السبت، 30 مايو 2015

طلع عشقان !

تجلس في توتر بالغ وتحكي

ماذا أفعل ؟ بعد كل هذا ... بعد كل تلك السقطات .. أصدق رجلا !

مستحيل !

تمسك هاتفها الجوال .. تفرك عليه بأصابعها .. بلاهدف تبحث فيه عن اللاشيء .. تتركه وتنظر ثانية وتكمل :

يقول لي فرصة ثانية !! ثانية ؟ إنها المرة الثالثة .. فرصة أخرى ؟ فرصة جديدة !! كلا

بالطبع كلا .. ألم يكفني ما أصابني من الرجال ؟

بالطبع لن يحدث هذا .. لن أسمح له .. لن أسمح لنفسي ... لا شيء في جعبتي يخرج لأحد .. أفرغت كل الكيس في الفضاء !

تدور عينيها في الغرفة الواسعة ... تقع على إحدى الزهرات في ركن الغرفة المظلل ... قد بدأت ترزع الورد منذ زمن قريب في محاولة بائسة منها للتجاوز والنسيان .. نسيان كل شيء !

- لقد بدأت بالفعل التجاوز عن الأمر .... نعم ألتمس للغائب بعض العذر .. تعلمت الدرس وتجرعت الألم والمرار .. أعيش بمخططاتي السابقة الآن ... لا شيء يمنعني .. لا شيء يقيدني !

ألم تخبريني أن المرأة بلا قيد أفضل ؟ المرأة بلا رجل امرأة حرة .. المرأة بلا رجل مثل فراشة تبتهج بالربيع بلا ثقل يكبل أجنحتها !
وأنا ؟ لم يعد لي أجحنة ... خلاص .. خلصنا !

هناك في منتصف المسافة بين الحائطين واستناداً للمقابل يقف التلفاز شامخا ... شامخا بشيء من حياء .. ذرات التراب تعلو سطحه الرفيع ... أما الشاشة فتعرض نشرة الأخبار ...
بين ثورتها تتوقف .. إذ يبدو أن الخبر المذاع يمس الشخص المغضوب على وجوده هنا في الحياة وفي الذكر وفي الذاكرة ليكون في المستقبل أو الحاضر أو الوعي !

تتوقف أمام الشاشة ... تفزع ... تجلس مكانها في خواء .. تمد يدها إلى الجوال الذي ألقته على الأرض منذ دقائق في يأس ... تطالع أخباره ... ترسل برسالة قصيرة إليه .. تمسحها .. تحاول تلصص الأخبار ... تطمئن .. تلقي بجسدها مسجى على الأرض .. وتبكي

لا شيء أقسى على امرأة عرفت الحب بجنته والهجر بألمه وعذابه من الاختيار !!

لا شيء أقسى على فراشة من الاختيار بين قفار تامة أو زهر يملؤه الشوك !!

كلاهما قاتل !

فراشتك التي كسرتها النوائب المتتالية تبحث في ذاتها عن مكان للزهر من جديد .... تبحث عن ألوان داخلها كي لا تنظر إليك مرة أخرى ... تبحث عن الشمس فيها .. كي لا تصبح بين ليلة وضحاها أنت الشمس وأنت القمر !!

هدأت قليلا ... تتأمل علو سقف الغرفة بينما تثور بصوت مبحوح ضعيف من أثر النشيج ..

- أبعدته عن طريقي الأولى والثانية ... مسح عن جبيني العرق في يوم قائظ ... وفي آخر كان لي كمعطف الشتاء ... أتدرين نعومة الفراء في المعاطف الوثيرة ؟ أتدرين دفئها في صقيع يوم عاصف ؟ أتدرين كيف يطيب الصوت جرحاً غائراً ؟ وكيف يصبح الكلم البسيط زاداً وجرعة ماء في ظمأ ؟ كيف يصبح الحب أمناً من كل شيء ... ثم كيف يضيع كل شيء فجأة وتواجهين فصول العام وحدك في القفار !!! ترعبك أصوات الرياح ويبدو حفيف الأشجار وخيالها كأنها الأشباه المميتة ؟ القاتلة ؟ يعرف كم أخشى الظلام .. ثم ذهب بالنور كله وتركني ! ... هل أسلم رقبتي للحب ثانية ؟ كلا ... مستحيل !!

- ثم .. كلهم يقولون نفس الكلام وذات الكذب ... لا شيء يتغير .. يقول أنه لا يشبه الرجال ثم يصبح في لحظة مثلهم .. بكل ما قتلك في السابق سوف يقتلك ثانية !!!

مقابل التلفاز .. كان يرقد في حالة يرثى لها .. إكليل أزهار برية ... كان قد ألفها مع بعضها لأجل عيون السيدة ... كان قد حملها بطاقة صغيرة بألوان زهرية .. كتب فيها ... بانتظارك دائما !

كانت كلما نظرت تجاه الإكليل ثارت ثائرتها ... وهاجت وماجت في جنون ... ثم تذبل الوردات يوما تلو آخر .. تتجاهلها وتسترق النظر لها .. تقول ستذبل أولا .. ثم يذبل صاحبها ..

كان لا يمل !

كان على خلاف كل توقعاتها يرسل الزهر بنفس الموعيد كل أسبوع ... يتبعه ببطاقة جميلة أرق من سابقتها وأجمل .. يرسل فيها كلمة أو ثنتين .. لا ينتظر رد ... يخبرها أن العالم خارج القوقعة مليء بالحب والمرح .. مليء بالتسامح والسلام .. يخبرها أنها هي الشمس .. لأول مرة تجد من يرى الشمس بعينيها وشعرها الذهبي .. لأول مرة تؤمن أنها تنير حقا ... أوقفتها عبارته .. قررت الرد

كانت تنوي لأول مرة أن تهذب كلامها ليبدو راقيا كزهراته ... وصل صوته من بعيد ... تعثرت بكل شيء .. تلعثمت .. صرخت بوجهه ولامته أشد لوم على إرسال الورد صباح كل سبت !!! ... أغلقت الهاتف .. وجلست مشدوهة من فعلتها

لم تملك أي شيء سوى أن تبكي عبثها وألمها الذي صار يكسر كل شيء جميل حولها !!

مرت الساعة

أرسل لها باقة ورد أخرى

لم يرسل البطاقة

وقف أمام بابها مباشرة .. وعندما فتحت .. أتبع ورداته بكلمة واحدة

أحبك !

........................................................................................

تلك الفتاة الخمرية

تدرو في محرابها حيرى

تخبر مرآتها ونجمات ليلها

لا تجيبها سوى زهرات ربيعه العامر

طلع عشقان ! :) 

السبت، 23 مايو 2015

استراحات المحارب !

نعم

لم تعد استراحة واحدة ..... لم يعد يكفيه استراحة واحدة أبداً .... فهو يحارب في استراحته ضعفه ووخمه وانكسارات روحه وجروحه العميقة !!!

في لحظات عدة كنت اظن أني وصلت نهاية العالم ... لا شيء يحدث ... لا شيء مستجد .. كل شيء صار يوخز كالإبر والسم !!

كنت أظن أني وصلت نهاية الألم النفسي ... او على الأقل اقتربت منها ... أسقط .. أجلس بمكاني ... أبكي كثيراً ... أرفع كل الأشياء البيضاء في استسلام .... تعبت !

أجد أحد الأصدقاء ... يقف بجواري ... يقول بهدوء ... لم تنهزمي بعد .. إنها استراحة محارب فقط ...
أرفع عيني بثقل شديد .. كلا .. إنه استسلام محض ... لا أريد التكملة ... تعبت !

ثم .. ويا للعجب ... قوة صغيرة .. رشفة طاقة تحملني على الوقوف من جديد .. إحداهن تسقط .. أقف بجوارها .. استريحي .. ستقومين .. إنها استراحة محارب فقط ... علينا إكمال الطريق ولو فرادى !

ونظل هكذا دواليك ... نتبادل الأدوار والكلمات والأقنعة والألم والسقوط والوقوف

لا أحد منا يقف وقفة كاملة

ولا أحد منا يسقط سقطة تامة

لا أحد منا يحارب حربا ضروسا تشفيه

ولا أحد منا يجلس مسترخيا في استراحته كي يستريح

ثم فجأة

نجد أنا لا نحارب سوى طواحين الهواء ... لا مكان ولا مجال للهرب ...

نجد فجأة أن الأشياء التي تنكسر منا لا تنصلح ... لا تنصلح أصلا حتى عندما نرضة بالندوب الناتجة ... لا تنصلح !

نجد فجأة أن المفقود لا يعود ... ليس هناك صندوق المفقودات نبحث فيه عن أشياءنا فنجدها فنفرح كالأطفال ونعود راضين بما بذلنا !

لا شيء يعود

لا قيمة ... لا شخص ... لا ذواتنا القديمة البريئة ... الثوب ما عاد ينصع بياضاً عندما نغسله ... ما عاد لدينا ماء للغسيل !


عندما يتداعى البيت

نقف بجوار عمود الرأس

نقف بجوار الرامي

أو نجلس

أو نتأوه في ألم

عزيزي الفارس ..... لا بأس باستراحة المحارب ....... سقوطك عن الفرس لا يعني نهايتك ... لا يعني فشلك ..... لا يعني نهاية العالم .......... سقوطك عن الفرس لا يعني أن تقف سريعاً لتملك الزمام ثانية وتقاتل في معارك مختلفة الأرجاء دون أن تلهث وتتعب ..... سقوطك عن الفرس لا يعني هزيمتك ...... وكثرة السيوف حولك لن تلقيك بالضرورة حتفك ......
اجلس مكانك
اجلس ....... استرح .... تنفس بهدوء ....... لن يسلبك الهدوء حقيقة أنك فارس شجاع ........ لن تسلبك الراحة تلك الطريقة الوعرة ...... لن يؤخر الوصول ...... كل شيء بقدر .........
اسقط عن الفرس ..... لن يعرف الفرس الطريق بدونك ....... أنت الذي يقود الفرس ... أنت الذي يعرف الطريق .....

وكل من سار على الدرب وصل !

" هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة ، مادمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا ... "

رضوى عاشور .. أثقل من رضوى .

الأربعاء، 20 مايو 2015

إذا فقدن الربيع ....

يعدن إلى الشرانق

يلتففن بخيوط الحرير ... ناعمة أو خشنة من أثر الفتق الاول ... أجنحتهن في الغالب أصابها الخدش أو أكثر فصارت منكسرة ....

إذا فقدن الربيع

لا شيء يدعوا الفراشات إلى عناء الظهور كل صباح بألوان البهجة ... لمن يشع نورهن كل صباح ليضاهي ويباهي نور الشمس في الأفق الرائق الصبيح ؟

لمن تلتمع ألوان الحياة على أجنحتهن ؟ إذا فُــقِد الربيع ؟

كمثل القواقع .... يلملمن أشيائهن ... وأحياناً أشلائهن ... ويدخلن من جديد تلك القواقع !

الخوف ؟

لا مجال للخوف لدى الفراشات ... أكثر ما يكسرهن الصدمة ... الكذب ... الخدعة !

لماذا يا ترى يزيف الربيع ألوانه ؟ ويخلف موعده ؟

لماذا يا ترى يزهد الفراشات فجأة ... وهن البهجة ... وهن روح الربيع وقلبه النابض ؟

لماذا يا ترى يكذب الربيع ؟

مثلما أقبلن على تلك الحياة بقوة ... مثلما لمعن بشدة في وجه الشمس ... يخفتن ... يختفين ... يلملمن جناحاتهن !!

كاستراحة المحارب ؟ أم كنزوح الحلزون إلى كوكبه الخاص بعيداً عن العالم ؟

لا أعلم !!

لا شيء يبدو في أيام الصدمات الأولى

لا شيء غير أشواك الشرانق المؤلمة إثر الخروج الأول

لا شيء غير التقوقع حول ذات الوحدة والألم ... والبكاء بصوت وبدون ... والبكاء بدمع وبدون ... والبكاء بشيء من أسف ... وبكثير كثير من كبرياء ! 

الاثنين، 18 مايو 2015

من قال أنا لانموت ؟

من قال أنا لا نموت ونحن على قيد الحياة
نموت إذا انتحرت أحلامنا
وبلغ بنا اليأس آخر منتهاه
حت الشغف
صار يقتلها بأيد ناعمة
صار يسحقنا بغير أناة
نموت إذا كنا ضعاف البصائر بالهزيمة
نموت إذ أنشدنا أغاني الانكسار في مهد الطفولة
نموت ولا نبلغ من أي شيء أوله أو أعلاه
من قال أنا لا نموت إذا نعيش ونرزق ؟
أي رزق في الهزيمة ؟
أي رَحِــمٍ للقساة ؟

من قال أننا إذا ثارت دمانا لابد أن نربح
ألا نهزم
أي نصر يأتي إذا هرب الرماة ؟

من قال أنا لا نموت في الحياة إلا مرة ؟
من قال أنا لا نموت كل يوم ألف مرة ؟
من قال أن الويل حصرا من قاضي السماء ؟
من قال أنا لا نموت مرارة كل رفة جفنٍ من ظلم القضاة ؟

من قال أنا لا نموت ونحن هنا على قيد الحياة

هل قد رأيت بلادنا تنشد في حب الربيع وتنشر على الدنيا شذاه ؟

هل قد رأيت مدينتي يعلوها حمام الموت
تكسوها كل ألوان الحروب
تمطرها البلايا بلا هوادة
وتنظرنا النسور والصقور والحدائد الثكالي والأرامل
ويعلو نعيق غربانها بالموت المحتم والمقدر والرزايا
هل قد رأيت مدينتي؟
هل قد رأيت الدم يكسو كل أفواه الحياة ؟

أنا قد رأيت الموت يهرب
من هنا
من ذلك الدرب المعبد بالجماجم قد ركض
حتى من مدينتا الموت يهرب للنجاة !!!

من قال أنا لا نموت بكل صبح ألف ألف ؟

من قال أنا نرسم الأحلام على جدران تلك المدينة
إننا نرسم الموتى لا الحياة الرخيمة
إننا نرسم هنا الذكرى ... نرسم أنفسنا بجناحين منكسرين
نرسم قبورنا قبل أن نبغي المعيشة في القصور أو الخيام أو الكهوف أو كوخ معرش بحيَّـات تولول في انقضاء الليل طعم الجياف في أفواهنا ودمائنا الوسخة إثر تنفس الموت المعتق في الحواري والكؤوس وبيوت الإله !!

من قال أننا رغم كل الموت لا نحياة الحياة ؟

إننا نحياها ألف مرة
إننا نحياها بكل موت يقتل الإنسان فينا ألف كرة
إننا نحياها بكل شظية تسري في العروق للفراق ألف مرة
إننا نحياها حين تصيح غربان المنية مثل مآذن الصلوات
إننا نحياها
إذ يريد جلادنا أن يسلبنا الموت منا
إننا نحياها
في باطن الموت المعتق في حوارينا العتيقة
إننا نحياها
حتى ظن الموت أنا لا نخافه ... لا نهتم به ... إذ يحين ضيفا في المدينة
لم يعد الموت ضيفا
صار من أهل المكان ... صار من أهل العزاء والتعزي والسكينة
لم يعد يأتي بثوبه الأثوب مثل أثواب القضاة
لم يعد يمشي بين أطلال الحي في خيلاء كما فعل الطغاة
لم يعد يرتدي إذ يأتينا عمامته
صار يخلعها احتراما على باب المدينة
صار يمشي في سكينة
صار يكسوه الخشوع ألف مرة
صار يهمس في آذان الراحيل بكل رقة
صار يستأذن
صار يبكي مع الأم الحزينة
صار يحزن كلما مر من هنا
صار يبكي إذ رحل
صار يواسينا في مجالس التعازي والبكاء
صار يتلوا معنا آيات المودة والتراحم والتزاكي
صار يحضرنا بقلبه ويبتهل إذا ابتهلنا في الصلاة !

السبت، 16 مايو 2015

يغمرها النور !

على شاطيء النهر .... كرسي خشبي قديم ... من جوانبه يزدان بتفريعات ورقية من القصدير ... بعضها كان في السابق ملونا بالأخضر ... تتوسطه منمنمات وردية الشكل ودائرية كأنها الربيع ... بأحمر باهت وأرجواني .. عنفوان الأرجواني يغلب جرأة الأحمر في خجل يطل من تلك الوردة التي اكتشت بطبقة غير قليلة من ذريات التراب والمطر :)

بدا الأمر متعباً جدا في الصباح ، السعي المتواصل وراء الرضا ، حالة الاهتمام بكل التفاصيل الدقيقة ، حالة المراقبة لذرات التراب أن تفسد النظم المضني ...
السير هنا متواصل ... يصل حد الركض أحيانا حتى وأنت جالس أمام مكتبك .... التعب ... الأنفاس المتلاحقة كالأفكار التي تتصارع ...... وتتسارع ... الصباح مثقل جدا .. حتى كأن الظهيرة تتسلل إليه بخجل شديد ... أوشك يوم العمل على الانتهاء ... يجمع شتات أفكاره ... يرسل آخر رسائله .... يعلق خطته لليوم التالي فوق مكتبه ... يؤشر على المهمات التي يجب إنجازها أولاً ... يضع حاسوبه وجملة أغراضه في الحقيبة ... يتسارع الوقت مثلما قلبه ... يكتب رسالة نصية قصيرة ... يرسلها .. يبتسم .. يحمل حقيبته ولا يمشي بل ... يطير ..

بعض الألم يسري في رقبتها ... تنحني وتنتصب ... تسرع الخطا ... تأكل شيئا سريعا وهي تركض في محاولة اللحاق بالمهمة التالية ، إنجاز عمل فردي ... ثم جماعي ... حضور اجتماع هنا .. مناقشة عمل هناك ... الجري من جناح لآخر ... مع آخر دقات الساعة ... تبتسم أخيرا ... تركض لتجمع حقيبتها ... ترشف آخر قطرات في قارورة المياة معلنة بذلك بعض الهدوء لنفسها .. هاتفها يرن .. تتراقص في حب .. " ألقاكِ بعد قليل " .. كفيلة بتسارع قلبها أكثر .. وهدوء يجتنفها أكثر وأكثر ... تحمل حقيبتها وتجري ... تودع كل من يقابلها بين بسمات وقبلات طائرة ... يغمزها أحدهم ... ترتج ضحكتها عالية .. وتكمل طريقها تتقافز كما الفراشات تغلبها النشوة .. وتكسوها السعادة ...

يخرجان من حيز العمل الضيق والخانق ... كلاهما يشتاق صوت صاحبه ... تهاتفه ... كأنما لا تطيق شوقاً للقاء ... يرد بشغف شديد ... كأنما يريد طي المسافة الآن الآن ... ليصبح معها على ضفة النهر .. لا شيء يهديء قطار الشوق مثل تعانق أصواتها ... فيسري بعد ذلك في هدوء ... ثم قد ينتقل إلى المربع الخانق فيتناولان أحداثه المهمة أو اللامعة أو المضحكة أو الجديد أو شيء مثير للاهتمام أو جدير بالحكي .. أو شيء تود إخباره به مهما كان تافهاً .. يسمعها .. ويناقشها .. ويتفاعل كأن الأمر جلل ... يهدآن .. يبتسمان كطفلين ... يقطعان الطريق ببطء .. رغم أن الوقت يمر بسرعة !

صفحة النهر رائقة جداً ... تبدو اليوم بشكل مثالي ... كل يوم قبيل الأصيل كأنها تنتظر معهما لحظة الوصول ... كأنها تهذب تموجاتها فلا ينكسر الضوء بل ينحني ... بجعات النهر ؟ البط ؟ طيور النهر البيضاء كعصافير الجنة الملونة ... تبدو كدمىً لامعة ... ما بين سابح في هدوء .. وبين راقص فوق الشجر ... كأن الجميع يعرف نفس الموعد !

يسبقها ... يجلس يتأمل عقارب الساعة ... يريح رأسه على ظهر المقعد العتيق ... يغمض عينيه ويذكر ضحكتها فيبتسم ... تظهر ثناياه لتنير ثغره ... تبتسم ... ماذا يضحك ؟
يفتح عينيه ... تتسع البسمة ... يفتح ذراعه ... تقترب لتجعله مسند رأسها ...

يدور حديث طويل جداً ... أحيانا تقاطعه ذبذبات الحروف حينما ينطق أحدهم كلمات مقتضبة جدا عن هدوء النهر ...
يتابعان حركة الشمس على تلك الصفحة الفضية ...
يلقيان كل شيء عن كواهلهم المثقلة
شيئا فشيئا يصبحان طفلين .... تماما كما كانا وكما تمنَّا ... يسرحان في لعب العصافير .. في حفيف الشجر .. في النسمة التي تداعب خصلاتهم .. في شعرها الذي يغطي وجهها فيزيحه عنها بهدوء ...
البرتقالي يكسو الأفق ... يجعل كل شيء يشي بالبهجة ... يميل الظل على وجهه ... ويغمرها النور ... فلا تدري وهي غارقة في تأمله .... هل نور الأصيل الذي يغمرها ؟ أم نور عينيه وحنو نظرته ... ؟

الأحد، 10 مايو 2015

وتعرفين يــا صـَـفِــيّـة ..... 4 ... :)

وتعرفيني يا صغيرتي الحلوة

أن الحزن مثل يرقات دود القطن .. يأكل زهرتها قبل أن تظهر النوارة البيضاء الساطعة ...

الحزن يأكل روحك مثلما يأكل النور في داخل قلبك

أن الحزن مظلم ومتشعب ويمتد كالزئبق في كل مكان وينتشر ، حتى لا تذكرين منشأه ولا تمسكين طرفه فتطوينه كالثياب المرقعة .

أن روحك .. سوف تذبل من كثرة الحزن ... سوف تنطوي وتنطفيء  ... كزهرة القطن .. قبل أن ينضج النوار يا نوارة الحلم :)

أن الأمر سينتهي بك سيدة عجوز الروح بلا عمر ولا سنوات ، ستتشابه أيامك ولياليك كثيراً ، ويصبح الليل والنهار مستويان ، كلاهما بلا معنى وبلا هدف

لا تفقدي الشغف يا عزيزتي 

لا تفقدي الحب 

أحبي أمرك ... نفسك ... صورتك المشعثة في مرآة الصباح ... أحبي يومك ... ونهارك ونجمات ليلك المشرقة ... أحبي أكثر ما تحبين حزنك وخجلك وضعفك ... فهذه هي صورتك الحقيقية 

الحزن كالنار ... تضعف المعادن الأصيلة ... ولكنها النار التي تنقيها من كل الشوائب 

الحزن يضفي على عينيك بريق الألم والحكمة ... يضفي عليها نور المعرفة المتأنية !

أحبي حزنك واحترميه ,,, لا ترافقيه يا ابنتي ... لا تغازليه .... ولا تتوحدي معه فيأكلك أسوده وتحرقك ناره بدلا من أن تصقلك

أحبيه بقدر .... واحترميه بحدّ .... وتعلمي منه ..... ولا تواريه قدر طاقتك وفوق طاقتك ... واجهي أمرك

ثم 

فوق كل شيء ..... لا أحد يفتح لك نافذة الحب غير الله

ولا أحد يرسل لك شعاع المعرفة إلا الله

ولا أحد ينير صباحك بالأمل والحياة إلا الله

ولا أحد يحيي قلبك المسكين ثانية إلا الله 

فإن فعل

وإن ظهر في أطياف نهارك قوس قزح

فتعلقي بالحب يا ابنتي

تعلقي بألوان الطيف الرائعة ... واجعلي من أشعة النور أرجوحتك الحلوة 

واجعلي تعلق عيناك بالسماء أشدّ وأكثر من تعلقها بكل الأرض ...

واعلمي ... ليس لنا من الأمر شيء ... بل إن الأمر كله لله وحده ! 

:) 

الأربعاء، 6 مايو 2015

مرآة العمر !

أنظر إلى المرآة على حين غفلة  ( وعادة لا أقف أمام مرآتي .. لا أنظر إليها إلا خطفاً في الصباح الباكر وأنا أحكم غطاء رأسي وحجابي على شعري المشعث في تمرد بالغ أو المهندم في هدوء عجيب ! ... )
... أجد وجها لا أعرفه ... امراة ربما على وشك إتمام الثلاثين ... أو تعدتها

أنظر إلى حزن يشي بكل شيء ... إلى انطفاءة تلتمع فلا تدري هل هي التماعة أم عين مطفية حزينة !!

تجاعيد ؟ بعدي لم أصل إليها ... لكن خطوط الوجه حزينة !

وحيناً ... أنظر في المرآة عبثاً ... ثم أتمهل !

أخلع حجابي ... نظارتي الطبية ... أتفحص ملامحي ... أرى في المقابل طفلة ... يدهشها الأمر ويدهشني !

أرى تلك التي تطل بفضول من عيني ... أمرر يدي على وجهي ! أيهما أنا ؟

لا شيء يبدو على حقيقته !