الثلاثاء، 12 مارس 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (8)

الحزن يغلبنا ويأكلنا، ونفوسنا صغيرة كالأطفال، نحايلها ونشتري لها الحلوى لتلتهي عنه وتهدأ ....

يقسمنا الحزن إلى أشخاص كثيرين، لا نعرفهم، ولا يعرفوننا

نفكر كثيرًا، يأكلنا الفكر كالنار في الهشيم، ونكلم أنفسنا، ولا نجد من يكتب وراءنا ولا من يجيب تلك الأسئلة

في الكتابة تسلية عن الحزن ... بث لما في الجوف من لهيب وضياع، محاولات للإمساك بخيوط الأشياء التي تضيع

إحدي الكاتبات الرائعات التي ألهمتني أن أكتب أنا أيضا في العلن خارج دفاتري وأوراقي الصفراء المكدسة في درج مكتبي، كانت تقول عن اضطراب القلق، أنك لا تعرف أي شعور تختبر ولا من أين تأتي تلك الشعورات المتراكبة والمضطربة والمتداخلة!

أسّركم قولًا، يسحقني الحزن، وأضحك بين دموعي، ويأخذ الأمل بيدي في الصباح، وينهش اليأس روحي مساءًا، ويقتلني الاكتئاب كل يوم عند مفارقة سريري ....

كلنا نقاوم، كل واحد منا يختار الشكل الذي يقاوم به، أحد أصدقائي تغير شكله تمامًا، ينهك نفسه في التمارين كل يوم، أتابع صوره أحيانًا، أتأسف على تلك الأيام التي كانت أقصى نزاعاتنا تصاريح الأمن في الكلية لإقامة حدث طلابي!
صديقة أخرى، تتجول هنا وهناك، تبتهل وتصلي، إيمانها يلملم أجزاء حزنها ويجعل منها ما يشبه البشر، أقول لنفسي إذ أراها أي قلب هذا الجميل الذي يهجر ....
صديقة غيرهم، تقاوم بكل شيء، تستيقظ في الصباح الباكر في بلد يغلب عليه الجليد، تأكل وتتقيأ، تنزل للجري في الشارع حتى تتصبب عرقًا في عز البرد، تعود لاهثة، تستحم وتبدأ في لملمة أوراقها لمكان عام تذاكر فيه وتراقب فيه البشر وتهرب منهم بين الكتب وتسير بين الشجر، ترقص في يوم وتسهر في آخر وتمارس التأمل في أيام أخر، ولم يستقر قلقها حتى حينما وجدت قلبها أخيرًا من بلاد الشرق في غرب البلاد!

كلنا كنا نقاوم، قبل أن ندرك أنا نقاوم، وقبل أن ندرك بأي شكل نقاوم، كلنا كان لديه حلمه وكابوسه الخاص، وكلنا وصلنا إلى تلك القشة التي قصمت أظهرنا!

كلنا رحل عنه حبيب ..... كلنا كان يرى شيئًا جميلًا أعطاه من قلبه وحبه وروحه
كل واحدٍ منا كان لديه حلم معين، كان لديه رؤيا معينة

ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه!

عشت كل حياتي أستغرب أن يحب أحد اثنين، أقول في نفسي أحدهما حبيب والآخر زهوة

لكن أيهما أنت في قلب من تحب؟ حبيب أم زهوة؟
أقول الحب لا يقابله إلا حب، الزهوة تقابلها زهوة، قابلت زهوتي وقابلتني .... انبهرت ... واقتربت واحترقت وأدركت أنها زهوة!

وقابلت الحب ... وعرفت أنه لا يمكن أن يكون زهوة، الحب نور لا يحرق، ولا يخبو ولا يخفت، نداريه عن العيون، عن أنفسنا أحيانًا نخاف أن نعترف به لأحد حتى لا نُلام، ونخاف أن نعترف به لأنفسنا وقت ضعفنا حتى لا نضطر لقتال لا نحتمله الآن
فنقول كلا، لم نحب ولا نحب!

ولكن ..... ما نفع الحياة إذا لم نقاتل؟ وما نفع الحياة إذا عشنا بلا نورها في الظلام والرطوبة والجفاء؟

ذات يوم قسمني الحزن إلى نصفين، نصف أعرفه ونصف يعرفني!
نصف يبتغي الحياة ونصف ينتظر الموت
نصف يبحث عن حبيبه، ونصف يخشى أن يلقاه!

غلبني النصف الأول، وجدت حبيبي، ( صوت المطرب محمد عبد المطلب وهو يقول شفت حبيبي
هل لقوس قزح طعم؟ السعادة مثل طعم قوس قزح، الوصل مثل احتضان الشمس للأرض الباردة في صباح شتوي قررت الشمس فيه أن تخبر الأرض كم تحبها بعد ليلة مطيرة ....
كيف نطير بدون جناح؟ كلا لم أطير، لكني كنت مثل مركب هاديء يسير برفق على نهر رزين، يتأرجح بحنانٍ وود، الجو جميل، وله أريج خاص، رائحة لا تسري من أنفي لعقلي ولكن لقلبي، تُدرك هناك، وتذوب، وتسري في كل جسمي كسكينة، سكينة تجعل العالم مكانًا أفضل، وجنّةً صغيرة.......

فإذا ما استقر الحب في قلبي، وإذا ما وثقت به ووجدت مهجتي، ثار النصف الثاني وأشعل الثورة ضد هدوء قلبي!

هل يعقل أن تكون نفسك ضد نفسك؟

أنت ضدك؟

جزء منك صارعك؟

شيء منك يتمنى لمدنك أن تحترق وحياتك أنت تذوب؟

تخاف، ترتبك، تمسك بحبيبك وتتركه في نفس الوقت، تريد أن تضمه وتذوب فيه، أن تتلاشى على صدره وتصبحان شيئًا واحدًا، وتريد أن تذهب لآخر العالم بعيدًا عنه وتختفي

تشتاقه بشده، يبكيني الشوق ويصرعني، ويقتلني الخوف
وأنا بين كل تلك الخرافات .... أموت وأحيا!

أي شيء أذهب الحياة في الاتجاه المعاكس؟

أي شيء سلبني شمس الحياة؟

وكيف وصلنا إلى هنا؟

وكيف يصبح حبيب القلب غريبًا، يغلق الباب خلفه ويذهب؟

وكيف يكون لأي اعتذار معنى والقلب غريب؟

وكيف يكون لأي صوت أثر والروح زاهقة؟

كيف مرت السنون؟ وكيف مر كل هذا الظلم بقلبي؟ أيهما ظلمني أكثر؟ قلبي أو عقله؟ ثم أيهما ظلمتُ أنا؟ أي قلب كسرتُه؟
وأي روح انسابت من بين أصابعي لتتيه في أرض الضياع؟

وكيف أبحث عن الدواء عند كل طبيب والترياق باقٍ في عينيه ثابت لا يتغير!

كيف نعشق من ليس لنا؟ هل كان لنا؟ هل كان ليكون لنا؟ هل لم يكن لنا؟ أو هل أنه لا يرغب أن يكون لنا؟

الحزن يشطرني إلى ثلاثة أجزاء، إلى أربعة، إلى خمسة، إلى أجزاء عديدة متناثرة

أختار كل فترة أن أتجاهل كل هذا

أذهب للتسوق، أنفق مبالغ طائلة، أتسوق أشياء فاخرة، أنفق مدخراتي، أندم لفترة طويلة، أحزن، أذهب للتسوق، أكل، أسبح، أمشي طويلا، أكل، أكتب في دفتري، ثم أصوم عن الكتابة والقراءة والحياة لشهور

وأدرك الآن أني طالما قاومت الموت بالكتابة، وقاومت الحزن بالكتابة، وقاومت انشقاق قلبي وانفطاره بالكتابة، وأني مازلت أحاول المقاومة، وأدركت اني لا أبدأ بالمقاومة إلا عندما أقترب كثيرًا كثيرًا من نقطة الصفر

النقطة التي أفقد فيها كل أمل وكل نور وكل إيمان
النقطة التي أحب فيها الموت أكثر من أي شيء مضى وأكثر من أي وقت مضى
النقطة التي يتصرف فيها عقلي بنظام آلي نحو أفضل ما وصلنا إليه من طرق الانتحار، تلك الطرق الجميلة التي لا ننجو منها

أحب الشريان الفخذي، أستهدفه، أعرف أنه صعب النجاة من جرح قطعي فيه، أعرف مكانه، أتحسس زرقته الجميلة، نصف ساعة وينتهي كل شيء ❤️ 
أمرٌ جميل

لكن .... لسبب ما .... تظهر الكتابة وكأني كنت نسيتها واكتشفتها مرة ثانية
لعل هذا ما يطلقون عليه عناية الله؟

أو أن هذا لطف الله الذي يمتد ليؤجل الأجل ..... 

أو أن الله ... ربما الله سبحانه ... قد يمد لنا يده مرة أخرى .... قد يلملم شعث قلوبنا؟ ... قد يجبر كل تلك الكسور؟
قد يرزقنا تلك الأمنيات المستحيلة .... أو قد مسح ذاكرتنا ويعيد لنا حياة جميلة جديدة؟

أتمنى من الله أن يرسل لي لطفه على قدر كرمهلا على قدر حاجتي وفقط! أعتقد أني بحاجة للمزيد ... للكثير والكثير الدائم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق