الأحد، 5 أبريل 2015

الـ " لماذا " القاتلة !

وقفت أمامه يطل الغضب من عينيها كطفل مفزوع لا يدري أي يهرب يمنة أم يسرة ؟

تحرك رأسها بشكل عشوائي لا تدري بم ترد ولا كيف تتحدث

وقف صامتاً ينتظر منها كل شيء .......... يعرف غضبها ....... يعرف ألمها جيدا ..... يعرفها أكثر مما يعرف نفسه

بدأت تتحرك في أرجاء الغرفة .... تدور حول نفسها ثم تدور حوله .... ثم تقف ... تحملق في الأرض كأنها تبحث عن شيء ذاب مع تعاريج البلاط ... ثم تنظر له بسهم يخترق قلبه مباشرة فتسري قشعريرة مؤلمة في كل جسده تستقر في ألم واستسلام أسفل ظهره ، تمتزج بألم يعتصر معدته كلما رفعت رأسها إليه بعينيها الصغيرتين اللتين لا تناسبان جسدها ولا عمرها بأي شكل كان !

تقف فجأة ..... تضع يدها على رأسها ... تفرك جبينها ... تلتفت إليه .... تنظر إليه وتفتح فمها ... ويكأنها ستبادره بقول شيء ...

ثم فجأةً ... تبتلعه ... تبتلع كغصة تكاد تأخذ روحها عنوة .... تغالب فيه دمعها ... تحاول الوقوف بقوة أمامه .... تحاول

وعلى جانب آخر منها .... كل ما تريده هو أن تلقي بنفسها بين ذراعيه وتصرخ وتلهج بشكواها كأنها طفلة تقص لوالدها مضايقات أحد زملائها .... وتمرغ وجهها في صدره كأنما تختبي به عن الدنيا وهم يضم عليها ذراعيه كأنما يغلق عليها أبواب الدنيا والأمان والدفء والحب والعالم أجمع .... وهو يقول ... لا تخافي ولا تحزني كل شيء سيكون بخير ... أنا هنا يا صغيرتي !!!

عنفوان فكرها الغاضب لا يقف ولا يلتفت .... يدور في صندوق رأسها الصغير ألف سؤال وسؤال وكأنما خلقت بين أداتين للاستفهام لا ثالث لهما ... كيف ولماذا !!!!

تقريبا ... كانت هاتين الكلمتين هما الليتن تهمس بهما كلما راحت ودارت حوله في دورة كاملة أو نصف دورة ... في ذهاب أو إياب أو في حركات عشوائية لا تكتمل ! ولا تتعدى كونها ارتعاشات بندول أرهقه الوقت !

وقفت أمامه مباشرة

أمسكت كتفيه ... هزته بشدة ... تحاول إمسكا كل شيء ......... خانتها عيناها ... دمعت ... انفجرت ... كلمة واحدة فقط ... " لماذا "

يغالب هو الآخر دمعاته

يغالب غربته التي تعتريه أمامها وبدونها وفي كل وقت ، يغالب خوفه الشديد ... حضنه البارد جداً الذي لن يحميها ... يحاول أن يخبرها كيف أن ضلوعه هي أبرد من أعواد ثلوج قطبيه ... أن صدره خاوٍ بالفعل ... أنه غير قادر على ضمها ولا بثها بعض الأمن ، فقلبه يرتعد ... ونفسه لا تستقر ولا تأمن على شيء ، يطالع السقف ، يدور بعينيه في كل اتجاه ... يود لو يصرخ بها ... يصرخ بكل ما يدور برأسه ... لو يبكي بين ذراعيها كطفلها كما كان يفعل ... لو يقل لها خذيني لصدرك حيث يختبيء العالم أجمع ... لو يحتمي هو بها .... ويختبيء هو بها ........ ويستدفيء هو بها  ، ولكن كيف يفعل وهو الرجل ؟ كيف يفعل وهو المسئول عن حبها وحمايتها وأمنها .... ينظر إلى تساؤلات عينها التي لا تنتهي ولا تنطقي هي بها .... يعرف أن ما يدور بعينيها أكبر بكثير من كلمة " لماذا "

توخذه الكلمات بمرار الصبر في كل جسده ... يهرب من عيونها ... ترفع يدها إلى ذقنه الناعمة كذقن طفل في الثالثة ........ في محاولة منها للنظر في عينيه مباشرة ........

تبتلع ريقها كأنه صخر حجري ... متى كان اللعاب السهل يقف كغصة في قلوبنا قبل حناجرنا ؟ يغلبها الدمع فتخفض عينيها

ثم تتمالك وتنظر إليه ............ بكل ما تبقى لديها تسأل ... بقوة تعتريها ... بشيء بين آخر كل شيء ... كأنما تستجمع كل صرخات الكون ... كأنما تحشد كل ما بقي منها لتلك الكلمات ............ بتحبني ؟

أشاح بوجهه عنها .... غطت بكفيها وجهها ....... كانت تعرف من أين تأتيها الطعنات تحديداً ......... بلل منابت شعرها دمع ساخن ..... دمع كسر كل حواجزه التي بناها ...... وضعت وجهها في صدره وصارت تنشج بمرارة أكبر ... وصوت أعلى !

وصارت الــ " لماذا " تتعاظم في رأسها ورأسه وعيونهما ودمعهما ودقات قلوبهما ... تعاظمت ففاقت أجسادهما وابتلعتهما معاً

هناك 4 تعليقات:

  1. ال لماذا " القاتلة .. لقطة موجعة و لكن رسمتيها بتفاصيل دقيقة .. عجبتنى

    ردحذف
  2. السلام عليكم،

    عندما يطغى القلب على العقل قد يحل المشكل في تلك اللحظة، لكن آثار التساؤل تبقى لتظهر في أول مناسبة.

    ردحذف