الأحد، 9 أغسطس 2015

5- برتقالية !!

نوارات البرتقال البيضاء تخترق الأخضر دوما بجرأة عجيبة تناقض براءة أبيضها الحيي الجميل ، أبيض ناعم مخملي متشرب بشيء من الأصفر ما يلبث أن يكشف عن تكورات صغيرة في عنقود الزهرة ينتفخ كحمل أنثى راشدة ، يتكور ويتكور كبطنها الدائري الشهي ، يخضر ثم يتسرب إليه أصفر يصطرخ ببرتقالية هائجة ، كضفائر فتاة في السابعة عشر من عمرها تعدو خلف الظهر في وهج الظهيرة .

هكذا ضفائرها ، وهكذا كانت تربطهم بشرائط برتقاليه وهاجة ، تمنحها نشاطا فوق نشاطها وتحملها شمسا وضاحة فوق جمال أبيضها !

شيء عجيب هذا الشعر حينما يتوغل في السواد أو يتمسك بظلال البنية العتيقة ، كستنائي كزهراتها ، كقرون البونسيان وبذور القهوة ، يخالط أبيضاً شمعياً تحت برتقالية شمس الأصيل ، يتوهج بلونها ولا يتخلى عن بنيته ، يعاند أهدابها وشفاها وكتوفها الثائرة على حرارة الصيف .

تعدو والنسيم يعدو خلفها ، يعاند تنورة قصيرة مختلطة الألوان ، هل تعقد اتفاقات مع الطبيعة ؟ أم أن الطبيعة تتلون بما تختاره صباحا من ملابسها ؟ أي اتفاق خفي بينهما يجعل قميصها أبيضا كالسحاب وتنورتها بموجات الأصفر والبرتقالي والأحمر والبنفسجي ؟

شرائط برتقالية وشعر كستنائي

تنقصها عيون بزرقة هذا البحر الذي تعدو حزاءه !

مثل الوهج ، ضحكتها المثيرة تجعلها تلسع آذان السامعين بنشوة أخرى ، تتسوق بعض الورد وبعض الكتب ، تنسى التفاح وبرتقال الصيف فتعاود الظهور بالمتجر البعيد من جديد ، ابتسامات حقيقة تحيط بها ، هل بهجة بطلَّـتها التي تشبه شمس الأصيل على مسافر يريد الراحة من عناء الطريق فتصالحه الشمس بالتواري خجلا خلف سحابة صيفية يحركها النسيم العليل من زهور الساحل البرية وملوحة البحر ؟ أم براءة تخترج حواجز أنوثتها لتهمس بقلوب الحاضرين فيدللونها كطفلة هربت للتو من محابس الكبار ؟ براءة يفتقدون الجرأة على العودة إليها سالمين من آثام البالغين المبالغين في الحزن والقهر والألم والخطيئة ؟ من قال أنها خالية من الحزن والقهر والخطيئة ؟ تنورتها القصيرة بموجات الخطوط الطفولية ؟ ضفيرتها الحرة ؟ أم شرائطها المهدلة من رقة بطتها ؟ أم أنه احمرار وجهها حينما تتوجه لهم بالسؤال ؟ أم مفرداتها البسيطة ؟ تفاصيلها الصغيرة الخالية من البهرجة اليومية التي يقابلونها مع زبائن آخرين ؟ أم أنهم يفتقدون عدم التكلف ؟ تلك البساطة في الحديث والتبسط ؟ تلك الأوجه الخالية من المساحيق والأقنعة ؟ لماذا تراهم لم يروا أن الحزن يمسح عن كل الأوجه المساحيق وعن كل الأجسام تلك الثياب المتعجرفة ؟
يتهللون بوجهها إذ تطل خجلة تطلب بشيء من حياء كأن نسيان أمر من أمورها الخاصة جريمة وإثم ، تريد بعض فاكهة من برتقال وتفاح ، يعرضون عليها التوت البري الأزرق أو الكرز متألق الحمرة يليق برقتها وإشراقها ، لعل البرتقال هو ما يناسب قلبها المتعب !

كان طبيب أغذية يلمح كثيراً أن لون الفرح برتقالي ، لون البهجة ، لون التفاؤل والأمل ....

امتلأت خزانتها بالأسود في ذاك الشتاء ، لعلها كانت بحاجة إلى قشرة جديدة تمتص الشمس فينمو قلبها من جديد .

باحتفاء شديد عاملوها ، برفق وصعوا الفاكهة في أكياس ورقيه ، أحضر لها صبي صغير يساعد أعمامه في البقالة كيس مختلف ، ملون بوردات رقيقة ، همس لها أنه للزبائن المميزين فقط ، ضحكت بشدة ،يغالب برتقال ضحكها كرز وجنتيها الخجلتين .

داعبت شعره القصير ، وخرجت شاكرة ، كطفلة حصلت على قطعة شيكولاتة مداعبة من بائع شيخ لضفائرها !

ركبت دراجتها ، الشمس لا تلسع ، شمس الأصيل تحتضن العابرين ، خاصة أولئك الذي يختارون الممشى الساحلي ، بين زرقه وتموجات السماء بألوان بين طيوف الظل وبين توهج الشمس ، تختلق بحراً آخر وأمواج أخرى ، ذاك السحاب الذي يشبه قميصها الناصع .... وهذا الشعر الثائر على ربطات الضفائر ، بين أهدابها وجبهتها وكتوفا تطل من قميص بلا أكمام ، يجعلها تشعر حقاً أنها مازالت طفلته ........ هو ؟ .......... أين هو !

أطل باكراً يحمل الحزن في طيات كنزته القطنية الداكنة ، داعب شعرها بهدوء وهي تصطنع النوم كي لا يهرب ،همّ بتقبيل جبينها ثم لسبب ما تراجع ، نزع يده ، تجهم ، خرج مسرعاً ، هل كان يخشى أن يضعفه الحب بقبلة صباحية كما كان يفعل ؟

لم تر وجهه ، لكنها شعرت بأصابعه فوق شعرها ، فانتعشت كزهرات الصيف التي تحارب حرارة الشمس في صبر وجلد وهدوء !

لا تنعم بالنسيم مثلما تنعم بلفحات الحرور ، لا تنعم بالماء إلا كالعطشي تلهث ، فلا تعرف لها برودة ولا طعم ، ورغم ذلك تظل باسقة ونضرة ، تحفظ نسمة الليل ، تتظلل بها لحرّ الصباح !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق