السبت، 5 مارس 2016

١٣- بيضاء !

استيقظت رائحة أنفاسه تملأ قلبهاالذي يدق بعنف!

هل اتشاقت؟

تستعد للخروج، ترتدي فستانها القمحي، تداعب طلاب فصلها، يغازلها أحدهم الذي ترى في عينيه كل شيء، لكن عيونها المطفية ماذا تجذب في شاب وسيم جدا كهذا؟ يملك حساً للدعابة وكلمات لطيفة؟

تقريبا يحضر لها الشوكولا كل حصة، ويلقي على سمعها كلمات الإطراء أكثر من مرة في اليوم، رغم تجاهلها وسخريتها!

ما الذي يجذب الرجال في الأعين المنطفئة؟ أم أنهم يعلمون بذاك فراغ قلب الأنثى من حب مشتعل يضيء وجهها، فيصبح الأمر بمثابة إشارة للعبور وبعثرة مفردات حياتها من جديد؟ لا تعرف !

منذ الأمس تتسائل، لماذا تطاردها رائحته طوال اليوم؟ لمسات يديه، هي لا تذكر متى كانت المرة الأخيرة التي لامست فيها يده!
شهور لربما!

لكن، لربما ذاك الحلم المجنون الذي طاردها حتى الصباح؟

استيقظت فلم تجده في البيت، كان البيت في حالة فوضى قاتلة، خرجت إلى طلابها، وعادت منهكة كالعادة،

كان اليوم هو يوم راحتها، قررت ألا تنظف ما أحدثه هو من الفوضى، قررت أن تتجاهل كل تلك الفوضى وتصنع قوتها وتجلس في الشرفة تتابع الزهر وأخبار الشجر وتقرأ في رواية جديدة عن طفل تاه من أمه في عرض البحر، فصار كالسندباد البحري يدور في بلد قريب لا يعرفه، وأمه تخرج للشاطيء كل صباح على أمل عودته!

لعل تلك القصة ذكرتها بحالها معه، أليس هو ابن روحها الأوحد؟ أليس ابنها وأباها وحبيبها ومسكنها؟

تتذكر رواية" الأب الضليل"، تلك التي بدأتها في سن المراهقة لكنها أبدا لم تصل نهاية الفصل الأول، لكن ظلت تتذكر اسمها، وتنوي يوماً أن تكملها، تتذكر "أبناء وعشاق"، تتذكر الأم المرهقة من مطالب أبنائها والأبناء الذين يكبرون ويزحفون إلى المدينة في تصارع صارخ بين ما تربوا عليه وبين ما يرونه هناك من مظاهر الزيف فيقتلهم!

تعود لقهوتها، عادت هي بالأمس فلم تمر على المطبخ ولا غرفة المعيشة ولا الصالة، دخلت من الباب الجانبي الذي جعلته خصيصاً لهما حينما يعج البيت بالغرباء، كما كانت تتمنى، أن تقيم وليمة كل أسبوع على الأقل، لتظل الألفة بينها وبين أهلها وأهل زوجها الذين يسكنون جميعا في المدينة البعيدة!

لأول مرة منذ سكنت هذا البيت تدخل من الباب الجانبي، كانت نسيت أي مفتاح مخصص له، لكنها أرادت تجنب دورة المرور اللعينة على آثار الليلة الماضية!

لم تعرف أنه نام بحضنها بالأمس، ولم تعرف أنه ضمها إلى صدره كي تهدأ، ولم تعرف أنه ما يزال ملاكها الحارس، وابنها الضليل، وأباها الذي يجمع العالم كله من أجل ضحكتها!

لعلها تعجبت في الصباح أنها تنام بمنتصف الفراش بلا سبب! لكنها أرجعت ذلك لاضطراب نومها حال حزنها، لم تفكر في الأمر كثيراً، هي على يقين أنه لا يلوي إلا على مصلحة ذاته، وراحته هو، عندما احتاج إلى رجوعها في حياته أفاض من كرمه فأحضر الورد والعشاء، بضعة أيام ثم يلقيها كالمزهرية بلا لون ولا طعم بدونه، أوليست المزهرية بلا طعم بدون الورد!

هي تعرف عادات الرجال، تتذكر كل نصائح جدتها، أمها، زوجة عمها، وبنت خالها الكبرى، تتذكر كلمات صديقتها المتزوجة عن الحب بعد الزواج، أن الرجال ليسوا ملائكة، أنهم أبشع مما تتصورين، أن الرجل الذي تحبينه حتى النهاية يقتلك قبل النهاية بكثير!

يؤلمها قلبها لتذكر كلماتهم، يؤلمها انها تشعر بالطعن من جديد، تسامحت كثيراً لكنها ماعادت تقوى على الأمر... تفر بسمة ساخرة من شفتيها كأنها تقول وقد كان ما قالوا وا أسفاه!

تكتب وتكتب وتكبت في ذاك الدفتر الذي تنساه على المنضدة الصغيرة فيقرأها، يثور، ويتألم، لكنه يذكر كيف أنها عادت للسكون بين يديه فيهدأ!

لم تكن تلاحظ وجوده في البيت، كان يعرف طقوسها فيتجنب أن تشعر به، بالأمس نظف كل شيء وهي بالخارج، لاحظت هذا فقط صباح اليوم وهي تعد القهوة، لم تعلق ولم تفكر، كانت تتعامل كأنهما غريبين في البيت يتشاركان العيش في غرف منفصلة.

قررت في هذا اليوم أن تركض لمدة ساعة، ثم تدور حول الحي بدراجتها برفقة الصغير الجميلة لساعة أخرى أو أكثر...
عادت منهكة ...

اغتسلت، ودخلت مشعثة إلى غرفتها، صففت شعرها بسرعة وبلا اهتمام، وألقت بنفسها على السرير ونامت!

هذا الحلم الذي رأته منذ يومين يطاردها، لعله يطاردها عند التعب أكثر،

كان هو شعر بخروجها، قرر أن يحدث أي تغيير لها، كان قد أحضر فيلما جديداً يمنّي نفسه بأمسية معها، فهيأ المكان، ولكنه لم يتعلق كثيراً بالأمل،
أنهى بعض أعماله من المنزل، وكان التعب يقتله، لكن القهوة صديقة المتعبين واللاهثين، كانت تمنحه بعض التحسن لينهي كل أعماله،

كان في الشرفة ريثما عادت، وما إن بدأت في النوم وعاودها ذات الكابوس، حتى بدأ يصل مسمعه بعض صوت، أنين؟
هل عادت تبكي؟
هرع إليها، كالعادة تنام ويعاودها الكابوس، لا دموع اليوم على وسادتها أو رموشها، لكن بعض الأنات تظفر منها، ابتسم لوجهها النائم رغم عبوسه،

الآن سيمارس هذا السحر!

مسح على وجهها وجبهتها، زال عبوسها، وأمسك يدها، فاطمأنت كالعادة أصابعها إليه، اليوم قرر أن يهمس بأذنها،

إني أحبك!

هدأت، سمعته، أدخلته حلمها، حيث كان هناك وكان هنا!

اليوم قرر ألا يهرب، أن يضمها، أن يفاجئها بالأمر مهما كانت ردة فعلها، أن يحملها في قلبه كما كان يفعل دوماً، أن يستسلم للنوم تماماً دون أن يترقب حركتها فيفزع ويفرّ هارباً منها قبل أن تصحو.

انزلق بجانبها، وضمها إليه، ونام..... فقط نام !

تشعر بالعطش الشديد، تقلق من نومها، شعر بثقل ذراعها، ذراع أخرى فوقها، تفزع، تجده هو، تغضب، تعود لتنظر في وجهه الساكن بجوارها، تتذكر براء تلك الملامح التي أسرتها من اليوم الأول، هدوء قلبه الذي افتقدته، إحكام ذراعيه عليها كان كان يفعل دوما حينما يريد أن يهديء روعها، رائحته التي اشتاقتها، تضع وجهها في صدره وتملأ أنفها منه،

تتسلل من بين ذراعيه، وتشرب، وتتسلل إلى بين ذراعيه، وتتظاهر بالنوم، وكأن شيئا لم يكن! :)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق