السبت، 9 مارس 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (٤)

في لحظة تنسى من أنت حقًّا؟

كيف كنت تبدو؟ 

وكيف كنت تبتسم وتأكل وتمشي؟

ماهو لونك المفضل؟ وما هي أغنيتك المفضلة؟

هل كنت تحب هذا الفنان؟ أي نوع من الموسيقى؟ أي عرض أوبرا كان يمتعك؟

أي طريق كان يخفق قلبك فيه؟

وأي وجهة كانت تشرح صدرك؟

أي طبق مفضل؟ وأي نكهة أفضل؟ واي مشروب يضمك؟ وأي طعم تتحاشاه!

من أنت؟

وما هي هويتك حقّا؟

هل أنت أحد؟

هل أنت لا أحد؟

أم أنك كل أحد؟

أي صوت كان يزعجك؟

ولماذا لا تحبذ هذا اللون من الموسيقى؟

ولماذا تزعجك تلك الفتاة بالتحديد، وهذا الرجل بعينه؟

أي نوع من الأفلام كان مهربك؟

هل لديك كهف؟ هل له لون؟ شكل؟ رائحة؟

 هل لديك سرّ؟

هل لديك سحابة بعينها تطير فوقها؟

وهل لديك نجمة أمنيات؟

وهل لديك جنية طيبة؟ أو أسطورة تعيش بها؟

هل لديك معتقد ما؟ أي معتقد؟

هل لديك إيمان حتى؟

من هو .... أي أحد؟ 

من هو إيمانك وهل مازلت تؤمن به؟

هل مازال معتقدك مثلما هو؟

هل خيّب أملك بعد؟


من أنت؟

من أنا؟

في لحظة أحتاج لأجابة واضحة ..... من أنا؟

أيهم أنا؟ 

تلك الشريرة التي لم تعتد تحتمل البشر؟ تقتل آلاف الناس كل يوم في عقلها؟ لا تتعاطف ولا تشفق؟ ترى بعض البشر عبئا يجب التخلص منهم؟ تتمنى احتراق الكوكب حتى لو احترقت، لا تبتسم لهذا الطفل، ولا ترق لتلك المتسولة؟ تنظر لهم باشمئزاز شديد، تشعر أنهم مثال لكل ما تكره في الكون من الكسل والتراخي والعَيْلة؟

أو

تلك التي تدمع عينها إذ تر ذاك الطفل يبيع حلوى غزل البنات، في منتصف الطريق تقف له، تبتاع منه، تعتبر حلواه هي يوم ميلادها، تربت على كتفه، تخبره أن يعود للبيت، تود لو تأخذه معها، تحضنه، تدفئه بكوب حليب، وتغير له ثيابه الرثة وتضعه في السرير، ترى أن من حق هذا الطفل أن يحلم، أن ينام قرير العين، أن يصبح في مكان آمن، أن يتناول فطورًا منظمًا ومعدًّا له، أن يشرب شيئا دافئًا، وأن يلبس سترتة نظيفة!

" إن الطفل الذي يبيع الحلوى هو طفل يبيع طفولته " #نجيب_محفوظ

من أنا في كل هذا؟

لقد كنت أعرفها، لقد كانت هنا، لقد كنت أثق بها وأترك لها مجالًا واسعًا .... لقد كانت تبتسم .... لقد كانت تضحك!


عند نقطة زمنية محددة أفقد كل شيء، أفقد كل تلك الإجابات، وأتيه بها، أنت لا تعلم شيئًا عما يعانيه مريض الاكتئاب المزمن، أنت لا تعلم كيف هو الشعور أن تفقد هويتك وذاكرتك وذكرياتك، أن تصاب بالشك والقلق والوحدة القاتمة!

أن تفهم بعقلك مثل الحاسوب حدود العلاقات وأن لا أحد سيقف بجانبك، وألا تفهم أي شيء من هذا كأنك لا تفهم كيف يتواعد البشر ويقتربون ويكونون عائلات وأقارب وأصدقاء!

لقد نسيت كيف أصنع الأصدقاء!

الأصدقاء لا يصنعون الأصدقاء هبة السماء! 

ثم من هم الأصدقاء؟ من هم أصدقائي؟ هل يحبونني حقًا؟ هل أحبهم؟

كيف يعيش الناس مع بعضهم؟ لا أحب الوحدة أكرهها، أريد أن أعيش برفقة طيبة ولكني لا أستطيع!

كيف أخبر أمي التي تريد أن تفرح بزواجي أني ببساطة فقدت تلك القدرة الخفية على الحب والتقبل والأمل؟

أني فقدت كل غريزة طيبة عندما رحل عني الحب! 

أن قلبي قد مات حينما قال لي: لا أحبك على الوجه الذي تعتقدينه، أحبك، ولكن ليس هكذا، أنت أختي!

الزمن قد توقف هناك، الزمن انعدم في الأوقات الأخرى، الزمن لم يعد له قيمة!

في يوم من الأيام سطعت الشمس حينما همس لي أحبك قبل أن أنام، في يوم فقدت فيه وجودي وشعوري بالوجود يوم أدار ظهره!

عادت كل تلك الهلوسات، هرب الأمل، كان يهرب في نوبات اكتئابي ثم يلوّح لي من بعيد

أعتقد أني كنت من هؤلاء المرضى بالأمل قبل أن يبلعني الاكتئاب!

أسخر من نفسي عندما يمر أحدهم بأزمة، أقترب منه وأحضنه، أقول له كل شيء سيمر، ثق بي ..... كل هذا سينتهي
أنظر في عينيه بثقة .... أبكي بالليل ضارعة وأدعو له\لها ...... ينتهي كل شيء .... تشرق شمسهم ... وتغرد عندهم العصافير ....

لماذا لا ينتهي أي شيء عندي؟ ولماذا لا تصاحبني ولو عصفورة .... وتشرق شمسي من جديد؟

لماذا يختفي الامل من عندي دومًا وحينما أناديه يعرض عني! حتى تركت الدعاء وتركت الصلاة!

الله لديه خطة ما لا أعرفها!

خطة أصبحت أخشاها جدًا ..... لا أعرف ما هي؟ ولا أعرف هل سوف تنير قلبي أم لا!

يقول الشيخ هذا بلاء، اصبر وتذكر قدر مولاك!

لكني عزيزي الشيخ لا أحب ذكر مولاي وأنا مظلمة وهو نور ..... لأني لا أريد أن أقول شيئًا أندم عليه

لأني لم أعرف مع الاكتئاب سوى الندم!

كل يوم أندم على أشياء كثير فعلتها أن فعلتها ولم أفعلها أني لم أفعلها!

أُأَجِّلُ السفر، أخاف من المسافات وأختنق بالوحدة، هل ياترى الترحال يصرف ما مسني؟

اذهبي للمعالج، اذهبي للدكتورة .... هذه أسخف كلمات أريد سماعها .... هذه أسوأ نصيحة قد تقدمها لي

لماذا لا تجدولين أهدافك؟ ولماذا لا ترسمين خطة زمنية؟ ولماذا لا ترسلين تلك الرسائل الإليكترونية التي تسألين فيها عن برنامج الدراسة الذي اخترته؟ ولماذا ولماذا ولماذا؟

هل تصدق أني أكره أن يتكرر اليوم؟ أن أمر بنفس الروتين؟ أن أفعل اللاشيئ؟ أن أحتفظ بأعمالي معلقة؟ ألا أنجز أشياء تخص مستقبلي؟

هل تصدق أني أكره التواريخ؟ وأعياد الميلاد؟ وأسماء الشهور تصيبني بنوبة إسهال؟
لا أريدك أن تخبرني أن الوقت يمر

أنا أرى الوقت في أطفال أصدقائي الذين كنت أحملهم بالأمس وأتسكع مع أمهاتهن ثم اليوم نبحث عن مدرسة وعن كتب وعن معلومات مفيدة!

أنا أرى الوقت حبل رفيع يقتلني ببطء ..... أنا لست كسولة كما يبدو لك، أنت لم تعرفني في شبابي، كنت أشترك بأكثر من نشاط في ذات الوقت، كنت أنهي كتابا في الأسبوع وربما أكثر، كنت أتعلم بعض المصطلحات اللاتينية من كتاب أصفر الأوراق، كنت أتابع برامج تثقيفية كثيرة، وكنت ألتقِ بأصحاب فكرة وثقافة، كنت أذهب حيث الربوع المقفرة وأبحث عن الشمس والماء والبذور وأزرعها، كانوا يقولون لأمي لديك ابنة مثل الفراشة

من الذي أحرق الأجنحة؟ لا أدري!

يحضنني طفل صغير، أتمسك بهذا الحضن الدافيء الذي أخجل  أن أطلبه، والذي يفقد معناه إن طلبته، والذي لا أعرف كيف أختاره من وسط كل تلك الوجوه التي لا أثق إن كانت تحبني حقًا؟

كان حلمًا، أني قابلت واحدًا ليس مثلهم، أسميته زهرة الربيع، كان الوردة الوحيدة التي تنبت في بستاني المقفر الموحش، كان شمسًا وقمرًا ودفئاً ...... فتحت له ؟ لا لم أفتح له أي شيء، كان موجودًا منذ القدم، كان هنا وكان هناك في العالم الآخر الذي مررنا به قبل أن نلتقِ هنا، أنار لي الكهف بهدوءه، كانت بسمته تشرق في صباحي، لم أرَ أجمل منه، ولم أتمنى أكثر من أن تستمر صباحاتي مشرقة بتلك البسمة! لأول مرة أشعر بالحب ...... هذا الدفء الذي يغلفك .... هذا الأمان .... هذا الأمان الذي تنام فيه قرير العين .... صوت حبيبك يهدهد قلبك وروحك وتنام! تنام وفقط!
ثم أفقت يومًا تلو يومٍ تلو يوم على فقده ..... على اختفاءه .... كأنه نسيم مرّ على قلبي ورحل، وعاد قلبي للقفار
أتلفت حولي، لا أراه ولا أرى العالم، هناك اختفى، هناك ثقب أسود ابتلع كل شيء فلم يبقى لي إلا الفراغ!!!!

في آخر محاولاتي لفهم ما حدث سألته: لماذا كنت تقول لي حبيبتي في كل مرة؟ إن لم أكن حبيبتك ؟ قال: قلتها كي لا تحزني!!!!
قتلني كي لا أحزن
ألقى علي الحب شفقة على مرضي وهلاوسي؟
تعطف بالحنان كي لا أقتل نفسي مثلا؟
مثّل دور العاشق والشمس والقمر، مثّل عليّ الحياة كي يرضي ضميره؟
صدقةً؟ أخرجها من جيب قلبه كي لا يسأله الله عني يوم القيامة؟
لماذا؟
لماذا فعل كل هذا؟ ولماذا اقترب ولماذا تحمل كل هذا الجنون!

قبل إجابته اللوذعية كانت تسألني واحدة لماذا تهدرين قلبك وعمرك على حب ذكراه؟
قلت لها: لأنه تحملني، رآني، صدقني، أنارني، لم يفقد الأمل فيّ، ولم يستسلم أبدًا، وثق بي ودعمني حين لم تعلم أمي عن أي شيء أعانيه، ولا عن دموعي على كتفه، ولا عن شهقة بالحياة أخرجتني من الموات، لا تعلم عن وجوده الذي يشبه الحياة وعن فراقه الذي أمر من الموت!

هل كان كل ما كان شفقة ورأفة بمرضي؟

تنهشني الأسئلة ..... ويقتلني التساؤل


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق