الجمعة، 1 مارس 2019

كاتبة مصابة باضطراب القلق المرضي! .... (٣)

الوحدة ..... ومن أنا؟ 

منذ سنوات قريبة لم أعرف ما الذي يصيبني، كان أخر تشخيص يفسر كل ما يحدث هو الإكتئاب.

كانت تجتاحني النوبات الشرسة ولا أعرف ما الذي يحدث، تمر السنوات وأعرف وأفهم، وأتعلم كيف تبدأ النوبة وكيف تنتهي، وأتعلم كيف أأقَّت لها (أضع لها توقيتًا) نوبات الاكتئاب طاحنة إن كان لك روتين محدود، لا يهمها إن كنت تعمل أو متفرغ، لا يعنيها إن كان عليك الاستيقاظ كل يوم في الخامسة أو في السادسة، قد لا تجعلك تنام حتى الرابعة صباحًا، ولا يزعجها أبدًا أي التزام لك.

الاكتئاب يأكل كل أخضر حولك، أصدقاءك، أهلك، حتى إن أسعدتك الدنيا بحبيب سوف تأكله، دعني أكون متفائلة على غير عادتي هذه الأيام وأخبرك أن معدة الاكتئاب مثل البطن الحوت تبتلع كل شيء ويكون ما يزال أمامك فرصة أن تستخرج أحدهم من داخلها حي يرزق!

 لكن القلق ..... دعني أقول لك أن القلق يمضغك شخصيًّا يأكلك ويأكل كل شيء، يقرمشهم، يكسرهم، يمضغهم، يبتلعهم ويعتصرهم بأمعاءه ...... القلق لا يمس أصدقاءك أبدًا في الحقيقة، لا يقترب منهم ولا من حبيبك، لكنه يأكلك أنت ... يبعدك أنت عنهم، يهددك بحياتهم أو حياتك؟ أنت ضعيف، أنت وحيد، أنت تحبهم، أنت تضحي بحياتك معهم من أجلهم!

تضطرب إن صارحك أحد بالحب، وتضطرب إن لم يفعل، تقلق عليهم وتخاف منهم في نفس الوقت، لا تحتاجهم، وأنت في أمس الحاجة لوجودهم، تذهب بعيدًا وتراقبهم عن كثب، كأرجوحة عالية في هواء عاصف، يعصف بك القلق!

سوف أخبرك سّري ....

لقد قررت الكتابة عن أسراري حتى أتخفف منها 

" كلماتنا في الحب تقتل حبنا إن الحروف تموت حين تقال" #نزار

منذ موت جدي، كنت أخاف أن كل ما أتمناه سوف يموت، وكل من أتمناه سوف يرحل، قابلت صديقا، لم يكن حبًّا إذ أراه اليوم لم يكن ليكون أكثر من تلك الأوقات العابرة، كان يرحل كل يوم، وكل لحظة، لم يكن موجودًا أصلا حتى ونحن نتحادث، كان زياراته في الكلام قليلة جدا، نادرا ما كان يحضر كأكثر من صديق، كحبيب مثلا!
كنت أبحث عن عدة صفات وجدت جلّها فيه، القراءة والتفكير والعند والاستقلالية والتحرر والنقدية والتقبل والانفتاح على هذا العالم الشاسع، وكل كل ذلك ..... لكني غفلت أهم شيء ولم يكن هو .... أن يكون الأمان والحب والهدوء والسلام وأشياء لي وحدي دون غيري من البشر حولنا .... لم يكن!
رحل ..... وعاد لعدة مرات انتهت بالرحيل .... آلمني .... لأن رأيه الفكري كان يعني لي كثيرًا، مرت أحداث كثيرة بتلك البلد كنت أتمنى لو نتحدث، كنت أتمنى لو نفكر سويا .... لكن هذا لم يحدث

ثم .......... يأتي الحب حينما ندفعه خارج حياتنا، يأتي من أولئك الذين أزعجنا وجودهم في باديء الأمر، من هؤلاء الذي نخاف صحبتهم ونخشى السقوط على أعتاب قلوبهم صرعى!

ثم .... جاء الذي علمني الخوف أكثر مما علمني أي شيء، هنا سوف أكتشف شيئا جديدا، أن الخوف ملازم للقلق، وأن الهلع مولود لقيط من هذا السفاح!
وأنك أنت ضحية الكل حين تأتيك النوبة!

الحب يجعلك قويا جدا، يجعلك تقرر أن تذهب لآخر العالم وتقفز من أجل ضحكة، أو ضمة، أو كلمة رضا!
الحب يجعلك ضعيفًا جدا، يجعلك مثل الهلام في أصابعك من تحب، يجعلك مثل الخرقة البالية في رياح من تحب، تجعلك مثل آخر أعمدة الخشب يخشى أن يتداعى كل لا يتأذى من تحب، يجعلك ضحية لكل شيء ....
يودي بحياتك منذويا في غرفة تصرف الشر عن الأحباب ....
يجعلك لعبة في يد أي أحد، اكتئابك، قلقك، خوفك، أفكارك السيئة، هلاوسك حول الماضي، فزعك من المستقبل، واقعيتك المتشائمة، أحلامك المشئومة، دجل البشر، وشعوذة الأيام!

الخيانة تقتلنا مرة ........ الخوف من الخيانة يقتلنا ألف مرة! 
البعد يقتلنا مرة ....... الخوف من الفراق يقتلنا ألف مرة!

ثم ..... تتحقق النبوءة، يخونك الصادق، ويفارقك العاشق، وتصبح الكلمات ثانية كالكلمات العادية .... مجوفة من المعنى وخالية من الفكرة، ومجردة من الصدق، الصدق ... ذاك السحر الذي يعطي الدنيا معانيها القيمة وبدونه لا شيء يبدو جيدا ولا شيء ذو قيمة تذكر!


الوحدة؟

تصادق الوحدة، تتأكد أن لا أحد يقف لك هنا، لا أحد يقف بجانبك، لا أحد سيبقى من أجلك، ولا أحد سيفهم جنونك ويقدره!

هل كلمات الحب لعبة؟

إن كانت كذلك يا عزيزي عليك توخي الحذر من أولئك القلقون، الذين لا يعطون العالم ابتسامة مطمئنة، والذين يصارعون طواحين الهواء من أجل أن يمنحونك بسمة صادقة، وكلمة عذبة، ولمسة يضعون فيها قلوبهم بين يديك ...
هؤلاء يا عزيزي رأو فيك تذكرة الخروج من المقبرة والدخول للحياة، كنت لهم قارب النجاة، آخر شعرات الثقة مع العالم، آخر أمل لهم كي يشعروا بقلوبهم التي كاد يقتلها العفن من كثر الكذبات التي تلقوها

الكذب ..... سهم مسموم تضعه في نحرهم مباشرة، تقتلهم به قتلات بشعة، ولا ترياق لسمه ثانية من يديك!

أنت كنت ثقتهم بالعالم، أنت كنت العالم، ثم أنت كاذب، ثم أنت لا شيء بعد ذلك، ثم العالم لا شيء، ثم هم لا شيء، ثم لماذا لا يأتي الموت أسرع؟

حمقى؟

يمكنك أن تحكم عليهم كيف تشاء، لكن صدقني يا عزيزي لن يمكنك أبدًا فهم ما يشعرون سوى أن تخلع ثيابك كلها، وجلدك ولحمك وعظامك وتبقى بقلبك وروحك وعقلك بين الرحى!
وتترك للجلد واللحم والعظام والمعدة والقولون والحنجرة والرئة تجربة الأطباء وتكوين خبرة عظيمة عن مجالات جديدة للأمراض النفسية العصبية وتأثير اضطراباتها على المعدة!

الدواء؟
لا ..... سوف يواجهون الأرق، اضطرابات النوم، النوبات العصبية، البكاء المتواصل، الضحك بلا سبب، الشراهة، الجوع، اختفاء الصوت ورجوعه في ساعات اليوم، اضطراب التنفس، وأشياء كثيرة كثيرة بلا دواء
لماذا؟
لأنهم يخافون من الدواء
لأن الدواء يجعلهم مثل الآلات أحيانا، ويفقدهم الشعور لفترة، وهم يخافون على بواقي تلك الإنسانية المنسحقة، كأنه عذبهم الألم حت استعذبوه!

منذ ذلك الوقت ..... اختبرت نوبات كثيرة، استشرت طبيبة، قرأت، قراءة عابرة نظرا لقدرتي على القراءة فهذا أمر لا يستحق، تتبعت النوبات بعد أن كانت تتبعني هي، استسلمت مرات كثيرة، وقاومت كثيرًا أيضًا ...... خابرت نوبة في العمل، ونوبة في طريق سفر مقطوع، ساعدني الله أن كانت معي صديقة تواجه نفس المتاعب، بخبرتها عرفت أن هذه نوبة، قفزت من مكانها، أخبرت السائق أن يسمع كلامي ويتوقف

هل هناك مجنون يقف على طريق الزعفرانة في منتصف الليل؟

أخبرتك أني أخاف من الطرق الطويلة؟ وأن أشباح الليل تطاردني!!!!

مريم ..... تنفسي ..... 
لا أستطيع
حاولي فقط
أحاول، الهواء لا يدخل 
تماسكي
لن أبكي لا تقلقي 

أنثني .... أنتصب ..... أتلوى ..... أسير يمنة ويسرة وشمالا وجنوبا، لو كنت أستطيع أن أسير على الحائط لفعلت ... البخاخ ... أين البخاخ ..... لا أعرف ... من هذا؟ من هؤلاء .... 
من هذه ... مريم ... صديقتي مريم .... اسمانا مريم .... نتشابه في الجنون ولا نتشابه في الشخصيات

هي لديها رهاب من نوع آخر .... رهاب التلامس ... الناس ... الاقتراب الزائد .... وأنا؟ أريد حضنًا!!!
أريد أن يلمسني أحد ..... أن أتشبث بيد أحد ..... أنا الغريق وأريد القشة ..... أعطني أي شيء أعصره بيدي كي أشعر أن هناك أمل وأني سأنجو ..... قبضتي ضعيفة .... أمسك الهواء .... أمسك الفراغ ...
قلبي .... يزداد اضطرابا .... قلبي هذا لا يساعدني ارجوك .... حاول بهدوء، حاول ببطء ..... 
أتحدث من رئتي .... الناس تخرج من الحافلة .... هي مضطربة أو مجنونة؟ هل أصبح الآن القرد أبو سديري؟
هل أصبح الفرجة؟ .... أضطرب أكثر .... تقول مريم من فضلكم أفسحوا لنا مجالا، هي مصابة بحساسية تنفسية .... الحساسية الأنفية تنفع كثيرًا في تلك المواقف، لا يصبح مجرد ادعاء كاذب لن يسعفك عقلك على تبنيه في تلك اللحظات، بل يكون من طبيعتك فتلفظه بسهولة وسط اضطراب التعبير!
مريم .... تضمني ... تقول اهدأي ... أحاول .... بعد خطوات كثيرة .... بعد رجاء يعلو وجه السائق أن أتحسن كي ينطلق ... يبدأ الهواء متعجرفًا الدخول إلى قصبتي الهوائية .... يبدأ متعجرفًا متثاقلًا كامرأة بدينة كسول تتفضل على العالم بفتح عينيها بعد أذان العصر لتشهد النهار جمال طلعتها يدخل إلى رئتي .. النصف الأعلى ..... كالغريق ... أرتشف الأكسجين وأكاسيد كثيرة وكل غاز صاف أو غير صاف تجاه حالتي يواجهني!
كالغريق .... أتشبث بذرات الهواء .... أشهق .... أسحب الهواء غصبا إلى داخل جسمي ...... إلى معدتي ربما بدلًا من رئتي، أخبره طريق الدخول علَّه يصيب مرة!

الوقت ..... لا قيمة للوقت مقابل الحياة .... ولا قيمة للحياة مقابل الرضا والهدوء والسلام!

أتعلم كثيرًا عن القلق والخوف والفزع

أتوائم معهم 

أمسك الآن لجام الأمور في معظم الوقت
ويفلت مني ولكن قليلًا!

أعرف الآن بصدق أن هذا العالم لا يحبنا ولن يحبنا .... أتصالح من الفكرة ..... أحب نفسي أكثر .... أحب مرضي وخوفي وجنوني واضطرابي، أحمي الصغار من الوقوع في براثن خيباتي مع العالم ..... وأحمي نفسي من الانخداع في تلك الآمال الكاذبة.

الوحدة 

تعلمك الكثير .... تصبح الوحدة هي صديقك وصديقتك ...... تحتاج وجودهم فيختلون بأنفسهم وأحلامهم ويحجبونها عنك رغم كل ما وهبت من الحب ومازلت تحمل لهم! تبتسم .... تهب هذا الحب لنفسك .... تقتلهم في حياتهم ... تقتلهم في ذكرياتك ومستقبلك .... تجعل المستقبل على نفس القدر مع الموت 
لا تحمل خططًا ولا تجعل جعبتك فارغة 
تصادق نفسك
تحق آخر بساتين الياسمين
تزرع الياسمين بقلبك فقط

سوف تتعلم يوما كيف لا تبكي على اللبن المسكوب حينما تلحسه القططة.
وكيف لا تنظر بعين الحزن لتلك البسمات الرقيقة التي انمحت من حياتك وبقيت في الصور
وكيف لا تحب أحد أكثر من نفسك! مهما وهبك
سوف تتعلم أن تفلت يدك سريعًا، قبل أن يفلتها أحدهم

سوف تتعلم السباحة ..... كي لا تصبح الغريق .... كي لا تحتاج قشة غريق

وسوف تمتلك يختًا رائعًا ..... تحبه ... تفرح به .... ولا تغرق إن قفزت من فوقه وقت الحريق!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق