كان من المفترض أن أكتب هنا ما يساعد أو ما يشعر به مريض القلق والاكتئاب
تلك الفوضى التي تنتابني
أن أحكي عن النوبات إذ تجتاح داخلي كله، وأن أحكي كيف تعاملت أو أتعامل معها
أن أشارك قوتي وضعفي، أن أشارك تلك اللحظات التي أنتصر فيها، وتلك اللحظات التي أحتاج فيها للوقوف من جديد
أن أكتب وأكتب وأكتب
أن أخرج ما في صدري بلا تفاصيل كثيرة، وبلا تعديل ليناسبني أنا فقط بل ليجد من يشاركني ذات الاضطراب ولو جزءًا منه، لكني لاحظت، أو أمسكت نفسي وأنا أكتب عن شيء وحيد، وعن شخص واحد، وعن تجربة واحدة، في علم النفس ما يحكى على السطح هو انعكاس للأعماق المضطربة، لكني لست طبيبة، ولستم أطباء، نحن عجزة نتكيء على كلمة طيبة وفضفضة مريحة ...
أكره فكرة المجموعة التشاركية العلاجية، أكره أن أتكلم عن ضعفي وضيقي والعيون مسلطة على وجهي، والعيون تتفحص عيني وشكلي ومظهري، أكره هذا التواصل المفتوح الذي لا أسيطر فيه على الأمور والذي ليس بيدي أصلًا فيه شيء.
أكتب نعم، وأعلم أن ثمة من يقرأ، أن هناك أحد أي حد قد يظهر له هذا المحتوى في صفحة بحث عن شيء ربما لا علاقة له بما أكتب عنه، فيقرأ، أنا لا أعرف من قد يقرأ، أنا لا أعرفه ولا يعرفني، أنا خلف الشاشة وهو أمامها من ناحية أخرى، عيوننا لن تتلاقي، ونظرات الشفقة أو التشجيع أو الإحباط لن نتبادلها يومًا، أنا بأمان هنا، أنا بخير.....
حتى تلك اللحظة الشجاعة التي كتبت فيها على فيسبوك، كانت من أجله هو، كنت خائفة عليه جدًا، كنت أعلم أنه لن يقبل أن يكلمني، لن يستطيع، ولن يريد أن أكلمه، عندما يحب أن يكشف لي ستره ويفتح لي قلبه سوف يأتي وحده، وسوف يفعل هذا بأريحية شديدة، كأنه لا سنوات ولا مشاجرات ولا اضطراب، سوف يصبح النهر بيننا هاديء فجأة، وسوف يسبح فيه بحرية وهدوء، لكني لم أستطع أن أسكت، لم أستطع وهو بعيد في مكان لن أعرف كيف أمارس حمايتي له فيه، لن أقدر أن أمنعه أن يؤذي نفسه، ولا أريد أن يكون آخر أملي أن أبكي فوات الأوان، فكتبت كل شيء مررت به عن الانتحار، كل شيء مرورًا سريعًا، حتى يقرأ، حتى يتراجع، فيوم أن حكيت هناك بلا حسابات كان لأجله هو!
واجهت بعدها بشاعة فعلتي في العمل، هناك من تجرأ من زملائي وكلمني بعدها، وهناك من تجنبني :) لا لشيء لكنهم ظلوا لفترة غير مصدقين أن تلك التي توزع البسمات صباحًا، وتفرق الأحضان الدافئة، وتنثر بعض الحلوى، هي التي اسودت الحياة عندها وانتهت منذ زمن!
ابتعدت عن الفيسبوك، ضيقت الخناق حول نفسي، أحاول أن أكون بخير بعده، لكني بالنهاية أكتب عنه!!!!
قرأتُ آخر تدوينة كتبتها، ندمت، لا يجب أن أقول كل شيء هكذا حتى وإن كان مريحًا أن أحكي، وليس شأنكم ولا ذنبكم أن أكرر احباطاتي يومًا تلو الآخر!
لم يكن إنسانًا سيئًا، لم يكن مؤذيًا، لم يكن سوى حلم جميل لم أتمنى أبدًا أن أفيق منه، لم يكن سوى صديق جيد، وحبيب رائع، وأخ مساند، وشريك أتعكز عليه ويمد يده إذ أسقط منه!
كنت أتمنى أن نتقابل وأنا بحال أفضل، كنت أتمنى أن أستطيع أن أكون أنا أيضًا فسحة من ضيق الدنيا، وظلًا يستريح إليه، وسكنًا يحمله كل ليلة، كنت أتمنى أن ألون كل شيء حوله، أن أعطيه المزيد من الضحكات، والنكات، والحكايا الطيبة أكثر من الدموع، والخوف، والقلق، والاضطراب، والتوتر، والخوف والخوف والخوف والضغط والعصبية والثورة والصراخ، كنت أتمنى أن أكون ألطف، رغم أني لم أكن لطيفة جدًا إلا معه، لم أر كل هذا الحب بداخلي إلا معه، ولم ينفض أحد غيره عن قلبي التراب، دخل حجرتي وكهفي الصغير، رتبه، وضع لوحات بألوان قوس قزح، وضع طاولة بيضاء وكرسي أبيض، وضع مزهرية، ووضع فوق الطاولة أيضًا بعض الكتب، وضع في الركن الصغير جرامافون، ورتب لي سريرًا دافئًا، وبدل ستائري السوداء بأخرى حريرية، ألوانها ناعمة، وفتح النافذه بهدوء، فتحة لا تكشفني ولا تحجب النور، وخرج إلى شاطيء البحيرة، جلس هناك وحده، جلس ينتظر مني أي طلب كان يعتبره أمر، تركني وحدي هادئة، وعندما افتقدته وخرجت إليه سألته: لماذا تفعل كل هذا؟ لماذا تتحمل؟ كان يقول لي بأني شمسه، بأني ملكته، بأنه عبد مطيع! أي عبدٍ يمتلك قلب سيده يسوده! وقد امتلكت قلبي!
ما الذي حدث؟ غير جنوني؟ غير اضطرابي؟ غير أن صبره نفذ؟ غير أن طاقته انتهت؟ غير أنه أيضًا غير سليم، يعاني الكثير ويتحمل ويواري ألمه عني، ويحمل وجعه وحيد!
كلانا خائف، وكلانا حزين، وكلانا يود لو يقدم تجاه الآخر لكن .... ثم؟
لو اننا اتفقنا؟
لو أني عرفت وقتها ما عرفت اليوم، اليوم تحديدًا، اليوم فقط!
لا بأس .... لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا .... آمين!
وبعد، فهذا اعتذار ... منكم ... ومنه .... اعتذار منكم لإني أزعجتكم بشيء شخصي حزين!
واعتذار منه لإني كنت مريضة أكثر من اللازم فلم أكن حكيمة أكثر وواعية أكثر وطيبة أكثر ... لكن والله والله لم أحب أحد ولم أشعر برحمة وود تجاه أحد، ولم أرغب من عميق قلبي أن أبذل الغالي والنفيس لأحد إلا لك ....
والسلام ختام :)