الأحد، 26 أبريل 2015

يا جــدي !

هل رأيت ؟

طفلتك الصغيرة التي كانت تحب المروج وتسرح بين أغصان الجوافة والكروم ، تلتمس برعماً وليداً أو ثمرة يانعة ... صارت عجوزا بما يكفي ... !

سوداء بما يكفي ... يكتنفها الحزن عن الحياة ، وتستأثر بها الكآبة ، ويعتريها اليأس جولات وجولات .. حتى صارت لا تدري أيهما أقرب لنفسها الطيران في رحابة السماء ؟ أم السكون لباطن الأرض !

يا جدي ......... صارت آلام الحزن تداهمني ... وقد كنت ظننت أني قد فلت بأحزاني وآلامي بعد أن أشرق الربيع في أيام الله ... صرت أقول لنفسي أعزيها لقد مر العام وانقضى لعلنا نفتح صفحات جديدة !

صباح أحد الأيام .. كنت أتحدى قلبي ورئتي ... فتحت صدري للنسيم البارد العابر في الطريق ... تنشقته عن آخره ... حتى أمعاء بطني ... أزحت وشاحي الذي أتلثم به عن برودة الشتاء .... وابتسم ثغري للهواء ... وتنشقته ... حتى شعرت برودته في أمعائي ربما !

قلت لنفسي ؟ ماذا قد يحدث ؟ أموت من النسيم ؟ لا أحد يموت من الهواء العليل ... أسارع وجع قولوني الذي كان يرتجف لكل عارض ... معدتي التي أتعبها تكرار الأدوية ... أباغتها بحبة الصباح قبل أن تباغتني بتمغصها وتذمرها ...
أحاول التقافز كفراشات الصباح .. احاول العيش ... أحاول اقتناص لحظة فرح طفولية ... لا ينغص قلبي فيها ألم ذكرى ولا هياج ذاكرة !

لكني صرت كهلا يا جدي ... صار قلبي شيخاً كبيراً ... يعرف الحب ولا يقربه ..... ينصح القاصي والداني ... يقدم إليهم أزهاره على موائد السمر والطعام ... ويجلس في الليل وحيداً ... يأنس بقصص الغرباء ... ولا يؤانسه مثل صفحات الكتب ..


أصارع يا جدي كل شيء ... أصارع وحشية نفسي في محاولات الترويض المستميتة أن تصبح مثل الوحوش التي تغدو وتروح طوال اليوم حولي ... أصارع جموحها وتمردها وفي ذات الوقت أصارع كسلها ونمطية تصيبها عندما يصاب القلب بذاك الفتور !

أصارع عادات وتقاليد ومفاهيم ... داخل نفسي .. وأصارع أن تتخلل في نفسي وتسكن ... أخشى الهزيمة يا جدي وما أمرّ ما أخشى من الهزيمة !
أخشى أن يهزمني الدهر .. يهزمني التوحش ... يهزمني الفتور ... أن ألقي بسلة أحلامي في أحضان اليأس ... وألقي بصبوة شبابي في أحضان رجل لا أعرفه ولا يعرفني ... ولا تمتزج أروحنا لأنها في أصلها متنافرة !!!

ستقول .. صلي يا ابنتي وتكولي على الإله الحميد ؟ .... أصلي يا جدي ... أخاطب الإله ألا يتخلى عني ذات مساء فيقدر لي في الصباح التالي قدرا يؤلم قلبي أكثر !

أصارع يا جدي ... وكثيراً ما أكون وحدي .... لا بأس بالوحدة ... ولكن يصيبني التعب أحيانا ... يصيبني الفتور وشعور الخيبة والبأس ... أتعب ... أليس من حقي التعب ؟

كل شيءٍ يا عزيزي مقلوب رأساً على عقب ... اليأس ينتهشني أحيانا ... كان يتسلل ليلاً ... الآن صار يتقاذفني في وضح النهار ... يغتصب الفرحة في عمقي .. وتطال يده الأثيمة جوهر القلب الحزين فلا يصده ولا يرد !

تلك النفوس الأبية التي غرستها في نفوسنا صغاراً ... بين الإباء والكرامة ... بين الحاجة ... بين الجنون والصخب ... بين الزيف يا جدي نصطرع ... نُصرع أحيانا ونَصْرَع أخرى ... فتعود نفوسنا مهشمة ... مهما انتصرت لحظياً .. تأبى أن تموت !

وإنني يا جدي أخشى من لحظة انكساري ... تلك النفس المهشمة التي أسير بها في محاولة الاتزان ... تلك النفس المليئة بالخدوش والجروح .. تتحامل وتنتصب ... تظهر كخيال مآتة واقف في وسط الزرع كأنما يرهب العصفور ... لكنه من حطب يا جدي ! من حطب !

يؤلمني صدري كثيراً .... أضلاعه وعظامه صارت تضيق به ... تخبرني الطبيبة لا تحزني ... تخبرني توقفي عن المبالاة لكل شيء .... توقفي عن ... لربما تقصد عن الشعور ؟ .... رأسي يستعر بالأفكار ... تسبب لي صداعا وقتياً ... يزول بانشغالي بشيء ما ... فإذا ما خلوت إليَّ ... وراجعت من أمر نفسي شيئا ثقيلاً ... عاد وخز صدري يا جدي !

ألم أخبرك ؟ فقد تعلمت أن أبتلع الحزن ... أبتلع البأس واليأس والنصب .. أبتلع أفكاري وهمهمات قلبي ... أبتلع غضبي وثورتي وسورته ... وصرت لا أبكي ... لا أجد وقتاً لأبكي ... وأحياناً لا أجد دمعي .. نعم ... تلك الصغيرة التي كانت تحبس أدمعها أمامك ثم تفيض بها وحيدة بعيداً عن ناظريك ... صارت تلتمس الراحة في أدمعها فلا تجد !

هل كبرت إلى هذه الدرجة يا جدي ؟ لمَ لمْ تخبرني يا جدي ؟ لمه ؟

وتركتني هنا .... أصارع في الحياة كل شيء ... الطريق موحش يا جدي ... مقفر ... ووحيد .... أشباحه أكثر من معالمه ... وخيالاته أعلى من حقائقه ... وتلك الحقائق تعثر بأقدامنا يا جدي ...

عطرك .... حضنك ... إباءك ... كرامتك ... سندك .. أفتقدك !

هل كنت لتوافقني آرائي السياسية ؟ أم كنت لتأبى وتكون مثلهم ؟ لكن نفسك أبية حرة .. لعلك كنت تنفر من تلك الرذائل حولنا !
لعلك !

يا جدي ... يتلاعبون بي مثل الكرة ... الرياح شديدة وقوية ... ولا سارية في الأفق إلا من حديثي لنفسي أن تثبتي وتقوي ...
هل كنت تثبتني ؟ أم كنت لتتركني حيث الطلاسم تقتل كل شيء ؟ لا أعرف ! 

الاثنين، 20 أبريل 2015

2- الخوف .......

منذ متى صرنا نخاف هكذا ؟

منذ الأمس يا عزيزتي !

منذ متى تخشى الفراشات الربيع ؟

منذ أتى بمقص حاد القسمات يقتل ألوان أجنحتها

منذ متى نخشى الحب ؟

منذ أحببنا ؟ أم منذ خذلنا الأحباب ؟ أم أن ما مررنا به حقا لم يكن حباً وأن هناك شيء يدور في الأقدار القريبة أو البعيدة لا نعرفه ؟



منذ متى أخشى جسمي ؟ داخلي ؟ منذ متى أخشى الظلمة ؟ أنام في العتمة ولا أستريح إلا بالهدوء القاتل

منذ متى أخشى المجهول ؟

منذ القدم ... أخشى تلك المجهولات جدا ... في حالات الثقة الخفيفة يتحول الخوف إلى ضرب من فضول ، لكنني أكره المجهول حتى وإن كان علبة مغلقة !!

أكره المشروعات الفاجئية ... أكره الطرق المظلمة ........ أكره الأشياء التي لا يصل إليها بصري

أنا حرفيا عدوة ما أكره !!! حتى وإن كان شيئا رائعا جميلا سيظل عدوي حتى أعرفه !

ثم

ماذا فعلت بالمعرفة ؟ أحب من أعرف تماماً ... أعرفه كما يعرف نفسه ... قتلتني تلك المعرفة بين الكيف وال لماذا ؟

ثم .. تقتلني المعرفة أكثر
أقرأ أكثر ... أتعمق أكثر .. كأنما أغور الجرح أكثر وأكثر وأكثر .... كأني أقتل الجهل بسم يسري في جسمي أنا !!! ويحي !

فأفيق فجأة على جملة ... الجهلاء في نعيم .. ونعيم الجهل ... ونعيم الجاهل ... و ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم !!

منذ متى أخشى المرض حد الإرتعاب ؟ لا أعرف ... أفكر بالموت أكثر ما أفكر بالحياة ... أفكر كيف أموت ؟ ثم لماذا لا أموت ؟ ثم أخاف حزن أبي أن يقتله ... وأخاف صدمة أمي ... تلك التي تبدو صلبة لكنها هشة الدواخل كحبات سكر تذوب سريعا ...

أتراجع عن فكرة أن الانتحار وارد التنفيذ ... لأن ما بعد الموت مجهول لي !!!

ترى ماذا سأفعل بعد الموت ؟ مساءلة ... هل أنجح ؟ هل يسامحني رب العالمين ؟ هل يعفو عني ؟ فأصبح حقا في مكان أفضل ؟
أم ... لا يفعل ... ترى أين أصبح وقتها ؟ وإلام يؤول حالي ؟

ماذا سيحدث بعدي ؟ أبي وأمي ؟ أخاف خوفهما وحزنهما بشدة ... أتراجع

ويتحول الأمر إلى خوف من الموت ... من فراقهما ...

ثم

الخوف من البدايات الجديدة ؟

كم أحب اقتحام الأشياء ... لم أعد كذلك .. لماذا ؟ لا أعرف

ظلامية تعتريني .... يخفت النور ... تخفت نفسي .... كأني أتآكل في هذا الظلام .... أتحسس اندفاعاتي .. لأجدها تخفت تحت وطأة الزمن !

هل هو الزمن ؟ هل هي الظروف والاحداث ؟ أم نحن ؟

هل كان كل هذا زيفاً ؟

إذن لماذا لا يصمد ولو قليلا أستعيد فيه قوتي وشجاعتي ومواجهاتي القوية ؟

الأحد، 12 أبريل 2015

رجل شرقي أنت !

إن الرجال الشرقيين يا ابنتي لديهم مشكلة مع الحب

فهم لا يتزوجون حبيباتهم ولا يحبون زوجاتهم !

وهكذا كنت !!

هذا الرجل الذي كنا نتحدث عنه مساءً تثيرك حماقاته وتشمئز من تكبره وغروره وعناده ، يثير حنقك تخاذله عن حبيبته ، أو خنقها أو كسرها أو أنه السبب في انطفاءة النور في عينها حينما قابلتها آخر مرة !

تحكي لي بأسى وحزن .... كيف لرجل أن يفعل ذاك بمحبوبته ؟

ثم .... ماذا فعلت ؟ سرقت النور !

كنت تقول : أن على الرجل أن يجعله محبوبته ملكة ، كانت تثيرك سخريتي " معاملة الخدامين \ الجواري " كنت تغضب علي ... كنت تنفعل ... كنت تقول لا تنعتي نفسك بتلك النعوت لا أحبها لا أقبلها ..... ثم ؟ ... هل عاملت قلبي كقلب امرأة حرة أن وهبت هي بكامل إرادتها لك قلبها ورداً في باحاتك المقفرة الشوكية ؟

رجل شرقي في كتابات المتحررين ، في كتابات المدافعين عن المرأة .... لا يقدر حب امرأته ولا خوفها ولا غيرتها ، يعاملها بنرجسية ظاهرة ، تظل أناه العليا هي الأعلى .... بربك .... هل كان غير أناكَ تدير قصتنا الفقيرة ؟

الرجل الشرقي نذل ، لا يقدِّر المرأة ، لا يعاملها كما تستحق ، لا يلمس جوهرها ، لا يكن لها كنسيم يداعب خدها في الصباح ....

عدا صباحاتك التي كانت تصالحني عليك ، عدا مساءاتك التي كنت فيها راضياً عن وجودي ... خبرني عن جفاف هواءك ... خبرني عن قسوة عواصفك حينما تعتمل بالخوف والشك والغضب .... خبرني عن صوتك الذي يصبح فجأة جارح جداً كأشواك الليمون !

الرجل الشرقي لا يعد ولا يفي !

الرجل الشرقي لا يحب بكل قلبه ، ولا يحب كل البهجة لمحبوبته ، لا يذوب ولا يلقي بكامل قلبه في أحضان قلبها ، لا يضعف أمامها وإن ضعف فإنه يتوارى عنها أو ................ يتخلص منها ! جنون كبرياؤه لا يضاهيه شيء .

الرجل الشرقي المثير لشفقاتك المتلاحقة .......... لا يناقش حبيبته ، ولا يقرأ شيء في عينيها ، يستبد بقرارات الاقتراب أو البعد ، يستبد بقرارات الوجود والعدم ، يعامل نفسه وكأنه الله الآخر على الأرض ... كل شيء بأمره ونهيه ........  قل لي .... كم مرة اخترتُ فيها اقترابك وبقيت .... بقيت قليلا حتى أملأ أنفي من عطرك قبل الرحيل ؟ كم مرة قلت فيها أنك ستبقى ورحلت ، كم مرة قلت فيها لن يحدث وحدث ، كم مرة اخترت قلبي قبل أن تختار قلبك ؟ كم مرة رأيت قلبك فيها مدلالا ، وتركت قلبي مخذولا خلفك ؟


الرجل الشرقي المستبد ........ يخشى الطعن في رجولته ، ثم ... قد يفي عهداً لا يلائمه فقط لأنه مربوط من لسانه ، ليكمل نرجسيته ، احتراماً لذاته الإلهيه المصغرة ، لكنك حتى لم تفعل ... لكنك ... لم تكمل بذاتية الإله المستبد ، ولم تتعايش مع المخلوق الإنساني الضعيف ، أخذت من كلٍ شرّ صفاته وأدناها ... وأكملت وحدك !

أعود ببصري للوراء .... تموت ذاكرتي ... لا شيء يختلج بقلبي حينما أذكرك ... أكره فيك كل الرجال ... أكرههم زيادة على كراهيتي الأولى لهم ... أكره الرجل الشرقي أكثر بعدما وقعتَ معي معاهدة سلام بيننا ... معاهدة حب ووثيقة احترام .. أكرهه ..... وأعمل كل قوى ذاكرتي لتتفهم ... كيف كنت أحبك ؟ لا أعرف
القرط الفيروزي الرائع ..

أحب حجر الفيروز ، أيام سابقة كنت أسأل زميلتي من أيت تأتي بحجر فيروز أصيل ... ثم وجدتك تدس في حقيبتي ذاك القرط الجميل
قرط مدلى بزرقة الفيروز الحانية ... أحبه بشدة ... أشعر أن هناك فاصل بيننا ... فاصل لا أعرفه ... كأن عقلي الباطن لن يصدق أنه قرطي إلا أن تلبسه لي ؟ لا أعرف ... لم ألبسه ...
وقع أمامي ... تأملته بهدوء ... ابتسمت لفيروزيته الجميلة ... رفعته لأنفس أتحسس عطرك مثلما كنت أفعل ... لا شيء ... العطر هائج تلك المرة كمهر فرّ من حبسه ... لا شيء ... لا نبض ... لا ذاكرة ... لا مغص ... لا حزن ولا فرح .. لا شيء تماماً ... كأنه قرطٌ لا أعرفه !

أسأل نفسي ... هل أحبني ؟ ... هل كان صادق حينما قال أحبكِ ؟
لسان اعتاد مقولة الحب ؟ هل يصدقها ؟ أم فقد يقولها ويجري ؟
هل أدرك كيف تتكون تلك الكلمة في عمق الدواخل ؟
ثم ؟ هل لم يعرفني ؟ كيف ؟ قد قرأ تعاريج مخي وقلبي .
ثم ؟ هل رآني زوجة صالحة ؟ فقط زوجة ؟
الرجال لا يحبون زوجاتهم .... لم يحبني
الرجال لا يتزوجون حبيباتهم .... لم يحبني ! 

السبت، 11 أبريل 2015

3- الأمن .... الوطن ... والحضن ... وأشياء أخر !

هذا المشهد لا أنساه ....... طفل يختبيء في حضن أبيه ....... يختطف الجندي الحقير روحه من بين كفي والده .... يطلق رصاصة قاتلة في صدره في رأسه في رقبته .... رصاصات طائشة .... شتد ذعر الولد وذعري .... يختبيء في أبيه وأخفض رأسه ... يلتصق بأبيه أكثر ... وألتصق بهما أكثر وأكثر وأكثر ... أشعر بذات الذعر .... يلوح الأب في مشهد بائس أن معه طفل إلى جندي حقير لا يرتقي لشرف العسكرية لأنه ليس عسكريا .. هو من ؟ .. هو من سلالة الهاجانا عصابات الصهاينة اليهودية في القدس .... يسقط الولد في حجر أبي ... أشهق فزعةً .... مات ؟ .... يترنح الأب في مشهد بائس حزين .... الطفل في حجره غارق وجهه في كفيه يشهد منظره على هالة الألم والذعر التي لفته حتى يخبيء وجهه في باطن يديه !! يفر الدمع سائلا وعيناي لا تزالان تحدقان في التلفاز في هلع .... مات ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ........... مات ؟؟؟؟؟ ... هل مات الولد ؟ مات ... لقد مات ... إنه لا يتحرك ... لقد مات ... أبكي بحرقة بخوف برعب ... أذهب لغرفتي ... أنظر لحضن والدي .... ما عاد يجدي ... أحضان الآباء لا تحميك من المحتل ... لا تحميك من الذعر ... لا تحميك من الألم ... #الدرس الأول !

في غرفة العناية المركزة .... يريد سيجارة أخيرة يدخنها ... أنظر إليه وأبتسم ... يملأ وجنتاي الأحمر ... أتهلل لرؤية ... وأخجل لوجود آخرين حولي .... يتحامل على نفسه ليراني جيداً ... لا تكوني يوما مثل هؤلاء الحمقى ( يقصد الأطباء ) .. إنهم يمنعونني من التدخين ..... أضحك ... لاتخف لن أكون مثلهم ... يستريح ...
لأكثر من شهر قضيتها في كنفه .... ترقد أمي في مستشفى آخر على مقربة من الأول ... في العاصمة ... ممنوعة من الحركة ولو اليسيرة ... بين الحياة والموت ... لا أدري هل أراها ثانية ؟ ... لا مآتم إذن هذه العلامة الوحيدة أنها مازالت حية ... لماذا يمنعونني
في حضرة جدة عصبية قليلا وحازمة كثيراً ... كان حضنه الدافيء مساء يهوِّن كل شيء ... كان صوته الحنون يملأ قلبي سكينةً ... سكينةً لا أعرفها ولا أعرف كيف تدخل قلبي .... لم يكن يثور في وجهي ... ولم يكن يعاتب أفعالي الطفولية ... كان يقول لا تفعلي كذا وفقط ! كان يحمل الهمَّ ثقيلا على كتفيه .... حتى أزاحه برؤية أمي ... وعودتنا إليها ..

في غرفة خاصة بمستشفىً آخر ... أعرض عليه الزواج .... لماذا لا تتزوج يا حليوة ؟ ... يثرثرون من حولي ... يخطفونه مني ... وأبتعد بطفل إحداهن الصغير كي لا يزعجه ... كان آخر لقاءاتنا ... كان بشوشا .... صباح الجمعة التالية ... مات ! ... هذا الحضن الدافيء ... هذا السند ... هذا الأب ... اختفى ... مات ... لن يقف بعرسي ... لن يشهد تخرجي ... لن يراني وأنا ألقي الورد على رفيقاتي .... لن يقابل الشاب الذي سأحبه يوماً ما ... لن يقابله ... لن أختلس مقابلتهما من أبي للدم ... لن أسأله ما رأيك به يا جدي ؟ أكمل معه أم ( أديله صابونة ... فيضحك وترجع رأسه للوراء ) ويخبرني رأيه ... ويقف سنداً لي ولحبي ... كأنه كان هناك يقين خاص .... أن لجدي نظرة في الرجال لا تخيب ... لن يوصي حبيبي بشيء ... لن يخبره إن أغضبتها ستلقى عقاباً مريراً مني كما كان يتوعد أبي وكل فرد يحاول إزعاجي ... لن يجلس بقراني ... لن يصافح عريسي ويسألني إن كنت أوافق ... لن يسلمني له كما فعل مع ابنة خالتي ... لن يشهد دراساتي ... لن يشهد تحضيري لدراسة عليا ... لن يختار معي الموضوع .. ولن يقف بظهري في موعد المناقشة يربت على كتفي ويقول تشجعي ... لن يجلس أمامي ينظر في عيني كي لا أتلعثم في مناقشتي ... لن يأخذني حضنه عندما أنتهي ويقول أحسنت ( بت مجدع بصحيح ) لن يفعل !! الموت يسرق الأمن ... الموت يسرق الأحضان ... #الدرس_الثاني

أحبك .... أعشق نسمات ليلك .... أذوب بأنفاس صباحاتك ... وألوذ بصحبتك قبل أن أعترف .... قبل أن يكشفني صوتي وقلبي وقربي ..... تختفي وتظهر ..... كلمة منك تمحو كل شيء ..... ثم تهرب ... وتخدع ... وتعانق امرأة أخرى .... وكلمة منك تمحو كل شيء من جديد .... وأظن أن بحضنك موطني وملجأي وأمني .... وأخبرك ... لعلي أركن إليك مثلما كنت أركن لجدي ... لعلي أثق بك مثله ... هو قمة الجبل في كل شيء ... الاحترام والثقة والحب والأمان ... لا أبحث عنه فيك ... ولكني أضعك عنده في قلبي ... أفتح لك بابا جديداً ... وأضيء لعبورك شمعة أخرى ...... ثم .... تهرب وتكذب وتخدعنـي ... ثم ... يصبح حضنك بارداً حقاً ... يكسر كل ثقةٍ كانت ويفقد كل أمانٍ قاتَـل من أجل الوجود في نفس محطمة .... وأصبحتَ لا شيء ! .... الحب بلا وعد كاذب ... الوعد بلا وفاء كاذب ... الحب بلا عمل وتضحية ورجولة كاذب ... الحب بلا صعب تعبره لأجلي كاذب ... الحب بلا قرب كاذب ... الحب بلا ثقة كاذب ... الحب بلا أمن ؟ لاشيء #الدرس_الثالث


أعود ....... لا شيء هنا مريح ..... لا شيء يبعث على الأمن والدفء .... حتى الشمس كأنها مكسوفة من إعلان حبها للنهار فلا تجيء إلا بالغيوم ، وعندما تفصح عن نفسها تصبح حارقة وجبارة !!!

وكأن الأمن في حضن الأرض أوقع ؟ تراه أوقع ؟ ولكن ما فائدة الأمن هناك ؟ وقد فقدنا مواطننا ؟

هذا الوجه القبيح للوطن يسلبك كل شيء ... يسلبك حتى أشلاء حطامك الذاتي ... يسلبك أشباح أحلامك .... ظلال النور التي كان تؤنسك ... يسلبك نفسك ولبك وقلبك وحلمك وحبك وروحك ونور تلك الروح

ويصبح الأمن ... السلام ... ضرب من جنون ومن خيال !

ويصبح الحب ... ضرب من فقدان العقل وقلة المنطق ...

ويصبح العشق .... صرحاً من خيال فهوى !

والوطن .... وأرضه .... وحضنه .... ورائحته .... وقبلاته الحانية على الخدود والجبين ... ورتباته على القلب الحزين ... شيء من جنون الخيال وعبثية المشهد ... ! 

الأحد، 5 أبريل 2015

هل رأيتها ؟

كامرأة تعرف كيف الحب ... كانت تدرك أن ما يجول بقلبه خيال امرأةٍ أخرى ............. امرأة مرت من هنا ولم تستقر ..

يستوي الأمر هل هاجرت هي إلى موطن آخر أم طردها حيث اللجوء ... أو لربما تركته هو يلتمس الأوطان في قلوب النساء بلا كلل .
لا امرأة تحب أن يبقى في قلب حبيبها وموطنها شبح أمرأة أخرى !!

وشاحها أو عطرها ، أو حتى وردة جافة في كتاب تساقط ورقها ...... لا شيء من هذا ... لا ذرة تراب لامست كتفها قبل أن تهوى على بلاط قصره تحت الأحذية ...

امرأة تعشق ..... لا مجال لديها للتجاوز لا مجال للتسامح في أن يصبح حبيبها مشاعا ، ولا حتى أن يصبح مشتركا في بال امرأة !!

وشاحها ؟ وزجاجة عطر مكسورة .... كانت مازالت في إحدى غرف قصرها .... صحيح أنها كانت في غرفة تحت اأرض مغلقة ، كانت في غرفة بعيدة عن البهو والقبة ، عن قلبه الدافيء ... لكنها في القصر ... كأن تعاريج كسر القارورة يقتلها ببطء كل يوم ، تنزف  كل مساء بلا صوت ... تخبره ... أما آن لنا أن ننظف تلك الغرفة ؟ بلا مبالاة يرد يوما ما !

كانت تعرف أنه إن لم يتسلل إلى الحجرة يوما ، فإنه مرتاح بشكل أو بآخر لوشاحها الممزق هناك والذي كان مشربا بدماء جراحه التي أحدثتها قبل أن تذهب عنه ... كمسافرة رحالة بين الوديان .... لا تلوي على حب ولا على ذاكرة ... تؤلمها الفكرة ... ولكنه كان متعباً بما يكفي ... كان بداخله سؤال ... لماذا حقا أنا غير قادر على تحطيم آخر زجاجة عطر ؟ ... أنا لا أحبها ولكن !!

يتعبه التفكير فيصمت ....... يؤلمه ألمها لصمته ولبقايا سارقة أخرى تتلصص البيت من بعيد ، لا هي ساكنة فتستوطن به وتضيئه ولا هي راحلة عنه فتترك لها صفو رعايته وقربه .

حصارتهما الأفكار ، حاصرها الخوف والقلق ، وحاصره ذات الخوف بشكل ما ، يتعاظم الوشاح في عينها ، ويتضائل القصر في عينيه ، تحبه ... وهو ؟ يحبها بجنون ... لكن الخوف كان أكبر منه ومنها ... كان أكبر من قلبه حتى احتواه بظلماته ، كانت عظيما ، كان يخبره أنه ليس حباً ، إذن ما هو ؟ لا أعرف !!

كانت ترى الخوف في عينيه ، وكلما رأته ، كان كل ما تفعله حينها ... أن تختبيء بحضنه أكثر ، تغوص بداخله أكثر ، تلتحف ذراعيه ، وتستدفيء بصوته وسكونه وأنفاسه ، تخاف أن تخبره عما ترى في عينيه ، فتصيبها ذات اللعنة ، يسألها إن كانت خائفة ؟ فقط تجيب ... أحكم علي ذراعيك ... هل تشعرين بالدفء ؟ ... تبتسسم ... وتضع رأسها ثانية على صدره كطفلته الصغيرة .

يرتعب للفكرة ....... يحكم ذراعيه على جسدها الصغير ...... يقربها أكثر من قلبه ولحمه وضلوعه التي ظنت لسنوات أنها وطنها ومولدها الأول .... يحضنها في تعب وفي خوف ... كأنما يضم نفسه إليه في جسدها المسجى ... كأنما يلملم شعث أفكاره كلما ضغط قليلا عليها .... وكانت تغوص ... يتعجب بداخله كيف للمسكينة أن تشعر دفئاً مع جنون أفكاري وتصارعها ؟ كيف تشعر شمساً في ليل سرمدي ؟ كيف تشعر حرارة في رياح قطبية مجنونة ؟ .... وكانت تعرف كل ثلوج العمق ومع ذلك ... كانت تغوص !

يأتي الليل كل مساء كضيف ينتظرانه ، ينتظران فيه الصحبة ولو صامتة ، وتخشى هي فيه كل الأشباح ، وكان يعرف ، فكان يحكي لها قصة ، أو يغني معها إحدى الأغنيات الطريفة ،، يداعب شعرها الأشعث فيهدأ قلبها لقربه ، وأحيانا ، كان يثور ... كثور هائج بلا سبب ، يدور حول نفسه وحولها ، يخبرها أن كل شيء حتماً فيه خطأ ، يخبرها أن الأمر لابد ينتهي هنا عند هذا القدر ,,,, تتعب ... تدور معه ... تحاول إمساك الزمام ... تحاول تهدئته ... تحاول حتى أن تتنحى جانبا وتبكي ... لا مجال ... فتدور معه حيثما دار ... كعصفور دائخ يبحث عن عشه قبيل الغروب بربيع حار تشعله رياح الخماسين العاصفة فتحيل الكون إلى الأصفر .... الأصفر القاتل .
تتعب ... تضع يديها على أذنيها ... تهدئه فلا يهدأ ... لا مجال للبكاء الآن ... عقلها توقف وقلبها ؟ ... قلبها أتعبه النهجان من الجري والمناورات ... تتعب ... وثور هائج يدور حولها في غضب ... هل تخشى أن يطعنها ؟ لن يفعل ... كيف برب السماء تثق به هكذا ؟ تمسك الزمام عدة مرات ... عنفوانه وهياجه يجعلها تفلته في كل مرة ... تعبت ..... أصمت أذنها عن كل شيء ... اقتربت من مداراته المتقاطعة ... أمامه مباشرة وقفت ....... أحبك ! ........ وأعلم كم تحبني ..... أعلم بالرياح الجنونية والعواصف بداخلك ... لن يغير صراخك شيء ... لن يغير هياجك شيء ... تحبني ... تحبني جدا وأنا أعلم ذلك وأثق به ..... فجأة يقف ..... يستدير ....... بعد عملقته ينكمش ..... يعود إلى حيث كان إنساناً له أذن وقلب ..... يقترب ... رأسه بين طأطأةٍ وبين خجل وبين عناد ثور ... نعم .. أحبكِ ! أحبكِ جداً .... تشهق ... كوليد يشهق بأول أنفاس الحياة ...... أحبكِ وأفتقدك .. لكن ... هل ترين الدمار ... يقترب أكثر .. وتقترب ... تحمل وجهه بكفيها ... تمسح عرقه .... تأخذ بيديه وتجلسه .... تريح رأسه فوق قلبها المتعب والمشتاق ... تتناوب هي مداعبات خصلات شعره .. تمسح عرق جبينه المحمل بالأفكار .....  وصدره المليء بالخوف ........ يضع كفه فوق كفها ... تماما على نبضاته المرهقة ... يقول أحبكِ ... وينام بهدوء في حضنها !

وليالٍ ..... تطارد أشباح الوشاح وقارورة العطر .... تتلصص صاحبتهما أسوار الحديقة .... تتلصص أن تراه سعيدا فيسدل الستائر عنها .... يهم بالخروج إليها ... تمسكه طفلته وتقول لا تفعل ... هي فقط تراوغ ولا شيء مهم ... لا تفتح لرياحها السوداء أبواب قصرنا ... فضوله يدفعه إلى الخارج .... جموحه يقوده حيث الأسود الذي ملأ سحابة كانت تظلهما في قيظ الصيف المرتقب ... لم تأخذ زجاجة عطرها ولا الوشاح ... لم تتركه ينعم بأمسية ناعمة مع حلمه المسكين ...

تعاظم التراب وصار غيمة غبار تقف فوق قصرهما ، لا يستطيعان التنفس ، يقرر الهجر ... يقرر الهرب وترك القصر ..
يقرر أنه يجب أن نمشي من هنا .... تقف وتسأله تلك الــ " لماذا القاتلة "

ينهار ولكنه يظهر تماسكه ....... يغلق كل شبابيك ليله أو نهاره عنها ........ صورها تؤرقة ، ارتعاشة صوتها حينما تضطرب ، وتردد الرفيع كشخصيات الكارتون حينما تحكي ...... فيراها ... مع بطلات ديزني ..... ويعرفها ..... مع كل أغنية كانت تحبها حتى وإن لم تخبره بأمرها ......... يعرف في قرارة أمره أنه يحبها هي لا غيرها ولكن ...... لكنه في ذات الوقت لا يعرف .

تمر أيامهم كالسنون ، يتشاغلون بالدنيا .... يتظاهرون بأن الحياة تسير بخير .... يضحكون بصوت أعلى ويأكلون بلا شك أكثر وأكثر ، يسافر ... تمرض .... تتعثر في تعلمها .... يضيف إلى جولات العمل جولات أخرى .... يتجاهلان الألم حتى كأنه ليس هنا ... ومن ثم يضحكان مجدداً .

مثل قصر البارون كان شامخاً من بعيد ... تذكرت ما كان بينهما ... تذكرت أول ما تذكرت زجاجة العطر والوشاح ، ذهبت حيث حارات الغجر .... حيث غجريته التي تركت زجاجة عطر مكسورة تحمل قطرات نزفه ... الحارة مزينة عن آخرها ... صخب في الشارع ... يهنئون ... ويضحكون .... لا دفء في هذا المكان .... الصخب أعلى .... لا رائحة عطر حتى كالتي أغوته بها ... وهي ... تتشح عباءة رجل آخر ..... تذوب بين يديه كقطعة سكر .... تضحك ملء فيها وتسخر ..... تظهر لأول مرة كامرأة تعشق .... شيء غريب في عينيها تلك المرة يشي بالأمر

لو أنك هنا ؟

هل رأيتها ؟ هل رأيت فرحة عينيها ؟ برقت لغيرك .... لم تبرق لك أصلا في حين ظننت أنها " شمسك " أنت !

ضحكت ...... سارت إلى حيث بساتينها وأزهار الزنبق .... عادت إلى حيث أحجار فلسطين الحبيبة ........ ضمت كتبها بين ذراعيها ومضت .... تنوي تعلم الشعر من جديد ، تنوي الكتابة من جديد ، تنوي أن تعود إلى علبة الألوان وترسم حلماً آخر .... من جديد !


الـ " لماذا " القاتلة !

وقفت أمامه يطل الغضب من عينيها كطفل مفزوع لا يدري أي يهرب يمنة أم يسرة ؟

تحرك رأسها بشكل عشوائي لا تدري بم ترد ولا كيف تتحدث

وقف صامتاً ينتظر منها كل شيء .......... يعرف غضبها ....... يعرف ألمها جيدا ..... يعرفها أكثر مما يعرف نفسه

بدأت تتحرك في أرجاء الغرفة .... تدور حول نفسها ثم تدور حوله .... ثم تقف ... تحملق في الأرض كأنها تبحث عن شيء ذاب مع تعاريج البلاط ... ثم تنظر له بسهم يخترق قلبه مباشرة فتسري قشعريرة مؤلمة في كل جسده تستقر في ألم واستسلام أسفل ظهره ، تمتزج بألم يعتصر معدته كلما رفعت رأسها إليه بعينيها الصغيرتين اللتين لا تناسبان جسدها ولا عمرها بأي شكل كان !

تقف فجأة ..... تضع يدها على رأسها ... تفرك جبينها ... تلتفت إليه .... تنظر إليه وتفتح فمها ... ويكأنها ستبادره بقول شيء ...

ثم فجأةً ... تبتلعه ... تبتلع كغصة تكاد تأخذ روحها عنوة .... تغالب فيه دمعها ... تحاول الوقوف بقوة أمامه .... تحاول

وعلى جانب آخر منها .... كل ما تريده هو أن تلقي بنفسها بين ذراعيه وتصرخ وتلهج بشكواها كأنها طفلة تقص لوالدها مضايقات أحد زملائها .... وتمرغ وجهها في صدره كأنما تختبي به عن الدنيا وهم يضم عليها ذراعيه كأنما يغلق عليها أبواب الدنيا والأمان والدفء والحب والعالم أجمع .... وهو يقول ... لا تخافي ولا تحزني كل شيء سيكون بخير ... أنا هنا يا صغيرتي !!!

عنفوان فكرها الغاضب لا يقف ولا يلتفت .... يدور في صندوق رأسها الصغير ألف سؤال وسؤال وكأنما خلقت بين أداتين للاستفهام لا ثالث لهما ... كيف ولماذا !!!!

تقريبا ... كانت هاتين الكلمتين هما الليتن تهمس بهما كلما راحت ودارت حوله في دورة كاملة أو نصف دورة ... في ذهاب أو إياب أو في حركات عشوائية لا تكتمل ! ولا تتعدى كونها ارتعاشات بندول أرهقه الوقت !

وقفت أمامه مباشرة

أمسكت كتفيه ... هزته بشدة ... تحاول إمسكا كل شيء ......... خانتها عيناها ... دمعت ... انفجرت ... كلمة واحدة فقط ... " لماذا "

يغالب هو الآخر دمعاته

يغالب غربته التي تعتريه أمامها وبدونها وفي كل وقت ، يغالب خوفه الشديد ... حضنه البارد جداً الذي لن يحميها ... يحاول أن يخبرها كيف أن ضلوعه هي أبرد من أعواد ثلوج قطبيه ... أن صدره خاوٍ بالفعل ... أنه غير قادر على ضمها ولا بثها بعض الأمن ، فقلبه يرتعد ... ونفسه لا تستقر ولا تأمن على شيء ، يطالع السقف ، يدور بعينيه في كل اتجاه ... يود لو يصرخ بها ... يصرخ بكل ما يدور برأسه ... لو يبكي بين ذراعيها كطفلها كما كان يفعل ... لو يقل لها خذيني لصدرك حيث يختبيء العالم أجمع ... لو يحتمي هو بها .... ويختبيء هو بها ........ ويستدفيء هو بها  ، ولكن كيف يفعل وهو الرجل ؟ كيف يفعل وهو المسئول عن حبها وحمايتها وأمنها .... ينظر إلى تساؤلات عينها التي لا تنتهي ولا تنطقي هي بها .... يعرف أن ما يدور بعينيها أكبر بكثير من كلمة " لماذا "

توخذه الكلمات بمرار الصبر في كل جسده ... يهرب من عيونها ... ترفع يدها إلى ذقنه الناعمة كذقن طفل في الثالثة ........ في محاولة منها للنظر في عينيه مباشرة ........

تبتلع ريقها كأنه صخر حجري ... متى كان اللعاب السهل يقف كغصة في قلوبنا قبل حناجرنا ؟ يغلبها الدمع فتخفض عينيها

ثم تتمالك وتنظر إليه ............ بكل ما تبقى لديها تسأل ... بقوة تعتريها ... بشيء بين آخر كل شيء ... كأنما تستجمع كل صرخات الكون ... كأنما تحشد كل ما بقي منها لتلك الكلمات ............ بتحبني ؟

أشاح بوجهه عنها .... غطت بكفيها وجهها ....... كانت تعرف من أين تأتيها الطعنات تحديداً ......... بلل منابت شعرها دمع ساخن ..... دمع كسر كل حواجزه التي بناها ...... وضعت وجهها في صدره وصارت تنشج بمرارة أكبر ... وصوت أعلى !

وصارت الــ " لماذا " تتعاظم في رأسها ورأسه وعيونهما ودمعهما ودقات قلوبهما ... تعاظمت ففاقت أجسادهما وابتلعتهما معاً