الخميس، 27 يونيو 2019

قدرية .... عبثية

في الموعد المحدد تسير بتؤدة إلى المكان المتفق عليه، دائمًا ما تخونها المواعيد، دائمًا ما تتأخر وينتظر، دائمًا ما ترسل له اعتذارا متعجلًا لا يخلو من رقة، رقة لا تكشف عن رقتها، وعذوبة لا تجعله يطمع بها، وتحفظًا لا يجعله يتخلى عنها!

في كل مرة ينتظر، يتابعها بعينيه ويتظاهر بالانشغال، تعتذر فلا يخفف عنها حرجها ولا يدع الحرج يتمكن منها! تلك المداعبات الرزينة، التي تجعلها تبتسم أو حتى تضحك، مع تحفظ واضح من الطرفين!

يا إلهي .... لم هي زاهية في كل مرة؟ ولماذا في كل مرة يراها يشعر كأنها المرة الأولى، يكتشف شيئًا لم يره المرة السابقة.... هل تزداد بهاءًا؟ هل تزداد بياضًا، أو لماذا وضاءة وجهها في كل مرة تخطف أنفاسه فيبدأ بالنحنحة أو افتعال السعال كي لا يشهق!
لسبب ما جمعتهما الدنيا، جمعت طريقين لم يكونا ليلتقيا، في لحظة قدرية تسبب الدنيا أسباب هشة، ودوافع واهية جدًا فقط كي يتقابلا ..... 

تتسع بسمته في كل مرة، وهو لا يدري، يقطب جبينه، يتظاهر بجدية لا تمنع خفة ظله التي تتقافز من عينيه، يميل تجاهها بهدوء، يعدل وضعية شيء قريب، بدقة، بحذر، كأنما يميل إلى فراشة يخشى أن تشعر به أو تهرب منه!
يبدآن العمل، يعرف ما عليه فعله، وتتبع هي كل التعليمات المتفق عليها، هي سعيدة، هي مبتهجة، هي فراشة تتقافز، وهو؟
هو دب، هو أسد، هو فيل، هو ملك الغابة، وسيد الأدغال، وصاحب الثلوج، يعرف كيف يضبط الجو حوله، وكأنه إله روماني يتحكم بالزمن والجاذبية، وهي؟ عبثية جدًا، قد تنظر فجأة في عينيه وتباغته بسؤال عجيب، وقد تظل طوال الوقت صامتة لا تتحرك لها شفة ولا يرمش لها جفن ..... 

في لغة الجسد يكشفون الكاذب والمخادع أنه يظل طوال المحادثة ناظر في عين المستمع، يتأكد من تصديقه لحكايته وواقعه المزيف، هو لا يرمش، هو يحاول تجميد وجهه، هو ينظر في عينيها مباشرة إذ يحادثها، هي ترمش كثيرًا لكنها تقتله دائمة ببسمة بلهاء أو ضحكة طفولية تقطع عليه حدته، فيبتسم، ويتوتر، ويتحرر من تحفظه فتدور عينه بالغرفة، ويقف واثبًا من أمامها وكأنها ستكشف كل ما في قلبه من خلال عينيه!

في كل مرة تفسد عليه خططه!

وفي كل مرة يظن أنه يقابل الشمس في مهدها، أو القمر في تمامه، أو إلهة من آلهة الجمال، فيفقد إيمانه بما سواها، ويمسك جواحه أن تطيع قلبه فينحني أمامها، ويتظاهر بالضخامة أمام نحول جسدها عبثًا ألا يضعف، وفي كل مرة تسير مودعة في عجلة من أمرها وقلبه كالطفل يعدو وراء فراشته في جزل وحزن، وهو كالرجل الواثق من نفسه يحول وجهه عنها بسكينة، ويترك لقلبه وداعها حتى الباب ... وما بعده!

ينظر للمساعد الذي يقف معه كاتمًا حنقه كاشفًا نظرات صاحبه ويدرك أن أمره فُضح ... يلملم بقايا ابتسامه الساذجة ويقول له بحنق مصطنع .... إنسانة مستهترة .... ليتني بهذا الفراغ وتلك العبثية ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق