الأحد، 15 مارس 2015

العزلة .... الكتابة ..... وأشياء أخرى !

لا يعيش الإنسان وحيدا ، وإنما هو اجتماعي بطبعه ، ولذلك يميل إلى تكوين جماعات تتشابه في سلوكها ، وتنشيء ما يسمى بالعادات والأطر المجتمعية ، يتفقون فيما بينهم عليها ويتعارفون ، وهنا تنشأ المجتمعات .

هكذا أذكر ، من خلال قراءات أمي خريجة الآداب قسم الفلسفة عندما كانت تقرأ شيئا في علم الاجتماع بصوت عالٍ ربما أو نتناقش فيه لدقائق ، فتسترسل بأسماء كابن خلدون وتنشغل بالفلسفة أكثر فتعود إلى ديكارت ونيتشه وابن سينا وابن الهيثم ولربما تتجلى في ذكر الإسلاميين فتذكر الإمام الغزالي مثلا ... أسماء اللاتينيين لم أكن أحتفظ بها ، لم تستهويني الدراسة الأدبية كنت دوما أميل للعلوم للرياضيات الرائعة والكمياء الرائعة أيضا ، لا شيء كان يضاهي حبي للكمياء والرياضيات البحتة .. لربما مقطوعة موسيقى ولربما أيضاً أبيات رقيقة من الشعر الأندلسي ..

لم تخبرني أمي يوما أن هناك من ينفصلون عن المجتمع ولا عن أنفسهم ، لربما لأننا نشأنا وعشنا في مجتمع شبه مغلق ، مدينة جديدة تعد فيها الأسرات على الأصابع ، يعرفون بعضهم في دوائر تتشابك ، الأطفال في المدارس وذويهم إما يعملون في التدريس أو الجهاز أو المستشفى القريبة ، معظمهم يعملون بخدمات المدينة ولهذا نعرف بعضنا بسهولة ...

كبر هذا المجتمع فجأة وتنامى ، طُردنا غصبا خارجه من أجل الدراسة ، وعدنا وهو كثيف وكبير جدا يمتليء بالأغراب .

كبرنا .... وأصبحنا بلا إرادة منا جزءاً من الكجتمع الكبير ... مصر ... التي تجمع كل التناقضات .... 

صرنا ننتقد التقاليد ونصدم بالأفكار كل يوم ... تلك الجنة الوردية التي حافظت أمي عليها في صغرنا لم تعد موجودة ... بتنا نختلف مع أمي وأبي ... صرنا نشعر بأنا لا نتناغم ولا نتسق مع المجتمع الخارجي ..

مع كل شهر ... مع كل حدث ... وأحيانا مع كل يوم ... يتنامى هذا الشعور .... الغربة !

هؤلاء الأصدقاء لم يعودوا كذلك ....... هؤلاء الأقارب ليسوا كما كنا نظن ..... زملاء العمل .. لا يجب أن يتعدوا خطوط الزمالة .. الزمالة وفقط !

الحب ...... هذه القصة الوردية التي نختزنها إلى ريعان عمرنا ... نخاف أن نلمسها كي لا نفسد جمالها وعطرها الفواح ... نحلم وفقط .... ونحتفظ بكل التفاصيل كما هي ..... مغلقة وجديدة وناصعة 

لا نفتح الصندوق لأحد ...  نظهر عكس ما نخفي كي لا يسرق أحدهم الصندوق ويجري .... وعندما نفتح الصندوق سيكون مثل صندوق الدنيا .... يحمل الفراشات والعطور والفرح ... سيمتليء عن آخره بزهراته اليافعة التي نغرس ونخبيء بذورها منذ سنوات .

ثم ........ لا حب ...... فراشات تطير بأجنحة مكسورة ........ يعبث بالصندوق ويذهب ...... يبكي ......... يخبر أنه سيندم ..... لكن ما فائدة الندم إن كسرت ما ليس لك ؟ ... لا شيء ... لا تعود .

ثم

تلك القيم والأخلاق .... تلك الكلمات الرنانة والقوية ... الصدق مثلا ... الإتقان ... الأمانة ... الشجاعة ... الرجولة .... الشهامة ... المروءة ...

تلك التي تربينا علينا صغارنا ، لا تفرق أمي بين صبي وصبية ، الحق سيف فوق رقابكم ، الصدق منجاة ... الكذب لا أرجل له ولا ساق ولا جذر ، أحسن كما أحسن الله إليك .... ثم ... خالق الناس بخلق حسن وعاملهم كما تحب أن يعاملوك .

يرقصون فوق الدماء .... ويشعلون النيران في بعضهم .... يفرحون بالموت كما نفرح بالحياة .... يخلطون كل شيء ... يكذبون بفجاجة ثم يقسمون أنهم ما خابروا الكذب قط ... تمر الأيام كالرياح التي كشفت سوءة آدم عن أوراق التوت .... تكشفهم ... يتجاهلون أو يستمرون ... قد يضحكون ... ألن تكبري ؟ كل الكبار يكذبون !

لن أكبر !

تسير وسط العالم تحمل عزلتك في قلبك ... بين جنبيك ... غريب عن هؤلاء الأشباح ... تحادث أحد الأصدقاء ... تشعر كأنك تلقي بنفسك في حضنه ... كمسافر في هجير الصحراء يلقي بنفسه فوق عشب نديّ من شدة التعب .... ثم تضحك ... كأن شيئا لم يكن !

تصبح الكتابة مهربا

الكتابة صخب

الأفكار تروح وتجيء

تكتب وتنشر كل شيء يدور ببالك ... يشاركونك ولو بالتأوه الخافت مآسيهم ... يقرؤنك من بلاد أخرى ... يقولون يا إلهي كيف يكتب عنا هكذا 

تقرأ

تقرأ كثيرا

تشتاق للكتب وتجوع لها ........... ثم تنهم ... تأكل الأوراق في نهم شديد .... تمتليء .... فتفرغ صخب رأسك فوق الورق 

العزلة

هل نكذب وقتما نقول أنا نعتزل ، ثم نفرغ كل جنوننا فوق الورق " مجازا" وننشره هنا ؟

هل نكذب عندما نغلق أبواب العالم على أنفسنا ، ثم نشارك الآخرين كلماتنا وعبثنا وخوفنا وعزلتنا ولول مشاركة صامتة .... نعلم جدا أنهم سيقرأون ويسكتون بالنهاية كلانا يستريح للحكي !

هل هذا لأن الانسان حيوان إجتماعي ؟ أم لأن الإنسان حيوان كاذب ومكابر يدعي دائما ما ليس فيه ؟
هل نحن مدعون ؟

قطعا ... بصورة أو أخرى !

الخوف

هل هو الذي يدفعنا للعزلة ؟ أم التعب ؟

هل أخشاك ؟ أخشى أن أقترب أكثر ؟ أخشى أن أتعود الوجود ؟ هل صرت أخشى الاقتراب ؟ أخشى التعود ؟ أخشى أن ينقلب التعود إلى حب ؟

هل أخاف الحب ؟ منذ متى وأنا أخاف الحب ؟ منذ متى وأنا أخاف هكذا ؟ منذ متى ؟

تلك المتهورة المجنونة التي كانت تعبر الطريق وهي تتقافز وتضحك لا تنظر يمينا ولا يسارا يظل من يمشي معها يدور حولها كطفلة يخشى عليها الحوادث ... ثم لا فائدة ... يمسك يدي بقوة ... انتبهي ... أتزمر بشدة ... لا تمسك يدي هكذا لست طفلة ... بل واعية ماشاء الله ... أي كبيرة في عمرك لا تنظر للطريق ؟ ... 

سنوات قليلة

أتعثر في عبور الشارع !!!!!!! ....... أنظر يمنة ويسرة ..... أخاف العبور ..... كطفلة حقا !

مكان جديد ؟
هيا ..

هل تعرفين المكان ؟ كلا لكن لماذا لا نسأل ؟ التيه شيء ممتع عندما نتوه سوف نكتشف أماكن أخرى ... تسرع الخطا ... يوشك من يسير معها على الصراخ في وجهها ... قد يصلون إلى نفاذ الصبر ... تتقدم كقائد للأفكار المخربة ... ثم يا للحظ قد تصيب ... تضحك عاليا وصاخبا ... ألم أقل لكم ... ثقوا بحدسي ... أو ... يلفون حول أنفسهم في دائرة ... أخرجينا يا " لمضة " تضحك ... حسنا فكروا بهدوء ... ثم ... تسأل بكل أريحية أحد العابرين وأخر وآخر ... نقارن الإجابات ... نخمن الطريق ... نسير :)

سنوات 

لا أجرؤ على الذهاب لمكان جديد منفردة .... لا أسير بشوارع جديدة ..... لا أريد معرفة أناس جدد .. أخاف أن أتيه ... لا أسير وحدي كما كنت !

هل هذه هي العزلة التي تكبر بداخلي ؟ أم الخوف الذي يأكلني ؟ أم الصخب الذي أتعثر به كل لحظة ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق