الخميس، 19 مايو 2016

في الحزن دواخلنا!

في الحزن نكتشف أنفسنا، لأننا نقف أمامها وفقط، بلا ملابس أو تبرُّج، بلا أصدقاء أو صحبة أو سند، بلا صخب .....

ننفرد بها وبتلك المكنونات الخفية التي تطفو على سطح الهشاشة النفسية ....

لأكتشف هذه المرة أني لست قادرة على خبز أي شيء!

نعم!
كيف وصل الحزن بي إلى تلك الدرجة؟

عندما كنت أحزن، كنت أنفجر في البكاء لأيام، أعاني القولون خلالها ولأيام أخرى بعدها، أعاني الأرق، البكاء في منتصف الليل، أو في الصباح الباكر جداً!!

عندما كنت أدفع لنفسي جرعات إفاقة ... كنت آكل لوحا كاملاً من الشيكولاتة الناعمة، كوباً ساخنا من القهوة أغرق فيه

أصبحت أترك قهوتي حتى تبرد ... أنساها ... أنساها فعلاً  ..- -... أفاجأ أنها هنا وأني نسيتها والتهيت عنها... بم التهيت؟

هل أسكرني الحزن إلى تلك الدرجة؟

أحياناً أشعر أنه ربما أماتني!

أنا التي لا تحتسي القهوة بل تغرق فيها، أحتضن الكوب بكلتا كفيّ كأني أحضنها، وتحضنني، وأذوب في لذتها كقطعة سكر، أذوب في قهوتي وأنسى كل شيء، عندما أريد أن أنسى أي شيء لبرهة، عندما أريد أن أسترجع نفسي، أن أشعر بأنا التي دهست في زحام العمل أو المشكلات، أهرع إلى فنجاني، أضنع قهوتي مع بعض الحليب، أتأنى في صناعتها إن كنت في المنزل، وأتمتع بانتظار الماء أن يسخن إن كنت في العمل، أشاهدها كطفلتي، وأكلمها كصديقتي، وأحتسيها على مهل لا على عجل!

مهما داهمني الوقت، أضعها بجانب الحاسوب، أعمل ولا ألتهي عن محادثتها، أحتسيها بحب ... حب بالغ ... حب جارف، وأشتاقها نظراً لأني لا يجب أن أشربها بانتظام مثلما كنت لأن معدتي أصرت أن تشارك القولون بعض الأسى فأصابتها القرح جراء عصبيتي وجنوني،
يزكي القهوة دوماً مكعبا من الشيكولاتة، ناعم ومخملي، أو ناعم وسكريّ، أو ناعم وغامق ومرّ، تحب القهوة الشيكولاتة، ولا تغار منها أبداً، لأنها كالنساء الواثقات بحسنهن ومكرهن تعرف قلبي!

لوح من الشيكولاتة قادر على تغيير وضعيتي، ومزاجي، قادر على تسليتي لساعات على الأقل إن لم يكن ليوم كامل...
ألتهم الشيكولاتة ولا شيء يحدث، ألتهمها وأبكي، ألتهمها ويشتعل قولوني، ألتهمها وينفطر قلبي!

ما عدت أدخل مطبخي!

عندما يهزمني الحزن، كنت أدخل المطبخ، أقف على بابه وأصيح بداخلي، هيا نصنع بعض البهجة!

طبق من السلاطة الملونة...
صينية من المعكرونة والجبن!
طبخة شهيةمن أشياء أُأَلفها مع بعضها فتصبح طبقاً شهياً ينال إعجابهم، أفتخر بنفسي، أبتسم لهم، أبتهج في قلبي، أتباهي بأطباقي، أشعر بأني أعود من جديد إلى نفسي !

قادرة تلك المرأة على الوقوف من جديد إن أجادت صنع طبخة!

عندما يقتلني الحزن

أقرر أن أخبز شيئاً

العجين شيء محبب، لأنه يعلمني الصبر، لأنه يمنحني الهدوء، لأنه يجعلني حريصة ورفيقة جداً، العجين كالطفل الرضيع، يجب أن ألاطفه، وأحمله دوما بحرص، لهذا أحب العجين!

الكعك أيضا( الكيك) شيء دقيق، أقل الشيء يفسده، وأنا؟ لكم أحب معاملة هؤلاء الأطفال!

رائحة الخبز في الفرن شيء مريح، دافيء كالحضن، كالبيت، كرائحة الطفل الصغير، كرائحة الحليب مع بودرة التلك، كأولى نسمات الصيف، وأولى زخات الشتاء، شيء نقيّ، كتفتح أولى زهرات الربيع، أنتظره كالأم أو الأب في ساعات المخاض، وأبتهج به لأيام قادمة!

كلما اشتد علي الحزن ولم يفلح الطبخ، أقول لنفسي سأخبز شيئاً

لكن يفاجئني لوح شيكولاتة بقدرته على تخطي الأمر، ويفاجئني فنجان القهوة بصموده، ويفاجئني طبق السلاطة بعنفوان ألوانه، وتفاجئني الأشياء القدرية البسيطة، فألتهي .... مثل الطفلة ألتهي... وأنسى الخبز، وأنسى الحزن!

لكن؟

ماذا حدث تلك المرة!

أنام حتى كأني لن أصحو مرة أخرى!
وأسهر كأني لن أنام....
أترك الأكل كأن صيام الدهر فرض
وأزدرد طعامي كأني لا أمضغه التهاما!!
وأكل لوحا كبيرا من الشيكولاتة في دقائق لا يمنعني سوى السكر فأشرب بعض الماء وأكمل ولا أشعر بشيء!

لا يخطر المطبخ على خاطري، لا أشتري الأشياء ولا أحضرها، لا أخبز، لا سلاطة، لا معكرونة، لا شوربة، لا شيء! لا شيء أبداً!!!!

بعصوبة قلمت أظفاري، بصعوبة تذكرت أنه على تقليم أظفاري حينما عجالها التكسر!


أكتشف نفسي من جديد هنا، أكتشف أني لم أكن أحزن من قبل، إن الحزن الذي لا يغير دواخلنا لا يعوّل عليه(*د هبة رؤف)

وهذا الحزن يا عزيزي قطعة السكر، يهدم كل دواخلي، ويطفيء التماعة عيني، ويحيل على بسمتي الأتربة، فلا أراني أنا التي كانت أنا، ولا أرى قلبي الذي كان قلب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق