الأحد، 5 أبريل 2015

هل رأيتها ؟

كامرأة تعرف كيف الحب ... كانت تدرك أن ما يجول بقلبه خيال امرأةٍ أخرى ............. امرأة مرت من هنا ولم تستقر ..

يستوي الأمر هل هاجرت هي إلى موطن آخر أم طردها حيث اللجوء ... أو لربما تركته هو يلتمس الأوطان في قلوب النساء بلا كلل .
لا امرأة تحب أن يبقى في قلب حبيبها وموطنها شبح أمرأة أخرى !!

وشاحها أو عطرها ، أو حتى وردة جافة في كتاب تساقط ورقها ...... لا شيء من هذا ... لا ذرة تراب لامست كتفها قبل أن تهوى على بلاط قصره تحت الأحذية ...

امرأة تعشق ..... لا مجال لديها للتجاوز لا مجال للتسامح في أن يصبح حبيبها مشاعا ، ولا حتى أن يصبح مشتركا في بال امرأة !!

وشاحها ؟ وزجاجة عطر مكسورة .... كانت مازالت في إحدى غرف قصرها .... صحيح أنها كانت في غرفة تحت اأرض مغلقة ، كانت في غرفة بعيدة عن البهو والقبة ، عن قلبه الدافيء ... لكنها في القصر ... كأن تعاريج كسر القارورة يقتلها ببطء كل يوم ، تنزف  كل مساء بلا صوت ... تخبره ... أما آن لنا أن ننظف تلك الغرفة ؟ بلا مبالاة يرد يوما ما !

كانت تعرف أنه إن لم يتسلل إلى الحجرة يوما ، فإنه مرتاح بشكل أو بآخر لوشاحها الممزق هناك والذي كان مشربا بدماء جراحه التي أحدثتها قبل أن تذهب عنه ... كمسافرة رحالة بين الوديان .... لا تلوي على حب ولا على ذاكرة ... تؤلمها الفكرة ... ولكنه كان متعباً بما يكفي ... كان بداخله سؤال ... لماذا حقا أنا غير قادر على تحطيم آخر زجاجة عطر ؟ ... أنا لا أحبها ولكن !!

يتعبه التفكير فيصمت ....... يؤلمه ألمها لصمته ولبقايا سارقة أخرى تتلصص البيت من بعيد ، لا هي ساكنة فتستوطن به وتضيئه ولا هي راحلة عنه فتترك لها صفو رعايته وقربه .

حصارتهما الأفكار ، حاصرها الخوف والقلق ، وحاصره ذات الخوف بشكل ما ، يتعاظم الوشاح في عينها ، ويتضائل القصر في عينيه ، تحبه ... وهو ؟ يحبها بجنون ... لكن الخوف كان أكبر منه ومنها ... كان أكبر من قلبه حتى احتواه بظلماته ، كانت عظيما ، كان يخبره أنه ليس حباً ، إذن ما هو ؟ لا أعرف !!

كانت ترى الخوف في عينيه ، وكلما رأته ، كان كل ما تفعله حينها ... أن تختبيء بحضنه أكثر ، تغوص بداخله أكثر ، تلتحف ذراعيه ، وتستدفيء بصوته وسكونه وأنفاسه ، تخاف أن تخبره عما ترى في عينيه ، فتصيبها ذات اللعنة ، يسألها إن كانت خائفة ؟ فقط تجيب ... أحكم علي ذراعيك ... هل تشعرين بالدفء ؟ ... تبتسسم ... وتضع رأسها ثانية على صدره كطفلته الصغيرة .

يرتعب للفكرة ....... يحكم ذراعيه على جسدها الصغير ...... يقربها أكثر من قلبه ولحمه وضلوعه التي ظنت لسنوات أنها وطنها ومولدها الأول .... يحضنها في تعب وفي خوف ... كأنما يضم نفسه إليه في جسدها المسجى ... كأنما يلملم شعث أفكاره كلما ضغط قليلا عليها .... وكانت تغوص ... يتعجب بداخله كيف للمسكينة أن تشعر دفئاً مع جنون أفكاري وتصارعها ؟ كيف تشعر شمساً في ليل سرمدي ؟ كيف تشعر حرارة في رياح قطبية مجنونة ؟ .... وكانت تعرف كل ثلوج العمق ومع ذلك ... كانت تغوص !

يأتي الليل كل مساء كضيف ينتظرانه ، ينتظران فيه الصحبة ولو صامتة ، وتخشى هي فيه كل الأشباح ، وكان يعرف ، فكان يحكي لها قصة ، أو يغني معها إحدى الأغنيات الطريفة ،، يداعب شعرها الأشعث فيهدأ قلبها لقربه ، وأحيانا ، كان يثور ... كثور هائج بلا سبب ، يدور حول نفسه وحولها ، يخبرها أن كل شيء حتماً فيه خطأ ، يخبرها أن الأمر لابد ينتهي هنا عند هذا القدر ,,,, تتعب ... تدور معه ... تحاول إمساك الزمام ... تحاول تهدئته ... تحاول حتى أن تتنحى جانبا وتبكي ... لا مجال ... فتدور معه حيثما دار ... كعصفور دائخ يبحث عن عشه قبيل الغروب بربيع حار تشعله رياح الخماسين العاصفة فتحيل الكون إلى الأصفر .... الأصفر القاتل .
تتعب ... تضع يديها على أذنيها ... تهدئه فلا يهدأ ... لا مجال للبكاء الآن ... عقلها توقف وقلبها ؟ ... قلبها أتعبه النهجان من الجري والمناورات ... تتعب ... وثور هائج يدور حولها في غضب ... هل تخشى أن يطعنها ؟ لن يفعل ... كيف برب السماء تثق به هكذا ؟ تمسك الزمام عدة مرات ... عنفوانه وهياجه يجعلها تفلته في كل مرة ... تعبت ..... أصمت أذنها عن كل شيء ... اقتربت من مداراته المتقاطعة ... أمامه مباشرة وقفت ....... أحبك ! ........ وأعلم كم تحبني ..... أعلم بالرياح الجنونية والعواصف بداخلك ... لن يغير صراخك شيء ... لن يغير هياجك شيء ... تحبني ... تحبني جدا وأنا أعلم ذلك وأثق به ..... فجأة يقف ..... يستدير ....... بعد عملقته ينكمش ..... يعود إلى حيث كان إنساناً له أذن وقلب ..... يقترب ... رأسه بين طأطأةٍ وبين خجل وبين عناد ثور ... نعم .. أحبكِ ! أحبكِ جداً .... تشهق ... كوليد يشهق بأول أنفاس الحياة ...... أحبكِ وأفتقدك .. لكن ... هل ترين الدمار ... يقترب أكثر .. وتقترب ... تحمل وجهه بكفيها ... تمسح عرقه .... تأخذ بيديه وتجلسه .... تريح رأسه فوق قلبها المتعب والمشتاق ... تتناوب هي مداعبات خصلات شعره .. تمسح عرق جبينه المحمل بالأفكار .....  وصدره المليء بالخوف ........ يضع كفه فوق كفها ... تماما على نبضاته المرهقة ... يقول أحبكِ ... وينام بهدوء في حضنها !

وليالٍ ..... تطارد أشباح الوشاح وقارورة العطر .... تتلصص صاحبتهما أسوار الحديقة .... تتلصص أن تراه سعيدا فيسدل الستائر عنها .... يهم بالخروج إليها ... تمسكه طفلته وتقول لا تفعل ... هي فقط تراوغ ولا شيء مهم ... لا تفتح لرياحها السوداء أبواب قصرنا ... فضوله يدفعه إلى الخارج .... جموحه يقوده حيث الأسود الذي ملأ سحابة كانت تظلهما في قيظ الصيف المرتقب ... لم تأخذ زجاجة عطرها ولا الوشاح ... لم تتركه ينعم بأمسية ناعمة مع حلمه المسكين ...

تعاظم التراب وصار غيمة غبار تقف فوق قصرهما ، لا يستطيعان التنفس ، يقرر الهجر ... يقرر الهرب وترك القصر ..
يقرر أنه يجب أن نمشي من هنا .... تقف وتسأله تلك الــ " لماذا القاتلة "

ينهار ولكنه يظهر تماسكه ....... يغلق كل شبابيك ليله أو نهاره عنها ........ صورها تؤرقة ، ارتعاشة صوتها حينما تضطرب ، وتردد الرفيع كشخصيات الكارتون حينما تحكي ...... فيراها ... مع بطلات ديزني ..... ويعرفها ..... مع كل أغنية كانت تحبها حتى وإن لم تخبره بأمرها ......... يعرف في قرارة أمره أنه يحبها هي لا غيرها ولكن ...... لكنه في ذات الوقت لا يعرف .

تمر أيامهم كالسنون ، يتشاغلون بالدنيا .... يتظاهرون بأن الحياة تسير بخير .... يضحكون بصوت أعلى ويأكلون بلا شك أكثر وأكثر ، يسافر ... تمرض .... تتعثر في تعلمها .... يضيف إلى جولات العمل جولات أخرى .... يتجاهلان الألم حتى كأنه ليس هنا ... ومن ثم يضحكان مجدداً .

مثل قصر البارون كان شامخاً من بعيد ... تذكرت ما كان بينهما ... تذكرت أول ما تذكرت زجاجة العطر والوشاح ، ذهبت حيث حارات الغجر .... حيث غجريته التي تركت زجاجة عطر مكسورة تحمل قطرات نزفه ... الحارة مزينة عن آخرها ... صخب في الشارع ... يهنئون ... ويضحكون .... لا دفء في هذا المكان .... الصخب أعلى .... لا رائحة عطر حتى كالتي أغوته بها ... وهي ... تتشح عباءة رجل آخر ..... تذوب بين يديه كقطعة سكر .... تضحك ملء فيها وتسخر ..... تظهر لأول مرة كامرأة تعشق .... شيء غريب في عينيها تلك المرة يشي بالأمر

لو أنك هنا ؟

هل رأيتها ؟ هل رأيت فرحة عينيها ؟ برقت لغيرك .... لم تبرق لك أصلا في حين ظننت أنها " شمسك " أنت !

ضحكت ...... سارت إلى حيث بساتينها وأزهار الزنبق .... عادت إلى حيث أحجار فلسطين الحبيبة ........ ضمت كتبها بين ذراعيها ومضت .... تنوي تعلم الشعر من جديد ، تنوي الكتابة من جديد ، تنوي أن تعود إلى علبة الألوان وترسم حلماً آخر .... من جديد !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق