الأحد، 9 أغسطس 2015

6- أزرق !

شعرها المبعثر فوق وسادتنا ... تموجاته المجنونة رغم نعومته القاتلة ... كانت دوما تحبه قصيراً يحيطط بدائرية وجهها الصغير ، وكنت دوماً أحبه طويلاً أشعر فيها بأنوثتها الثائرة في رقة ، كانت أجمل لحظاتي حينما يغلبها النعاس بجواري ونحن نتحدث أو تغلبها أحداث الفيلم فتنام ، وأنا مندمج بقصته ، أسألها شيئا فتهمس ، لحظات أكرر كلامي فلا تجيب ، أدرك وقتها أنها قد غرقت في حلمها الخاص ، ينتهي الفيلم وتبدأ حكايتي أنا ، كفتاتي المدللة ، كنت أغزل شعرها مساءً ، كنت أحيك من خصلاته أحلاما وردية ، أو كستنائية كلونه الخاطف ، كنت أصففه وهي نائمة تتقلب ، أكاد أصرخ لأنها أفسدت أمواجه ، أضع يدي على فمي بسرعة وأكتم أنفاسي ، ثم أعيد الكرة مع الجانب الحر من شعرها ، ملمسه يقتلني ، أجدل ضفائرها التي غالبا لا تصمد للصباح ، كنت أسرع إلى جوالي أصورها قبل أن تفقد الجديلة معالمها ، ثم أضمها وشعرها تحت ذقني وأنام ، أتنفسها ... وتغوص هي بصدري وقلبي أكثر وأكثر ..

هذا الصباح عندما عدت ، كنت نائمة ، مازال وجهها بريئا حين تنام ، ومازال شعرها مشعثا حين تنام بتموجاته المجنونة ، أسرتني ... كأول صباح أرى فيه أمواج شعرها تداعب الوسادة ... كانت تبتسم لشيء ما ، لربما كانت تحلم ... خطوت للوراء خطوة ، ظننتها صاحية ، تقلبت كما تتقلب دوما حينما لا أنام بجوارها ، تتقلب كثيراً ، أعطتني ظهرها ، كأنه إذن للدخول واختلاس النظر إليها ، اشتقتها ؟ نعم ... بشدة ... اشتقت شعرها المجنون على وسادتنا ، اشتقت أن أصففه كما أرى ، اشتقت أن أثنيها عن المقص كلما اشتدت حرارة الجو ، اشتقت أن أداعب شعرها وهي نائمة ، تشعر بي فتفتح عينها وتبتسم بدلا وسحر وتعود لحلمها من جديد ، لم أستطع منع عنفسي عن هذا المخمل الوثير ، عن الكستناء اليافع ، مددت أصابعي لسلاسل شعرها البني ، يسري في يدي كالنهر ، هممت بالجلوس بجوارها ، بضمها ، بطبع قبلة ولعة على جبينها الوضاء ، لكنني تذكرت أنه لا يجب أن أفعل ، لا يجب أن أكون هنا.
قبضت يدي عنها ... ورحلت !

تسللت إلى الحمام الخارجي ، اغتسلت من طول الطريق ، تركت نفسي تحت زخات الرشاش ، أغسل رأسي منها ، فأذكر كيف كنت أغسل شعرها ، كيف كان يذوب في يدي تحت الماء ، كيف كان يخالط أبيضها فكان حقا " الضد للضد أبين "
نفضت شعري ، أنفض ذكراها من رأسي ، أنفض نعستها وضحكتها وسحرها ودلالها ، أنفض قلبها الرقراق وشعرها المخملي الساحر ، أنفض نعومتها ، أنفض حبها المتوهج في عينيها ، أنفض صخبها ودمعها وهدوءها وتمردها وكل شيء لها ، وأنفض أني أتجاهلها ، وأنفض قلبي الذي يقرصني ويؤلمني ، وأنفض .... قطرات العرق التي أصابتني تحت الماء !

" تقييم اختبارك يشير أنك أزرق ! "
= وماذا يعني هذا ؟
" يعني أنك شخص ودو محب للسلام ، رائق ، تمنح وتسامح وتحب ، تفضل الود عن المشكلات ، قلبك رقيق لا يقسو بهذا الشكل "
= ماذا تريد أن تقول ؟
" أقول أنك في صراع لأنك لا تصالح نفسك ، يجب أن تسير تلك المرة وراء قلبك ، وقلبك حيث اشتاق لا حيث تألم يقبع "
= .........................
" لماذا تهرب من عينيها ؟ ولماذا تهرب من قلبك ؟ لماذا لا تذهب إليها راكضاً تلقي بنفسك بين ذراعيها ؟ "
= لم يعد يصح ، لا أستطيع ، الأمر معقد و ...
" لا يصح إلا الصحيح ، الأزرق كالبحر ، يطفيء النار وأنت تشعلها ، متقلب كالمحيط نعم لكنه لا يظل هائجاً طوال الوقت ، لا يصيبه المد فقط بل المد والجذر ، أنت بحاجة للجذر ، لأن تجذبها ثانية ، لأن تدع شطآنها تضرب أمواجك لمرة أخرى "
= أمواجي قصيرة جداً لا أقوى على ...
" أعرف ، انت في جذر الآن ، دعها تقترب في ليال قمرك الفضي "
=لكن ... الأمر صعب جدا ... أنت تعرف كل شيء ... أنا خائف .. منها من نفسي من كل شيء ... الأمور الضبابية تزداد ضبابية حولي وأنا لا أريد أن ........
" لا تضع العراقيل أمام قدميك ، هي ليست من ضبابياتك وأنت تعرف ، تخاف أن تؤذيها فتقتلها ، تتلذذ بقتلها وموتها الساكن ، أنت تقتل فيها كل مخاوفك وضبابياتك ، أنت بالحقيقة تقتلها وتقتل نفسك ، أنت تقتل آخر خيوط النور في طريقك اليقيني الوحيد ، لماذا تعاقب نفسك هكذا على أفعال لم ترتكبها أنت ولا هي ؟ اطو صفحات ماضيك ، اطو هذا الخوف واقتل أشباحه الليلية ، اليوم قدت سيارتك من طريق غريب أليس كذلك ؟ "
=....................
" كنت تخشى المرور من هذا الطريق ، صرخات الموت فيه عالية ، ضباب الماضي يخنقك هناك ، لكن ماذا قلت عن ذاك الطريق ؟ أنت لم تذكر أي شيء به سوى جنون رائحة الأخضر ، تذكرتها وتذكرت نفسك ، تذكرت كيف كنت وكيف أنت ، تذكرت أنك تريد أن تكون مثلما تريد أو لربما ... مثلما كانت تراك ... لماذا برأيك تساءلت عن رأيها فيك ؟ الطريق أمامك يفتح ذراعيه لك لتخطو وأنت واقف تحاول التلعثم والتعثر بحطام الماضي المؤلم ! "
= ..........
يدور في الغرفة ، يقف أمام النافذة ، يطل على الحديقة الصغيرة التي تحيط المبنى ، ثم بحر الشارع الواسع في هذا الحي الراقي ، طفل يعبر الطريق مع امه بدراجته الصغيرة الملونة ذات الأربع عجلات ، لا إراديا يبتسم ، لا إرادياً أيضا يذكرها وهي تتأرجح بدراجتها الصغيرة وقلبه يتأرجح معها ، يلتفت فجأة ، يحاول إخفاء التبسم والتزام الجدية ،
= هل يمكن أن أعيد الاختبار ؟
" كلا يا أزرق ، لن تعيده ، أتدري لماذ ؟ "
يمد شفتيه أمامه = لماذا ؟
" لأنه المرة الرابعة على الأقل التي أصل فيها معك إلى ذات النتيجة "
= لا أفهم .
" لقد اختبرتك أكثر من مرة ، وفي كل مرة بعد ذهابك أراجع تسجيلات الحوار والحوارات السابقة ، أنت أزرق بامتياز ، أتعرف لون البحر قبيل الشروق ؟ أنت بنفس زرقته وقوته ، أتعجب من قسوتك المفرطة على نفسك ، كونها مفرطة ، أتعجب من قسوتك عليها ، توقعت أن تقسو لكني كنت أنتظر أن تفيق سريعا وحدك ، لكني أجدك تزيد في غيك وظلمك ، اقرأ هذا الكتاب حتى نلتقي الأسبوع القادم ، اسمع هذه الأسطوانة أيضا ، سجل ملاحظاتك أو ما انتابك مع كل مقطوعة موسيقى من فضلك ، أخبرني بأي شيء يطرأ ، أي أفكار متهورة تصيبك في الأيام القادمة "
= أفهم من ذلك إنهاء الحديث ؟ حسناً
" بل تفهم أني ألقي إنجاز هذا الأسبوع على كتفيك " 

هناك تعليق واحد: