السبت، 11 أبريل 2015

3- الأمن .... الوطن ... والحضن ... وأشياء أخر !

هذا المشهد لا أنساه ....... طفل يختبيء في حضن أبيه ....... يختطف الجندي الحقير روحه من بين كفي والده .... يطلق رصاصة قاتلة في صدره في رأسه في رقبته .... رصاصات طائشة .... شتد ذعر الولد وذعري .... يختبيء في أبيه وأخفض رأسه ... يلتصق بأبيه أكثر ... وألتصق بهما أكثر وأكثر وأكثر ... أشعر بذات الذعر .... يلوح الأب في مشهد بائس أن معه طفل إلى جندي حقير لا يرتقي لشرف العسكرية لأنه ليس عسكريا .. هو من ؟ .. هو من سلالة الهاجانا عصابات الصهاينة اليهودية في القدس .... يسقط الولد في حجر أبي ... أشهق فزعةً .... مات ؟ .... يترنح الأب في مشهد بائس حزين .... الطفل في حجره غارق وجهه في كفيه يشهد منظره على هالة الألم والذعر التي لفته حتى يخبيء وجهه في باطن يديه !! يفر الدمع سائلا وعيناي لا تزالان تحدقان في التلفاز في هلع .... مات ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ........... مات ؟؟؟؟؟ ... هل مات الولد ؟ مات ... لقد مات ... إنه لا يتحرك ... لقد مات ... أبكي بحرقة بخوف برعب ... أذهب لغرفتي ... أنظر لحضن والدي .... ما عاد يجدي ... أحضان الآباء لا تحميك من المحتل ... لا تحميك من الذعر ... لا تحميك من الألم ... #الدرس الأول !

في غرفة العناية المركزة .... يريد سيجارة أخيرة يدخنها ... أنظر إليه وأبتسم ... يملأ وجنتاي الأحمر ... أتهلل لرؤية ... وأخجل لوجود آخرين حولي .... يتحامل على نفسه ليراني جيداً ... لا تكوني يوما مثل هؤلاء الحمقى ( يقصد الأطباء ) .. إنهم يمنعونني من التدخين ..... أضحك ... لاتخف لن أكون مثلهم ... يستريح ...
لأكثر من شهر قضيتها في كنفه .... ترقد أمي في مستشفى آخر على مقربة من الأول ... في العاصمة ... ممنوعة من الحركة ولو اليسيرة ... بين الحياة والموت ... لا أدري هل أراها ثانية ؟ ... لا مآتم إذن هذه العلامة الوحيدة أنها مازالت حية ... لماذا يمنعونني
في حضرة جدة عصبية قليلا وحازمة كثيراً ... كان حضنه الدافيء مساء يهوِّن كل شيء ... كان صوته الحنون يملأ قلبي سكينةً ... سكينةً لا أعرفها ولا أعرف كيف تدخل قلبي .... لم يكن يثور في وجهي ... ولم يكن يعاتب أفعالي الطفولية ... كان يقول لا تفعلي كذا وفقط ! كان يحمل الهمَّ ثقيلا على كتفيه .... حتى أزاحه برؤية أمي ... وعودتنا إليها ..

في غرفة خاصة بمستشفىً آخر ... أعرض عليه الزواج .... لماذا لا تتزوج يا حليوة ؟ ... يثرثرون من حولي ... يخطفونه مني ... وأبتعد بطفل إحداهن الصغير كي لا يزعجه ... كان آخر لقاءاتنا ... كان بشوشا .... صباح الجمعة التالية ... مات ! ... هذا الحضن الدافيء ... هذا السند ... هذا الأب ... اختفى ... مات ... لن يقف بعرسي ... لن يشهد تخرجي ... لن يراني وأنا ألقي الورد على رفيقاتي .... لن يقابل الشاب الذي سأحبه يوماً ما ... لن يقابله ... لن أختلس مقابلتهما من أبي للدم ... لن أسأله ما رأيك به يا جدي ؟ أكمل معه أم ( أديله صابونة ... فيضحك وترجع رأسه للوراء ) ويخبرني رأيه ... ويقف سنداً لي ولحبي ... كأنه كان هناك يقين خاص .... أن لجدي نظرة في الرجال لا تخيب ... لن يوصي حبيبي بشيء ... لن يخبره إن أغضبتها ستلقى عقاباً مريراً مني كما كان يتوعد أبي وكل فرد يحاول إزعاجي ... لن يجلس بقراني ... لن يصافح عريسي ويسألني إن كنت أوافق ... لن يسلمني له كما فعل مع ابنة خالتي ... لن يشهد دراساتي ... لن يشهد تحضيري لدراسة عليا ... لن يختار معي الموضوع .. ولن يقف بظهري في موعد المناقشة يربت على كتفي ويقول تشجعي ... لن يجلس أمامي ينظر في عيني كي لا أتلعثم في مناقشتي ... لن يأخذني حضنه عندما أنتهي ويقول أحسنت ( بت مجدع بصحيح ) لن يفعل !! الموت يسرق الأمن ... الموت يسرق الأحضان ... #الدرس_الثاني

أحبك .... أعشق نسمات ليلك .... أذوب بأنفاس صباحاتك ... وألوذ بصحبتك قبل أن أعترف .... قبل أن يكشفني صوتي وقلبي وقربي ..... تختفي وتظهر ..... كلمة منك تمحو كل شيء ..... ثم تهرب ... وتخدع ... وتعانق امرأة أخرى .... وكلمة منك تمحو كل شيء من جديد .... وأظن أن بحضنك موطني وملجأي وأمني .... وأخبرك ... لعلي أركن إليك مثلما كنت أركن لجدي ... لعلي أثق بك مثله ... هو قمة الجبل في كل شيء ... الاحترام والثقة والحب والأمان ... لا أبحث عنه فيك ... ولكني أضعك عنده في قلبي ... أفتح لك بابا جديداً ... وأضيء لعبورك شمعة أخرى ...... ثم .... تهرب وتكذب وتخدعنـي ... ثم ... يصبح حضنك بارداً حقاً ... يكسر كل ثقةٍ كانت ويفقد كل أمانٍ قاتَـل من أجل الوجود في نفس محطمة .... وأصبحتَ لا شيء ! .... الحب بلا وعد كاذب ... الوعد بلا وفاء كاذب ... الحب بلا عمل وتضحية ورجولة كاذب ... الحب بلا صعب تعبره لأجلي كاذب ... الحب بلا قرب كاذب ... الحب بلا ثقة كاذب ... الحب بلا أمن ؟ لاشيء #الدرس_الثالث


أعود ....... لا شيء هنا مريح ..... لا شيء يبعث على الأمن والدفء .... حتى الشمس كأنها مكسوفة من إعلان حبها للنهار فلا تجيء إلا بالغيوم ، وعندما تفصح عن نفسها تصبح حارقة وجبارة !!!

وكأن الأمن في حضن الأرض أوقع ؟ تراه أوقع ؟ ولكن ما فائدة الأمن هناك ؟ وقد فقدنا مواطننا ؟

هذا الوجه القبيح للوطن يسلبك كل شيء ... يسلبك حتى أشلاء حطامك الذاتي ... يسلبك أشباح أحلامك .... ظلال النور التي كان تؤنسك ... يسلبك نفسك ولبك وقلبك وحلمك وحبك وروحك ونور تلك الروح

ويصبح الأمن ... السلام ... ضرب من جنون ومن خيال !

ويصبح الحب ... ضرب من فقدان العقل وقلة المنطق ...

ويصبح العشق .... صرحاً من خيال فهوى !

والوطن .... وأرضه .... وحضنه .... ورائحته .... وقبلاته الحانية على الخدود والجبين ... ورتباته على القلب الحزين ... شيء من جنون الخيال وعبثية المشهد ... ! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق