الأربعاء، 22 ديسمبر 2021

كيف تحبك مريضة اضطراب القلق.

 في أول يوم أدركت أني أفتقدك، انتابتني نوبة فزع هائلة، الخوف يسحق عظامي ويعصر معدتي، القلق يغتالني بأسوأ آلات التعذيب، أذكر أني كنت أهرع إلى الحمام كل بضع دقائق، لم آكل شيئًا يذكر، تنظر لي صديقتي باستنكار شديد، ماذا حدث؟

ترفع لي شطيرة البيض بالفطر المفضلة لدي وتقول: لن تأكلي؟ لم يعرف بطنك طعم الزاد هذا الصباح.

أبتسم لها وأعتذر، تتساءل في قلق ماذا حدث!؟ 

لا إجابة عندي

كيف يقول المرء أنه ينسحب إلى أكثر الأشياء هربًا منها!

كيف أقول لها أن كل قلاعي وحصوني تسقط الواحدة تلو الأخرى، آنس بك، لكني أشعر أني في العراء! أود أن أستدفيء بنارك، لكني أخاف من انطفاءها، أبحث في داخلي عن بعض الخشب، كي تظل مجالسنا فقط مجالس أُنس ومحبة، لا حاجة وافتقار، فيغتالها الشبع أو الملل!

مهلا!

لماذا أخاف أن تغتالنا العادة؟ وتسحقنا التقاليد؟

فأجد أني أود الاحتفاظ بك، إلى المالانهاية وما بعدها، إلى أجل لا أعرف له مدة ولا أريد له انقضاء، أتعثر كل صباح في بعثراتي، لماذا بسمتك هادئة طوال الوقت رغم قلبك المشتعل؟

ترد علي بسخافتك التليدة: لأنني أنا يا فتاة! 

تبًـا لك!

من أين تأتي بالجليد الذي يحمي كل ميكانيكية الشعور واللاشعور؟

وكيف تجلس في وسط النهار أو بنهاية الليل، تستمع للموسيقى وترشف القهوة وكأن كل ما يحدث في العالم لا يعنيك!

وكيف حينما أثور بوجهك لأي سبب تافه، تتحرك ببطء وثقل كالفيل من مكانك، وترد كـضبعٍ شيخٍ عجوز، كذئب محنك، "إذا أردت الاستمتاع بحياتي لا شيء يوقفني!" يحمرّ وجهي غضبًا، أحاول تدارك الموقف بالسخرية منك، أهم بالخروج من برجك العاجي، تبتسم كالوحش الواثق من تكبيل فريسته، كالعنكبوت الذي أحكم كل الخيوط على الضحية، الذي يعرف أنه أمسك بها، لكنه يبتسم بلزوجة حانية "لكنها خيوط حرير تليق بها" تدس يدك في أحد المخابئ الكثيرة في مكتبك، وتدفع لي برواية رقيقة رومانسية، أصفك باللزوجة، فتتعالى ضحكاتك، وتقول لي لا بأس إن لم تعجبني، بالطبع لن تعجبني!

وراء كل هذا الفزع، أود لو أجري باتجاه شخص وحيد، أفرغ كل ما في قلبي عنده، أقول له أني أسقط ويقول لي لا بأس اطمأني، أريد أن أطير في حال السقوط، لأنه كما يقول شيرلوك هولمز: السقوط ليس النهاية أبدًا" لكني لا أجد من أندفع إليه بكل خوفي فيطمأنني، وبكل تلك التشابكات فيصبر عليها ويرتبها معي!

أتصل بصديقتي البعيدة في بلاد تفصلنا أنهار وبحور وصحراء وجليد وأشياء لا حصر لها، أقول لها أني أشعر بالفزع، لكني لا أخبرها أني أشعر بافتقادك! وهي لا ترد، تستمع فقط، تخبرني أن ألقي بكل شيء وراء ظهري وأنام!

تراني رفيقتي في الصباح، عيونها تسألني إن كنت أنام جيدًا، يرن هاتفي وتكون أنت، تسألني عن الرواية السمجة، أقول لك أنها سمجة، ثقيلة، لن أقرأها! تضحك وتدعوني لـ .. أقاطعك أني أعمل لساعة متأخرة!


في الليل، أسير في كل الشوارع المتقاطعة، أعبر إشارات المرور عشرات المرات، ينزل الضباب فلا أرى يدي، يخطر لي أن أهاتفك وأقول الضباب يغطي المكان، يخفيني ويخفي الناس، لكني لا أفعل!

يقترب الفجر وأنا هائمة بالطريق، يتوقف بجواري رجل شرطة في سيارة الدورية الليليلة، يسألني إن كنت بخير، أدرك أني ابعتدت عن البيت، أطلب منه أن يوصلني إن كان لا يمانع!

هل أخبر الشرطي عما يدور بقلبي؟ يسألني عدة أسئلة ودودة، يود أن يتأكد أني في كامل وعيي وأني فقط متعبة، حجابي يقول له أنها لا بد مسلمة ولا تسكر، لكنه يتأكد! 

هل أنفجر الآن في البكاء وأقول للشرطي أني أفتقدك؟

أمسك الألوان أحاول أن أهرب، أمسك الورق فتعاجلني رسائلك، أهم بمقابلة أصدقائي فيحين اتصالك، سؤال ساخر منك إن كنت غرقت في الرواية! أصرخ في وجهك تبًّا لك وللرواية السخيفة! تنهي المكالمة بهدوء، يثير غضبي اللامبرر قلقك، لكنك تفضل السكوت!

لماذا لم تهاتفني ثانية فأبوح لك!

لأني لم أجد بين كل من حولي من أبوح له بلا خوف أن يحاكمني سوى أنت!

ولأني أخاف أن يحدث أي شيء قبل أن أخبرك!

ولأني أغار بشدة ولكني أتظاهر كل لحظة أني لا أبالي!


هل أبالي حقًّا!

لا أفتقدك ... ولا أبالي!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق