الجمعة، 30 يناير 2015

جبران البائس ... !

جلس أبي بلحظة تجلي يسرد الذين يتمتعون بحسٍّ فني في عائلتنا

ذكر من ذكر في الرسم والتصميم ، وعند الكتابة قال : ولدينا مثل "مي زيادة " ... سارة تكتب جيدا !!

استوقفته في عصبية شديدة

قلت له لا يا عزيزي لا أريد لنفسي هذا الكم من الألم والبؤس .... مي زيادة ؟ تلك امرأة كانت وعاشت بائسة جدا !!!!

انت لا تعرف سوى وجه امرأة يلتف حولها أعظم كتاب عصرها .... ولكنها كامرأة كانت بائسة حقا !!! قل لي بربك أي سعادة في أن أعشق رجل لعشرين عاما دون أن أراه !!! أعشقه كتابة ثم يموت دون لقاء واحد ثم تدخل بعدها مصحة نفسية ثم تقضي سنوات قليلة وتموت إثر حزنها وحدتها !!!!

أي بؤس ذاك الذي عاشته لأجل رجل لم يفكر يوما في لمس يدها ولا رؤية عينيها ؟

ألم يفكر يوما في الأمر ؟ بربك قل لي أي سعادة تلك التي تجنيها ؟

لا أريد أن أعيش مثلها ولا قصتها مهما خُلع عليها من ألقاب لماعة وبرًّاقة ،

أريد أن أعشق نعم أذوب عشقا ، وأجد رَجُلي الذي أقضي معه بقية حياتي ....  أريد أن أعيش معه ما تبقى من أيام عمري حتى ساعاتي الأخيرة ... لو أن أمر النهاية موكول إلينا لاخترت الموت بين ذراعيه ، لاخترت أن أنتهي ووجهه آخرة صورة في إنسان عيني !!!

لاخترت يا أبي أن أكون مثل رضوى عاشور .... أعيش مع من أحببت لآخر عمري في دفء قلبه !!


.....................................................................................................................................

جبران البائس 

جبران خليل جبران ، هذا الأديب الرائع ذو الحس المرهف الجميل ، يعشق في صمت سلمى كرامة ، يحبها جبا جما ولكنه في نهاية الأمر لا يقف لحبه ولا يعلنه ولا يدافع عنها ، يترك سلمى كرامة ليتم اغتصابها باسم الله في زواج بأمر مطران الكنيسة لابن أخيه الثري جدا والمترف جدا والمستهتر جدا !

كوردة فواحة سيقت إلى حتفها ، سيقت سلمى كرامة إلى زواج لا يناسب نعومة مشاعرها وطهر قلبها ....

وقف جبران من هذا الزواج موقف المتفرج ، لم يعلن حبه ، لم يحارب ، لم يقف بوجه المطران ، لعن الكنيسة ألف لعنة ، وانتقدها بعد ذلك باقي سنوات عمره في كتابات مختلفة ، كان رجل حب لا حرب ولا ثورة تتعدى كلمات الكتب !!!!!

أي حب بلا حرب وتحدٍّ وثورة دامية يا سيدي إن لزم الأمر ؟ 

باح بحبه ، امرأة متزوجة ، وعاشق يرى بها سحر الدنيا بأسره ، لم يبتعد ، بل اقترب ، استرق معها الحب في الخفاء ، بين أحضان الأديرة الصغيرة ، في الطبيعة الرقيقة كرقة ملامحها كانا يجلسان ، تبثه شكواها ويبثها لوعة قلبه ! 

الذئب الذي خطف شبابها يعربد في الليل ويسرق أقوات البشر بالنهار ، يكسر نضارتها بحمل لم تحبه ولم تكرهه ، طفلة فارقت الحياة قبل أن تنظرها ، وفارقت أمها أيضا تلك الحياة التي سرق منها كل شيء الأم والأب وأموال الأب وحرية الشابة وحب حياتها !

ارتحل جبران ، انطوى على قلبه الحزين ، كتب ، عاش قصص البائسين ، اهتم للمرأة أيما اهتمام ، نشر تلك القيم السامية الرفيقة ، ولكن أي حرب تلك يا سيدي التي لا تتعدى حدود السطور والورق ؟


برقت ........... كنجم شارد حزين في سماء صافية كئيبة ، برقت كلماتها كالوهج الأول لاشتعال نيران في صحراء مقفرة بليل لا نجمة فيه ولا قمر ! 

برقت 

وكانت عيونه تشتاق البريق والنور ، قلبه مشتاق إلى نسمة الإنسانية التي رسمتها مي ، أخذته بكلماتها الصلبة العذبة ، اخذته بسعة عقلها ورقة قلبها ورجاحة فكرها ، راسلها ، وكانت تراقب كلماته وتعشقه ، توجست خيفة منه ، أحبته ولم تفصح ، قرأته بسطور الكتب ، وعرفها بخطوط القلم ..... ثم ............ أحبك !

وإنني اكتب كل هذه السطور لأتحاشى كلمة الحب يا جبران ! هكذا قالت الجميلة مي زيادة ........ هكذا نطقت بعد سنوات وشهور يلتهب قلبها بالحب !!!!

أي امرأة تلك التي تدل الفارس على فرسه ثم تعطيه خريطة قصرها كي يأتي ؟ 

أي مفتاح ينتظر الرجل من امرأة أكثر من اهتمامها به ، وفراغ وقتها له ؟

أي إذن ينتظر منها أكثر من كلمة أحبك ؟ كي يركب البحر ويشق عباب الموج إليها مشتاقاً لضمة قلبها وذراعيها الصغيرين ؟ 

أي شيء أعظم عند امرأة عشقت من جوار الحبيب .......... ولو جوار صامت كسكون الليل ...... يتبادلان فيه صوتا هامسا لا يتعدى كونه صوت تنفسهما ........ لا شيء .... لا حرف ..... لا كلمة .... سكون الجانب ... سكون كل قلب إلى وجود صاحبه هنا في المحيط القريب !!!!

أي بؤس أقرأه عندما أجدهما تبادلا الرسائل عشرون عاما بلا لقاء !!!

أي بؤس يكمن في عشق بلا لقاء !!!

بلا ارتعاش صوت وتردداته ؟

بلا رنين ضحكته تملأ القلب سعادة لأيام قادمة ؟

بلا أيد تشتبكان في سكون ، يرتاحنا في راحة بعضهما البعض .... يسيران بجانب النيل الحزين أو البحر الصاحب ؟

بلا سفر .... يتشاركان فيه المتعة والمغامرة والاكتشاف ؟

بلا صعب ... يتقاسمان فيه المشقة والحزن والألم ؟

بلا حلم يتشاركان فيه التفاصيل والألوان ؟

بلا تأملات ..... يسترقان فيها النظر إلى عيون الآخر ....... فيرون أنفسهم في تلك الروح المتجسدة في جسد ليس هم !

يا إلهي 

كم أنت بائس يا جبران !!!!!

أن تصف الحب بين معشوقي لبنان .... أن تتأرجح بالحكايا بين دروب بيروت والقاهرة .... أن تنقم كل هؤلاء الراضخين لأمر القدر ثم لا تكسر الدائرة ولا تكن أنت القدر !!!!

كم أنت بائس يا جبران !!!

أن ترضخ لأمر القدر أنك في شمال الأرض وهي في جنوبها ، أنك في غرب الكوكب وهي في شرقه ، كيف لم تركب الموج إلى القاهرة حبا لها ؟

كيف لم تثرك جموع المحبين في بساتين أمريكا الشمالية يتبادلان الزهور ولربما القبل أن تأتي إلى محبوبتك بباقة ورد صباحية إلى بابها ، او شباكها !!!

كيف تصوغ كل تفاصيل العشاق ، وتحرم قصتك من تفاصيل رائعة !!!

كيف يصبح الحب لديك مجرد فلسفة عاجزة عن ضم محبوبتك إلى صدرك وإخبارها أن كل شيء يا مي سيصبح بخير لأني يا عزيزتي هنا ؟ 

بائسة هي أيضا أعرف !!

بائسة أنها لم تطالبك بباقة ورد !

أنها لم تطالبك بلقاء ... بفنجان قهوة معك سيصبح الأروع على الإطلاق 

بائسة أنها لم تخبرك أن جوارك سيكون أروع 

بائسة أنها كانت على قدر رائع من الحلم والخيال أن تكتفي بروحك في خطوط الرسائل 

بائسة أنها كانت تصد كل يوم شاعر وأديب ومفكر وفلسفي لأجلك يا ايها السراب الفقير

بائسة أنها أحبتك جدا

أحبتك بجنون 

أحبتك كما لم أر امرأة تحب

أحبتك قدر ذهاب عقلها حزنا عليك 

أحبتك قدر فناء عمرها وحيدة ، تؤنس وحشتها برسائلك !!!! 

لكنك الأكثر بؤسا أتدري لماذا ؟

لأنك تعلم جيدا كيف شعور المرء بجانب المحبوب

لأنك رافقت سلمى كرامة في البساتين المورقة في ربوع لبنان 

لأنك تعرف أن الورد في سيقانه أجمل جدا عندما تتفحصه وتتفحص انعكاس نضارته على وجهها وهي تبدو كزهرة الياسمين بين الزهور !!!

لأنك تعرف أن فراشتك ستبدو الأكثر إشراقا بين فراشات الربيع 

لأنك تعرف أن أنغام أغنية يبدو أكثر ملائكية عندما تجلسان في صمت كأنه حرم اللحن وحرم الكلام !

لأنك دخلت قداس الحب مجيئة وذهابا وتعرف أن الصلاة بمحراب الحب لا تجوز فرادى !!!

بائس أنت يا عزيزي ، لأنك كتبت عن شوق لقاء العاشقين ويكونه وهدره كموج البحر ، ثم أنت كبِرْكَةٍ حزينة عطنة في نهر الحب الخالد الخرير !!



بائس حقا ، لأن مي أعطتك مفتاح قصرها حينما قالت أحبك ......... وأنت كنت أكثر أنانية أن تكتفي بإرسال الحب كلمة في خطاب يصلها بعد أسابيع

بدلا من إرسال حبك قبلة على ثغر الزهور الصباحية ، ولحنا تعزفه لها تحت نافذة غرفتها ، ولربما كان يا صديقي فنجان قهوة تدعوها إليه في ظهيرة خريفية ببستان يتشح بالأحمر والأصفر والأخضر، تودع فيه الفراشات الزهور ! 


هناك تعليق واحد: