الثلاثاء، 26 يناير 2021

يناير

 هل أتجنب الكتابة هذه الأيام؟


على ما يبدو

ربما

يجوز

نعم

نعم أتجنب الكتابة، وأتجنب أن أفيض بما في داخلي، وأتجنب أن أدول في دوامة عميقة وساحقة من عشر سنوات، بكل شيء، تغيرت؟ نعم ومن منا لم يتغير، قبلها كنا، وبعدها صرنا، وبينهما الكثير والكثير والكثير!


هل سأحكي في المستقبل شيئا؟ ربما يقتلني الحنين حد الغضب، حد الصراخ، حد إفراغ ما في صدري على الورق، ما الذي يمنعني الآن؟ لا أعرف، حقا لا أعرف، صدقًا لا أعرف! لكن ما أعرفه حقًا أنني لا أريد أن أتذكر


أو لعلي غير جاهزة بعد للتذكر، للاعتراف، للتقبل، والتعايش مع أكبر هزائمنا التي كانت أفضل أحلامنا يومًا ما!


لكن الأمر عندي لا يقف عند كونه هزيمة، كانت يناير هي أول فرصة أعرف فيها أن الرصاص الذي يخرج في الحياة ليس كما يبدو على الشاشة، لن يرجع للوراء، ولن يقف في منتصف الهواء، ولن يقوم المصاب بعدها معافى، ولن يتحول البطل الذي توارى التراب إلى مزحة ثقيلة الظل، يقوم بعدها عندما يذهب العسكر كل إلى ثكنته بنفض التراب عنه ويقول "غاروا؟"

كل الذين ودعناهم إلى التراب لم يعودوا، وكل الذين سقطوا لم يقوموا بنهاية الثورة ولا بنهاية المشهد!


كان حلما، غير أن دماءه كانت حقيقة، وغير أن خدوشه كانت في أجسادنا، وغير أن أنيابه طالت قلوبنا حقًا لا مجازا!


هي يعود الزمن؟

إذن فلننكره، ولننساه، ولنتجاهله تماما كأننا لسنا هنا!

الاثنين، 18 يناير 2021

شطيرة البيض بطعم أمي!

 باديء ذي بدء، كنت أنوي الحديث عن زبدة اللوز العنيدة، التي تسببت في أن قضيت معظم وقت راحتي في تبديل ملابسي المتسخة بالزيت، ولكن لا بأس، سأؤجل الكلام عنها ليوم آخر!


اليوم وكالعادة لم أستطع جر نفسي من السرير بسهولة، وبالتالي فقدت عادتي الصباحية الجميلة من الغناء وتحضير القهوة وتجهيز شطيرة أو تقطيع فاكهة أو إعداد طبق من الشوفان أو الجرانولا! فصرت أعد لنفسي شطيرة سريعة في استراحة منتصف اليوم التي تقارب الخمس وأربعين دقيقة، أقضي من عشرة إلى خمسة عشر دقيقة ذهابا وإيابا، والباقي بين غرض لي في البيت أو إعداد شطيرة ومشروب يكون غالبا القهوة أو الشاي!

اشتريت من فترة "طاسة" صغيرة تحمل بيضة أو بيضتين على الأكثر، لإنجاز وقت التسخين، ولم أجد بالأمس لبنة كاملة الدسم فاستبدلها لي بمنزوعة الدسم، وافقت مرغمة، واستبدلت الخبز الأسمر أو ذي الحبوب الكاملة بخبز الحليب "مرة من نفسي"، وتمدني أمي دوما بقوالب السمن الفلاحي الشهية التي لا مثيل لها ولا بديل، أضع قطعة السمن فتذوب وتشعل كل جميل من ذكريات وروائح بداخل قلبي، أشعر أن رائحة الطعام الطيبة تولد لدينا قدرة عجيبة على التخطي والإبداع!

أضع البيضة اليتيمة فوقها، بلا ملح أو بهار، وأقرر أن أفرد بعض اللبنة على شطري الخبز، وأضع الملح والفلفل الأسود وبعض الزعتر على قطعة الخبز الأولى وفوقها البيض وأكمل المهمة بالقطعة الثانية!

كافئت نفسي اليوم بشريحة خبز التحلية قبل الطعام، زبدة الفول السوداني والعسل، لا تخذلني أبدًا!

وعندما وصلت إلى العمل، وبدأت تناول شطيرتي اللذيذة، شيء غاص في قلبي! كان طعمها أشبه بالبيض الذي كانت تعده لي جدتي، وتطلب منها أمي أن تضع فوقه قطعة جبن قريش طازجة، وكنت أتذمر كثيرًا لإنني أكره طعم الجبن العذب، بلا ملح! ما الحكمة أن أتناول جبنًا بلا طعم بلا نكهة بلا ملح! لم أكن أفهم طعم الحليب، ولا أميزه، أنا عدوة الحليب منذ صغري، تقام مناحة قبل شربه ومناحة بعد شربه، وتتحايل أمي عليه بالشاي، فأبدأ الشكوى والتذمر لوجود طبقة القشدة على وجه الحليب! أكره الطعم الذي يخلفه الحليب الطازج في فمي بعد الشرب، وأكره إجبار أمي لي أن أنهي كل شيء طعامي وكوب الحليب!

"يا ماما بيعملي يع في بوقي" كان هذا تعبيري، وظل تعبيري تجاه الحليب وتجاه البندق! في مرة من المرات سألني شاب كنت معجبة به جدا:" لماذا لا تحبين الشيكولاتة بالبندق، إنها ألذ أنواع الشيكولاتة"

أنا: لإني لا أحب البندق!

هو: لماذا؟

أنا: عشان بيعملي يع في بوقي!

حقًا لا تعبير ينقذ حلقي من البندق أو الحليب إلا هو!

لماذا تختلف الأشياء عندما نكبر؟

الآن قد أتناول كوبا من الحليب الدافيء بكل رضا قبل النوم حتى يساعدني على التمدد والنوم!

وأحب أن أضيف الجبن القريش إلى صحن البيض إذا حللنا ضيوفًا على بيت جدي البائس بعد رحيله ورحيل جدتي!، وأتلذذ بالعيش الصابح المخبوز الذي لم أكن أستطيع مضغه وأنا صغيرة هاربة إلى الفينو والتوست!

اليوم وأنا أتناول هذه الشطيرة كانت لذيذة بشكل! كانت مثالية، رائعة، كاملة!

كان فيها لذعة الحليب، وطيبة السمن، وحلاوة البيض، والقليل من البهار الذي لم يعكر صفو المزيج! كان الخبز طريًا وفيه طعم الحليب، وكان ممتعًا لإن به رائحة جدتي وطعم جدتي وذكريات أمي!

شطيرة اليوم كانت بطعم أمي، الجبن القريش "نكهته الحليب وفقط" مع البيض والسمن البلدي ...

شطيرة اليوم كانت تحضن قلبي الوحيد هنا! 

يوم آخر لا بأس به على الإطلاق، وفطار آخر سعيد جدا! 

السبت، 16 يناير 2021

كيف تحولك زبدة الفول السوداني إلى سوبر هيرو!

منذ القدم وأنا أحب الفول السوداني، وأحد مفضلاتي الأسواني، صاحب القشرة الهشة والشاحبة، والطعم المالح اللذيذ، لا يخفي حدة نكهته كفول سوداني، ولا يثقل عليك بحلاوته، بل يضيف مسحة الملح التي تربت على قلبك ولسانك فلا تجزع!

أسمع دوما عن زبدة الفول السوداني، نحن مصريون، قلبا وقالبا، لم ننشأ في بيت متأمرك، أو مغترب عن الواقع، لم يكن لدينا أي شغف جديد يجعلنا حتى نطلبها من أمي، لم نشعر أن هناك ما ينقصنا مع قرطاس السوداني!

أمي أيضا تحب الفول السوداني وتحترمه، فكانت متنوعة في شراءه، مرة محمص مع القشرة الخارجية الصفراء الذهبية المدهشة، ومرات أسواني لإننا جميعًا نذوب في عشقه، ومرات مع القشرة الصلبة المقرمشة البرتقالية اللامعة التي لا أعرف حتى الآن مم تتكون لكنها لذيذة أيضا، ومرة مع قشرة هشة مقرمشة من عجين طحين الأرز ومطعمة بالجبنة أو الشطة والليمون أو الطماطم، ومرة فول سوداني محمص وفقط! سادة، بحلاوته المعهودة، وبأقوى درجات نكهته!

عندنا الفول السوداني نفسه، فما السعي وراء الزبدة؟ وهل هي أفضل من الزبدة الجاموسي بلونها الأبيض الصافي الذي يذكرك بطعامة القشدة التي صنع منها؟ بالطبع لا شيء يضاهي الزبدة! أو كما يشاع (السمن).

يأكلها الأمريكان مع المربى، أو العسل، لم يجربوا القشدة الطازجة من فوق الحليب كامل الدسم بخيره من اللبان، أو من البلد! حقًا لم يعرفوا طعامة وحلاوة (من حلو) طعم القشدة وتأثيره بالفم! يغلب المربى ويغلب العسل! هذا المزيج المسئول الأول عن تسمين المصريين والمصريات! ولم يعرفوا طعامة القشدة فوق البسوسة، أو على الكنافة، أو بين طيات الجلاش، أو فوق الرز المعمر، أو ذائبة فوق الأرز الأبيض عندما تريد أمي أن تبرّنا بأرز أبيض لذيذ ولا وقت لديها للأرز المعمر!

لم يجربوا القشدة بدلا من السمن في عمل طبق البيض، أو يضعونها فوق قطعة من الجبن القريش الطازج فتزداد حلاوته، أو يضعونها في الثلاجة فتتماسك قليلا ثم يأكلونها بالملعقة في تلذذ واسع واشتهاء ما بعده اشتهاء!

الأمريكان لم يعرفوا جدتي، ولم يقابلوا جدي ... فاتهم الكثير!

لكني منذ العامين تقريبا محرومة من الرفيق الأهم في أيام اكتئاباتي، المكسرات! وعلى رأسهم الفول السوداني الأسواني الذي أعتبره كحبات اللؤلؤ الأحمر! 

فكان عليّ تعويض هذا الأمر، أخذت العزم والنية وذهبت إلى البقالة (السوبر ماركت) أبحث عن زبدة الفول السوداني لعلي أجد عندها ضالتي المنشودة، وجدتها، نوعًا شهيرًا لماركة معروفة، ولكنه للأسف نوع سوقي (تسويقي بما فيه من المواد الحافظة والزيوت المهدرجة) كان الأكثر بروزًا في المحل، اشتريته، لم يعجبني كثيرًا لكنه كان كجرعة الماء للظميء.

بعدها بشهور، وبرغم عدم ارتياحي، ولإني بدأت وقتها نظامًا غذائيًا يستبعد الزيوت المصنعة، بحثت عن نوع آخر طبيعي تماما لم أجدها بسهولة فاستبعدتها تمامًا، وفي إحدى المرات في بقالة أخرى لم أكن عرفتها من قبل، وجدت ضالتي المنشودة "زبدة الفول السوداني الطبيعية بلا أية إضافات" كانت غالية الثمن مقارنة بالأولى، جازفت بشراءها، لعلي أجد فيها ضالتي .... ووجدتها!

هل "تضمك" هي الكلمة الصحيحة؟ تشعرك بالحميمية والدفء؟ تأخذ من على كتفيك كل ثقيل؟ أفردها على قطعة خبز "توست" وأزينها بخطوط من عسل النحل فنتجلي عن قلبي الهموم شيئًا فشيئًا مع أول لقمة؟ نكهتها القوية بلا تكلف، وطعمها الحلو بلا اصطناع، ولونها الداكن، وشيء من مرارة قشرتها لا يعرفه إلا من تذوق القشر، ولا يكاد يلحظه!

أجرّ اليوم قدميّ بصعوبة، لا أُقبل على الدنيا ولا تُقْـبل عليّ، أفكر ماذا أُعدّ للغداء بعدما حلّ الليل بالفعل، لا أتحمس لأي شيء، أتقلب طوال اليوم على فراشي في حالة يائسة، لا أستطيع النوم، ولا طاقة لي لإنجاز مهمة واحدة، ولا حتى أن أضع ملابسي النظيفة في الخزانة كما العادة! تذكرتها، كنت قد أخرجتها في الصباح من البرّاد، وتكاسلت عن شريحة التحلية التي أكافيء بها نفسي عندما أكون محبطة، كانت حرارة الغرفة قد فعلت فعلتها في السماح لها بالليونة والذوبان، فردت ملعقة على شريحة الخبز، رسمت خطوط العسل فوقها بهدوء، ضممت الشطرين فوق بعضهما حتى لا آكل شريحتي خبز، أتناولها وأنا مثقلة، أذوب شيئا فشيئًا تأتيني الفكرة من حيث لا أدري، أفكر في خبز بعض الكعك حتى يتحلى بيتي بشجاعة الحلوى في إزاحة الهموم The blues وأفكر في صنع المعكرونة بالزبدة والريحان كي أربت على قلبي التائه والمثقل!

كيف تنتهي سحب الهمّ بانتهاء الخبز؟ وكيف تتسلل أفكار الغداء اللذيذة إلى رأسي؟ وكيف أتسمر لدقيقتين ألتهم فيهما زبدة الفول السوداني وأنا أشعر بالعجز، وأنتهي وأنا أشعر بشيء من الطاقة والدماء تسريان في عروقي؟

كيف تحولك زبدة الفول السوداني إلى سوبر هيرو!

خذ ملعقة صغيرة من الزبدة الطبيعية بلا زيوت مهدرجة تثقل قلبك

افردها على قطعة خبز الحبوب الكاملة لإنها لذيذة وصحية

ارسم وجها باسمًا وبعض الخطوط بالعسل الأبيض

يمكنك إضافة بعض حبات الشيا لمزيد من الحب لجسمك

التهمها فورًا ... وأخبرني النتيجة! 

الاثنين، 11 يناير 2021

رز بلبن!

 هذه الدهشة التي تصيبكم حقيقة، اسمحوا لها بالتدفق على مهل وبسهولة!

نعم، أتكلم كثيرًا هذه الأيام عن الطعام، هل عندكم مواضيع ألذ؟


اليوم، في اليوم الثاني الذي أبتلع فيه آلام حيضتي، لا آكل كثيرًا، لا أشتهي الطعام، ولا أفكر فيه

اليوم خطرت لي فكرة، لماذا لا أتناول بعض الأرز بلبن؟

فتحت الخزانة في مطبخي الصغير، وجدت علبتين واحدة من لبن جوز الهند والثانية كريمة جوز الهند، وعندي زيادة على النصف لتر من الحليب، أمر لذيذ ... لم لا ... حقًا لم لا؟


بدأت بتجهيز مكوناتي السحرية!

وبدأت بتجهيز وجبة الغداء، طعام معد مسبقًا ومحفوظ مجمدً، تسخين وتحمير وتجهيز بعض الأرز ..

مكالمة طويلة سريعة لأمي الحبيبة، وعاء فيه الأرز ووعاء فيه اللبن (الحليب)

العام الماضي كانت أول مرة أجرب فيها هذه الحلوى الشهية، لم يكن عندي فانيلا، أو جوز هند، فما كان مني إلا أن أضفت الورد المجفف إلى الحليب، كان طعمه مذهلا بحق! كان رائعا، أعددته بطريقة أمي، ظلت معي على الهاتف خطوة بخطوة، كنت صائمة وقتها، واشتهيته، وقفت من المغرب إلى العشاء أعده على مهل وتؤده، تعبت، ومللت، وقلت لنفسي لماذا لم أختر شيئًا أسهل!! لكن بالنهاية كان طعمه رائعًا بحق، أبهرني أنا شخصيًا وكنت سعيدة بهذا الإنجاز المبين.

اليوم، غمرني ذات الشعور، ذات الاشتهاء إلى رائحة الحلوى، إلى الأرز بلبن الطيب الحنون الذي يضمك ويذكرك بأمك الطيبة!

اليوم، عندي مسحوق الفانيلا، ومازالت أوراق الورد عندي، وعندي لبن جوز الهند، وعندي كريمة، وعندي حليب، أشياء زاكية، وقلب منفتح للمغامرة 😅

اليوم لم أقض كل الوقت في تقليب الأرز، لم أشعر بذات الملل، اختصرت الحرارة باستخدام وعائين، واختصرت مسحوق جوز الهند بالحليب، واختصرت الزبيب بالتوت البري المجفف، ألم أقل أني أعشق التوت؟!

قسمت الوعاء إلى علب صغيرة من قبل أن ينضج وأرفعه، وضعت علبة لزميلة في العمل دعتني إلى بيتها، وعلبة لزميلة أخرى اعتادت مساعدتي ولم أشكرها بما يليق، وصديقتي الجديدة التي اهدتني إياها ٢٠٢٠ ألمانية لطيفة، لا يخيب الألمان ظني أبدًا، سألتها إن كنا سنلتقي اليوم أو غدًا! حسبت حسابها، وحساب صديقي المصري، وحساب صديق لبناني!

فرشت العلب أمامي، ووضعت النشا في المرحلة الأخيرة، ورفعت المعجزة من على النار!

طعمه اليوم عادي، لذيذ وخفيف، أخف من الحليب والقشدة، لكنه عادي، أنا التي تشعر أنه معجزة، لأنني أعده للمرة الثانية فقط! 

رغم أني طبخت الأرز المالح العادي عشرات المرات، إلا أني اليوم شعرت أيضا أنه معجزة!

لإنه كان لذيذًا بدرجة استثنائية، رغم أني لم أستعن بالمرق! كان لذيذًا جدًا!

وزعت الأنصبة، أسميت كل علبة باسم صاحبها، حتى أطباقي سميتها باسمي، ابتسمت لهم جميعا، وأفسحت المجال ل (علي الحجار) في الخلفية وأنا أضيف السكر أن يشدو بكلماته العذبة الحلوة ( اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني وعشان كده مصر يا ولاد حلوة الحلوات) أقول حلواني واضحك، وأقول حلوة الحلوات وأنا أنثر القرفة فوق الوعاء الكبير!


تلك المرأة التي تتقافز في مطبخها بعد يوم عمل عصيب!

تلك الشابة التي تتراقص فجأة مع أغنية بالمزمار الصعيدي وتضحك!

تلك الحنون اللطيفة التي ترص العلب لتوزعها الليلة أو في الصباح الباكر على أصدقاءها!

لكم افتقدت تلك الفتاة! لكم افتقدت ضحكتها التي تشرح القلب، وطيبتها الغير مبالية، وتربيتها على قلوب من حولها بلا حذر وبلا تردد، ترفع سماعة هاتفها وتحادث المصري تسأله بعفويتها التي خشيت عليها الموت " انت فين؟ تعالى" [ليه؟] "عاملة حاجة حلوة تعالى دوق" 

لم أعد أخشى عليها أن يساء فهمها، لقد حميتها العام الماضي بما يكفي، لقد بنيت لها حدودها لن يعبرها أحد إلا وكسرت قدمه، لقد شحذت من أجل عفويتها أسلحتي، وقوّيت من أجل براءتها الساحرة ذراعي، ومرنت لساني على كل كلمة ترد كيد الكائد في حلقه!

لبست ثوب الشجاعة الذي لم أعهد، وعرفت قناع الجمود الذي أكره، وأسلمت لحاسة الشم التي تكشف الكاذبين، وأخذت بسوء نيتي كي تتمتع هي بحسن نيتها وطيبتها وسذاجة قلبها الصغير!

أنظر لتلك المرحة في بيتي وكأنها امرأة أخرى، ليست أنا، امرأة اعتادت أن تكون بحريتها هكذا، حتى طُعنت من ظهرها وأوشكت على الوفاة، خمسة أعوام أعيد بناء نفسي وبناءها، خمسة أعوام أتيه في قلبي وأبحث عن قلبها، خمسة أعوام فقدت فيها كل الأمل وكل الثقة وكل أسباب النجاة، خمسة أعوام وأقف الآن لا أصدق أنني نجوت، وأنها نجت، وأنها أعدت اليوم ال "رز بلبن" بقلب مليء بالحب بلا ندم، بلا حزن، بلا ماضٍ بلا كراهية، بلا نظرة للوراء....


مقادير الرز بلبن:

علبة لبن جوز هند

علبة كريمة

0.75 ml حليب بلا دسم

نصف كوب من الأرز المصري الجميل

سكر حسب الحاجة

فانيلا

رشة قرفة (اختياري)

أوراق الورد أو ماء الورد (اختياري)

حفنة من التوت البري المجفف

ملعقة كبيرة نشا + نصف كوب ماء بارد

ضع أغانٍ مصرية جميلة، استمع وارقص بينما تستمر في الإضافة والتقليب ❤️

اسلق الأرز في حوالي كوبين من الماء ثم أضف اللبن المغلي، استمر في التقليب حتى ينضج الأرز، "أضف السكر والفانيلا ورشة القرفة، أضف أوراق الورد أو يمكن اختصار تلك الخطوة للنهاية" إذا لم يكن المزيج متماسكا كفاية أضف ملعقة النشا إلى الماء وتأكد من كلية الذوبان ثم اضفها إلى الخليط، استمر بالتقليب حتى تتماسك قليلا، اطفيء النار وهنا يمكنك إضافة السكر والفانيلا!

ضع حفنة التوت في قلب الأرز!

أو .. ضع النصف واستخدم النصف الآخر بالتزيين.

بالهنا والشفا 😌

الأحد، 10 يناير 2021

المربى والعسل!

 أقول دائما أني شخص "مالح" أحب الملح، أعشق الجبن المصري القديم، أتناول الجبن "البراميلي" مع البطيخ بتلذذ شديد، أشتهيه أيضا مع "الكورواسون بالزبدة" أشعر أني سلطانة زماني عندما أتذوق طعاما بسيطا وممتعا مثل هذا!


لكني تغيرت!

مدهش :)

أمر مدهش أن يتغير المرء، أن يصبح صورة أخرى تتيح له التجربة الأوسع، أمر مدهش أن ألاحظ هذا التغير وأعيشه وأتمتع به، أشعر كأني طفلة نفسي الوحيدة، أهدهدها وأربيها على مهل، كأننا نكتشف العالم من جديد، وأكتشفها، وأسعد بكل تلك الامور التي كانت مخبأة!

منذ زمن وأنا أحب المربى، لا أحب السكريات كثيرًا، لكني أحب رائحة الحلوى، أشعر بأن البيت بيت حينما أخبز فيه، وحينما يحترق السكر عن رائحة النعيم!

في أيام الكورونا الأولى، بدأت هوايتي التي فقدتها لسنوات، أن أصنع المربى في البيت، أتمتع بقطع الفاكهة الشهية، أغذي عيوني بلونها الزاهي في القدر تهتز وتفور وتذوب وتسستسلم للعسل والسكر، وتخرج عصارة قلبها في رائحة تملأ البيت حياة وسعادة، وفي لون يترك أثره في عين قلبك!

أعشق التوت والفراولة وفصائلهم، والعنب أيضًا، صنعت مربى التوت ومربى الفراولة، انتصار عظيم أن أضعهم بداخل "البرطمان" الزجاجي الشفاف، أو علبة زجاجية تعكس هذه النشوة المعلبة!


عندما انتقلت إلى بيتي الصغير هنا، كنت أشتري الكثير من التوابل، ومازلت، كثير من أوراق الورد، هل جربت طعم الورد مع الحلوى؟ هل وضعت بعض وريقاته مع الشاي؟ هل صنعت شاي البابونج والقرنفل؟ الروائح التي تسحر قلبي، وتأخذ عقلي، أجرب الأشياء وأستمتع بها، أذوب فيها، ونتدرج في المعرفة حتى تصير صداقة بيني وبينهم!

عندما أقف لأصنع بعض الحلوى، أو أطبخ الطعام، أو يأخذني الشوق إلى خبز الكعك، أشعر أن حوارًا سريًا يدور بيني وبين مكوناتي، أكلمهم طوال الوقت، أشهر أن التوابل تعطيني ما أريد تمامًا، يجذبني الكركم تارة ويقول أزيدي، ويدفعني تارة ويقول كفى!


منذ عدة أيام طلبت من اخي بعض أغراض البيت لإني كنت في عزل صحي لدواعي السفر، اشترى لي برطمانًا زجاجيا جديدا يليق بعسل النحل الصافي، أو لعله يليق بأرجوانية مربى التوت!

عندما كنت في وطني، كان موسم الفراولة الشتوية، اشتهيتها، كانت لذيذة مسكرة، وكانت الجوافة فواحة، قلت لأمي أشتهى أن أصنع المربى بتلك الفراولة الطازجة بدلا من المجمدة التي أشتريها في الغربة!

حملت معي كيسًا من الجوافة، صديقتي تسخر مني، "تحملين الطعام في السفر؟" "هل خربت البلاد التي ترحلين إليها من كل أنواع الطعام والفاكهة؟"

أقول دائمًا: فاكهة بلادي غير، الطعام في بلدي غير، اللحوم في بلدي غير! لو أني أستطيع لحملت الكثير معي، لكني جربت الجوافة، لا طعمة ولا رائحة! وجربت المانجو لا طعمة ولا رائحة! حتى تلك المعلن عنها أنها من بلدي!

أشم رائحة الجوافة فأشتهى المربى! حبات معدودات كيف يصنعن المربى سيدتي الجميلة؟ 

أرى الفراولة فأشتهي المربى، من أين لي فراولة بلادي اللذيذة؟!


لعلي غدا، لعلي بعد غد، أتشجع قليلًا وأقف في مطبخي الصغير، أصنع المربى، وأضعها في الجرة الزجاجية الشفافة، فكلمها نظرت إليها، تذكرت أن في هذه الحياة الكثير من المربى، والكثير من العسل ❤️

هذا النعيم ...

 منذ سنوات أبحث عن شيء


أدور في دوائر متشابكة

دائما تبدو لي النوايا الطيبة هي الأقرب إلى القلب، وهي الأولى بالتصديق

الحياة ليست هكذا 

البشر ليسوا هكذا

لكن الله هنا!

يمر المرء بنيران الشك بحثًا عن جنة اليقين، فإذا ما وصل وجد الماء ماءًا لأول مرة!

ووجد النعيم مقيمًا لأول مرة!

ووجد الله هناك ... للمرة اللامعدودة، وللمرة اللامحدودة!

أدور في دوائر متداخلة

أبحث عنه وأبحث عن نفسي

من أنا ومن هو؟ وهل يراني كما أراني أو يراني شيئًا مختلفًا وغرضًا حقيرًا!

الكون عظيم ... كوكب الأرض باتساعه، وفضاءه المحيط، وقمره التابع، حقير جدا إذا ما قورن بتلك المجرات، واللامكتشفات المتوقع لها أن تكون أعظم مما عرفه الإنسان .. وأنا؟ بالنسبة للكون أقل من ذرة رمل وحبة ملح ذائبة في المحيط

كيف يراني؟

كان السؤال الأهم .. كيف أراه؟ وكيف أرى نفسي!

أدور في دوائر لا متناهية

أبحث عن كل إجابة وأتساءل في كل لحظة، أمر بعثرات من البشر، أُخدع وأُصدم وأتعثر، أسقط على الأرض، أجلس، أقعد، أبكي، أذوب فلا يكون لي ظل ولا خطو! ثم يبعث في الروح، فأقف من جديد وأعود للبحث، وأتعثر من جديد وأذوب وأتلاشي، وأتبعثر، وفي كل مرة يد الله تصلح كل شيء!

عندما أتعب أتساءل هل كان يمكن أن يكون الأمر أيسر؟ تيسر على غيري.. ثم أسأل هل حقا تيسر؟ وهل حقا من أظنه قد وصل .. وصل؟

أنظر اليوم إلى الوراء ... إلى كل الدوائر التي تهت فيها، إلى كل العثرات التي بعثرتني وتلاشيت فيها، إلى الحريق الذي أذابني، وإلى الزلازل التي ضرب فؤادي فتساقط كدرر العقد روحًا وراء أخرى!

رحلة شاقة جدا، جدا، لكنها ممتعة، ما كنت أصل اليوم إلى أولى علامات الإرشاد التي تنبيء قلبي بالنعيم الموعود، قلب مرتجف ووحيد لكنه آنس! قلب مرتعب لكنه مستسلم، قلب تعب لكنه راضٍ وكثيرًا سعيد!

أنظر إلى الوراء، أقول الحمدلله في كل نفس، الحمدلله على كل نفس، الحمدلله على عثراتي، على النيران التي صهرتني، على كل التمزق الذي أنشأني نشأة أخرى!

أنظر إلى الوراء، إلى الفتاة الغضة الطرية، إلى الزهرة الجميلة البريئة والبرية، إلى عفويتها وجمالها وبراءتها، كنت بالأمس القريب أبكيها، أقول ما كان لها كل ما حدث! لم تكن لتنجو، أنظر إلى المرأة التي هي أمامي في المرآة، أعشقها، أوقرها، وأحترمها، أقول للطفلة التي خلفتها ورائي صارخة تنحب كل أمرها، مسكينة، لو حقًا تصبر! سترى!


كيف الله يرى؟

كيف في كل تلك الأمور مد يده وحده بكل العون وكل المحبة وكل النعيم!

الحمدلله ... كنت سامعني يارب؟ كنت شايف قلبي؟ كنت حاسس بيا؟ 

أبحث عنك ... وأبحث عني، أتعثر في طريقك، وأتعثر في ظلي، لكني بعد كل تلك السنوات أعرف كيف تراني وأتمنى لو أنك تراني بأرحم وأحن وأرأف مما أظن!

في تلك البقعة من الفكر، تدرك أن الله هو الله، يحبك حيث تغتال نفسك، ويرحمك حيث تجلدها، ويراك حيث لا تعرف من هي!

أنظر إلى محنة الأمس ومنحة اليوم، أذوب يا مولاي وسيدي .... في كل أمر كنت في مفارقه وتثني لي الطريق التي أظنها الأصعب، ولكنها كانت الأأمن، والأفضل!

أتساءل، لماذا كل تلك العناية؟

أشكر ربي على كل الضعف الذي أصابني، الضعف يستجلب رحمة القوي

أشكره على النيران التي اشتعلت بقلبي

ما بين القهر

ما بين الخوف

ما بين الفقد

ما بين التيه

ما بين الألم

ما بين المرض

ما بين أشياء كثيرة ثقيلة!

لم يكن قلبي ليعرف ما بإمكانه أن يعرف أو يفعل!

كل يوم هو في شأن سبحانه، وكل يوم نحن في نعمة منه سبحانه

أنظر للأمس بالتبسم، أنظر لليوم بالحمد والثناء والرضا التام، أنظر للغد بكثير من الرجاء


يا صاحب الملكوت ... يا صاحب الملكوت ❤️



*ملحوظة: أنا معرفش أكتر من الوقعة والطبطبة! حقيقي معرفش كتير ويمكن معرفش خالص، كل اللي أعرفه إن ربنا كان دايما هنا، ومازال والأكيد هيفضل، أعرف إن كل أمر صعب ربنا عداه، وكل طلب ربنا يسره باللي فيه صالحي، وكل ألم ربنا عرفني خلال شقوق الروح والقلب نور، أنا مش بعمل كويس في حياتي، أنا مش بصلي كويس، وطول الوقت مقصرة، وكل يوم بخاف أموت، وبخاف ملحقش أعمل كويس قبل ما أموت، وبخاف أفكر في فكرة إني أقابله، أحسن حد يقرا الكلام ده ويفتكر إني ياما هنا ولا حاجة، بالعكس ربنا بيسترني كتير، وبقول ربنا يفضل بيسترني يارب، ومعنديش أي سبب أقوله لنفسي "هو ليه ربنا بيعمل معايا كده؟ رغم كل اللي بعمله ده ؟" غير إن ربنا هو ربنا، هو مش أنا، وهو مش البشر، بس ربنا أكتر واحد وثقت فيه ومخذلنيش، وأكتر واحد وقف معايا ومسابنيش في النص، وأكتر واحد بيحبني بحالي، بيحبني بجد، بيحبني زي ما أنا كده، بيحبني حتى لو معرفتش أكون صالحة وكويسة ١٠٠٪ يمكن ربنا بيحبنا عشان إحنا ضعيفين وعبط وبنخاف بسرعة؟ يمكن بيلطف بينا عشان هو اللي قدر الوجع وعارف اد ايه بيوجع؟ يمكن بيدينا عشان من كرمه بيحب يشوفنا مبسوطين؟ يمكن كل ده، بس الأكيد إني رغم كل نوبات الشك اللي أصابتني في يوم من الأيام، مكنش فيه أجمل ولا أحلى من لما عرفت حقيقة إنه هنا، وإنه تحديدا سامعني، سامعني أنا .. التافهة الهلفوتة القصيرة الصغيرة دي، سامع كل الهبل اللي بتقوله، سامعه وعارفه وبيرد عليه ومبيغضبش (ويارب أبدا ما تغضبش) منه أو مني! مفيش أوسع من ربنا، ولا من رحمته، ولا من محبته، كل يوم كل ثانية فيه لطف كبير ورزق ونعمة وود، حتى وأنا مبصليش حلو وحتى وأنا ملهية وغافلة، دول كلمتين كده عشان القوالب بس والصور ..