الخميس، 28 يناير 2016

هل نحن نحن عندما ينخر فينا الحزن ؟

ويقتلنا الصمت

ويرجونا الأمل أن نطل من نافذة الصباح فلا نقدر؟

هل نحن نحن عندما كانت تلمع عيوننا لبسمة وترقص قلوبنا بلقاء؟

هل نحن نحن حينما نؤثر الصمت ؟

صارت الأفكار تبتلعنا، تأكلنا، تنهش في عظامنا النخرة!

الأربعاء، 20 يناير 2016

إن امرأة تكتب ......!


إن امرأة تكتب ، لهي قادرة بشدة على قراءة كل الماورائيات ، ما وراء الدمع والرسم والحكاية ، قادرة على الغوص في تعابير وجه العازف لتقل ، ليت محبوبتك التي هجرتك تسمع هذا اللحن القاتل الأليم !

قادرة على فهم كل ما يدور وقتما يدور وحيثما يدور

قادرة تماما على الحياد ، الوقوف على أطراف الصورة وجمع أشلاء المعالم من كل اتجاه !

إن امرأة تكتب ، قادرة على التفهم والمصالحة والتسامح وإعطاء الفرص اللانهائية من جديد ، قادرة على منح أحد الشخوص فصل جديد في الحكاية ، فصل يصحح فيه خطاياه ، ويمنح نواياه الحسنة الدفينة مجالاً للخروج والرقص .

إن امرأة تكتب ، تمنح الحياة لشخوصها بخطة قلم ، تفهم تماما كيف أنها تقتل آخرين بخطة قلم أخرى !

إن امرأة تكتب ، تفهم جيداً كيف نقتل البشر ثم نبكي موتهم ، نبكيهم بصدق وبعمق وبحب وبحرقة قلب ، نبكيهم كالضحايا وكأنا أيضا ضحايا القاتل الأثيم !

إن امرأة تكتب، هي امرأة تهيم بالتفاصيل ، تعيش بها وتتنفسها ، إنك لن تفهم أبداً لماذا قد يثير جنونها عدم ارتداؤك هذا القميص بالتحديد في تلك الساعة المحددة ! إنك لن تفهم أبداً تشبثها بالمواعيد والتواريخ والدقائق ، التفاصيل يا سيدي ، التفاصيل تنسج الحكايا ، لا تعبث معها إن اختص الأمر بالتفاصيل ..... كل حياتها تفاصيل !
إنك لن تفهم ، لماذا هذا المكان تحديداً ، لماذا تلك الطاولة وليست الأخرى ، لماذا تلك الزاوية البعيدة أو القريبة أو الصاخبة أو المليئة بالدخان رغم أن السعال يقتلها !
هي لا تملك التفسير، هي لا تفهم منطقية الأمر، لكن الصورة عندها هكذا ، أنتما هكذا في زاوية عقلها المتخم .. بالتفاصيل!

إن امرأة تكتب، كرجل يمسك خيوط الحكاية ولا يفلتها ، يحرك الماريونيت ويتحرك معه ، يراقص الدمية ويرقص معها ، يرقص من قلبه معها ، ويبكي الدمية وقطرات دمعه هي التي تتساقط ، لا تقل أبداً أمامه أن شخوصه ليست حية، وأن قصته كانت من خيال !

إن امرأة تكتب ، قد تفهم يا عزيزتي لماذا يضطرب قلبك بالحب ، ومن الحب، وبحثاً عن الحب، قد تفهم لماذا رحلت عنها، لماذا آلمتها وحيدةً، ولماذا يعاودك اضطراب الحنين من جديد، خبيرة هي بالحكايا، خبيرة بجوانبك الخفية ، تلك التي لا تظهر في سياق القصة المستقيم لكنه مفهوم من بين الأسطر ، يقولون في الأدب ، نهاية معروفة = حبكة ضعيفة ، لكنها تحب المعرفة، لا تأبه للنهاية ، النهاية ستجيء وحدها ، طال الأمد أو قصر .

امرأة تكتب، تعرف جيداً تعاريج القدر ، وتكرهها ، تود لو أن الاشياء تمشي بسيطة وسهلة ومستقيمة ، لكن ما باليد حيلة ، تلك التي يسمونها الحبكة ، تلك التي يسمونها ملح الطعام للطبخة ، تستخدمها ، لكنها تريد في كل زاوية كتاب أن تترك صندوقا فيه الخفايا ، خفايا القلوب المضطربة !

هي تعرف خبايا قلبك، قرأتها، فهمتها، وفضلت أن تسير وفق النسق ، فضلت أن تتم عليك الحبكة القدرية التي اخترتها أنت، فلا تحزن إن وضعت هي النهاية بخطة قلم ! قاتلة تلك المرأة حين تثور!

إن امرأة تكتب ، تقف دائما هناك، في المفارق، لا تختر طريقا، ولا تسلكه وحدها، تقف فوق البوابات، تحب أن تتمعن في السالكين والخارجين ، لون شعرهم، ونسج ملابسهم، وترسم لهم نهايات أخرى أو طرقاً أخرى .

لا أعرف كيف يؤمن أحدهم بغير المنطوق أكثر ؟ كيف يؤمن أحدهم باللامنطق ؟ كيف يسير أحدهم وفق الحدس أكثر من سيره خلف الأدلة؟ ربما لأنها اعتادت هذا الأمر من شخوص الحكايا ؟ ربما

إن امرأة تكتب، يقتلها الأمل ألف مرة بسكين الألم، ولا تموت ولا تتب !
تصر أن تفاح الأمل طعام مقدّس، يجب أن تزرعه في قصصها وبستان حكايتها!


“و لما كنت مُدَرِّسة بحكم عملي الوظيفي لما يقرب من نصف قرن‘ فقد ترسّخ في وجداني أن إرسال خطاباتِ يأسٍ إلى الآخرين عملٌ غيرُ أخلاقيّ.” **رضوى عاشور- الصرخة

“الكتابة فعل أناني وطارد
يفرض درجة من العزلة الداخلية، ينفيك عمن حولك أو ينفي من حولك ويضعهم على الرف إلى حين
فعل ينفي الآخرين ليخاطبهم ويكتب حكاياتهم، يقصيهم ليراهم أكثر
يبتعد ليقترب، ويعزلك ليتيح لك تبديد وجودك المفرد وإذابته في وجودهم ومكانهم وزمانهم
عجيب !” **رضوى عاشور- أثقل من رضوى-


إن امرأة تكتب ، ترى كل الخيارات مفضَّلة ، وكلها سيئة ، تشغل قلبها بما قد يترتب على كل اختيار، وترسم له مسارات عدّة، تفترض كل الفروض ، تتوقعها، توازنها، ثم تقف في المنتصف، لا تقرر، ولا تنسحب !

يدور في قلبها ألف حوار، كلمات قد تجرحك تريح عقلها المتعب من التفكير وتوخز في قلبها المنسوج من الألم، وكلمات قد تريحك تشطرها إلى نصفين، تجعلها في صراعها الدائم والمتعب مع باقي الفرضيات المتاخمة!


إن امرأة تكتب، تريدك ولا تريدك بالمرة، تلملم أثوابها راحلة تاركة قلبها لديك، أو تطلب منك البقاء وقلبها راحل عنها، هي تنشغل بتفاصيل الرواية وكأنها ليست لها، هي تنشغل بالاحداث كأنها أشياء لا تعنيها، هي تقف دائما فوق الصورة على حافة الإطار المزركش، تريد أن تعرف كيف تصح فرضايتها بالأمل؟ هل الأمل عقيم حقا؟ أم أن اليأس هو الذي يعمل كالحدأة يخطف الأطفال الصغار؟

إن امرأة تكتب، لن تختارك أكثر من مرة، لن تتوجك في أكثر من رواية، لن تنهي عليك تفاصيل حكايتها، إن خطت كلمة النهاية فلن تضف، وإن كان في قلبها بقية فسوف تبدأ بها حكايات جديدة مع الظلّ ، حكايات لن تحويك، وستبدو فيها ما ظننت أنها بقاياك كلمات غريبة عن أسطر كلامك !

إن امرأة تكتب، لهي امرأة قاتلة، تقتل أبطالها بخطة قلم، تمنحهم الحياة والفرص عشرات المرات، فإن رمت بالنهاية فلا شيء يجعلها ترجع !

الجمعة، 8 يناير 2016

الثقب الأسود !

هذا الفراغ داخل الروح ، يبدأ مثل ( خرم الإبرة ) ثم يبدأ في الاتساع تدريجياً حتى يبتلعك !

قلب نازف محترق ، وأصابع متجمدة ، ونهر من دموع جارف يستبيح كلتا عينيك ، حتى لا تميز الصورة ، ولا ترى الألوان !

هذا المكان الأسود ، الرياح فيه قوية جداً ، تعصف بك ، كخرقة بالية يتخللها ريح الإعصار فتتمزق وتتهاوى ، كل شِلوٍ في اتجاه ، حتى يمزقك ألم الشتات !

حيث تشعر بالعري ، والخزي ، والوحشة ، والوحدة ، والضعف ، والخوف ، والفقر الشديد بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
حيث تجمع يديك حولك ، كأنك تضم نفسك الهاربة إلى نفسك الخائفة فتطمئن ، لكنها تئن !

تتسع الصحراء الباردة حولك ، لكنها ليست فارغة ، مليئة بالشخوص والأشباح ، كل الأشياء حولك تنهشك، تصرخ بك ، تغتصبك ، تتحرش بخوف ودمعك وألمك ، تتنمر لأنينك المنبعث من عمق قلبك ، تصرخ كأنك لا تصرخ ، تشخص بعينيك في السماء وكأنها أملك الوحيد ، تصرخ ليست تلك المرة يارب ، ليس تلك المرة !!!

لماذا الموت جباناً هكذا ؟ يأتي حينما نفرح ونهرب منه ، يأتي متخفياً ، يسرق منا الفرحة ، ويسرقنا منها !

لماذا لا يكون الموت شجاعاً ، يخطفنا -حين ننتظره- كالفرسان ؟

نعرف الهوّة التي تسحبنا ، نعرف تلك النهايات القاتلة المشوبة بالدماء ، نعرفها في جلّ لحظات الفرحة ، غادرة تلك الحياة تغتالنا في العام ألف مرة !

لا تعرف هل تتمنى الفرح في أحلك لحظات عمرك ؟ تلك النهاية التي تعرفها وتنتظرها ؟ تلك الفرحة التي تنشدها وأنت تعلم أنك لن تعرف كيف تتعامل معها بشكل صحيح فتغرد لك كعصفور الطلح بدلا من الهروب كالطيور المهاجرة !

فتقف حائراً أمام باب السماء، هل تطلب الموت لأن حزنك الآتي لا قبل لك به ، أم تطلب الفرحة وفرصة أخرى للعيش !

هل تصدق حينما تسأل الله أنه يارب كلاهما سواء ؟ هل تصدق وقتها ؟ أم أنك من الخوف تتلبس بمظهر الورع التقي؟

يشتد الريح ، ويتجاذبك الخوف من كل اتجاه ، تلملم نفسك وتصرخ ، تبكي كالمصروع أو المسحور، تبكي بحرقة وبشكل عصبي ، تبكي والجمر يتساقط على وجنتيك ، تبكي وأنت تعرف أنك ستقضي أيامك باكيا !

تبكي لأنك ترى طيف الثقب الأسود يلوح من بعيد ، يتسع بعدما كان تضائل من زمن بفعل الحب والفرح ، يتسع بشدة ، يقترب منك كغاصب معتدٍ ، يقترب بضحكة الأشرار الساخرة تجلجل في أصداء الصحراء الخاوية إلا من جسدك البارد العاري ، أصداء ضحكته مرعب ، وصوت الهوّة فيه مخيف ، مخيـــــــــــــــف جداً ، ترتعد ، بشدة ، يصبح صراخك خاويا، وجسمك أزرق ، أصابعك المتجمدة ، حلقك الجاف ، وريقك الذي يسيل من الرعب في عكس اتجاهه إلى شفتيك المرتجفتين الأرجوانية ، وجهك الأصفر ، وعيونك المتضخمة من البكاء ، ووجهك الأصفر من مرارة الدموع كالصبر بأشواكه تنحت أخاديد جديدة في ملامح وجهك الطفل العجوز !

يقترب متباهياً ، وأنت ، كطفل هارب من شبح العفريت أو اللص في زاوية باردة مظلمة في البيت يعرف مصيره تحت سكين السفاح !

الإنتظار أشد فتكاً من القتل !

الأمل الكذوب ، هل كان كذوباً ؟ يجعلك تنظر للسماء في رجاء بائسٍ !

هل تسمعنا يا الله !

هل يغير خوفي ودعائي وانكسار رجائي القدر كما قالوا يا الله ؟

هل ينقذني؟ فتشرق الشمس وضّاحة تخيف الثقب فيرحل كما ترجل أشباح الظلام بيد الفجر الصارخ بوجهه الأبيض الوضّاء ؟
يا الله ! أرجوك ليس ثانية !

كلانا يعرف أن الثقب يغرقني فيه لسنوات حتى أخرج !

كلانا يعرف أني أغرق فيه ولا أستطيع العوم !

كلانا يعرف أن الهوّة اتسعت وأن الثقب أصبح أكثر عمقاً من كثرة ما دخلتُ !

كلانا يعرف أن الأمر مخيف وقاتل ، يمتص دمائي ونوري وطاقتي وضحكتي وأملي وروحي وكل شيء كل شيء !

كلانا يعرف أن بقايا خطوطه السوداء مازالت عالقة بجسمي وروحي وكلماتي وأملي وأيامي وكلِّـي !

كلانا يعرف أن قلبي لم يعد يحتمل الدخول مرة أخرى يا الله !

لكنه اتسع كثيرا طوال الليل !

لكنه ابتلعني بلا رحمة هذا الصباح !

لكنه لا يأتي إلا ومعه سكين انتحاري !

ولا أعرف ، بسكين من سأموت تلك المرة ، سكين الثقب التي أحضرها لي كي أقتل نفسي ؟ أم سكين الشبح الأسود نفسه في وخز المرض ؟