الأحد، 27 يونيو 2021

أصدقاء الغربة أقرب للروح!

 لمدة عام طويل، كان كل شيء مرهق وضاغط، كل شيء مؤسف وموجع، ضغط في كل مكان، مرض غامض يجتاح العالم، هوة اكتئاب عميقة، وجه قبيح يتكشف لمن ظننته حبيب وصديق سابق، سقطات كثيرة، نجاحات تتحول إلى فشل في آخر لحظة، ودكتور يحاول كل يوم أن يخرجني من السرير فقط لمهامٍ يومية بسيطة!

الجري يقطع الأنفاس لكنه لا يقلل حدة القلق، ولا ينبئ بنوم هانيء، نوبات بكاء تحدث فجأة بلا إنذار، لا أشعر بالتأقلم مع هذا المكان، لا أريد رؤية أحد، ولا أعرف أين ينتهي المطاف.


بعد الكثير من التمارين والجلسات، بعد المئات من مقطوعات الموسيقى، والعشرات من الأفلام، والصور العديدة والأطعمة اللذيذة والأحضان العشوائية، مر العام!

وبدا لي أن هذا العام لربما يكون أفضل قليلًا، لا أعرف لماذا غير أن شعور الأمل بدأ يتسلل لقلبي كمرض جديد!

كنت ألتقيهن في الصباح، ذهب أنا والأولى للمقهى سيرًا تحت الشمس، تكلمنا كثيرًا، عن بلادها الباردة التي احتلت بلادي المشمسة الطيبة، وعن الفن، وعن الإسلام، وعن الطعام، وعن الطفولة، وعن أشياء كثيرة، وعن النكات التي لا تظن أحدًا يفهمها، تمر الأيام ونذهب في جولة للمتحف، المتحف أجمل بعيون الفنانين، وهي فنانة شغوفة جميلة، والفن يجمع أهله، فكانت سببًا لمحادثة أطول مع زميلة عمل أخرى!

ويأتي رمضان، رمضان الخير، وأطبخ لهم بعض الطعام بوصفات أمي الشهية، طاجن البامية يقرب البعيد ويجلب الحبيب!

تحلقنا حول الطعام، تكلمنا في أشياء عديدة، أخذنا الحديث إلى الإسلاموفوبيا، مائدة طعام يلتف حولها مصرية وعربية وفرنسية وأيرلندية وإنجليزية أصيلة!

الطعام لغة جميلة، والفن أجمل، والضحك يعبر إلى القلب متجاوزًا كل اللغات!

في شهور قليلة، صارت إيمي وبسمة إيمي وكلمات إيمي العربية المتكسرة، وعزف إيمي على الفلوت، وضحكات إيمي المجنونة، ورقصات إيمي العشوائية تضحكنا جميعا، وتدفئ قلوبنا كلنا!

متى قررت الرحيل!

أخبرتنا على استحياء!

شهقنا!

أمس التقينا!

ما بين الخيبة والحزن والغضب والتفهم لحاجتها للرحيل!

لم تستطع التوافق هنا أكثر سوف تعود إلى البلاد البعيدة الباردة! سوف تترك كل الشمس وراءها، وسوف تتركنا بقلوب باردة!

أكتب لها هذا الصباح، أنني لا أقترب من البشر في مدد قصيرة!

لا أحبهم عادة بسهولة

ولا أعطيهم من مساحتي حتى أشاركهم مشاعري بوقت قصير!

كيف اقتربتِ إلى هذا الحد؟ وكيف أشعر أنك أكثر من زميلة عمل؟ أنك أقرب للصديقة، أنك أقرب للأخت!

الغربة تغسلنا من جديد، تفتح عيون قلوبنا، تغيرنا إما لأفضل نسخة منا أو لأسوأها، لكني منذ عرفتك وأنا أشعر بخفة لطيفة، حتى وإن كنت أجلس أمامك في هدوء وأبتسم، سوف أفتقد كلمتك الطفولية عندما أطلب منك شيء! Yes mom!
وسوف أفتقد رقصاتك (العبيطة) عندما تظهرين فجأة أمام باب بيتي تطلبين الدخول وتسمعين إحدى المهرجانات، لا تفهمين كلمة واحدة لكنك تقولين بكل براءة: هل يمكن أن تكتبي اسم الأغنية هنا؟ على سبوتيفاي؟

سوف أذكر دومًا شغف عينيك وانبهارهما بأم كلثوم، وبموسيقي عمر خورشيد، وفي كل مرة سأقول (يالاهوي) سأتذكر كيف أن ال (يالاخوي) منك معبرة أكثر مني ألف مرة!

لا نقول وداعًا، لقد تعاهدنا "فتيات الميزان" على المحاولات الكثيرة للقاء من جديد! حتى أني منذ ليلة كنت في منامي أحزم حقائبي إلى لندن، وأحضر رسالة لكِ أني قادمة!

أصدقاء الصدفة هم الأجمل، أصدقاء الغربة أقرب للروح!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق