السبت، 14 مايو 2016

كوابيسي والكتابة!

أعرف أني أستغل كل شيء لصالح الكتابة، الحزن والمرض والفشل العاطفي وإخفاقاتي الكثيرة في الصداقة.
أعترف أني أستغل نفسي، أستغل ضعفي ومخاوفي وهلاوسي واكتئاباتي في الكتابة ولصالح الكتابة، أستغل كلمات وفية ورقية سمعتها من شخص محب، وأستغل دناءة آخر معي!
أستغل تلك المواقف العابرة في الطريق، أستغل حديثي الشخصي مع نفسي، أستغل سكوتي وأستغل صخبي لصالح القلم!
أحياناً أدرك أني أحب الكتابة أكثر مما أحب نفسي، أدرك أن تلك التجربة البشرية علينا إعلانها وإظهارها والحديث عنها، أدرك أنه من المهم جداً تدوين الخوف والألم والحزن العميق الذي يدب دبيباً في أعماق القلب!
من المهم تدوين ذاك الصراع الذي يدور في دواخلنا، ذاك الألم الذي ينهشنا، وذاك الخوف الذي يفترسنا، مثلما نكتب عن الحب الدافيء والفرح الملوّن، والأصدقاء المحبون المخلصون الذين يعبرون كنسمات الصيف الندية في الحرور!


اليوم، كنت مضطرة لأصحبه أو بمعنى أدق ليصحبني في الطريق، أخبرته أنه يكفي أن يعبر بي تلك الفيلات المتناثرة هناك وصولا إلى الطريق ومن ثم سوف أستقل أي مواصلة إلى بيتي الذي يبعد ثماني دقائق عجاف فقط!
هزّ رأسه وأكمل سأوصلك!
أرجوه بشيء من الخجل والترقب والاعتداد بالذات، وأشكره جدا على هذا الجميل الذي لا يكاد ينسى!
يتجاهل بأدب.
فجأة يسألني ..... ما اسمك؟
سارة!
صمتَ
تفاجئت! لم يعلق على اسمي لم يقل أهلا ... لا شيء ... صمت!!!

أقول برعب، هل هذا الطريق آمن بما يكفي؟
لا يرد!
أريد أن أصرخ به، أن أخبره كل تلك الهواجس التي تدور في رأسي، أريد أن أخبره أنه أصبح لدي أكثر من فوبيا الآن!! أني لم أعد تلك الفتاة التي تحب المغامرة والاستكشاف والتي تتحدث في رأسها طوال الوقت مع الأشرار وتخبرهم بأنه لماذا لا يمتنعون عن الشر؟ ولماذا لا يصحبونها في رحلة شريرة، وسوف تعد وتقسم أشد القسم( وتشاور على قلبها) أنها لن تفشي لهم سرّاً أبدا، بل سوف تحفظ لهم أسرار المهنة في الحفظ والصون!
أخبره بأن كوابيسي تلك الأيام كثيرة، وهو أمر قاتل لأمثالي، هؤلاء المجانين الذين يؤمنون بالحدس والرؤى والعلامات والإشارات، ولا مانع لديهم من قراءة حظك اليوم والتفاؤل والتشاؤم غير أني الذي يمنعني عن الدجل هو حديث النبي عن عدم قبول الصلاة لأربعين يوماً، أبتهج لرؤية تلك السيدة التي تقرأ الكف وتوشوش الودع، أريد أن أجلس مرة إلى ودعها وتخبرني أني سوف أتزوج ذاك الشخص الذي أحب، وأنه سوف يكون مثل الأمير تشارلز مع سندريللا، أو أنه سوف يكون طيباً جداً جداً  مثل هذا الفارس النبيل الذي لا أذكر اسمه مع الجميلة التي أحبها، أو أنه سوف يبني لي ذاك البيت التي تخيلته ويخصص لي حجرة للكتابة -لا للرسم كما فعل مع حبيبته- تطل على البحيرة فأشاهد رقصات البجعات وأكتب وأكتب عن تغيرات الربيع والخريف على تلك البحيرة! مثلما فعل نوح في ( the notebook )
أو يكتشف فجأة أنه يحبني بعدما غادر الحفل، وتسكع في الطرقات يحاول فهم سر انجذابه لي وانجذابي له، سوف يقبلني قبلة طويلة وينام على كتفي وفي الصباح سوف نقول في نفس الوقت لقد كان من الخطأ أن نفعل ما فعلنا بالأمس، سوف نتظاهر لمدة طويلة أنا أصدقاء، سوف لن نرتاح مع هؤلاء الذين نقحم أنفسنا معهم في علاقات مستنزفة مملة ورتيبة وغاية السخف، سوف لن نبتسم سوى ونحن نراقب بعضنا من بعيد، سوف نحمل ثقل القلب، حتى يدرك الغبي أنه يحبني، ويلقي هذا الساندويتش الشهي من يده ويعود راكضاً إلي ليجتذبني من الحفل ويضع أخيراً تلك النقط المتناثرة فوق الحروف البائسة الحزينة لتضيء من جديد كما فعل هاري مع سالي ( when Harry met Sally )
لكن العرافة سوف تتجاوز وجع القلب، وسوف تجعل أميري هنا وفقط، بلا تلك الترهات التي صادفت البشر وأوجعت قلبهم!
أتعرف لماذا؟ لأني لن أتجمل أمام من أحب، سوف أخبره أني أحبه، وسوف أخبره أني لا أعرف حلاً لذلك، وسوف أخبره أني لا أريد شيئا وراء ذاك الحب سوف دفئه الذي يملأ قلبي ويجعلني أبتسم وأنام قريرة العين بلا كوابيس ليلي!

لكني لم أجلس إلى العرافة، ولم أجد الأمير واقفا تحت الشجرة بعد شجارنا، ولم يعزف لي مقطوعة جميلة من أنغام ريو التي أحبها، ولم يفاجئني في اليوم التالي في العمل يحمل باقة ورد، ولم يترك كل شيء ويركض إليّ مثلما فعل هاري، ولم يكن كالفرسان الذين لا يرحلون بعيداً عن ساحات الحب والحرب .... ولم أجد شيئاً غير كل الحزن في كل تلك القصص جميعاً!

ذلك القلب المفطور .....

أقحمه فجأة داخل رأسي وأحدثه، أتخوف منه، وجهه البريء جداً وعيناه الناعستان يثيران غضبي وحنقي وتخوفاتي كلها، هل سوف يستدير و.... ماذا سوف يفعل؟
القطط السوداء؟ هل تلك هي النهاية المشئومة؟
هل لهذا الشخص الغريب الذي أتبعه في الليل إلى طريق يوصلني لبيت علاقة بكوابيسي؟ لماذا يبدو أكثر طيبة مما ينبغي أن يكون عليه شخص في هذا البلد؟ لا أعرف! وهذا يثير جنوني وحنقي وخوفي وسخطي واستغرابي في آن واحد!
اللعنة!
هل يسمع صوت أفكاري؟

شكراً هنا جيد جداً، سوف أصل لبيتي بأقل من خمس دقائق، لا بأس ، لا داعي لمرافقتك!

هل قلت لك في داخل رأسي أني أخاف من الرفقة أكثر من الوحدة؟ الوحدة جميلة وهادئة ومريحة ولا تجعلني أضع التوقعات والأسئلة الكثيرة، ولا تجعلني أضعك في خانة التساؤل حتى نهاية الطريق أو الصداقة أو العلاقة، ولا تجعلني أبتسم لك رغماً عني، أو أبتسم لك بصفاء لم يعد يوجد، أو أتصنع تلك البسمة الحمقاء!

أوقف السائق...... ركبت ....  لوحت له مودعة ..... استدار وجلس بجواري من الناحية الآخرى .... سوف أرافقك الطريق!

يا إلهي .... هل تمازحني أيها الشاب بملامح فتى صغير؟ هل تمازحني؟ هل سوف تبقيني وسط أسئلتي لخمس دقائق أخر؟ يا إلهي ....

هل أدفع الأجرة؟ أدعه يدفع؟ ماذا لو أحرجني؟ ماذا لو ليس معه ما يكفي؟ ماذا لو دفعت الأجرة فصار موقفا محرجاً له؟ أنا عنيدة وإن فعلت لن أتراجع سوف أعطيه ظهري وأصعد الدرج في أمان شاكرة المولى أني وصلت آمنة لبيتي وليحترق العالم!
ولكن .... لقد كان شهماً معي ـ أو هكذا يبدو ـ فهل أجازيه أن أصغر حجمه أمام السائق؟ ثم ... هذا الفتى حساس جدا، سمعت عنه من صديقتي .... قالت أنه حساس جدا وذكي جداً أيضاً، من الصعب جرح إنسان حساس على وجه الخصوص!
قد يعتبر دفعي للأجرة إهانة له! ماذا لو لم يكن معه ما يكفي؟ هل سوف يتظاهر بأنه لديه المال؟ هل سوف يتظاهر ثم عندما يصل إلى بيته مع نفس السائق يصعد للأعلى ويحصل على مال وبقشيش؟ لا أعرف! ماذا أفعل؟ يا إلهي .... هذا الكائنُ الكائنَ بجواري يثير أكثر مما يجب من التساؤلات برأسي ... يسبب لي الصداع منذ ألقى التحية علىّ !

وصلت .... لم أدفع الأجرة ... شكرته جداً لذوقه .... نزلت .... متباطئة أم سريعة راكضة كنت أمشي لا أعرف ... لكني لما لم أسمع صوت المحرك يدور استدرت فجأة .... كان يطلّ ناحيتي .... ارتبكت! لوّح لي مودعاً ... لوحت في شيء من تلعثم!!!

ثم صعدت الدرج بسرعة جداً ...... سرعة الهروب من شخص جديد! ... وجه جديد ... نبرة صوت جديدة ... يا إلهي !

أتجنب التأمل في وجوه العابرين وقد كانت هوايتي قراءة وجوههم ... لم أعد قادرة على إضافة وجه آخر إلى كوابيسي!
الكوابيس تؤلمني وتنهش في روحي!

أبتهل ... أصلي ... أسهر ... أتعب في العمل .... أنام كالقتيل .... ثم تأتيني الكوابيس المريرة لتقتلني كل ليلة من جديد!

لا أريد أي خيالات لعقلي ... لا أماكن جديدة ولا شخوص .... لا أحاديث قد تضيف فكرةً أو تأخذ أخرى .... لا شيء ... أهرب من كل شيء ..... من نفسي .... من الكتب ..... ومن الكتابة ... أحاول تجميد عقلي عند الفكرة أو اللافكرة ... ولكني رغم كل ذلك لا أستطيع !

ليقفز ذاك الغريب الليلة إلى خيالاتي المريضة .... المريضة جداً ...... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق