحل إلى المحيط .... وأن أقفز بين السمك

لماذا لا تنبت لي بعض الخياشيم؟ فأعيش وسط الموج بلا إزعاج؟

ولماذا لا أعرف لغات البشر رغم أننا نتحادث يوميا؟

أفقد شيئا من شجاعتي، أفقد أشياء من خوفي وجبني .... 

فجأة أقف وأتكلم وأكتب وأنهض وأسير منتصبة الظهر .... أنا متكومة هناك في ركن حجرتي ... أنام بالسااعات ولا أقابل أحدًا ..... من تلك الصاخبة التي تملأ الدنيا ضحكًا ونكاتًا؟

تلك الشجاعة التي لا أعرفها!

السبت، 15 سبتمبر 2018

قلبي المضطرب ... ولجام عقلي الواعي

بالأمس حدث شيء أربكني ... جعلني أرجع خطوتين إلى الوراء ...

لماذا في كل خطوة أرجعها للوراء أتوقع يدك تلقفني؟ وكأنك هنا ... كدت ألتفت إليك وأقول : هل رأيت؟ ماذا أفعل؟
أن ألقي بهذا الهم على كتفك، بهذا الاضطراب فوق راحة صدرك وأبكي .... وهدوء أمواجك يحملني 

كان طفلا ... هل هو طفل؟ هل مازال؟ هل وعيي دقيق؟ لا أعرف

أنهيت الدرس معه، طفلا كأوراق الزهور الطيبة، الزهور التي تعلم بفطرتها أن ترحب بالفراشات الجميلة، وأن تبتسم للعصفور، وأن تودع الندى كل صباح بقبلة على شفتيه دون أن تخاف من الأشواك ... تلك الزهور المرويّة جيدا فلا تحتاج لاقتناص الماء بأشواكها ... كان زهرًا بلا شوك!
اقترب مني مودعًا ... عناق ... شكر ... يهم بالذهاب ثم يعود !
هل نسيت شيئًا؟ عليك أن تذهب للحاق بحافلة المدرسة!
اقترب اكثر ووقف بهدوء بجانبي ... يلتصق بي .. ما بك؟ 
قال: لا أعرف ولكن .... بدأ ينحني .... 
أقول هل أضعت شيئا يا صغيري؟ ماذا وقع منك؟

أنت تعرف أني أوزع تلك الأحضان الصغيرة لهؤلاء الصغار طوال الوقت ... أنت تعرف أنني أرتبك من الاقتراب من الكبار
أنت تعرف أنني أرتبك من الاقتراب أصلا وأن هؤلاء الصغار هم من علموني الحب يومًا كدت أفقده!

ارتبكت ... انحيت معه أبحث عن الشيء الثمين ... أخذ وضع السجود على الأرض ... انهض! ماذا وقع منك
أمسك قدمي المتهزة وكاد يقبل حذائي!

لا أعرف كيف يعمل عقلي الواعي في الوقت المناسب؟ كيف ينقذ صغير البراعم من عاصفة القلق المرضي، ومن نوبة حادة من الصراخ والرجوع للوراء حتى أرتطم بالحائط؟ ومن نوبة بكاء هيستيري لإنه ما يجب أن يفعل هذا بي ولا بكم؟
لا أعرف هذا ال "ميكانيزم" الذي يمسك زمام الأمور في الوقت المناسب قبل أن  أفقد كل شيء في لحظة واحدة 
قد أهرب مثل المجنونة .... أصرخ ... أو أبكي ... أو أتلعثم بالكلمات ..... أو أردد كلمة " كفى" عشرات المرات المتتالية قبل أن أتوقف ..... لا أعرف كيف صارت العواصف تتوقف، لكني صرت أعلم أن هناك عاصفة ستهب، أو إعصار عاتي!

جلّ ما قلته: ماذا تفعل؟
أشكرك لأنك تعلمينني ... أشكرك لأنك تساعديني كل يوم!

هل يتوقف قلبي الآن؟ لماذا لا تنبت الأجنحة فجأة وأطير من هنا؟ لماذا لا أختفي؟ لماذا لا توجد فرجة في الجدار الأرض أو السقف تسحبني؟

لا تفعل ..... أمسك زمام صوتي المرتعب ... أتنفس ... لا يجب أن تفعل .. إياك أن تفعل هذا ثانية!

أدير وجهي ... ثم أعود .. يجب انت تغادر الآن ... اذهب
يداي مرتعشتان وقلبي يضطرب!

يطل علينا بضحكته ووجهه الباسم زميله الذي كان خارج الفصل ... هل أنت مغادر؟ 
إذن إنه الوقت للعناق الجماعي ..... group hug

أقصى درجات ضبط النفس ... أدله على الطريق، وأذكر الصبي الآخر بالعودة لفصله لانتظار والديه .... وأود لو أغلق الفصل على نفسي وأنهار ... وأبكي!

هذا القلب الذي لا يتوقف عن الدهشة والخوف والارتعاش .... لا يعرف الطفل ان طفلتي مرتعبة من هذا العالم
لا يعرف الطفل أني طفلة لكن الزمن أمر جسدي بالفوران وعقلي بالبلوغ، وأن دائرة الحياة أوجدتني هنا في كراسي الكبار!

لا يعرف الطفل أني عندما وجدتك، سمحت لنفسي أخيرًا بمشاركة الخوف ومشاركة الضعف ومشاركة الحزن ومشاركة الطفلة المرتعشة أحدهم بعدما كنت أحبس كل الضعف والخوف والهشاشة خلف قضبان المرح! 

كنت أود لو أخرج فأتصل بك .... وأبكي .... وأقول لك كيف يحدث هذا؟ وترد بقولك أنه طفل أنه حتما يحبك أنك طيبة يا حبيبتي ولهذا يحبك ... أن تملأ السخرية مكان الخوف، أن تتوعد بنبرة مرحة كيف أحضنه دونك؟ أن تطمئن كلماتك في رصانة عقلك .... وأن يلملني الصوت الطيب الخارج من قلبك ...

كنت أود في صباح اليوم التالي لو أقص عليك الأمر بصورة مختلفة، أقول لك يا إلهي لقد ألجمت ثورتي ونوبات فزعي، لقد انتصرت اليوم على ال Anxiety
لكني أود البكاء :) حقا انتصرت ... لكن شيء بقلبي يريد البكاء ... ولا أعرف السبب!


واليوم .... أحكي لك من بعيد ... لا أعرف ما الذي قد يحدث .... أعرف أن المسافات لن تعود 
لا أطمح للكثير .... لا خطة لدي هذه الأيام أكثر من مزيد من الانتصارات على القلق والخوف والاضطراب وتوزيع الأحضان الدافئة على صغاري والتمسك بالأمل النابض في ضحكاتهم ورؤية هذا العالم من هناك ... من حيث الورد وردًا بلا أشواك! 

الجمعة، 14 سبتمبر 2018

حك ظهرك بظفرك أنت!

لا أعرف كيف ألتقيك .... أشاهد الأطياف من بعيد بلا ملامح، أقول في نفسي "يارب يكون طيفك منهم" !

لا يحك ظهرك مثل ظفرك ....

عندما تظلم الدنيا فجأة، من الجميل أن يضيء أحدهم الشمعة، أن يشعل المدفأة، أن يعطيك غطاءًا ناعمًا ...
تلك اليد التي تتجلى بها ألطاف الله عليك ...

الله لطيف بعباده ...

الله رحيم .... 

ثم يأتي نهار أول ليلة .... يد اللطف تمتد إليك بالقوة ... يد اللطف التي منحتك المدفأة والغطاء ... تلسعك بالبرد والعوز ..

فتعوزه وحده ...

وتبكي وحدك!

لتعرف أين الجرح في قدمي روحك العاجزة عن السعادة المستمرة ... ولتعرف أنه عليك أن تذهب للطبيب الآن!

لا أحد يجب أن يكون هناك!

لا يجب أن يكون لآحد ساعد في حملك .... احمل نفسك ... حك ظهرك بظفرك أنت

الله .... اللطيف لا يريد لأحد أن يكون له عليك منة وفضلا .... لا يريد أن يكون لك عوز إلى أحد سواه!

يرشد إلى ألمك بإيقاف كل تلك المسكنات ونفضها عنك 

يأخذك إلى الغربة التي تليق بك .... الغربة التي تجعلك تفيق إلى جرحك ... لا أن تشعر بالألم فقط!

الغربة التي تجعلك وحدك فقط .... أنت والليل البهيم وجرحك النازف 

الله يضعك أمام جرحك .... الله يفتح لك سبيل العلاج ... يرشدك للطبيب .... يرشد الطبيب إلى ثغرك .... يطهر الجرح ويقطبه
يترك الجرح أثره البين لعينيك أنت فقط

فيصبح هذا الجرح هو قوتك التي كنت تدفنها تحت العوز والبكاء

وصحبتك التي كدت تفقدها في الوحدة

ووطنك الذي استوحشت منه في الغربة

ويظل هناك نور يخرج من قلبك لدربك أنت ....

لا تنظر إلى الخدش يومًا إلا وقلت لقلبك .... الله الصمد .... الله لطيف بعباده يا صديقي!

انظر إلى الله ... إلى قلبك ... إلى جرحك ... سترى الطريق!

الأحد، 8 يوليو 2018

نزهة خفيفة على سحابة

انظر هناك ..... يا إلهي .... هذا الكنز الأبيض .... القطن الطائر في السماء ..... حلوى غزل البنات ..... كل السماء حلوى قطنية .....

تشير إلى السماء وتوجه عيناه إلى السحاب بلمسة على ذقنه ..... يضحك ..... يتوسل إليها أن تدعه ينظر لهذا الطريق حيث يقود سيارته عائدا بها من العمل .....

" هل تظن أنه يمكن أن نعيش فوق سحابة؟ أريد أن أعيش فوق سحابة! "

" حسنا، في عيد ميلادك القادم سأحضر لك سحابة :) "

تضحك جذلا كالصغار، تضحك بفرح حقيقي، تقول في جدية " هل يمكن أن نربط السحابة، لا يمكن للأسف أن نربط السحابة "
تصمت قليلا ثم تخبره ... " ترى ما طعم السحاب؟"

"ماء!"

" كلا لابد أن له طعم آخر مستحيل أن يكون فقط بلا طعم كالماء، أتعرف أظن أن طعمه مثل حلوى القطن، أظن أيضا أن له طعوم متنوعة، يمكن أن نلون السحاب، تخيل لو كان السحاب بلون قوس قزح!!! يا إلهي!"

يبتسم في هدوء، ابتسامة رضا وصفاء، ابتسامة تشبه ابتسامات الصباح لوجه وردة، ابتسامة كانت كفيلة بضبط توازن قلبي من جديد، كأنك تقول لي وأنا أصدقك يا حبيبتي ... السحاب له طعم الحلوى وإن لم يكن سوف يكون كالحلوي في فمي وحلقي من أجلك .... كم كانت تلك الابتسامات تطيل عمر البهجة في قلبها بعد كل تفاهة تخبره بها!


عندما بدأت تسير وحدها، عندما بدأت تقود السيارة وحدها، عندما كانت تعصف بها نسائم الصيف وتذريها رياح الشتاء، ويطل عليها السحاب من بعيد كانت تبتسم وتلتفت له وتقول له ... انظر هاك سحابة ... حلوى القطن تظهر من جديد ... لكن الكرسي خاوٍ كقلبها .... تنتبه ثانية للطريق، ترتبك إذا تكلم أحد بجانبها وتفقد تركيزها، تذكر إذ كانت تمسك بذقنه وتقول له انظر هنا أو هناك .... تشهق ... يا إلهي ! كيف احتمل كل هذا العبث؟ ... لا تحاول أن تجلد ذاتها أكثر ... فقد اكتفى قلبه من تفاهات الصغار ورحل!

نزهة خفيفة على ظهر سحابة .... كان هذا ما تبقى لها لتطلبه من أمنياتها الكثيرة التي تلاشت والتي لم يعد لها طعم ....
نزهة خفيفة على ظهر سحابة .... يتراشقان فيها ببعض الثلج، وترى فيها لمعة عينيه من جديد، وابتسامته البلهاء في حضورها، وكلامها السخيف في حضوره تلملم بنكاتها من انفطر من قلبها من وهج قلبه، ويكتشفان العالم، ويفتحان فمهما كالصغار انبهارًا، ويخبرها بتفسيرات تاريخية لا وجود لها، وتتعجب وتسخر منه بتفسيرات طفولية لا أصل لها، يسخران من تأويلات بعضمها بظاهر القول، ويرسخ شيء عميق في قعر قلوبهم ونفوسهم، يخشون البوح به ويخشون فراره ولا يطيقون كتمانه أكثر!

يوليو ٢٠١٧

الجمعة، 6 يوليو 2018

الجنون

منذ عدة أسابيع أٌأَجِّــل الكتابة .... أين أكتب؟ وكيف أخبرك؟


منذ عدة أسابيع ... منذ أسبوعين ... أمر .. كما يقول محمود درويش ... " أمر باسمك إذ أخلو إلى نفسي كما يمر دمشقي بأندلس "

كنت - ولأشهر كثيرة مضت - كما يقول الشاعر
أمر على الديار ديار ليلى .... أقبل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار شغلن قلبي .... ولكن حب من ســكن الديــار

فأتنشق عطرك ... كأن أنفاسك تخالط الهواء والعبير ... وعند أقرب نقاط التقاء أنفاسك وصدري كان قلبي خافق
وروحي ملتفتة إلى حيث طيفك، أو أثر قدمك ... التفات لا أملكه، ولا أملك غيره، لا أصده ولا يسرني ... إذ أنه التفات للفضاء ولطيف لا يتورع يوما أن يظل طيفا أو سرابا، متى يكون الطيف حنونا ليأتي بك على حين غفلة؟


منذ عشرة أيام ... توقف التفات قلبي وخفقانه ... توقف العطر ... وسكن قلبي كطفل حزين ... تعجبت وبسمت له، قلت: يا صغيري لماذا توقفت عن عاداتك من إلقاء التحية خلسة عني مهما نهرتك؟
وكأنما قلبي لم يجد في الهواء ذات العطر فسكن .... ولم تلاحق روحي ذات الطيف فلملمت ثوبها وجلست ... ولم تعد تنافس الهواء في الوصول إلى رئتي ... فأصبح كل الهواء سواء

عبق بقي يا عزيزي بعد الرحيل ... عبق تشبثتُ به وتشبثَ بي ... عبق أصر أن يبقى في ملابسي وروحي وأغلقت أنفاسي عليه

لكنه لم يعد يتجدد ... جائني مستغيثا منذ أشهر ... قالي لي مذعورا سامحيني

وكنت .... كنت كعصفور أخذ الريح عشه ولم يتركه المطر!

كيف أدرك قلبي أن عطر أنفاسك ذهب فلم ينتبه للمكان ... ولم يلتفت ليراك؟