الأربعاء، 20 يناير 2016

إن امرأة تكتب ......!


إن امرأة تكتب ، لهي قادرة بشدة على قراءة كل الماورائيات ، ما وراء الدمع والرسم والحكاية ، قادرة على الغوص في تعابير وجه العازف لتقل ، ليت محبوبتك التي هجرتك تسمع هذا اللحن القاتل الأليم !

قادرة على فهم كل ما يدور وقتما يدور وحيثما يدور

قادرة تماما على الحياد ، الوقوف على أطراف الصورة وجمع أشلاء المعالم من كل اتجاه !

إن امرأة تكتب ، قادرة على التفهم والمصالحة والتسامح وإعطاء الفرص اللانهائية من جديد ، قادرة على منح أحد الشخوص فصل جديد في الحكاية ، فصل يصحح فيه خطاياه ، ويمنح نواياه الحسنة الدفينة مجالاً للخروج والرقص .

إن امرأة تكتب ، تمنح الحياة لشخوصها بخطة قلم ، تفهم تماما كيف أنها تقتل آخرين بخطة قلم أخرى !

إن امرأة تكتب ، تفهم جيداً كيف نقتل البشر ثم نبكي موتهم ، نبكيهم بصدق وبعمق وبحب وبحرقة قلب ، نبكيهم كالضحايا وكأنا أيضا ضحايا القاتل الأثيم !

إن امرأة تكتب، هي امرأة تهيم بالتفاصيل ، تعيش بها وتتنفسها ، إنك لن تفهم أبداً لماذا قد يثير جنونها عدم ارتداؤك هذا القميص بالتحديد في تلك الساعة المحددة ! إنك لن تفهم أبداً تشبثها بالمواعيد والتواريخ والدقائق ، التفاصيل يا سيدي ، التفاصيل تنسج الحكايا ، لا تعبث معها إن اختص الأمر بالتفاصيل ..... كل حياتها تفاصيل !
إنك لن تفهم ، لماذا هذا المكان تحديداً ، لماذا تلك الطاولة وليست الأخرى ، لماذا تلك الزاوية البعيدة أو القريبة أو الصاخبة أو المليئة بالدخان رغم أن السعال يقتلها !
هي لا تملك التفسير، هي لا تفهم منطقية الأمر، لكن الصورة عندها هكذا ، أنتما هكذا في زاوية عقلها المتخم .. بالتفاصيل!

إن امرأة تكتب، كرجل يمسك خيوط الحكاية ولا يفلتها ، يحرك الماريونيت ويتحرك معه ، يراقص الدمية ويرقص معها ، يرقص من قلبه معها ، ويبكي الدمية وقطرات دمعه هي التي تتساقط ، لا تقل أبداً أمامه أن شخوصه ليست حية، وأن قصته كانت من خيال !

إن امرأة تكتب ، قد تفهم يا عزيزتي لماذا يضطرب قلبك بالحب ، ومن الحب، وبحثاً عن الحب، قد تفهم لماذا رحلت عنها، لماذا آلمتها وحيدةً، ولماذا يعاودك اضطراب الحنين من جديد، خبيرة هي بالحكايا، خبيرة بجوانبك الخفية ، تلك التي لا تظهر في سياق القصة المستقيم لكنه مفهوم من بين الأسطر ، يقولون في الأدب ، نهاية معروفة = حبكة ضعيفة ، لكنها تحب المعرفة، لا تأبه للنهاية ، النهاية ستجيء وحدها ، طال الأمد أو قصر .

امرأة تكتب، تعرف جيداً تعاريج القدر ، وتكرهها ، تود لو أن الاشياء تمشي بسيطة وسهلة ومستقيمة ، لكن ما باليد حيلة ، تلك التي يسمونها الحبكة ، تلك التي يسمونها ملح الطعام للطبخة ، تستخدمها ، لكنها تريد في كل زاوية كتاب أن تترك صندوقا فيه الخفايا ، خفايا القلوب المضطربة !

هي تعرف خبايا قلبك، قرأتها، فهمتها، وفضلت أن تسير وفق النسق ، فضلت أن تتم عليك الحبكة القدرية التي اخترتها أنت، فلا تحزن إن وضعت هي النهاية بخطة قلم ! قاتلة تلك المرأة حين تثور!

إن امرأة تكتب ، تقف دائما هناك، في المفارق، لا تختر طريقا، ولا تسلكه وحدها، تقف فوق البوابات، تحب أن تتمعن في السالكين والخارجين ، لون شعرهم، ونسج ملابسهم، وترسم لهم نهايات أخرى أو طرقاً أخرى .

لا أعرف كيف يؤمن أحدهم بغير المنطوق أكثر ؟ كيف يؤمن أحدهم باللامنطق ؟ كيف يسير أحدهم وفق الحدس أكثر من سيره خلف الأدلة؟ ربما لأنها اعتادت هذا الأمر من شخوص الحكايا ؟ ربما

إن امرأة تكتب، يقتلها الأمل ألف مرة بسكين الألم، ولا تموت ولا تتب !
تصر أن تفاح الأمل طعام مقدّس، يجب أن تزرعه في قصصها وبستان حكايتها!


“و لما كنت مُدَرِّسة بحكم عملي الوظيفي لما يقرب من نصف قرن‘ فقد ترسّخ في وجداني أن إرسال خطاباتِ يأسٍ إلى الآخرين عملٌ غيرُ أخلاقيّ.” **رضوى عاشور- الصرخة

“الكتابة فعل أناني وطارد
يفرض درجة من العزلة الداخلية، ينفيك عمن حولك أو ينفي من حولك ويضعهم على الرف إلى حين
فعل ينفي الآخرين ليخاطبهم ويكتب حكاياتهم، يقصيهم ليراهم أكثر
يبتعد ليقترب، ويعزلك ليتيح لك تبديد وجودك المفرد وإذابته في وجودهم ومكانهم وزمانهم
عجيب !” **رضوى عاشور- أثقل من رضوى-


إن امرأة تكتب ، ترى كل الخيارات مفضَّلة ، وكلها سيئة ، تشغل قلبها بما قد يترتب على كل اختيار، وترسم له مسارات عدّة، تفترض كل الفروض ، تتوقعها، توازنها، ثم تقف في المنتصف، لا تقرر، ولا تنسحب !

يدور في قلبها ألف حوار، كلمات قد تجرحك تريح عقلها المتعب من التفكير وتوخز في قلبها المنسوج من الألم، وكلمات قد تريحك تشطرها إلى نصفين، تجعلها في صراعها الدائم والمتعب مع باقي الفرضيات المتاخمة!


إن امرأة تكتب، تريدك ولا تريدك بالمرة، تلملم أثوابها راحلة تاركة قلبها لديك، أو تطلب منك البقاء وقلبها راحل عنها، هي تنشغل بتفاصيل الرواية وكأنها ليست لها، هي تنشغل بالاحداث كأنها أشياء لا تعنيها، هي تقف دائما فوق الصورة على حافة الإطار المزركش، تريد أن تعرف كيف تصح فرضايتها بالأمل؟ هل الأمل عقيم حقا؟ أم أن اليأس هو الذي يعمل كالحدأة يخطف الأطفال الصغار؟

إن امرأة تكتب، لن تختارك أكثر من مرة، لن تتوجك في أكثر من رواية، لن تنهي عليك تفاصيل حكايتها، إن خطت كلمة النهاية فلن تضف، وإن كان في قلبها بقية فسوف تبدأ بها حكايات جديدة مع الظلّ ، حكايات لن تحويك، وستبدو فيها ما ظننت أنها بقاياك كلمات غريبة عن أسطر كلامك !

إن امرأة تكتب، لهي امرأة قاتلة، تقتل أبطالها بخطة قلم، تمنحهم الحياة والفرص عشرات المرات، فإن رمت بالنهاية فلا شيء يجعلها ترجع !

هناك 3 تعليقات:

  1. إن امرأة تكتب، تبعثر العناصر والمشاعر والأفكار وتلملمها فإن أرادت أهامت حكيم، وإن شاءت هدت حيران، وأتت بشئ فريد!
    إن امرأة تكتب، تواري الشمس وتظهرها، تنير القمر وتمحقه،وتدمج الفصول الأربعة في فصل جديد!
    .
    مش عارف أعلق، بس قلت أكتب حاجة مقابل طاقة الجمال اللي شحنتها من هنا :)

    ردحذف
    الردود
    1. عزيزي القاريء المستدام، حكيم المدونات، المارق بسرعة البرق من قيد الكتابة،

      كنت أفكر بك وقتما نشرتها، انتظرت رأيك، لم أصبر، وأخبرتك بهذا،

      طاقات الجمال هي طاقات متبادلة يا عزيزي :)

      كلماتك تلك المرة أعجزتني عن رد يناسبها :)

      شكراً يا أحمد :)

      حذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف