الأحد، 10 يناير 2021

المربى والعسل!

 أقول دائما أني شخص "مالح" أحب الملح، أعشق الجبن المصري القديم، أتناول الجبن "البراميلي" مع البطيخ بتلذذ شديد، أشتهيه أيضا مع "الكورواسون بالزبدة" أشعر أني سلطانة زماني عندما أتذوق طعاما بسيطا وممتعا مثل هذا!


لكني تغيرت!

مدهش :)

أمر مدهش أن يتغير المرء، أن يصبح صورة أخرى تتيح له التجربة الأوسع، أمر مدهش أن ألاحظ هذا التغير وأعيشه وأتمتع به، أشعر كأني طفلة نفسي الوحيدة، أهدهدها وأربيها على مهل، كأننا نكتشف العالم من جديد، وأكتشفها، وأسعد بكل تلك الامور التي كانت مخبأة!

منذ زمن وأنا أحب المربى، لا أحب السكريات كثيرًا، لكني أحب رائحة الحلوى، أشعر بأن البيت بيت حينما أخبز فيه، وحينما يحترق السكر عن رائحة النعيم!

في أيام الكورونا الأولى، بدأت هوايتي التي فقدتها لسنوات، أن أصنع المربى في البيت، أتمتع بقطع الفاكهة الشهية، أغذي عيوني بلونها الزاهي في القدر تهتز وتفور وتذوب وتسستسلم للعسل والسكر، وتخرج عصارة قلبها في رائحة تملأ البيت حياة وسعادة، وفي لون يترك أثره في عين قلبك!

أعشق التوت والفراولة وفصائلهم، والعنب أيضًا، صنعت مربى التوت ومربى الفراولة، انتصار عظيم أن أضعهم بداخل "البرطمان" الزجاجي الشفاف، أو علبة زجاجية تعكس هذه النشوة المعلبة!


عندما انتقلت إلى بيتي الصغير هنا، كنت أشتري الكثير من التوابل، ومازلت، كثير من أوراق الورد، هل جربت طعم الورد مع الحلوى؟ هل وضعت بعض وريقاته مع الشاي؟ هل صنعت شاي البابونج والقرنفل؟ الروائح التي تسحر قلبي، وتأخذ عقلي، أجرب الأشياء وأستمتع بها، أذوب فيها، ونتدرج في المعرفة حتى تصير صداقة بيني وبينهم!

عندما أقف لأصنع بعض الحلوى، أو أطبخ الطعام، أو يأخذني الشوق إلى خبز الكعك، أشعر أن حوارًا سريًا يدور بيني وبين مكوناتي، أكلمهم طوال الوقت، أشهر أن التوابل تعطيني ما أريد تمامًا، يجذبني الكركم تارة ويقول أزيدي، ويدفعني تارة ويقول كفى!


منذ عدة أيام طلبت من اخي بعض أغراض البيت لإني كنت في عزل صحي لدواعي السفر، اشترى لي برطمانًا زجاجيا جديدا يليق بعسل النحل الصافي، أو لعله يليق بأرجوانية مربى التوت!

عندما كنت في وطني، كان موسم الفراولة الشتوية، اشتهيتها، كانت لذيذة مسكرة، وكانت الجوافة فواحة، قلت لأمي أشتهى أن أصنع المربى بتلك الفراولة الطازجة بدلا من المجمدة التي أشتريها في الغربة!

حملت معي كيسًا من الجوافة، صديقتي تسخر مني، "تحملين الطعام في السفر؟" "هل خربت البلاد التي ترحلين إليها من كل أنواع الطعام والفاكهة؟"

أقول دائمًا: فاكهة بلادي غير، الطعام في بلدي غير، اللحوم في بلدي غير! لو أني أستطيع لحملت الكثير معي، لكني جربت الجوافة، لا طعمة ولا رائحة! وجربت المانجو لا طعمة ولا رائحة! حتى تلك المعلن عنها أنها من بلدي!

أشم رائحة الجوافة فأشتهى المربى! حبات معدودات كيف يصنعن المربى سيدتي الجميلة؟ 

أرى الفراولة فأشتهي المربى، من أين لي فراولة بلادي اللذيذة؟!


لعلي غدا، لعلي بعد غد، أتشجع قليلًا وأقف في مطبخي الصغير، أصنع المربى، وأضعها في الجرة الزجاجية الشفافة، فكلمها نظرت إليها، تذكرت أن في هذه الحياة الكثير من المربى، والكثير من العسل ❤️

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق