الخميس، 19 ديسمبر 2019

اضطراب وروح مهشمة

يقول لي أحبك! 
كيف تحبني؟ بكل هذا الاضطراب؟ كيف تحب امرأة بنصف عقل وقلب مهشم؟ كيف تحب امرأة بكل هذا القدر من الإنزعاج والتوجس والتوتر والخيفة والقلق، امرأة تفزع من نومها فتجلس فجأة بلا سابق إنذار، تتقلب مثل حجر صغير يدفعه السيل للانحدار، تشهق فجأة، ويضيق صدرها فجأة، ولا تعرف هل العيب في صدرها الذي يضيق أو أن الهواء صار معبأً بغير الأنفاس!

أرسلت له أغنية "يونس" لمحمد منير .... وكتبت .... وانت تقولي بحبِك تحب إيه فيا؟

كما أنتِ أحبك، لماذا لا أرى أمامي سوى فاتنة؟ ذكية؟ ورصينة؟ أين تلك المضطربة حتى أقتنص منها قبلة ولا تقف أمامي مثل السجان!
أضحك!
أعرف أني أضعت قدسية الحب مرة، وأني لا أستحق كل هذا العناء، أخبره بهذا فيغضب، في كل مرة يثور في وجهي، لا أعرف لماذا في كل مرة يثور في وجهي، يقول أني امرأة مثالية، أعيش في عالم أفلاطوني لا أقبل فيه أخطاء البشر، يسألني لماذا في كل مرة يصارحني بخطإ قام به وجلد نفسه أمامي أنه بشر وليس إله، لماذا أفترض في نفسي أني إله، لا يمكن أن يخطيء، رغم أني في عينيه مازلت جنية ولست من البشر، أخبرني يومًا أني ملاكه، لكني كرهت الكلمة، انقبض قلبي، وانقبضت كل عضلات جسمي فانكمشت قليلًا، تساءل! أخبرته أن هناك شبح أخبرني يومًا أني ملاكه، وتبخر! سحب روحي من أعماقها، وجرها من الفردوس الطاهر، وألقى بها في ظلمات لا أعرف أولها من أخرها، وكأني سجينة الوحل!
يثور في وجهي! 
لماذا لا يبتسم لي فحسب إذ أخبره قصتي الملطخة بالغباء؟
يجزّ أسنانه بتصبّر، يتوعدني أن أعيد الكلام عن نفسي بتلك الصيغة، يذكرني بكلمتي المقدسة " أنت لست إلهًا يا عزيزي، تمهل" يقلد صوتي إذ أنصحه، يسخر من هدوءي وأنا أخفف روعه، يتقد الشرر في عينيه إذ أغفر له وأقبله ولا أغفر لنفسي حماقاتي!

يتمنى أن يعرف من شوه روحي هكذا، يتمنى أن يرى صورة عابرة، أخطأت في يوم ولفظت الاسم! 
ضحك، قال لي أرأيتِ؟ ليس الخداع لهاتين العينين!
أنزعج ....... ألملم أشيائي وأعتذر منه كي أمضي.
ينهض برجولة وعنفوان، هل هذا لأنه أطول مني كثيرًا؟ الجميع أطول مني!
يقترب كأنه يساعدني ...... "إذا ضممتك الآن سيقولون فعلٌ فاضح!" ألتفت إليه وأبتسم!

أود لو يضمني، أكره أن يلمسني!

ما زال يزعجني أنه يريد الغوص في الأعماق ....

ماذا تريد من امرأة لا تنام؟ تتوجس من الأغراب، وتكره المعارف، ولا تثق بأصابع يدها، وتريد أن تضم العالم في سلام، كل في آن واحد!
امرأة لا تلق السلام على غريب، لكنها تضم امرأة طيبة في المجمع التجاري، تتبادل البسمات والنكات مع امرأة بسيطة من جنسية على أطراف العالم، بلغة ركيكة لكنها تفهمها، تهديها قطعة حلوى فتسعد، تلوح لها من بعيد كأنها صديقة مقربة، وتعود إليه كأن شيئًا لم يحدث!
تقول له أنها لا تحب العالم كثيرًا، وأنها لا تحب الحياة، وفي كل مرة يشعر فيها بخيبة أمل يجري إليها كي يستمد منها الحياة!
يخبرها أنه لا يحب الأطفال كثيرًا لكن إن كانت ستتفرغ لهم وتعطيهم كل هذا الحب الذي يراه في عينيها لتلاميذها سوف ينجب منها نصف دستة على الأقل .... تضحك ... ينظر في عينيها ويقول أنه جاد .... تضطرب!

ماذا تريد من امرأة لم تعد تعرف الحب؟ لم تعد تعرف أيهم حقيقي وأيهم مزيف!

في نقاش كانت المرأة داخلي فيه خائفة أكثر من اللازم، أو لربما هذا هو اللازم فقط وأقل، أخبرته أنها تشعر بالغباء، كيف لها أن تبن علاقة طويلة على كل هذا العبث، يوم أعطت كل قلبها لوغد! قالت له كيف تثق بالعالم بعدما انقطعت آخر شعرات الثقة .... كان الوغد آخر شعرات الثقة!
لقد تعب من المقارنة، أنهكه حكمي المسبق على الحياة بنهايتها وعلى الحب بالفشل ...... قال لي ماذا يمكن أن أقدم كي لا أكون وغدًا؟
قلت له الأبد!
هل تضمن لي الأبد؟
سكت!
قلت له: ولا أنا أضمنه! هل أدركت كم أنا مشوهة!

في كل مرة يدور النقاش وأنا خارجه وداخله ...
امرأة بنصف عقل وقلب مهشم وروح هاربة!

في هذا النقاش سألني إن كان علينا أن نعود للمنزل، كان يقلني إلى منزلي، كان يلملم أغراضه في إشارة إليّ كي أنهض أيضًا .... 

كم مرة علي أن أعود لحضنه باكية كي يغفر لي كل هذا العبث؟
ورغم ذلك لم أفعلها!

في الصباح التالي يرسل لي كلمة واحدة " أحبك" 

لماذا لا أكون امرأة طبيعية مرة واحدة وأقول له أيضا أني أحبه؟ وأني أشعر بالسكينة حقًا وهو بجانبي، وأني لا أستطيع أن أقترب أكثر لآني خائفة؟ وأني لا أستطيع أن أبتعد بشجاعة لأني وحيدة؟ ومتى تنتهي الوحدة؟ ومتى يستقر الحب في قلبي؟

أبتلع رسالته، ويبتلع صمتي .... أسأله بعد ساعات طوال "لماذا؟"

يخبرني بكم القصص الذي يحمله لي، بأنه من أول يوم كان يود لو نتكلم، بأنه عاملني بتجاهل شديد لأنه شعر بأسرٍ تجاهي، يقول: كلما أردت أن أبتعد عن غرورك وجدت بسمة رقيقة على شفتيكِ تدفعني للجنون، جمعت المعلومات، وراقبت كل زياراتك، كنت أتصرف كالمهووس، حتى نصحني صديقي أن أكلمك مباشرة، كنت أظنك سخيفة، ومتحذلقة، كنت أرى صلابة وغرورًا، وفجأة ينكسر كل شيء ببسمتك الرقيقة لتلك السيدة .... لم أعرف أني وقعت في مصيدة عينيك سوى في يوم تعالت ضحكاتك مع زميلي، كنت أشتعل بالداخل، لا أعرف لماذا أشتعل، لكني كنت أشتعل ...
قاطعته: يوم أن عاملتني بعجرفة شديدة؟ وبت أسألك لشهور بعدها ماذا حدث؟
نعم! يومها كنت أضحك بغرابة مع الجميع، وأسفه كلامك، حتى غضبت وانسحبت، عندما ذهبت من المكان فقط أدركت قدر حماقتي، قال لي صديقي أن أمري كان مفضوحًا جدًا، يوم عاتبتني بعدها برقة وهدوء، تمنيت لو أن قطارا يدهسني حالا أو أختفي من أمامك، يومها أدركت أني وجدتك، وكأنك ضالتي المنشودة، كل شيء فيك بات يسحرني، وكأنك راقص يعرف كيف يمسك خيوط الماريونيت، تبتسمين وقت الغيوم كي تشرق الشمس من جديد، تواسين وتبكين بصدق، تكونين صلبة إذا استدعى الأمر، ولا تتحامقين كالأخريات، أنت حمقاء أحيانًا ..
ضحكتُ ... فأرسل لي قبلة ... 
أقول له: مر بي اليوم ... دعنا نتكلم!
يهاتفني كي يقول لي ثانية ... "أحبكِ"!
من قال لك أني أريد أن أُدخلك سجني!

ينتظرني بصبر في كل مرة، أقول له أعطني مزيدًا من الوقت للتبرج، يتساءل لماذا التبرج وهو لا يمانع خروجي إليه بمنامتي!
أضحك

أختار عطريي بعناية .... هو يحب اختياراتي للعطور ... أنوي أن يمر الليل بلا شجار ديوك!

تزوجيني!
لا
لماذا
لن تحتمل براكيني
لماذا 
هكذا
جربيني
سأخسر
سأعوضك
لن تدرك حجم خسارتي
ثقي بي
أنا أثق بك 
وأنا أحبك
ولكني لا أثق بنفسي
أمسكي يدي سوف أحملك
يدي مرتعشة
باللهِ .... لماذا تقتلينني في كل مرة!
آسفة
لا يا حبيبتي .. أنا آسف ... وعدتك ألا أجبرك!
صدقًا آسفة!
تحبينني؟
أرتاح معك
تحبينني؟
أحب وجودك
وأنا؟
أنت جميل
حقًا؟
آه والله
تغارين؟
كثيرًا
الغيرة علامة الحب ... تحبينني!
نعم
ماذا؟
:)
حسنًا ... تزوجيني 
اسكت
تزوجيني وسأسكت للأبد رهن إشارتك!
وهل سأكلم نفسي حينها؟
سأتكلم بإذنك
لماذا؟
ماذا؟
لماذا كل هذا؟ أقصد ما تفعله
لأني أحبك
لماذا؟
لا أحد مثلك 
أنا مليئة بالوحل
لا أحد يرى الوحل غيرك ... أن أرى ملاكًا، عفوا لست ملاكًا، أنا أرى جنية طيبة، تحقق الأمنيات، وتسعد الناس، تكون سانتا كلوز العيد، في كل عيد، وكل يوم معك يكون عيدًا، هل رأيت بسمتك للسيدة في المجمع التجاري؟ هل رأيتك ضمتك للمرأة الباكية؟ هل رأيت نظرة الأطفال لك؟ هل سمعت صوت ابنة قريبتك وهي تنطق اسمك؟ هل رأيت سعادة أمي أني أختارك؟ هل رأيت نظرة والديك لك وكلامهم بفخر عنك كأنه لا أحد عنده ابنة إلا هما؟ هل سمعت ما تقوله زميلتك في العمل؟ صديقتك؟ تلك السيدة التي تمر بك كل يوم؟ تلاميذك؟ قطط الشارع صارت تحبك، وأنت؟ لماذا لا تحبين نفسك معنا؟
أبكي
أرجوكِ ... أرجوكِ...
أبكي أكثر

يقترب مني، يقول لي هل هذه بلاد حرة بما يكفي لأحضنك؟
لأول مرة أضع وجهي في صدره وأبكي .... أبكي بجنون ... بصوت .... بقهر .... كأني لم أكن أعرفني وهو يعرفني
من بين دموعي " أنا خائفة"
لا تخافي
كنت خائفة منك الآن خائفة عليك
مم؟
مني
منكِ؟
أبكي
كفاكِ حمقًا .... حبيبتي ... أنت غبية بما يكفي لتحميني من نفسي ومن نفسك .... عندما أردت الانتقام من الوغد حاولت قتل نفسك لا قتله .... أنت عصفورة حمقاء لا تقلقي 
وكيف أثق بك؟
لأني أحمق آخر يريد أن يكمل دائرة الغباء ويشاركك اللعنة!
أضحك
يضمني أكثر
أحبكَ
يبعد رأسي عن صدره .... يبتسم وتتسع عيناه ... "تتزوجينني؟"
لا! حسنًا ليس الآن 

يرضى بهذا الآن .... يعتبره انتصارًا .... يمدح عطري .... يقلني لبيتي ويطير فرحًا يحلم بترتيبات كثيرة كأن الزفاف غدًا
وأنا؟

امرأة بنصف وعي وقلب مهشم وروح هاربة .... وشعاع نور يخرج من بين الحطام يشبه بسمته!