السبت، 28 فبراير 2015

بعثرة صباحية !

تنقطع رغبتي في الكتابة والقراءة على مدى ثلاثة أسابيع وأكثر .... لعله بسبب ضيق نفسي وفكري من المرض ! لعله بسبب رغبتي عن هذا العالم أجمع ... لعلها رغبتي فقط في التقوقع داخل الذات والجلوس فقط الجلوس والاسترخاء هكذا بلا فعل أي شيء وبلا تحريك أي من السواكن !

ثم ... أجد نفسي ممتلئة بأشياء لا أعرف متى أتت ومتى تكونت في داخلي !! يفجرها شيء عابر جدا ... أو أني أظن أنه كذلك !

شعور مثلا !! كالذيث انتباني صباحاً

شعور تظن أنه مات بداخلك !

أو شعور لا تدري كيف يتكون تجاه أشخاص لا تعرف ماهية وجودهم بدائرة حياتك ؟ لاهم بالأصدقاء ولا هم بغير ذلك !! أنت حائر جداً في تصنيفهم !

كثيرا ما تلعب بنا الأقدار تضع أناسا وتأخذ آخرين في مربعات ليس من صنعك ، عندما تود ترتيب علاقاتك ومسميات الأشياء لديك تقف حائراً عند بعضهم !!!!!!

كوقوفي حائرةٌ عنده تماماً ! من هذا الذي ظهر فجأة في طريقي الوعر المليء بالأحجار الصغيرة ، الملتوي في جلِّ استقامته ، والذي يقودني إلى حيث لا أريد أحياناً أو إلى حيث أريد مع الشخص الخطأ أو في التوقيت الذي لم أظن أنه يناسبني !

غيرة !

كيف يتولد شعور بالغيرة تجاه أحد الذين أنت حائر في تصنيفهم بين الأصدقاء المقربون جدا وبين خانة الغرباء جدا !!!

أخشى أولئك العارضون في حياتي .... أخافهم ... يجذبونني كالنور الذي يأخذ لب الفراشات فينتحرن فيه ، وأقاومهم مقاومتي للموت !

أخافهم جدا

لأني لا أدري ماهيتهم وماذا يريدون ....

منذ متى نصبح بهذه الهشاشة ؟ منذ متى أصبحان نخاف الحب والاقتراب ؟ نخاف الصداقات الدائمة منها والعابرة ؟

منذ القديم ... نعم ... أخاف الاقتراب كثيراً ... لا أثق بالبشر ... أفضل الصداقات العابرة .. العلاقات القصيرة المدى التي يدرك فيها الطرفان أنها لن تدوم أكثر من فترة الرحلة أو المعسكر أو الدراسة أو المؤتمر أو المحاضرة الرائعة !

نتبادل النكات والخبرات والضحك كأنا ولدنا هكذا وولدنا هنا نعرف بعضنا كثيراً ونتحدث عن أفراد أسرتنا وأصدقائنا المقربين كأن من يسمعنا قد شاركنا تفاصيل يومنا منذ بدء الخليقة .... ثم ... وداعاً ! :) لقد كان وقتاً رائعاً حقاً !

لا أسى من موقف ضايقني .... ولا اشتياق للحظة أضحكتني ... كلانا يعرف أننا بنهاية تلك الساعات القليلة سوف نصبح ذكرى في ذاكرة تسقط أكثر مما تحتفظ به !

كلّ الذين ظننت فيهم ذاك الأبد المجهول ... تلك الخدعة التي نخدع بها أنفسنا كلمة أبد !! أي أبد ذاك لا أعرف ... كلهم ... خرجوا منذ القدم

كل هؤلاء الذين خفت اقترابهم ... خفت صداقتي بهم ... كل الذين نويت أن تصبح تلك العلاقات عابرة جداً ... ظلوا ويا للغرابة هنا !!

يغيبون ويظهرون ... يبتسمون كأنه لا شيء حدث .... يقفون حيث جرحك تماما بعقاقيرهم الشافية ... يبتسمون ... ويكونون هنا حيث افترضتَّ أنت في داخلك أن غيرهم هو الذي سيقف هذا الموقف !!

كيف أخذني السطر هكذا !

أعود لغيرتي !!

ذاك الشيء الذي لا أعرف متى وجد ولا كيف تكون !!!

أي غيرة تلك التي تتكون تجاه أحد الذين أعدهم من الغرباء أكثر من كونهم أصدقاء ؟ أصدقاء ؟ هل أقول أصدقاء ؟

أي غيرة تلك التي تتكون تجاه صديق ؟

هل أخدع نفسي ؟

ألومها بشدة على هذا الشعور

أتفحص ملامح وجهها

أخشاها فجأة ! وكأنها ستخطف قلب ........ قلب من ؟

أعود لتصنيفاتي

تلك القوالب التي أعشق وضع البشر فيها

لا يتعدون خطوطهم ولا أفعل

وتلك الخانات التي إذا ما دخلت كهفي الصغير أتجاهل وجودها بعمري أصلا !!!

في خانة وضعته ؟

لا أذكر

في أي خانة هو ؟

لا أعرف !!!

هل سيتطلب الأمر مني إعادة تصنيفه من جديد ؟

هل أخشاه ؟

هل أخاف من ذاك الشعور العبثي الذي انتابني ؟

أسميه عبثياً خشية أن يكون حقيقة ؟

هل أخشى أن تكون غيرة ؟

مثلما تهربت سابقا من شعور أشبه بالاشتياق ؟

بت أتسائل هل هو اشتياق أم افتقاد تعوُّدٍ لا أكثر ؟؟؟؟؟

منذ سنتين ... أعمل جاهدة على كسر التعود .... لا أقترب كثيراً ولا أبتعد جداً ... لااعتاد اي شيء ولا أي أحد .. أعرف أن الفقد مؤلم وأن الجفاء قاتل ... تعودنا .... أنا وأنا ... أن لا نقترب كثيرا ... أن أصَــغِّرَ دائرة معارفي إلى حدود ضيقة جداً

كجرو خائف .... يفزعه زحام المدينة .... ويكأنها ليست مدينة أسلافه كلهم !


هل هو القدر ؟ هل أسلم القدر رقبتي مثلما فعلت من قبل ؟ القدر وأنا نعرف تماماً أني لن أفعل ... قد أفعل في لحظة غياب عن الذاكرة ... لكنه يعرف جداً أن تلك الأشلاء المبعثرة لا تحتمل قتلاً جديداً ! 

الجمعة، 27 فبراير 2015

عندما تكسرنا الحياة

وطالما كان جلّ ما تعتز به امرأة حرّة كبرياءها ، مخلوق من عدم ، عمل الإنسان عبر قرون على تطويره على حد ما ذكرت الراحلة الرائعة رضوى عاشور ، إنه الكبرياء !

ذاك الذي منعها من التألم ، والذي منع غيرها من الوقوع في الحب ذات يوم .

تأخذنا ثقة مجنونة أننا نقرأ في الواقع كل حكايا القصص الملونة ، نسير واثقات كجنِّـيَّـات الشمس اللاتي تلوِّنَّ قوس قزح برقصاتهنَّ الغجرية .

ذاكرة حديدة ومحدودة ، تجعلنا نضع ثقتنا في ذاك الآخذ لعقولنا قبل القلوب ، نظن أن العقل يحمينا شيئا فشيئا عن السقوط ، نضع كل أحلامنا في باطن كفوفهم ، نظن أنها حقا راحة الكف وراحة الروح !

ثم

لماذا نتبدل عجزنا عن الحكي النظر في دفاترنا القديمة ؟

إنما نفعل عندما نعجز عن الحديث عن واقعنا

حينما يصبح الواقع أكثر إيلاماً عن ذي قبل وعن كل شيء ! نهرب .... نهرب حيث شيء لم يعد يؤلمنا ، وإن فعل سابقاً ، نهرب حيث آلام وحروج اندملت ، حيث شخوص تركوا حياتنا ركاماً بعد أن كانت مدناً تحوي النور عن آخرها وأولها !

ثم !!!

كيف نفعل إن كنا محاصرين بين ماضٍ لا يريح وبين حاضر لا يدفيء ؟ أين نهرب إن خاصمنا الكتب والورق على حد سواء ؟

أين نتنفس إن كانت بساتين الماضي محرقة وغابات الحاضر موحشة ومقفرة ولا يصدح فيها سوى عويل السباع والوحوش ؟

بين طيات دفتر أصفر

وبين جنبات دفتر أبيض الصفحات

لا نجد الحكايا التي وددنا كتابتها أو رسمها

ولا نجد الحكايا التي تشبعت بتفاصيلنا وأرواحنا وحبنا وشغفنا وجلّ أحلامنا !!

لا نجد القصص الملونة التي كانت تقرأها أمي بشيء من حب

ولا نجد الحكايا المشوقة التي كانت تأسرنا !!!

لا الشر مختزل في شرشر المضلع ولا الخير ينتصر بنهاية العمر كما يحدث مع بكار في نهاية الحلقة !!!

لم يعد المحقق كونان رجلاً حراً يبحث فقط عن الحقيقة الحقيقة وفقط

ولم تعد بيضاء الثلج تعاودها الحياة بشهقة حب ! لم تعد تشهق من الحب !

عندما نتخلى عن كبرياءنا المزعوم

عندما نحب

عندما يكسرنا أكثر من وثقنا بهم

عندما يخذلنا من علمونا مفاتيح الحياة

عندما يصبح الظلم شيئا كضرب المثل

عندما نفقد الألوان ونفقد الشغف

نفقد ألوان القلب المترفة التي تساعدنا على تغيير تلك الظلمات التي نواجهها كل يوم !!!

ثم

كيف يصبح النهار وضيئا وقد تلطخ بدماء كثيرة وخنقه الموت !!

إن ظلم الظالمين ليس عدلا مطلقا !

إن الانتقام من طواحين الهواء لأجل ريح عاتية كسرت مركبنا ... ليس عقلا مطلقا !

إن التخلي عن أحلام كثر ... بنسج خيط شائه في حلم حاليٍ ليس رشداً مطلقا !

إن التعود والتطبع بالدماء ، بالظلام ، بالكراهية ، بالانكسار ، وبغاية الكبرياء ,,, ليس سواءً .. مطلقاً !

عندما تكسرنا الحياة

نجلس كالعاجائز ، نفتقد حكمتهم ، ونفقتد رشدهم ، ونفتقد حكاويهم المشوقة عن مغامرات الحياة التي عاشوها ، نأخذ عنهم جلستهم العاجزة الواهية ، نتفرج وفقط ، نمصمص شفاهنا ، ونقلبها في تذمر ، وننتقد كل ما تقع عليه عيوننا ، تلك الوردة الحمراء التي يهديها شاب لمحبوبته ، كنا يوما نرتعش لهذا المشهد ، صرنا نعرف الخاتمة ، امرأة لعوب أو خنزير كنصف رجل ... يتحدث ولا يفي !
شاب يصرخ بشعارات الحرية ، نضحك في تهكم ، ننتظر العصا التي تكسره ، كالسياط التي ألجمتنا !
جسد يحتضر ، ندير أوجهنا عنه ، لأنه يذكرنا بكل قاذورات الحياة التي غرست فينا ، بكل العفن الذي نحمله ، بكل التشوهات والندوب في ارواحنا ، سندير وجهنا ، قد ندعو له بالرحمة ، وقد .. نمصمص شفاهنا ، أو نتجاهل الأمر برمته ! 

الأحد، 8 فبراير 2015

The Blue Caffe

اسمعوها من هنا :)


نظر إلى فنجانه وابتسم .......... يا إلهي ......... كم من الوقت مر علينا يا عزيزتي ....... كم حدود فصلتنا وكسرت قلبنا .... كم من عاهات وعادات جعلتني أترك هذا القلب الكريستالي ... لؤلؤة في محيط الحياة تتخطفها عني .... لكن ... ما باليلد حيلة ...

هكذا عزى نفسه وهو يهز رأسه ويعاود النظر إلى فنجان قهوته ... محاولا الثبات واختلاق حوار جدي بين اثنين ناضجين الآن بما يكفي لتجرع مرارة الماضي راضين تماما عن مجريات الواقع .

مـــي .... أخبريني عنك ؟ كيف أنت وكيف صرت ....

يغالب في قلبه كلمة اشتقتك .... يغالب ضمة عينيه لها ... يحاول أن يبدو رصينا رزينا كما تعودته ....

لا شيء .... لا جديد ... أنت تعرف كم تستهويني الأعمال المجتمعية ... نوادي الأدب والمرأة ... مؤخراً بدأت العمل على بعض قضايا الأطفال المعتقلين ... لا شيء مهم ... لا شيء يذكر ... أخبرني ... كيف حال ابنتك ؟ أصبحت بعمر المدرسة أليس كذلك ؟


في زاوية هذا المقهى الهاديء العتيق .... روائح الخشب تزكو بالمكان .... الأزرق الهاديء .... الموسيقى الناعمة .... هناك حيث يمكن للمرء أن يعود بعمره عشورن عاماً دون أن يشعر بفجاجة الأمر وخشونة الواقع الراهن ....
طالما التقيا على استحياء حينما كانا يصطنعان سببا للقاء ... لا كأصدقاء هم ولا كأحبة كانوا ... شيء عجيب كان يكسر القلب بينهما ... شيء لم يفهموه بعد ... لماذا لم يتجرأ على مقولة الحب وقتها ؟ ولماذا لم تتجرأ هي كي تخبره أنه في أحلامها على الدوام ؟

لعلها أخبرته بذلك مرة ... مرة فقط .... لعلها ألمحت له عن إعجابها الجم به ... لكنها لم تستطع أن تصرح اكثر من ذلك ... شعرت بأن غصة في حلقها تخنقها ... كان عيناها تشيان بكل شيء .... حنوهما لبسمته ... وجمودهما لحزنه .... كانت عيناها تعانقه في كل لقاء .... لكنه .... هل تجاهل الأمر ؟ .... هل شعر به وتهرب منه ؟ هل لم يكن يجرؤ على .... الحياة ؟


فتاتي ؟ نعم ..... إنها في عامها السابع بعد ... أصبحت في الصف الثاني .... تعلمين كثرة التنقل ... كم عايشت اللجوء يا عزيزتي ... " تفلتت منه كلمة يا عزيزتي ... كان يمسك كلمة حبيبتي حتى آخر نفس ... ارتبك ... لم يعتد أن يقل عزيزة لأي امرأة ... عاود إلى فنجانه ارتشف منه بعض القهوة بتوتر ملحوظ ... "

وكعادتها

تمسح عرق جبينه كلما تعرق خجلا أو توترا !!!

نعم نعم .... لا بأس ... عملك مازال في بيروت ؟

تعود بذاكرتها حيث السنوات التي فصلت بينهما .......

حيث رسالة أيقظتها في الصباح الباكر منذ يومين ..... أنا بالقاهرة ..... !!!!!!

تكسر بها حاجز الصمت وحاجز الذاكرة .... حيث بيروت الحبيبة .... حيث صخب الحرب هناك ... حيث الجنوب الذي امتلأ صراعاً عن آخره ونضح ... حيث غيابه المتكرر بين أسراب الشباب الثائر كل عدة أيام ..... حيث يلتهب قلبها خوفا وذعراً ... وحيث لا يعرف أحدٌ سر اختفاؤه سواها وهي في أحضان القاهرة .... حيث أول تراسل بينهما .... وحيث أول لقاء ... تماماً كما توقعته ... شاب يافع أسود العين والشعر .... لا يمت إلى شقرة توارثتها أسرته بصلة .... تكذب كل زميلات العمل وتصدق حدسها فقط ... وقد كان .

تسرح في ذاكرتها .... وكأنها لا تنتظر الإجابة ... يتكلم ... يسترسل في كلامه كعادته عندما يكون معها .... وكأنه يصوغ الماضي من جديد .... عيونها الثابتة فوق عينيه ..... نظرتها للفنجان ... تعض شفتيها برفق وكأنها تذكرت للتو ما أعادها إلى ذاكرة الوجع ... انتبهت أنها هنا ... صوت النادل أخرجها من كل ذلك ....

سيدتي .... هل تودين إحضار الفطور كالعادة ؟

بوجه شاحب ... ابتسمت ... قليلا من فضلك وأخبرك ...

انصرف


وانتبه هو أنها اعتادت تناول فطورها بنفس المقهى .... هكذا ظلت ترتب عاداتها وتنظمها .... وقبل أن يبدأ بالكلام ... باغتته

عندما أريد الجلوس وحدي أتناول فطوري هنا ... يعرفون مفضلاتي ... لذا عندما أحضر صباحاً يعرفون أن الأمر لن يتوقف عند فنجان قهوة ... لا يحب سُــهَــيل الأماكن الهادئة .... صغير ويريد اللعب ... " وسط حملقاته أكملت " .... نعم ... لدي صبي ... في الرابعة من عمره .... يحب الحلوى كثيرا مثل أمه .... " بهدوء ... ابتسمت "

تلفت حوله ... كأنما يهرب من سهام كلامها ... كأنما يرد بداخله على سؤال عينيها .... هل كنت تريدها محنطة لأجلك فقط ؟ ممنوعة من الحب والغرام ؟ ممنوعة من طفل يجرب حولها مثلما تزين حياتك صبيتان وطفل على وشك الوصول إلى الدينا ؟

تداعب خصلات شعرها القصير ... الذي أعطى وجهها دائرية كان يفتقدها ... أكملت بشيء بين القوة والرقة

إن الجرح إن لم تعبث به يبرأ ........ وإن الألم الذي نظنه يقتلنا ... يموت يوماً ما وحده على فراش الأمل .... !

تلعثم


خاف يوماً أن يصرح بحبه .... اليوم تلكمه .... تجبره أن يسكت تماما ... تخبره أنه يخاف التصريح بألمه ... وأنها تسمعه جيدا مثلما كانت تفعل رغم الأميال .... تخبره أنه خاف أن يكون فانتهى ... تطعن غروره بنعومة أظافرها ... ثم تبتسم بهدوءها وتقول ببراءة :

وكيف بيروت ؟ اشتقتها ... اشتقت البحر .... اشتقت كل مقاهيها ... تعرف طالمها حلمت برحلة رومانسية إلى بيروت ... لكن زوجي مجبر على الهجرة شمالا .... بين بلاد الثلوج نصف العام وبين قفار إفريقيا الوسطى بقيته ... ونحن هنا ... بين القاهرة والإسكندرية ... لا نطيق الخروج عن أرض الوطن !

لملم شعثه ... ابتسم بهدوء ... لم يجد ما يسعفه من كلمات ....

لماذا لا نطلب الفطور .... دعينا نأكل عيش وملح قبل موعد طائرتي !!!!