الأحد، 3 أكتوبر 2021

مازلنا .....

 كنت دوما أتعجب من قدرة أصحاب المصائب على التخطي، التجاوز، المرور كأن شيئًا لم يحدث، أتعجب من قدرتهم على الضحك من جديد، على الدخول إلى المستشفيات التي سلبتهم الراحة لفترة طويلة بابتسامة عريضة، على السكن في بيت ضم أحبابهم وخطفهم منهم الموت بذات البيت، أتعجب من امرأة ذابت عشقًا ثم هجرها الحب والأمن إلى غير رجعة كيف تأمن من جديد، وكيف تضع يدها في يد آخر، وكيف تبيت معه على فراش واحد، وكيف يصبح لها بعد عدة أسابيع أو شهور أو سنوات معشوقها الذي لا تنام وهو خارج المنزل، ولا تهدأ وهو قلق مضطرب، ولا تهنأ وهو حزين، ولا ترتاح وهو متعب؟!

كيف يتسنى لقلب واحد أن يعشق مرتين؟ ما بالك بثلاث أو أكثر!

كنت أومن بمقولة ما الحب إلى للحبيب الأولِ، أقول الأول ليس أول من نلتقي بل أول من نحب!

وكان أول من أحب هو أول من هجرني، وقتلني، ومزّعَ قلبي حيًّـا، لم يشفع له خوف، ولم يشفع عنده عشق صافٍ لم أجده إلا له، ولم يصفو أحد إلا هو .. به، ولشدة ما مررت، أظن أني شهدت الموت بعيني، ورأيت الخيط الفاصل بين الوجود والعدم، ووقفت روحي في حلقي أكثر من مرة، لا تهدأ فتسكن بين ضلوعي، ولا تقوى على الدفع خارج الجسد فنستريح جميعا! وعشت لفترة تعدت الثلاث سنوات بين عالمين ضبابيين جدًا، حتى أني نسيت من أنا، وماذا أريد، وماذا أفعل هنا بالمعنى الحرفي للكلمات، أذكر إني من سنتين فقط أو ربما أقل، هاتفت صديقتي لأسألها من أنا؟ وماذا أحب، وماذا أفضل؟ وماذا تعرف عني؟

لإنني ببساطة لم أستطع أن أجيب سؤال المعالج البديهي، ما هو لونك المفضل؟ ماهو فيلمك المفضل؟ ماهو ..... المفضل!

الشيء الوحيد الذي كنت أذكره الموسيقى! أعرف أني أعشق الجاز، وأني أحب كل معزوفات أندريه ريو، وأني وإن كنت لا أذكر أسماء الموسيقيين بعد، لكني أحب الروس، لإن موسيقاهم قوية وثابتة ورائعة، وكنت أهيم على وجهي في الشوارع، لا شيء معي سوى الموسيقى، عشرات الأغان، القديم والحديث، الشرقي والغربي، ولم أفقد يومًا خصلتي في الانتقاء، حتى وإن كنت نسيت ما مفضلاتي فسمعت أشياء كثيرة، حتى المهرجانات سمعتها!

يسألني شخص مفضل، كيف الحال مع الارتباط، يقول أنه قد يفضل الحرية، أقول له أني أريد أن أطمئن! ولا أريد أن أكمل وحدي أكثر، ولا أريد أن أنزعج أبدًا، أشعر في كلماته بشيء أعرفه، هذا الخوف المحموم، كلنا نخاف، ولكن هناك من يريد أن يطمئن، وهناك من هو آمن بشكل كاف ألا يباشرك أي أذى من تجاهه!

الألم صفصفني، قطعني وسلخني، باشر عظامي وخالط جلدي ولحمي، سرى كالنار في دمائي، كالحمض الساخن، وكالثلج على شقفات الجلد المنهكة، وألحد قلبي بالحب، وآمن بالهلع، وانغمس وقُـبِرَ في الخوف من كل البشر، بل تعداه إلى كل متحرك ليس بآلة!

لكني تعبت!

هذه ليست أنا ... سأختار المغامرة .... ست سنوات وهاك السابعة تعبر، أخاف من خيالي، وأفــرّ هاربة إذا ما دق الحب بابي! لمه؟ لم يكن أنا، لم يكن ذنبي، لم يكن خطئي، اليوم تشرق أنوارك في ليل عيوني، أرى بسمة تجذبني، ومازال شيء في قلبي يصارعني!

لكني سأذهب حيث الفراشات، وسأخطو إن مددت يدك نحوي، وأمنحك كل الدفء الذي سلبته منا الغربة، وكل الحب الذي أخذه مني الغدر، وكل لطافة العالم في أطفال صغار، وسأخبز لك كعكًا، سيصيب مرة ويفشل مرة، وسأمنحك كل صباح تلك البسمة الناعمة، وأخبرك كم أني راضية تمامًا بهذه السكينة، وبتلك الشمعات التي تبثنا رائحة الورد وعبق النسيم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق