الجمعة، 8 يناير 2016

الثقب الأسود !

هذا الفراغ داخل الروح ، يبدأ مثل ( خرم الإبرة ) ثم يبدأ في الاتساع تدريجياً حتى يبتلعك !

قلب نازف محترق ، وأصابع متجمدة ، ونهر من دموع جارف يستبيح كلتا عينيك ، حتى لا تميز الصورة ، ولا ترى الألوان !

هذا المكان الأسود ، الرياح فيه قوية جداً ، تعصف بك ، كخرقة بالية يتخللها ريح الإعصار فتتمزق وتتهاوى ، كل شِلوٍ في اتجاه ، حتى يمزقك ألم الشتات !

حيث تشعر بالعري ، والخزي ، والوحشة ، والوحدة ، والضعف ، والخوف ، والفقر الشديد بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
حيث تجمع يديك حولك ، كأنك تضم نفسك الهاربة إلى نفسك الخائفة فتطمئن ، لكنها تئن !

تتسع الصحراء الباردة حولك ، لكنها ليست فارغة ، مليئة بالشخوص والأشباح ، كل الأشياء حولك تنهشك، تصرخ بك ، تغتصبك ، تتحرش بخوف ودمعك وألمك ، تتنمر لأنينك المنبعث من عمق قلبك ، تصرخ كأنك لا تصرخ ، تشخص بعينيك في السماء وكأنها أملك الوحيد ، تصرخ ليست تلك المرة يارب ، ليس تلك المرة !!!

لماذا الموت جباناً هكذا ؟ يأتي حينما نفرح ونهرب منه ، يأتي متخفياً ، يسرق منا الفرحة ، ويسرقنا منها !

لماذا لا يكون الموت شجاعاً ، يخطفنا -حين ننتظره- كالفرسان ؟

نعرف الهوّة التي تسحبنا ، نعرف تلك النهايات القاتلة المشوبة بالدماء ، نعرفها في جلّ لحظات الفرحة ، غادرة تلك الحياة تغتالنا في العام ألف مرة !

لا تعرف هل تتمنى الفرح في أحلك لحظات عمرك ؟ تلك النهاية التي تعرفها وتنتظرها ؟ تلك الفرحة التي تنشدها وأنت تعلم أنك لن تعرف كيف تتعامل معها بشكل صحيح فتغرد لك كعصفور الطلح بدلا من الهروب كالطيور المهاجرة !

فتقف حائراً أمام باب السماء، هل تطلب الموت لأن حزنك الآتي لا قبل لك به ، أم تطلب الفرحة وفرصة أخرى للعيش !

هل تصدق حينما تسأل الله أنه يارب كلاهما سواء ؟ هل تصدق وقتها ؟ أم أنك من الخوف تتلبس بمظهر الورع التقي؟

يشتد الريح ، ويتجاذبك الخوف من كل اتجاه ، تلملم نفسك وتصرخ ، تبكي كالمصروع أو المسحور، تبكي بحرقة وبشكل عصبي ، تبكي والجمر يتساقط على وجنتيك ، تبكي وأنت تعرف أنك ستقضي أيامك باكيا !

تبكي لأنك ترى طيف الثقب الأسود يلوح من بعيد ، يتسع بعدما كان تضائل من زمن بفعل الحب والفرح ، يتسع بشدة ، يقترب منك كغاصب معتدٍ ، يقترب بضحكة الأشرار الساخرة تجلجل في أصداء الصحراء الخاوية إلا من جسدك البارد العاري ، أصداء ضحكته مرعب ، وصوت الهوّة فيه مخيف ، مخيـــــــــــــــف جداً ، ترتعد ، بشدة ، يصبح صراخك خاويا، وجسمك أزرق ، أصابعك المتجمدة ، حلقك الجاف ، وريقك الذي يسيل من الرعب في عكس اتجاهه إلى شفتيك المرتجفتين الأرجوانية ، وجهك الأصفر ، وعيونك المتضخمة من البكاء ، ووجهك الأصفر من مرارة الدموع كالصبر بأشواكه تنحت أخاديد جديدة في ملامح وجهك الطفل العجوز !

يقترب متباهياً ، وأنت ، كطفل هارب من شبح العفريت أو اللص في زاوية باردة مظلمة في البيت يعرف مصيره تحت سكين السفاح !

الإنتظار أشد فتكاً من القتل !

الأمل الكذوب ، هل كان كذوباً ؟ يجعلك تنظر للسماء في رجاء بائسٍ !

هل تسمعنا يا الله !

هل يغير خوفي ودعائي وانكسار رجائي القدر كما قالوا يا الله ؟

هل ينقذني؟ فتشرق الشمس وضّاحة تخيف الثقب فيرحل كما ترجل أشباح الظلام بيد الفجر الصارخ بوجهه الأبيض الوضّاء ؟
يا الله ! أرجوك ليس ثانية !

كلانا يعرف أن الثقب يغرقني فيه لسنوات حتى أخرج !

كلانا يعرف أني أغرق فيه ولا أستطيع العوم !

كلانا يعرف أن الهوّة اتسعت وأن الثقب أصبح أكثر عمقاً من كثرة ما دخلتُ !

كلانا يعرف أن الأمر مخيف وقاتل ، يمتص دمائي ونوري وطاقتي وضحكتي وأملي وروحي وكل شيء كل شيء !

كلانا يعرف أن بقايا خطوطه السوداء مازالت عالقة بجسمي وروحي وكلماتي وأملي وأيامي وكلِّـي !

كلانا يعرف أن قلبي لم يعد يحتمل الدخول مرة أخرى يا الله !

لكنه اتسع كثيرا طوال الليل !

لكنه ابتلعني بلا رحمة هذا الصباح !

لكنه لا يأتي إلا ومعه سكين انتحاري !

ولا أعرف ، بسكين من سأموت تلك المرة ، سكين الثقب التي أحضرها لي كي أقتل نفسي ؟ أم سكين الشبح الأسود نفسه في وخز المرض ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق