الثلاثاء، 16 يوليو 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (26)

أحب الموت ... لا أخاف منه مثلما كنت .... أريد أن أموت مفتوحة العينين ... أخوض معاركي .. واعية ... أخسرها أكسبها ليس هذا هو المهم .. المعركة ستنتهي وستبقى الصور ... لا أريد أن أموت جاهلة!

المعرفة ... كالجرب .. نعم لم أخطيء كتابتها .. المعرفة كـ الجرب ... تؤرق عقلك، وتنزع من قلبك كل سكون وهدوء، المعرفة تمنحك السكينة، بعد القلق، تمنحك السلام، ولكن؟ بعد المعركة ...

وأنا في الظلام منذ شهور وسنين، أحارب الأشباح، أرهف السمع علّي لا أخطيء التصويب، أنهكني الخطأ فاستسلمت طويلًا لكل الخوف الآتي من الشمال والجنوب والشرق والغرب، من الأرض التي أجلس عليها، من السقف الذي لا أعرف متى ينطبق فوق رأسي، أو أنه جاثم بالفعل فوق قلبي!

أخذت القرار من عامين أو أكثر، أخذت أول خطوة منذ عام على الأرجح، جلسات عدة، أفهم فيها عن نفسي، تلك الضعيفة تقوى بالمعرفة، وتلك القوية تتضاءل بالمعرفة، وهذا الإله الذي بنيته لنفسي من السراب يتلاشى، وتلك الملائكة التي تطوف حولي تتكشف، لا تعدو مجرد ظلال اشخوص ليست على قدر من الحقيقة والشفافية في الأصل كي تصير ملائكة!

أنا عدوة الجهل، أنا عدوة الظلام، أكره الطرق التي لا تنكشف أمامي، أكره الخيالات التي يسببها الشجر في الظلام على الطرق الطويلة، أكره ما وراء الجدار حتى ينكشف، كيف صادقت الظلام، وعشت في تلك المتاهات أعوامًا، لا أفهم ولا أعرف ما الذي يحصل!

في نوبة اكتئاب، وقتما كان هناك حبيب، ووقتما كان حبيبي يلازمني هناك، سألني هل تتصورين يومًا أن يجمعنا بيت؟ أن نعيش في مكان واحد؟ بسرعة قلت له: لا ... بالطبع لا ...
كنت أعاني نوبة اكتئاب قاسية .... عرض عليّ وقتها أن أتحدث مع أحدهم، أن أخبره ما أشعر به .... قلت له لا أريد، خائفة، هل ستكون معي؟ أخبرني أنه علي أن أفعل هذا بنفسي، لا يصح أن يكون معي أحد، لكنه كان ليأتي معي فقط لأجلي....

ماذا حدث في الأيام التالية؟ هل تعافيت؟ هل خدعته؟ هل مثلت عليه أني بخير وأنا لم أكن كذلك؟ لا أذكر، كل ما أذكره أنني لم أفعل أي حماقة أخرى تستوجب أن نتحدث عن اكتئابي، أو تستوجب أن يقول لي هيا للطبيب!

أنا أكره الأطباء، أكره رائحتهم، أكره الكراسي عندهم، أكره ساعات الانتظار، أكره الانتظار ولو كان للحظات فقط! أكره المرض، لماذا أكره المرض؟ ... حسنًا ... الآن أفهم عن نفسي أكثر ... أكره المرض لأنه ضعف!

وكنت أخاف منك لأني أضعف أمامك، وكنت أخاف الارتباط لأني أخاف أن يتغير كل شيء، أخاف أن أكون معك بمكان واحد لأنني كنت أريد أن أكون وحدي طويلًا، لكني لا أطيق أن أكون وحدي بدونك .... أنت تؤنس قلبي ... أخاف الوزاج ..... لأني أخاف ألا يسير الأمر كما أريد ..... هل سألتُ نفسي يوما ماذا أريد؟ كلا لم أفعل ... فلماذا أكره شيئا لا أعرفه ولا أعرف ما أريده منه!
أكره لحظات مرضي معك، لأنني أكون حملًا ثقيلًا، أشعل بثقل روحي وقتها، وأنت كنت تخفف عني كثيرًا، فكنت أريد أن تسعد بأي شكل!
لماذا لم أقبل ضعفي برحابة صدر؟ 
لماذا لم أقبل مرضي برحابة صدر؟
لماذا لم أقبل أن تكون سندًا برحابة صدر؟

لماذا فقط عندما كنت تبتسم لي أنك لست مستاءًا كنت أقبلني!

القلق بدأ، القلق يشتد، القلق يمنعني النوم، هل كنت أدرك قبل يومي هذا جنون تفكيري؟ أني كنت أريده أن أبعده لآخر الدنيا وأنه الدنيا؟ لماذا كنت خائفة لهذا الحد؟
يقول لي المعالج: كنت خائفة من ضياع الحب! 
وهل احتفظت به الآن؟

قبل عام، فتحت صدري بسكين، فتحت جمجمتي وكأنها رأس غيري، أبحث فيه عن الخيوط، أحاول الوصول لأي بداية، لأي سبب لما فتح على باب الجنون هذا، فهمت قليلًا، انزاح عن قلبي شعوري المتلازم بالذنب تجاه كل شيء!

هل كنت تعلم أني كنت أشعر بالذنب لأني كنت سبب اضطراب الهواء إثر مروري مسرعة بجانب أحدهم!!!
كنت أشعر بالذنب لأني لم أفهم أمي كما ينبغي، لأني إذ فهمت المعضلة التي تسبب لي فيها لم أستطع مسامحتها، شعرت بالذنب لأني رأيتها ضحية، ورأيت نفسي قاسية جدًا في غضبي عليها إذ كسرت في قلبي الكثير بعنادها وعدم فهمها لي، بقسوتها حتى وقد صرخ فيها أخي أني أذهب للعلاج النفسي بسببها! 
أمي لسنوات كانت تظن أني أفتعل النوبات الأليمة التي كانت تنتابني
لسنوات ظنت أنني أمثل الدور عليها كي أثير شفقتها فكانت تزداد تجاهلا وقسوة، كانت تظن أني أحاول الانتحار بسببك، بسبب من قبلك ... لم تكن تعرف أني لم أعد أرى الدنيا ..... كانت تظن أني أهددها :)

لم تكن تعلم أني قمت بتوزيع ممتلكاتي، أخبرت صديقتي أني لربما أضعف يومًا فإن حدث، أخبرتها أن تعطيك من أشيائي، أن تحتفظ بما تريد، أن تسلمك كل تلك الرسائل التي كنت أكتبها لك، أت تعطي حاسوبي لأخي إن احتاجه أو لك، أن تأخذ ملابسي، وكتبي، أن تعطي صديقة أخرى من ملابسي وعطوري وأشيائي، وأن تحرق الباقي إن تبقى شيء! لا أحد غير أحبائي يلمس شيئا يخصني!
لم تكن أمي تعلم أني أوصيت صديقتي بالفعل حال موتي ومر أكثر من عام على وصيتي تلك، ومنذ شهور ونحن ندفن والدة صديقة أمي (امرأة طيبة جميلة أحسبها على خير) أوصيت أمي بأن تخبر صديقتي فلانة أن تتكفل بالدفن، أن تقوم بما يلزم.
لم أعد أخاف من الموت ولا وحدته!

الآن أفهم قليلًا، الآن لا أشعر بالقسوة تجاه أمي ولا بالغضب، لا أشعر بالشفقة ولا بالذنب، أشعر كأنها في كل يوم هي أم جديدة، أتعامل مع اليوم بيومه، أغضب منها اليوم، ولا أخاصمها على إثره للغد، لا تؤثر بخياراتي مثلما كانت تفعل، ولا أفتقد مشورتها مثلما كنت أفعل.

هل تعرف؟ سافرت لأسبوع إلى ساحل البحر مع أصدقائي، لم أتلهف لمكالمتها، لم أشعر بالذنب أني لم أفعل، كنت أرد على المكالمات في الوقت المناسب لي، عدت من السفر مشغولة بمشكلة مع الطبيب، ومشكلة في أوراق سفري، قلت مساء الخير، حمدالله بالسلامة، الله يسلمك ... وانتهى!
تعجبت أمي أني لم أشتاق .... ولكني لم أتعجب .... أنا شفيت من عقدة الذنب .... شفيت من هذا التعلق المجنون ..... شفيت من طلب الاهتمام .... شفيت من تسول الحب .... شفيت من الاعتماد عليها في الأمان .... لم يعد لي أمان .... أصلي وأنا أرتجف، أقول يارب ... أبكي بشدة .... أتوسل ..... تنزل السكينة على قلبي :)

أقبل عصبيتي وجنوني، أقبل غضبي ... أصبحت أعرف لماذا أشعر بهذا الغضب الدائم، ولماذا لا أرضى بسهولة:)

أقبل مشاجراتي معك، أقبل خوفك، أقبل رفضك، أقبل ابتعادك، أقبل حياتي بدونك، أقبل وحدتي، أتكيف معها وأحبها، أنتظر أن أكتشف في قلبي المزيد

اضطراب القلق لا يجعلك ترى، لا يمنحك رفاهية الفهم، لا يدعك تقترب من الجرح كي ترى ما يلوثه، وأنا كنت أغمض عيني عن الجرح وأتساءل ماذا يؤلمني!

اليوم أرى جرحي غائرًا
اليوم أرى الجراح سندًا ومساعدًا
اليوم أصبحت أكثر رغبة في قطب هذا الجرح!

تركت الطبيبة، أخبرتك أني تركتها؟
قابلت مساعدًا آخر، ينصحني بآخر أكثر اختصاصًا .... أنا أكره أني أحكي لأحد، أنا أكره التعري .... لكني سأفعل، سأحكي للطبيب الجديد، لربما ليس غدًا، ولكن قريبًا، قريبًا جدًا!

أنقذتني الكتابة من السرداب المعتم ... أنقذني الحكي للورق، أنقذني الحكي لشبح وجودك ...... ولعله أنقذني الوهم اليومي أني سأراك صدفة رغم المسافات والبحور..... أنقذني الأمل لربما الطرق تجمعنا .... أنقذني أني أكلمك في نفسي وأنك ترد في خيالي على خيالي ... تراك تذكرني أصلا؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق