السبت، 24 سبتمبر 2016

إلى القاريء المستدام!

لقد تكلمنا يا عزيزي منذ زمن ... وأخبرتك أني لم أكتب منذ فترة طويلة، لاحظت أنت ذلك واستنكرته، وقلت لي لماذا؟

اكتبي ... أعطني طاقة الجمال المعهودة في كلماتك، أعطني بعض الأمل والسكون ....

أفتقد الألوان في كلامي يا عزيزي، يخرج بين الأبيض والأسود لا يتعداهما ...

أخبرتك وقتها أني أكتب، ولكني أضغط كلمة "حفظ" بدلا من "نشر" وأن المسودة بها أكتر من مقالة لم أجرؤ على نشرها بعد!

تسأل باستنكار لماذا؟

أخبرك أن تحمل الوخز في قلبي أهون من دبيب ألم في قلب روحي المعلقة هناك بمكان آخر!

تخبرني أنه ليس علي الاعتكاف في محراب الحزن وحدي! أنه على الآخرين تحمل تبعات أفعالهم، تحمل بعض التعب...تلك هي الحياة!

أخبرتك وقتها وقلت لك ... هل تعلم ذاك الشعور الأمِّي الذي يجعل نشيج الطفل يحفر في قلب الأم، ويجعل سعاله يجرح في صدرها وحنجرتها، ويجعل مغصه يلوي أمعاءها، ويجعل دمعاته تشق أخاديد وجنتها، ويجعل جوعه يقطع معدتها...

هل تعرف هذا الشعور؟ يؤلم قلبها على القرب والبعد على حد سواء؟ لا أحتمل فوق ألمي وجع قلوبهم، لا أحتمل فوق ذاك المغص الذي صار رفيقاً صالحاً أن تشيكهم شوكة، ألا تمر الرياح سَكِيْنة بجانب خدودهم، إن قست الرياح عليهم تخدش وجهي أنا، ويصير تشوه الدمعات في عيني أنا!

قلت لي ... لم تحملين نفسك كل هذا الألم؟

أخبرتك أني ... لا أحمل نفسي شيئاً، لكنه يا صديقي .... هذا التلازم الذي لا نسميه حباً، ولا نسميه شيئاً، لا نسميه كي لا نحصره ونحسره، لا نسميه لأننا حقا لا نعرف ما نسميه!

الحياة تمر ... صدقيني ... تحركي!

أعرف أنها تمر ... ومن قال أني لا أتحرك ... أنا أحملهم في قلبي وأمشي..... أتوق لهم ... وأهرب منهم ... من قال أني لا أتحرك؟ إنني أجري يا سيدي طوال الوقت، لكني لا أجد شيئاً ... أشرع ذراعاي طوال الوقت ... لكني لا أحضن سوى الهواء .... أمد يدي وقلبي وصوتي وفكري .... لكن لا يصلني حتى دبيب الصدى!

من قال أني لا أتحرك؟ أنا أمشي، أجري، لكني لم أعد أتقافز مثل الفراشات! هذا يا سيدي كل شيء!

الحياة تسير بدونهم .... حتما غدا سـ.....

نعم تسير ... تسير وحدها ... وتدعني وشأني ... وغدا؟ ... لم أعش للغد ... أتمنى ألا أعش أحياناً .... وأحياناً أخرى أتمنى من الغد فقط ذاك اللقاء!

سارة ... الحياة أبسط وأعقد، لكنها يجب أن تمر، وأنت يجب أن تعودي للكتابة وللحياة....لا تتوقفي من أجل أحد!

ثانية؟ من قال أني أقف يا سيدي ... أنا أسير ... أجري ... لكن قلبي هو الذي توقف ... وعدته تلك المرة أني لن أجبره على التنحي أو الموت أو السير بعكس الاتجاه....سأدعه يقف .. أو يموت!

ولا أذكر يا سيدي باقي الحديث!

لا أذكر أين انتهينا يومها .... لا أذكر سوى أن كلانا يرد على ظاهر الكلام ولا يعرف جدا بواطنه ... لا أذكر سوى أنك سلكت طريق النصح، وأني آثرت إبهام الكلام ... لا أذكر سوى أني أخبرك أني أريد أن أنشر ما أكتبه! لأني غير راضية عني وغير ساخطة ... لكن ما ذنب العالم في مأساتي؟ ما ذنبك أنت في عدم القراءة؟ وما نفع أني أحب الكتابة إن لم ألون بساتين البشر؟

سأكون ساقطة يا سيدي إن بعت الوهم لهؤلاء المتعبين!

سأكون ساقطة إن أخبرتهم أن النور هناك وأنا قابعة في غرفة مظلمة تفوح منها الذكريات الهزيلة من شدة الحزن تحارب كي تجد بصيص النور فترشف منه رشفة أمل أو تسرق منه قبلة حياة!

سأكون ساقطة إن لونت أوراقي أمامهم، والظلمة تطغى على الأشياء!

من أين أوزع تفاح الأمل وسلال الحب والنور عندي فارغة؟! سلال النور لدى صاحب الزهر وسيد الورد وتنين الفراشات!

أكتب الليلة لك ... يا قارئي المستدام ... أعتذر لك بشدة عن خيبة أملك في قلمي ... وخيبة قلمك في أملي!

أعتذر لك عن كل تلك المسودات الممنوعة من النشر، وكل تلك الأفكار التي تستعصي على القلم، وكل هذا الحزن الذي لم يستحيي بعد مني، وكل هذا الأمل المهاجر بلا كلمة وداع أو عناق يعد بلقاء جديد!

سامحني ..،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق