الاثنين، 24 سبتمبر 2018

في لحظة عدمية

أفقد التأريخ، أفقد المكان والزمن، أفقد الهدف والاتجاه، وأحيانا أفقد الأشخاص!

في لحظة وقفت أمام زميل أعمل معه قرابة السبع سنوات، قلت له حسنًا يا .... ثم فقدت الاسم!

اليوم في رحلة مكوكية إلى الجانب الآخر من البلد أجفلت! أي طريق هذا؟ هل سلكت الطريق المؤدي لمدينتي؟ 
" أنا طلعت طلعة الكوبري ولا لأ؟ هي دي الدخلة؟ هو أنا فين!!!"

أمي بجانبي .... لا تدرك ما يحدث .... تقول ما بك ... هذا هو الطريق الذي جئنا منه نعود منه ...

أتماسك خلف المقود .... بدأت أمي الحديث كأني جاهلة بالطريق، أو أني نسيته ... معقولة؟

لم أتمالك نفسي .... قلت لها أنت لا تفهمين .... أنا أفقد الوقت والمكان والوجود لبضع دقائق أو لعلها ثوانٍ معدودة .... لا مرة تشبه الأخرى .... أقف فجأة في منتصف الطريق لا أعرف لماذا أنا هنا وما الهدف وراء خروجي؟ أسير وأصل وجهتي ولا أعرف لماذا أتيت ومن أنا ومن هؤلاء

أصاب باعتلال في الذاكرة ... مؤقت جدا وباهت جدا، لا أستطيع البوح به، ولا أحتمل كتمان سره أكثر!

هكذا صرت يا أمي أميز الأشياء بصعوبة وأحاول التفاعل معها!

وما دور العلاج؟ 

لا علاج .... فقط أتعامل مع الأمر ... أجعله يبدو في حلة أجمل .... أجعله أبطأ أو أهدأ أو متباعد الهجمات وفقط!

في نفسي .... أحيانا أحمل الأمر على الفكاهة، أقول أصبحت مثل دوري، أنسى الأشياء والناس لكني أعرف الأصدقاء .... أحبهم وأميز أصواتهم، فقط من أحببتهم وأحبوني ينعشون ذاكرتي ...

أذكر أني بلا وعي كنت اتمسك بك، أمسك يدك وأخاف أن أفلتها، كنت "مرهف" بالنسبة لي، معك أحمل معنى للحياة وهدفًا من الرحلة، حتى ولو كان جلّ أملي وقتها هو مجرد الصحبة، معك أذكر الأشياء، أذكر الأخبار، أذكر الأماكن، أربطها بضحكاتنا وسخريتنا من أنفسنا ومن كل شيء!

أربط الأيام برسائل الصباح، وأستيقظ على بشائر أكتوبر بمستقبلات الأمل في كلماتك، وأنام ولا أذكر أي شيء من تلك المحادثات الطويلة بيننا، غير أن عبء يوم كامل صار كالرماد!

في يوم غضب "مرهف" من "دوري" تركها وذهب، قالت له انتظر، أرجوك! أريد أن أكمل معك الطريق المجهولة، فقال لها لماذا؟ الأمر لا يعنيك، قالت: معك أتذكر الأشياء ... معك لا أفقد ذاكرتي ... وأنا معك كنت لا أفقد نفسي بين التواريخ والبشر والأماكن!

أجلت سفري الآن لمرتين إلى ألمانيا، أتحجج في كل مرة بحجة مختلفة، مرة بك، مرة بالترتيبات، مرة بأسعار التذاكر المتزايدة، ومرة أخرى بأن الصيف حار أو الشتاء قارس ... أنت لم تعلم أنني حين تقابلنا كانت لدي خطة للسفر في الأشهر المقبلة!


عندما واجهت الأمر، لماذا أفعل؟ لقد خفت ... فزعت، وصرت في أيام متتالية أبكي، أتابع حجز الطيران، أجلس الساعات أمام موقع السفارة من أجل التأشيرة، أغتم، وأنام باكية

كنت أخشى تلك اللحظات العدمية، ولا يدور برأسي سوى .... ماذا لو؟
قلت للدكتورة .... أنا فقط أخاف أن أقف فجأة ولا أدري أين أنا ولا من أنا ولا كم الساعة وما اليوم في حسبة الأيام في بلد غريب لا أعرف فيه أحد ولا أتحدث لغته .... ماذا لو فقدت كل شيء في لحظة كان يتوجب فيها على الذهاب للمطار؟ ماذا لو استمرت لأكثر من دقائق؟ ماذا لو صاحبتني نوبات القلق في الشوارع الغريبة؟ ماذا لو ظن الناس أني مجنونة أسير كالطفلة تبكي وتلهث وتلعق مخاطها الممزوج بالدموع؟

ثم .... كيف يهتز الجبل؟ وأنا أعيش بجملة المقادسة "يا جبل ما يهزك ريح"

وكيف أبقى في مكان لم يعد يربطني به شيء! كنت أخشى التفكير في الانتقال لبلد مجاور حيث أنعم بصحبة رفيقي الجميل ..... كنت أقول لنفسي كيف أواجهك؟ كيف أتركك خلفي وأذهب؟ كيف أمزّع قلبي بين بلدين؟ قلبي متمزع الآن بين بلدان كثيرة .... قلبي ذهب ... وأنا ... أقف في اللاشيء أسأل ... ما الذي أتى بي إلى هنا؟

غير أن لطف الله يحملني!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق