الجمعة، 21 نوفمبر 2014

تبا ! ......... أنت الكبرى !

عندما كنت أخاف .... لأي سبب .... أجري لغرفة أمي ... أختبيء بحضنها !

يوم قتل محمد الدرة بحضن أبيه ... أتاني فكر مرعب تلك الليلة ........ هرعت لغرفة أمي .... وقفت بالباب ! أبو محمد لم يحمه ! عودي لغرفتك ! استدرت باكية وعدت ... وضعت وجهي في وسادتي وانخرطت في البكاء ... القهر !

سنوات مرت

مات جدي

تجاهلت موته بشدته ....... رفضته .... ثلاث سنوات من الرفض الكامل لتلك الحقيقة .......... أغمض عيني عندما يفتحون باب الغرفة الفارغة ... نائم هو كعادته على السرير ... تعودت غيابه ... لكني لم أعترف أبدا بموته !

أدركت يوما تلك الحقيقة المرة ... توالت الموجعات وحضن جدي ليس هنا ولا صوته .... بكيت بقهر ... بكيت وحدي أيضا ... لأن أمي لن تفهم ولن تصدق أني أبكي الآن فراق جدي ... وأنا التي ملأت البيت دعابة كي أمسح ذاك الحزن !

سنة .... وربما زادها أشهر .... جارتي المسكينة تمسك بيدي على فراش الموت ... تنظر بعيني مباشرة نظرة المرتعب من النهاية ... تقول بصوت ضعيف ... هموت يا سارة ... هموت ... أنا عارفة مش هقوم منها المرة دي .... متبالغيش كل مرة بتقومي ... كغريق يتشبث بيد الحياة كانت تمسك يدي ... هموت ... متسيبونيش هنا ... عجزت عن فعل شيء ! ... عجزت عن الكلام وعن الفعل ... ساعات وربما يوم ... وماتت .... ماتت ولم أبك ... كنت أدور بين ابنها وابنتها في المستشفي ... أحضن تلك وأمسح دمع ذاك ! لا أعرف مالذي يمكنني فعله سوى حضن !

أيام العزاء ... بعدها تسافر أمي ليومين ... أعجز عن النوم ... أطيافها تقتلني .... أخاف ... أدس وجهي في الفراش ... ما عاد الأمر يجدي .... أبكي بقهر جديد ... أمي ... أتسلل لغرفة أبي ... أنام بجواره .. أحتاج منه أن يلفني بذراعه .. أحتاج إلى يد الحياة كي أتشبث بها لأفهم أنها وأني هنا على نفس القارب ... بابا ممكن أمسك ايدك ؟

أصبحت أخجل من عمري ..... كوني كالصغار أحتاج إلى حضن أحدهم كي أنام وأطمئن ... لكني لم أستطع التوقف !

عندما أصبحت مخاوفي وهمومي شخصية جدا ... شخصية لدرجة أنه لا يجب إزعاج أمي بها ... كنت أختبيء بفراشي وأبكي كالصغار كثيرا ...

كنت أفكر لو أن يوما يجيء بلا أمي لمن أهرب وأدس في حضنه وجهي ؟

بدأ الأطفال يدسون وجوههم في صدري في حضني عند ركبتي ويبكون !

بدأت أدرك فجأة أني تحولت - رغما عني وعلى غفلة - إلى صف الكبار !!!!

متى كنت من الكبار ؟

جلست بجوار أمي

يزعجني شيء يذهب ويجيء في صدري

خوف .... وتردد ...

أرحت رأسي على كتفها وهي تشاهد التلفاز

همست ... ماما ... نعم ؟

وجدت أن الذي يود الخروج فقط ........ أنا خايفة !

ترددتُّ ......... سكتُّ

صرت بصف الكبار ..... ذهب خيالي لأمي الجالسة بجواري ....... إإلى من تبثين شكواكِ يا أمي ؟

لمن تذهبين ؟ من الذي تدسين وجهك بصدره وتبكين ؟ ماذا إن أغضبك أبي دون أن نعرف ؟ ماذا تفعلين وجدتي بعيدة بعيده ؟

ماذا كنت تفعلين قبلا ؟

ماذا إن صرت مكانك ؟ كنت أظن أبي يحمل الكثير عنك لكن ماذا عندما يغضبك ؟ تلك الأشياء الصغيرة التي لا نلحظها نحن لانشغالنا أو لأننا لا نعرفها من حرص سترك ؟

هل تبكين مثلي ؟ ماذا عندما أغضبك ؟ هل تشعرين أن العالم سيء جدا ليمنحك ابنة مثلي ؟

كيف تحتملين يا أمي فقط بكاؤك في الصلاة ونحن نيام !

وكيف إذا صرت كبرى أكثر وأكثر وأكثر ورحلتُ عنك بعيداً ؟

تبا !

ما عاد لنا مكان بين الصغار لكي نختبيء !

تبا !

صرت أنت الكبار !! 

هناك تعليقان (2):

  1. نعم ياسارة صرنا كبار رغما عنا للأسف
    لم ندرك هذه الحقيقة إلا متأخرا جدا

    آلمني حديثك جدا لكننيي استمعت به أيضا

    تحياتي :)

    ردحذف
    الردود
    1. فاطمة :)
      أسعدني أنك مازلت تقرأين ما أكتب :) شكرا :)

      حذف