السبت، 16 يناير 2021

كيف تحولك زبدة الفول السوداني إلى سوبر هيرو!

منذ القدم وأنا أحب الفول السوداني، وأحد مفضلاتي الأسواني، صاحب القشرة الهشة والشاحبة، والطعم المالح اللذيذ، لا يخفي حدة نكهته كفول سوداني، ولا يثقل عليك بحلاوته، بل يضيف مسحة الملح التي تربت على قلبك ولسانك فلا تجزع!

أسمع دوما عن زبدة الفول السوداني، نحن مصريون، قلبا وقالبا، لم ننشأ في بيت متأمرك، أو مغترب عن الواقع، لم يكن لدينا أي شغف جديد يجعلنا حتى نطلبها من أمي، لم نشعر أن هناك ما ينقصنا مع قرطاس السوداني!

أمي أيضا تحب الفول السوداني وتحترمه، فكانت متنوعة في شراءه، مرة محمص مع القشرة الخارجية الصفراء الذهبية المدهشة، ومرات أسواني لإننا جميعًا نذوب في عشقه، ومرات مع القشرة الصلبة المقرمشة البرتقالية اللامعة التي لا أعرف حتى الآن مم تتكون لكنها لذيذة أيضا، ومرة مع قشرة هشة مقرمشة من عجين طحين الأرز ومطعمة بالجبنة أو الشطة والليمون أو الطماطم، ومرة فول سوداني محمص وفقط! سادة، بحلاوته المعهودة، وبأقوى درجات نكهته!

عندنا الفول السوداني نفسه، فما السعي وراء الزبدة؟ وهل هي أفضل من الزبدة الجاموسي بلونها الأبيض الصافي الذي يذكرك بطعامة القشدة التي صنع منها؟ بالطبع لا شيء يضاهي الزبدة! أو كما يشاع (السمن).

يأكلها الأمريكان مع المربى، أو العسل، لم يجربوا القشدة الطازجة من فوق الحليب كامل الدسم بخيره من اللبان، أو من البلد! حقًا لم يعرفوا طعامة وحلاوة (من حلو) طعم القشدة وتأثيره بالفم! يغلب المربى ويغلب العسل! هذا المزيج المسئول الأول عن تسمين المصريين والمصريات! ولم يعرفوا طعامة القشدة فوق البسوسة، أو على الكنافة، أو بين طيات الجلاش، أو فوق الرز المعمر، أو ذائبة فوق الأرز الأبيض عندما تريد أمي أن تبرّنا بأرز أبيض لذيذ ولا وقت لديها للأرز المعمر!

لم يجربوا القشدة بدلا من السمن في عمل طبق البيض، أو يضعونها فوق قطعة من الجبن القريش الطازج فتزداد حلاوته، أو يضعونها في الثلاجة فتتماسك قليلا ثم يأكلونها بالملعقة في تلذذ واسع واشتهاء ما بعده اشتهاء!

الأمريكان لم يعرفوا جدتي، ولم يقابلوا جدي ... فاتهم الكثير!

لكني منذ العامين تقريبا محرومة من الرفيق الأهم في أيام اكتئاباتي، المكسرات! وعلى رأسهم الفول السوداني الأسواني الذي أعتبره كحبات اللؤلؤ الأحمر! 

فكان عليّ تعويض هذا الأمر، أخذت العزم والنية وذهبت إلى البقالة (السوبر ماركت) أبحث عن زبدة الفول السوداني لعلي أجد عندها ضالتي المنشودة، وجدتها، نوعًا شهيرًا لماركة معروفة، ولكنه للأسف نوع سوقي (تسويقي بما فيه من المواد الحافظة والزيوت المهدرجة) كان الأكثر بروزًا في المحل، اشتريته، لم يعجبني كثيرًا لكنه كان كجرعة الماء للظميء.

بعدها بشهور، وبرغم عدم ارتياحي، ولإني بدأت وقتها نظامًا غذائيًا يستبعد الزيوت المصنعة، بحثت عن نوع آخر طبيعي تماما لم أجدها بسهولة فاستبعدتها تمامًا، وفي إحدى المرات في بقالة أخرى لم أكن عرفتها من قبل، وجدت ضالتي المنشودة "زبدة الفول السوداني الطبيعية بلا أية إضافات" كانت غالية الثمن مقارنة بالأولى، جازفت بشراءها، لعلي أجد فيها ضالتي .... ووجدتها!

هل "تضمك" هي الكلمة الصحيحة؟ تشعرك بالحميمية والدفء؟ تأخذ من على كتفيك كل ثقيل؟ أفردها على قطعة خبز "توست" وأزينها بخطوط من عسل النحل فنتجلي عن قلبي الهموم شيئًا فشيئًا مع أول لقمة؟ نكهتها القوية بلا تكلف، وطعمها الحلو بلا اصطناع، ولونها الداكن، وشيء من مرارة قشرتها لا يعرفه إلا من تذوق القشر، ولا يكاد يلحظه!

أجرّ اليوم قدميّ بصعوبة، لا أُقبل على الدنيا ولا تُقْـبل عليّ، أفكر ماذا أُعدّ للغداء بعدما حلّ الليل بالفعل، لا أتحمس لأي شيء، أتقلب طوال اليوم على فراشي في حالة يائسة، لا أستطيع النوم، ولا طاقة لي لإنجاز مهمة واحدة، ولا حتى أن أضع ملابسي النظيفة في الخزانة كما العادة! تذكرتها، كنت قد أخرجتها في الصباح من البرّاد، وتكاسلت عن شريحة التحلية التي أكافيء بها نفسي عندما أكون محبطة، كانت حرارة الغرفة قد فعلت فعلتها في السماح لها بالليونة والذوبان، فردت ملعقة على شريحة الخبز، رسمت خطوط العسل فوقها بهدوء، ضممت الشطرين فوق بعضهما حتى لا آكل شريحتي خبز، أتناولها وأنا مثقلة، أذوب شيئا فشيئًا تأتيني الفكرة من حيث لا أدري، أفكر في خبز بعض الكعك حتى يتحلى بيتي بشجاعة الحلوى في إزاحة الهموم The blues وأفكر في صنع المعكرونة بالزبدة والريحان كي أربت على قلبي التائه والمثقل!

كيف تنتهي سحب الهمّ بانتهاء الخبز؟ وكيف تتسلل أفكار الغداء اللذيذة إلى رأسي؟ وكيف أتسمر لدقيقتين ألتهم فيهما زبدة الفول السوداني وأنا أشعر بالعجز، وأنتهي وأنا أشعر بشيء من الطاقة والدماء تسريان في عروقي؟

كيف تحولك زبدة الفول السوداني إلى سوبر هيرو!

خذ ملعقة صغيرة من الزبدة الطبيعية بلا زيوت مهدرجة تثقل قلبك

افردها على قطعة خبز الحبوب الكاملة لإنها لذيذة وصحية

ارسم وجها باسمًا وبعض الخطوط بالعسل الأبيض

يمكنك إضافة بعض حبات الشيا لمزيد من الحب لجسمك

التهمها فورًا ... وأخبرني النتيجة! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق